|
نعم، صدقت يا عمر بقلم: حميدي علي نعم يا عمر؛ أسيادهم إلى الأبد، ألم نكن أسيادهم في قديم الزمان حتى لا نكون اليوم كذلك؟ ألم نخدم اللغات المتوسطية وتركنا فيها بصمتنا إلى ما لا نهاية؟ ألم يأخذوا من اللغة الأمازيغية كلمة "القراءة" و"الصلاة" و"اللغة"، وحتى أبسط الأمور كـ"الكرة" مثلا؟ نعم خدمناهم في كل هذا، ولا أدري متى حصل ذلك في غابر الأزمان، ولذلك تراهم اليوم لا زالوا في حاجة إلى مساعدتنا لهم. ببساطة لأن اللغة كالبشر، وهذا فيه انواع، ومنها ذلك الصنف الذي يعيش عالة على الآخرين. وفي علم الحشرات يسمى Le type parasitaire كالبعوضة التي نغرز شوكتها في جسم الشاة وتعيش على امتصاص دمها وتظل على هذه الحال دون حراك طالما الشاة على قيد الحياة. طبيعي أن تحتاجنا اللغة العربية لأن عدد الأفعال أقل فيها بكثير من عدد الأسماء والكلمات الأخرى، وهو تعبير عن شلل أصحابها والتوقف الدائم على مجهود الآخرين حسب علم نفس اللغة الذي إذا ما عرضناها عليه لقال إن أية لغة لا تقدس إلا ما ينزع أصحابها إلى امتلاكه، والإنسان لا يقدس إلا ما لا يستطيع كينونته. فأقرضني ـ يا شاعر الجنوب ويا سليل عسو أوباسلام ـ أذنك لترى معي كيف خدمناهم قديما ولا زلنا نفعل اليوم. مبدئيا حين تفسر الكلمة نفسها بنفسها فذلك دليل على أصالتها. وحين نفسرها بكلمات أخرى فاحتمال الاستيراد يكون بـ 50% على الأقل. القراءة بالأمازيغية تعني taghuri، والكتابة Uri أو Uru، والنداء taghuri كذلك. ونقول على نباح الكلب الصغير Day tagh، والصوت الذي يصدره الحمل باحثا عن أمه نقول عنه Day taqqad، واشتعلت تعني Tagh، وارتمى يقابلها Agh، والعرس يعني Tameghra، أي تنادي على الناس وينادون عليك Ghra s ighra k. إذن، في الأمازيغية، بالإضافة إلى معنى النداء تتكون Taghuri من مقطعين (Tagh-uri)، الثاني من "الكتابة" والأول يكون إما "اشتعال" أو "ارتماء" أو "نباح" أو "صوت" الحمل باحثا عن أمه. وبذلك يكون معناها "اشتعال" الكتابة، أي ظهور المكتوب وتجليه تماما كما يظهر الاشتعال النار، أو جعل المكتوب يظهر بواسطة الصوت والمرتبط دائما بكائنين صغيرين صوتهما لا يزعج، أو "الارتماء" في الكتابة من مثل ما يجعل الارتماء في الماء، هذا الأخير يحدث خريرا… الجميع يعلم انه لا يمكن أن تكون هناك قراءة بدون كتابة. فالقراءة فعل لاحق للكتابة. وعليه لا بد أن تكون القراءة فعلا يتضمن المقروء الذي هو المكتوب. وهو ما نراه في الأمازيغية بوضوح: Tagh-uri. ما علاقة هذا بالقراءة إذن؟ "اقرأ" بالعربية هي Gher بالأمازيغية. قرأ هي Ighra. إذا استبدلنا الغين بالقاف أصبحت iqra، ويظهر التشابه.Taghuri في الأمازيغية تفسر نفسها بنفسها، إذن هي أصيلة وتنسجم مع خاصية التركيب التي تميز الأمازيغية. بينما في العربية لا تفسر الكلمة نفسها، مما يجعل احتمال أن تكون مستوردة بنسبة 50% كما رأينا. 50% الباقية دليلنا عليها كالآتي: لقد خص الله عز وجل كل واحد من رسله بمعجزة لإقناع قومه. والمعجزة من حيث هي كذلك تكون شيئا غير مألوف وغير معروف عند القوم المخاطب بالرسالة الإلهية وإلا لما كانت معجزة. وبالنسبة لمحمد (ص) معجزته هي القرآن الكريم. وهو شيء غير مألوف حتى بالنسبة للرسول (ص)، ومن ثم كانت أولى الآيات المخاطبة له: "اقرأ باسم ربك الذي خلق". ماذا عن علاقة Taghuri الأمازيغية بالفرنسية؟ في الفرنسية Lecture هي القراءة، و écrit هو المكتوب. إذا استبدلنا في c écritبالقاف ستصبح éqrit القريبة من "اقرأ". إذن نلاحظ هنا أن الدلالة أو المعنى قد انقلب من معنى القراءة إلى معنى الكتابة. وهو أمر ممكن في انتقال الكلمات والتثاقف. يكفي أن تبقى الدلالة في نفس الدائرة أو العائلة. وأدلتنا كالآتي: Fuss الألمانية تعني القدم، Afus الأمازيغية تعني اليد. We الإنجليزية تعني "نحن"، Wi الأمازيغية تعني هؤلاء. She تعني "هي"، Ciy تعني "أنت". Netta الأمازيغية تعني "هو"، "أنت" العربية تعني "أنت" ـ ما لم تكن مرعوبا بالحرب النفسية التي مارستها علينا الحركة اللاوطنية. Serrure الفرنسية تعني "قفل"، Tasarut الأمازيغية تعني "مفتاح"… إذن هذه الكلمات المتشابهة والتي تدور في نفس الحقل: أسماء إشارة أو كلمات خاصة بالجسم كافية لنستدل على أن "قرأ" و écriture ما هي إلا Taghuri الأمازيغية، وأن "ق" العربية وc الفرنسية عوضتا Gh الأمازيغية كما أن هذه ـ gh ـ تتحول إلى :"ق" في الصرف Da qarx. بقيت الإشارة إلى أنه حين تتعرض المرأة للإجهاض الطبيعي لسبب من الأسباب نقول عنها Tghrvi، وهي تحوير لـ Taghuri مجازيا: نطقت به قبل أن يكتمل، قرأت كتابة لم تكتمل بعد، أفصحت عما في أحشائها دون موعد… أما في ما يخص كلمة "الصلاة"، فالجميع يعرف أنها كوسيلة للتقرب من الله مورست قرونا عديدة قبل ظهور الأنبياء والرسل. فقد صلى الإنسان وعبد الكثير من الآلهة المجسمة وعبد الملوك كذلك مع الفراعنة. في الأمازيغية تسمى Tazallit التي تتشابه مع كلمة "الصلاة". و"صلى" هي Izulla، مركبة من Izull، أي "حيى"، من Azul و All. ولا أعتقدها إلا الجذر الذي سيتطور إلى كلمة "اله"، لا سيما وأن رسول أول دين سماوي لموسى عليه السلام كان يعيش كان يعيش مع الفراعنة. وهؤلاء مارسوا الصلاة "لأمون"، ومن هنا يكون الجزء الأول من كلمة tazallit والذي هو Azul، أي "التحية" قد انتقل إلى اللغات الأخرى: سلام salut و"شلوم". أما الكلمة مجتمعة فستعطينا كلمة "الصلاة" المجاورة لـSalut، سيما إذا نطقنا t… ما يؤكد هذا الكلام هو فعل "حلف" أو "أقسم"، والذي هو بالأمازيغية Ggall من Tagallit القريبة في البناء من Tazallit. والفرق الوحيد هو حرف g و z. هذا التشابه يعني أن All في الكلمتين لها نفس المدلول. في الأولى نحيي الله وفي الثانية نقسم به. وحيث إن Tagallit لا وجود لما يشبهها في العربية، وهي امازيغية قحة، فهذا دليل على أن أختها Tazallit أمازيغية 100% كذلك. يبقى ما هو معنى g؟ أكيد معناها سيتحدد انطلاقا من معنى الكلمة. في الاستعمال المعتاد g تعني في: مثلا Afus g ufus ومعها تكون Tagallit هي "في الله"، وإن كنا في العربية نقول بالله أو لوجه الله، فإننا في الدارجة المغربية ـ وهذه بنيتها أمازبيغية ـ نقول "ف وجه الله"، وبالأمازيغية G udem n rebbi. وبهذا المعنى يحتمل أن تكون g في Tagallit تعني الله.. والصدق هو الموجود في الله. نشير هنا إلى أن الإنسان سبق وأن عبد الملوك، وما يرشح All في Tazallit و Tagallit أن تكون تعبيرا عن الملك هو كلمة Agellid و Tageldit التي تعني بالتتابع "الملك" والمُلْك. وتكون الكلمتان هما طقس تحية في Tageldit قريبة شيئا ما من كلمة Good الإنجليزية التي تعني الله… قد أبدو لك يا عمر أنني