|
|
المفارقات القاتلة للأستاذ محمد زيان بقلم: محمد بودهان في إطار التحضير لتأسيس "الحزب المغربي الليبيرالي"، وبدعوة من جريدة "الصدى"، ألقى الأستاذ محمد زيان، يوم الأحد 21/1/2001 ابتداء من الساعة العاشرة بقاعة سينيما الريف بالناظور، ألقى عرضا حول مبادئ وأسس وأهداف مشروع "الحزب المغربي الليبرالي". فوضح أن الحزب، الذي سيتأسس قريبا، سيقوم على الفلسفة الليبرالية التي من مبادئها: أ ـ "منع المنع" الذي يعني الحرية الكاملة في العمل والمبادرة، والتي لا تقف إلا عند الحدود التي يرسمها القانون بوضوح. ب ـ منع الامتيازات التي تتنافى مع مبدأ مساواة المواطنين وتكافؤ الفرص أمام الجميع. وبعد أن انتهى من شرح مبادئ الفلسفة الليبرالية لحزب "المستقبل"، أصاف إلى ذلك الشرطين الفاسخين التاليين: أ ـ إذا ثبت بآية صريحة أو حديث صحيح أن هناك تعارضا بين هذه الليبرالية وبين مبادئ العقيدة الإسلامية عطلنا العمل بهذه الليبرالية وضحينا بها من أجل ما تفرضه مبادئ الإسلام. ب ـ إن هذه الليبرالية ذات توجه قومي يدافع عن الانتماء العربي، وبالتالي فكل ما سيتعارض مع هذا الانتماء القومي العروبي سوف لن يكون له مكان في هذه الليبيرالية. وقد برر الأستاذ زيان ربط حزبه الليبرالي بالدفاع عن إيديولوجية القومية العربية باعتبار أن الدفاع عن الانتماء العربي هو دفاع عن الإسلام »لأن هناك حديثا يقول: " إذا ذُلّ العرب، ذُل الإسلام"«. هذا ملخص لما جاء في عرض الأستاذ زيان حول اللليبيرالية التي سوف يؤسس على مبادئها حزبه المستقبلي. وبقراءة فاحصة ومحلله لكلام الأستاذ زيان سنستنتج بسهولة أن كلامه عن الليبرالية والحزب الليبرالي مملوء بمفارقات لا تطاق، مفارقات قاتلة تثبت ما يريد نفيه وتنفي ما يسعى إلى إثباته. لنشرح ذلك: 1 ـ لقد أكد أن الليبرالية تقوم على مبدأ "منع المنع"، أي على الحرية التي ينظمها القانون، وليس الأهواء والأمزجة الشخصية للحاكمين ورجال السلطة. لكن الأستاذ زيان يخرق هو نفسه هذا المبدأ في الفلسفة الليبيرالية عندما يشترط في هذه الأخيرة أن لا تكون في تعارض مع العقيدة الإسلامية، أي يمنع عن الليبيرالية أن تكون غير إسلامية، في حين أن من مبادئ الليبيرالية أنها لا تمنع أي دين ولا تدعو إلى أية عقيدة، إذ عقيدتها الوحيدة هو الحياد تجاه كل العقائد، أي العلمانية، التي هي النتيجة المنطقية والعملية لمبدأ "منع المنع". ويكفي للتدليل على ذلك أن نشير انه لا توجد في العالم أية دولة ليبيرالية وديموقراطية حقيقية دون أن تكون دولة علمانية. فالمبدأ الفلسفي العام الذي يحكم الليبيرلية إذن هو العلمانية. فلا يمكن تصور فلسفة علمانية يكون من مبادئها الولاء لهذا الدين أو ذاك، أو الدفاع عن هذه العقيدة أو تلك. 2 ـ الأستاذ زيان يربط هذه الليبيرالية ـ التي هي في الحقيقة ضد الليبرالية الحقيقية لأنها ذات مضمون ديني أصولي ـ بإيديولوجية القومية العربية. وهذه مفارقة أخرى تفرغ الليبيرالية من مضمونها وتحولها إلى نقيضها. فإذا أسس الأستاذ زيان جزبا "ليبيراليا" على أساس قومي عروبي، فما ذا سيكون الفرق بين حزبه "الليبيرالي" وبين التنظيمات الأكثر ديكتاتورية في العصر الحديث، مثل الديكتاتورية الناصرية، والبعثية، والستالينية، والنازية، والفاشية...؟ فهذه الديكتاتوريات قامت هي أيضا على التوحيد القسري لشعوبها داخل إيديولوجية قومية واحدة ترفض الاختلاف في الانتماء والتفكير، وكان ذلك سببا لفشلها وانهيارها واختفائها السريع. فكيف ساغ للأستاذ زيان أن يحضر لتأسيس حزب يقوم على إيديولوجية القومية العربية التي ماتت منذ زمان؟ فهل هو حنين إلى الناصرية والبعثية وما يرتبط بهما من استبداد وديكتاتورية وقمع، أم هو إعلان عن الانتماء العروبي لحزبه حتى يضمن نصيبه من تمويل "الإخوة العرب"، كما تستفيد من ذلك كل الأحزاب القومية البعثية الأخرى بالمغرب؟ 3 ـ برر الأستاذ زيان الانماء القومي العروبي لحزبه بكون الدفاع عن العرب والانتماء العربي هو دفاع عن الإسلام »لأن هناك حديثا يقول: "إذا ذُلّ العرب، ذُلّ الإسلام«. ولدينا ملاحظات على هذا التبرير وهذا "الحديث": أ ـ إن الربط بين الإسلام والعروبة، وجعل الدفاع عن العروبة دفاعا عن الإسلام، هو جزء من الإيديولوجية القومية العروبية منذ تكونها في العصر الأموي. وبالتالي فإن الغاية من هذا الربط ليس هو الغيرة على الإسلام، بل هو توظيف الإسلام لخدمة العروبة والدفاع عنها. ب ـ إن هذا الحديث الذي أورده الأستاذ زيان هو من مئات الأحاديث التي وضعها فقهاء القومية العربية أيام الأمويين لإعطاء مشروعية دينية للعنصر العربي وتبرير تسلطه وهيمنته على الشعوب الأخرى التي كان يحكمها. وبالتالي فإن هذا الحديث لا يختلف في مقصده ومرماه عن حديث آخر موضوع ومشهور يسير في نفس الاتجاه" »العربية لغة أهل الجنة«. والدليل أن هذا الحديث موضوع ولا علاقة له بالحقيقة والواقع هو أن العرب ذُلّوا منذ هزيمة 67، وما تلاها ونتج عنها من إذلالات لهم من طرف إسرائيل. ومع ذلك فإن الإسلام، أثناء هذه المرحلة من "ذل" العرب، لم يزدد إلا ازدهارا وانتشارا وتوسعا وعزة. فأين هو ذل الإسلام الذي يؤدي إليه ذل العرب؟ بل يمكن القول بأن العكس هو الذي حصل تماماً. ثم إن الإسلام، منذ أن انتشر خارج البلاد الجزيرة العربية في القرن الأول للهجرة، لم يعد في حاجة إلى حماية العرب الذين يشكلون اليوم أقل من مائة مليون ـ بما فيهم المسيحيون العرب ـ مقابل مليار مسلم غير عربي. من بين الانتقادات التي وجهها الأستاذ زيان إلى خصومه هو انهم يتحدثون عن الاشتراكية العلمية، الماركسية، الشعبية، الجماهيرية، البروليتارية... »إنهم يختارون ما يريدون من المصطلحات لأنها مجانية ولا يؤدون عليها ضرائب«. وهذا بالضبط ما ينطبق على الأستاذ محمد زيان عندما يتحدث عن حزبه الليبيرالي الذي لا علاقة له أصلا بحقيقة الليبيرالية وجوهرها، لأنه وجد هذا المصطلح ـ الليبيرالية ـ بالمجان، فأدمن على استهلاكه لأنه بلا مقابل وبلا