|
|
ردا على العثماني بخصوص «المرجعية الإسلامية» بقلم: مصطفى ملّو
كما كان متوقعا فاز الإسلامويون بعدد كبير من مقاعد البرلمان -حتى لا نقول الأغلبية-، بعد أن لجئوا إلى جميع الوسائل من التهديد بالنزول إلى الشارع، إلى الاحتجاج على تزوير الانتخابات حتى قبل إجرائها، إلى الوقوف في وجه حركة 20 فبراير وتخوينها، إلى استغلال الدين الإسلامي، وغيرها من الأساليب التي جعلتهم يصنفون في مقدمة انتخابات قاطعها أغلب الشعب المغربي، والله أعلم ماذا كان البيجيديون فاعلين لو لم ينالوا المرتبة الأولى، أقل ما يمكن أن يقولوا إنها مزورة وسيلعبون دور الضحية مرة أخرى كما المرات السابقة، لكن بما أنهم فازوا فالانتخابات نزيهة وشقافة. إن ما يهمنا في هذا المقام هو استغلال الإسلام من طرف البيجيديين، ففي برنامج موعد مع الانتخابات ليوم الأربعاء 9 نونبر، والذي استضاف فيه جامع كلحسن ثلة من الضيوف كان من بينهم سعد الدين العثماني القيادي في حزب القنديل، جاء على لسانه إنه يفتخر ويعتز بكون حزبه ذا مرجعية إسلامية، وفي سؤال لكلحسن حول من يعتقد أن الدين هو سبب التخلف وأن اعتماد الدين كمرجعية يتناقض مع الديمقراطية، أجاب العثماني بأن من يقول بهذا القول هم أعداء الإسلام، وهنا يأتي هذا المقال للرد على العثماني تنويرا له ولمن معه من الإسلامويين. من حق العثماني أن يفتخر ويعتز بالمرجعية الإسلامية، ولكن هل سيقبل أن يتأسس غدا أو بعد غد حزب لليهود أو المسيحيين المغاربة؟وهل سيقبل الإسلامويون بحق مواطنين مغاربة غير مسلمين لهم كامل حقوق المواطنة والتحزب، بالاعتزاز بمرجعيتهم اليهودية أو المسيحية أو حتى الإلحادية؟ سيجيب العثماني ومن معه وكأنهم هم الأوصياء على مشاعر المغاربة، بكون إنشاء أحزاب من هذا النوع سيستفز مشاعر المغاربة المسلمين في غالبيتهم، وهذا جواب حق أريد به باطل، أفلا يستفز العثماني ومن معه ملايين المسلمين المغاربة عندما يتحدثون عن مرجعيتهم الإسلامية وكأن المغاربة لا مرجعية لهم أو بحاجة للبيجيدي لتعترف بإسلامهم وتؤكده؟ من ضمن ما جاء في كلام العثماني كذلك أنه أعطى مثال الأحزاب المسيحية والبوذية التي زعم أنها لا تضر بالديمقراطية ولا تمسها في شيء، وهنا نجد أنفسنا مضطرين لتوضيح مجموعة من الأمور من خلال توجيه بعض الأسئلة للعثماني، هل سمع يوما أن حزبا مسيحيا كفر خصومه أو اتهمهم بدعم الشواذ جنسيا وبغيرها من التهم، كما يفعل أمينه العام بن كيران مع العلمانيين خاصة؟هل سمع يوما حزبا مسيحيا يدعو إلى إنشاء أبناك مسيحية والعمل بالشريعة المسيحية، ويحارب الأحزاب العلمانية ويتهمها بالكفر وبغيرها من التهم المنحطة كما يفعل البيجيديون «بلاحشمة بلاحيا»؟هل فهم أنجيلا ميركل زعيمة الاتحاد الديمقراطي المسيحي الحاكم في ألمانيا للعلمانية، هو نفسه فهم العثماني وبن كيران ومن معهم للعلمانية؟بل هل فهم أردوغان للعلمانية هو فهم بن كيران لها، والذي لا يجد غير الإلحاد والشذوذ الجنسي مرادفا لها؟؟وهل وجود أحزاب مسيحية يعني أنها ديمقراطية؟ الأحزاب المسيحية لا تصلح لتكون مثالا ونموذجا وقدوة يضربه العثماني لخصومه ومعارضيه ليدافع به عن مرجعيته، فهل حزب مسيحي-مثلا-، لا يسمح لغير المسيحيين بالانخراط فيه رغم أنهم مواطنون لهم كامل الحقوق يصلح ليضرب به المثال في الديمقراطية؟ ألا توجد أحزاب علمانية معارضة للأحزاب الدينية حتى في أوربا؟ جاء للعثماني في نفس البرنامج سؤال من أحد المشاهدين حول ما إذا كان ممكنا أن تصبح امرأة متحجبة زعيمة للبيجيدي، والسؤال الأجدر بالطرح هل سيسمح العثماني ومن معه لمغربي غير مسلم بالانخراط في حزبهم؟ الجواب معروف ولا يحتاج لكبير جهد، مادام العثماني قد حسم في مرجعية حزبه، وهنا يطرح السؤال، ألا يضر حزب لا يسمح لمواطنين مغاربة بالانخراط فيه فقط لأنهم غير مسلمين بالديمقراطية؟كيف نسميه حزبا لجميع المغاربة قي حين لا يحق للمغاربة من غير المسلمين الانخراط فيه؟ بناءا على هذا فالأحزاب الدينية التي لا تسمح لمواطنيها الذين لا يدينون بدينها بالانخراط فيها، لأن ذنبهم الوحيد أنهم ليسوا من نفس ديانتها، فهي منافية للديمقراطية سواء كانت هذه الأحزاب إسلامية أو مسيحية أو بوذية...، والأحزاب التي تقوم على أساس ديني إنما هي أحزاب إسلاموية أو مسيحوية تقوم على استغلال المقدس وإثارة مشاعر الناس، فكلنا نعرف أن المكان الطبيعي للدين هو المسجد أو الكنيسة وأن البرلمان للسياسيين وليس للملتحين والفقهاء والقساوسة. أما اتهام العثماني للقائلين بأن إنشاء أحزاب على أساس ديني يتناقض والديمقراطية بالعداء للإسلام، فاتهام مرفوض منه، وهو نفس الأسلوب الذي اغتيل به المفكر المتنور فرج فودة الذي لم يكن قط عدوا للإسلام، بل كان متمكنا من الإسلام أكثر من بعض المتأسلمين، وذنبه أنه كان ضد خرافات الإسلامويين المصريين، وكان مع لغة العقل، أنا مسلم ولست بحاجة لأن أقف بباب البيجيدي ليمنحني تيكيت الإسلام أو بطاقة هوية إسلامية، أو صك غفران، أنا مسلم وضد خلط الدين بالسياسة، بل وأرى أن ذلك سبب التخلف وليس الدين في حد ذاته، سيقول العثماني ومن معه، إن الإشكال ليس في الدين ولكن في الفهم الخاطئ له، وسنجيبهم وهل أنتم ملائكة حتى نعتقد أن لكم فهما صائبا للدين، لماذا إذن لا نفصل بين الدين والسياسة وينتهي الأمر ونواجه مشاكل الناس وتطلعاتهم بحلول وبرامج واقعية وليس بتكفير الخصوم وإلهاء الأذهان بأمور لا تحتاج إلى وساطة بين الله وعبده؟يجمعنا الدين يا أستاذي العثماني ولكن تفرقنا السياسة والاجتهاد، العدالة والتنمية ما هي إلا اجتهاد قد تصيب وقد تخطيء، والقائلون بأن الدين سبب التخلف هو اجتهاد كذلك، وعوض مواجهتهم بالتكفير، يجب أن يحترم رأيهم ويواجه بالأدلة والحجج المقنعة والنقد الهادف وليس بالاتهام المجاني، فنقد الدين يا أستاذي المحترم أمر محمود، بل أمر جائز إن لم يكن واجبا حتى من الناحية الدينية، وبناء عليه فمعارضتي لسياسة العدالة والتنمية لا يعني أني ضد الإسلام ولكن ضد اجتهاد وضد رأي في الإسلام، هذا إن سلمنا أن البيجيدي غرضه الإسلام أصلا. إن الذين يدعون إلى فصل الدين عن السياسة أو فصل السياسة عن الدين، ليسوا في الواقع ضد الإسلام ولا أعداء له، لكنهم ضد استغلال الدين كيفما كان هذا الدين، فالعيب والعار لو أن هؤلاء قالوا إنه يجب السماح باستغلال دين دون آخر، حينذاك يحق للعثماني أن يتهمهم بالانحياز وبالتمييز بين الأديان، لكن والحال أنهم يدعون إلى فصل الدين-كل الدين- عن السياسة وليس عن الإنسان، فالاتهام بالعداء للإسلام أو لغيره من الديانات مجرد كلام فارغ، الهدف منه التحريض والتبخيس. الأحزاب والجماعات الإسلاموية نفسها يكفر بعضها بعضا، فمن هو مع الإسلام ومن هو ضده يا أستاذي العثماني، مع ادعاء كل هذه الأحزاب والجماعات أن مرجعيتها إسلامية؟ الناس يقتلون في العشر الأواخر من رمضان وهم يصلون صلاة التراويح، يحدث هذا في العراق، والقاتل أشخاص يعتقدون أن إسلامهم هو الصحيح، أو أشخاص فرقت السياسة بينهم وبين المهاجمين(بفتح الجيم)؟ أغلب الدول التي قامت في شمال إفريقيا وشبه جزيرة العرب قامت على أساس تكفيري، أي أن الدولة اللاحقة تكفر الدولة السابقة وتقول إنها ليست على شيء، مع زعم كل واحدة منها أن لها مرجعية وأساسا دينيا إسلامي، فهل الموحدون عندما كفروا وزندقوا وحاربوا المرابطين، الذين ظلوا يؤكدون أن إسلامهم هو الصحيح، هل كانوا ضد الإسلام أم ضد سياسة المرابطين؟؟هل الخلفاء الراشدون عندما واجهوا معارضة شديدة من بعض خصومهم، اتهموهم بالعداء للإسلام، لماذا لم يتهم عمر المرأة التي وجهته إلى الصواب، وقال فيها»صدقت امرأة وأخطأ عمر»، بالعداء للإسلام؟ بل الأكثر من ذلك أنه دعا الناس إلى تصحيح اعوجاجه وإسداء النصح له ولم يعتبر ذلك عداءا للإسلام؟ ها وقد فاز الإسلامويون بالانتخابات ومن المنتظر أن يشكلوا حكومتهم، لن نحكم عليهم قبل نهاية ولاية حكومتهم، وحينذاك «إوريو لينا حنة يديهم»، أو «عند الفورة يبان لحساب» كما يقول المغاربة، ونتمنى في حالة فشلهم ألا يحملوا المسؤولية للحكومة السابقة، كما سمعنا دائما، إذ عليهم قبل تسلم مقاليد الحكومة محاسبة الحكومة السابقة على أخطائها و»تقديم الحساب»، ولكن قبل هذا وذاك لا بأس من توجيه بعض الأسئلة للعثماني، بماذا ستواجه يا أستاذي الفاضل أزمة الجفاف التي تضرب مناطق شاسعة من المغرب في كل صيف، هل بصلاة الاستسقاء؟ بماذا ستواجه آلاف المرضى الذين يئنون في مستشفيات أشبه بمقابر جماعية، هل بالرقية الشرعية وقراءة المعوذتين، أم بالقول» الشيفا عند الله»؟بماذا ستواجه الفساد المالي والإداري والرشوة ونهب المال العام، هل بقطع الأيدي، أم بالبنوك الإسلامية أم بماذا؟؟بماذا ستواجه جحافل المعطلين هل بـ»الرزق عند الله»و»إن الله هو الرزاق»؟ بماذا ستواجه أزمة السكن والنقل والتعليم وحوادث السير، هل ب»لا مرد لقضاء الله»و»قل ربي زدني علما»، هل ستواجه العطالة المستفحلة ببناء المساجد أم ببناء المعامل والمصانع؟ بماذا ستواجه التطور العلمي والتكنولوجي الهائل الذي تحققه الأمم؟ هل بعد عدد كلمات القرآن وعدد» القافات» و»الجيمات» واعتبار ذلك إعجازا؟إذن هل المرجعية الإسلامية لحزب العثماني قادرة على الإجابة عن هذه الأسئلة الملحة، التي تعتبر نقطة من فيض الأسئلة والمعضلات التي يواجهها المغاربة، لنترك الأيام وحدها تحكم، ونتمنى ألا يكفرنا العثماني وأن يجيب عن بعض من هذه الأسئلة التي أومن كل الإيمان بأنه لن يجد لها جوابا في المرجعية الإسلامية ولا في غيرها من المرجعيات الدينية، ومرة أخرى هنيئا للإسلامويين بالفوز، الذي جاء بكل الطرق التي سلف ذكرها، وإن غدا لناظره قريب.
|
|