أهذي شيئا ما، ولكن لا تستعجل أمرا، تأمل معي كيف أخذوا منا حتى كلمة لسان/لغة ويصرون بأنانية ما على تسمية لغتنا لهجة. فتتبعني ليبدو لك أمرهم مثيرا للسخرية وللشفقة، وليفهم العالم لماذا هم في حاجة إلينا دوما. نقول بالأمازيغية Iles و"لسان" بالعربية و Langue بالفرنسية. ميزة اللسان بالمقارنة مع باقي أعضاء الجسم هو انه العضو الوحيد الذي لا شعر فيه Sans poil. من هنا سمي Iles نسبة إلى Talasa، وهو حين نحلق صوف الماشية كل سنة. والذي حلقت صوفه نقول عنه Illes أي أصبح عاريا. كما نقول مثلا عن Aqeru بالأمازيغية Crane بالفرنسية. سمي كذلك لأنه الجزء الوحيد الصلب في الجسد، من كلمة Iqqur أي اليابس. نفس الشيء بالنسبة لكلمة "قرون" و Corne الفرنسية و iqruyn بالأمازيغية. سميت كذلك انطلاقا من كلمة Iqqur… هذا في ما يخص ميزته. أما في ما يخص وظيفته فإنه يتحرك في نطق الكلام وفي جل الحروف الأخرى يبقى ساكنا. ما يؤكد هذا هو ما نسميه في الأمازيغية Algh/Angh وهو المكان الموجود فوق اللسان وجدره، سمي كذلك لأنه ينطق حرف الغين أو منه تخرج ـ جرب النطق بالغين ـ كذلك فعل Seghliy، فكي تبتلع لقمة عليك أن تضعها حيث تنطق الغين، ثم تحرك لسانك لنطق الكلام فتبتلع اللقمة أوتوماتيكيا. من ثم جاء الفعل فيه Gh و Li. نفس الشيء بالنسبة للشفتين، سميتا في الأمازيغية Axmimen لأنهما تستعملان في نطق الميم بينما في جل الحروف لا تلتقيان. نفس الشيء بالنسبة لكلمة "جمل"، Camel بالإنجليزية و Chameau بالفرنسية وهي كلها مأخوذة من Algham الأمازيغية، وسمي كذلك نسبة لحركة رأسه ولسانه التي تتكرر حول Algh/Angh ومن ثم Alghum لأنه Day tlgham. إذن "لسان" و Langue مصدرهما أمازيغي وستتطور في ما بعد مع الفلسفة إلى ما يعني "اللغة"… ولننظر إلى أبسط ما احتاجونا فيه: "الكرة" takurt. إذا أزلنا حرف التأنيث أصبحت Akur، جمعه Ikurran والتي تعني التين الذي لم ينضج بعد ويتميز بأنه على شكل كرات صغيرة صلبة شيئا ما. ومن ذلك الاسم Akur نستخرج الفعل Skur، بينما في العربية لا أعرف إن كان لاسم"كرة" مذكر وفعل. في الأمازيغية نقول tskur tamzdvawt ifilan أي أعدت الخيوط على شكل كرة، ومنها كذلك فعل Akruriy، S'écrouler بالفرنسية، وهو السقوط متدحرجا. وفي الفرنسية فيها Rouler من Rwal و tarwla الأمازيغية والتي تعني الجري ومنها Roue، Tarwidat بالأمازيغية وليس في ذلك ما يثير العجب أو الاعتقاد بأن العجلة صنع فرنسي معاصر، كلا ثم كلا، فقد كان أجدادنا يعلمون الإغريق كيف يقودون العربة ذات الخيول الأربعة. وكذلك كلمة "سروال"، فأصلها من الأمازيغية Asrwal المركبة من As و Rwal، مثل Asqen أي الحبل الذي تربط به البهائم، فيهاAs و Qen، وكذلك Asmalu أي التظليل، كذلك Asrawal الذي به يمكننا الجري، إذ لا يمكننا الجري بالجلباب أو السلهام. ألسنا أسيادهم إذن؟ أليس بفضلنا أمكنهم تسمية الأرض بالكرة الأرضية؟ أظن أنه لولانا لسموها "الدائرة الأرضية"، ولولانا لما وجدوا الاسم والبضاعة التي بها يسترون عورتهم. أما عورة لغتهم فقد انكشفت بفضل ميزة الأمازيغية حيث الكلمة تشرح نفسها وحيث المدلول يستخرج من الدال. والأمازيغية لا تحتاج إلى "منجد"، إنها لغة عملية، الشيء الأول الممكن لتسمية الأشياء، التقنية الوحيدة الأولى. حميدي علي في 27/9/2000
|
|