ضرائب. فليبيرالية الأستاذ زيان، بشروطها الأصولية والقومية، هي النقيض المباشر لليبيرالية الحقة. إنه يتحدث عن الليبيرالية كمن يتحدث عن مثلث بأربعة أضلاع متساوية، أي كمن يحسب المربع مثلثا. في نهاية اللقاء أعلن الأستاذ زيان أن المؤتمر التأسيسي للحزب المغربي الليبرالي سيكون بالناظور يوم 27/4/2001. بالنسبة للأستاذ محمد زيان، إن اختيار الناظور لعقد المؤتمر التأسيسي للحزب هو بمثابة تكريم لهذه المدينة ولسكانها. لكن، في الحقيقة، الإعلان عن عقد مؤتمر لتأسيس حزب قومي عروبي بمدينة أمازيغية هو إهانة لسكانها الأمازيغيين واستخفاف بمشاعرهم القومية وانتمائهم الهوياتي واللغوي. أما عقد هذا المؤتمر بالفعل بهذه المدينة الأمازيغية فسيكون إهانة مصاعفة لهم وتحديا سافرا لسكانها الأمازيغيين. إن اختيار الناظور من طرف الأستاذ زيان لتأسيس حزب قومي عروبي هو سيناريو كثيرا ما تكرر في تاريخ المغرب. فالتاريخ يعيد نفسه مع الأستاذ زيان. لنوضح ذلك: في كثير من فترات تاريخ المغرب، كان كل من لا يقنع بحصته من الغنيمة والسلطة في المشرق أو من النخبة المخزنية بالمغرب، كان يشد الرحال إلى منطقة الناظور لتأسيس دولة أو تكوين سلطة وقوة يواجه بها أعداءه ومنافسيه على السلطة والغنيمة. فإذا نجح في مشروعه، فإن أول ما يقوم به هو تهميش المنطقة التي آوته ومنحته اللجوء والحماية، ومحاربة سكانها ومنعهم من تولي المسؤوليات والمناصب وإقصاء لغتهم وثقافتهم وهويتهم. لنقدم أمثلة توضيحية من تاريخ المغرب: فإدريس الأول لجأ إلى منطقة الناظور التي وصلها عبر مرسى مليلية ـ وهذا ما لا يعرفه الكثيرون ـ قبل أن يتوجه صحبة مضيفيه إلى وليلي. لكن ما أن استتب له الأمر وأصبح ملكا حتى نسي فضل الأمازيغ عليه وأخذ يفرض عليهم العربية وأساليب الحكم المشرقية "الشريفة". عبد الرحمان الداخل هو كذلك نزل بمرسى مليلية وقضى مدة بين سكان المنطقة قبل أن يتوجهوا به إلى الأندلس. لكن بمجرد ما أصبح خليفة حتى بدأ في اضطهاد أخواله الأمازيغيين الذين بفضلهم وصل إلى السلطة. وأخيرا "بوحمارة" الذي فر من بطش أسرته المخزنية بفاس فلجأ إلى منطقة الناظور مدعيا انه "شريف"، كما فعل قبله إدريس الأول وعبد الرحمن الداخل. وبمجرد ما أصبح له أتباع وأنصار وجنود حتى شرع في بيع مناجم الأمازيغيين (مناجم الريف الحالية) للشركات الأوروبية وذبح الأمازيغيين وتعليق رؤوسهم على باب مقر إقامته بقصبة سلوان. لا شك أن نفس الشيء سيفعله الأستاذ زيان: فبعد أن يؤسس الحزب بالناظور، وبفضل الناظوريين، سيخصص هذا الحزب لخدمة المخزن والرباط وفاس والبيضاء ومراكش، وينسى الناظوريبن والريفيين ورطانتهم البربرية، بل سيحارب ـ كما يقضي بذلك توجهه القومي العروبي ـ أمازيغية الأمازيغيين الذين احتضنوا حزبه ويهمش منطقتهم ويقصي هويتهم ولغتهم، على غرار الأحزاب الرباطية البعثية الأخرى. فإلى متى سيظل الأمازيغيون موضوعا سهلا وشهيا للاستغلال والاستغفال والاستعمال (Manipulation)؟.
|
|