|
|
الافتتاحية: هل صحيح أن الأمازيغية رافد من روافد الثقافة الوطنية؟ بقلم: محمد بودهانحضرت نشاطا ثقافيا نظمته إحدى الجمعيات الإسلاموية بالناظور؛ كانت بالقاعة لافتة كتب عليها بحروف بارزة وملونة: »الأمازيغية رافد من روافد ثقافتنا الوطنية«. ليس الغرض من هذا الموضوع هو انتقاد موقف الإسلامويين من الآمازيغية، لأن هذا الموقف، رغم عدائه الظاهر للأمازيغية، فهو أفضل، في كثير من جوانبه، من موقف الأحزاب الوطنية التي تخلو أنشطتها ولافتاتها من أية إشارة إلى الأمازيغية. وإنما أريد أن أحلل وأناقش هذه العبارة: »الأمازيغية رافد من روافد الثقافة الوطنية«، التي أصبحت من "البديهيات" التي لا تحتاج إلى دليل ولا برهان، وأصبح من يرددها ويتبناها، من الإسلامويين وغيرهم، يعتقد، بل يتبجح، بأنه قد برّأ ذمته تجاه الأمازيغية، وأنه قد قدم لها أكبر تنازل وأقصى ما تطالب من به اعتراف ورد للاعتبار. وهكذا أصبحت هذه العبارة شائعة ومكرورة، ولو بألفاظ مختلفة مثل: »الأمازيغية مكون من مكونات الثقافة الوطنية« أو »الأمازيغية مكون من مكونات الهوية الوطنية«. فهل الأمازيغية حقا رافد من روافد الثقافة الوطنية أو مكون من مكونات الهوية الوطنية؟ "الرافد" يعني المجرى المائي الدائم أو المؤقت الجريان، والذي يصب في نهر كبير دائم التدفق. والروافد، بالإضافة إلا أنها تأتي من خارج المنبع الأصلي للنهر الرئيسي الذي تصب فيه، فقد تكون كثيرة ومتعددة، وقد تجف وتختفي وتظهر أخرى جديدة مكانها حسب التساقطات والظروف المناخية للمنطقة. لكن مصبها يكون دائما نهرا كبيرا واحدا لا يجف ولا ينضب. فما الذي يشكل في ثقافتنا الوطنية "الرافد" أو المكون الجزئي والمتغير، وما الذي يشكل الثابت الثقافي والهوياتي الذي تصب فيه كل الروافد والمتغيرات الثقافية الأخرى؟ وما هي الروافد والمتغيرات الثقافية التي تظهر ثم تختفي، وما هو المنبع الدائم التدفق للثقافة والهوية المغربية؟ وما هي الروافد التي تأتي من بعيد ولا تنبع من النبع الأصلي الخالد للثقافة المغربية؟ إذا عرفنا أن بلاد "تامازغا" تعاقبت عليها منذ ثلاثة آلاف سنة ـ وهذا شيء لا ينكره أحد ـ حضارات ولغات وثقافات وأديان جاءتها من الشرق والغرب على السواء، كالبونيقية والفينيقية واللاتينية واليهودية والمسيحية والعربية والإسلام والفرنسية والإسبانية، وأن بعض هذه الثقافات ماتت وانقرضت، لكن بعض بصماتها وعلاماتها لا تزال حاضرة في الثقافة الأمازيغية ولو في شكل ألفاظ أمازيغية ترجع جذورها المعجمية إلى هذه الثقافات القديمة، وأن بعضها الآخر من هذه الثقافات لا زال متواجدا بموطنه الأصلي بعد أن طردته الأمازيغية خارج أرضها، لكن أخذت عنه واقتبست منه ما أثرت به لغتها وثقافتها… إذا عرفنا كل هذا واستحضرناه وتذكرناه، سندرك أنه من الخطأ الجسيم القول أو الكتابة »أن الأمازيغية رافد من روافد الثقافة الوطنية«، لأن الثقافة الوطنية الحقيقية، أي التي نبتت في هذا الوطن ولم تأت إليه عبر روافد ثقافية جاءت من مناطق أخرى من العالم، هي الثقافة الأمازيغية، والتي اغتنت طبعا بروافد ثقافية مختلفة، غربية وشرقية، دون أن يفقدها ذلك طابعها الأمازيغي الذي يميزها عن باقي ثقافات العالم. فالصحيح إذن، والسليم والمنطقي، ليس »أن الأمازيغية رافد من روافد الثقافة الوطنية«، بل إن »الثقافات العربية والفرنسية والإسبانية والفينيقية واللاتينية والمسيحية واليهودية والإسلامية من ورافد ومكونات الثقافة الوطنية الأصلية التي هي الأمازيغية«. هذه العبارة إذن ـ الأمازيغية رافد من روافد، أو مكون من مكونات الثقافة الوطنية ـ عبارة خاطئة من أساسها، تقلب الحقيقة وتعكسها لأنها تجعل من الثابت متغيرا ومن الكلي جزءا ومن الدائم مؤقتا، للتقليل من أهمية الأمازيغية بردها إلى مجرد عنصر رافد للثقافة الوطنية. وتكرار هذه العبارة، وما شابهها، وترديدها والتذكير المستمر بها جعل منها "مسلمة" لا تقبل نقاشا ولا جدالا. وهذه هي الطامة الكبرى، لأن المسلمة لا تهم في حد ذاتها، بل ما يبنى عليها من نتائج واستدلالات. فعندما تكون هذه المسلمة خاطئة وكاذبة ـ كالمسلمة التي تقول بأن الأمازيغية رافد من روافد الثقافة الوطنية ـ فكل النتائج والاستدلالات التي استنجت من تلك المسلمة تكون خاطئة وكاذبة بدورها. وكم لدينا في المغرب من هذه المسلمات الكاذبة حول الأمازيغية، عليها يبني الكثيرون موقفهم من الأمازيغية. فرد الاعتبار للأمازيغية يقتضي كذلك تصحيح المفاهيم وإعادة النظر في "الحقائق البديهية" المتداولة والمعروفة حول الأمازيغية. |
|