|
|
إلى شاعر لا يعرف اليوم العالمي للشعر بقلم: محمد زروال (تونفيت)
تعرف الكثير من مناطق العالم بأمجادها،بطولاتها أو بثقافتها، حضاراتها، لكننا في تونفيت، خالفنا القاعدة مرة أخرى، أصبحنا نعرف من خلال ما عرف إعلاميا بمأساة انفكو لدرجة أن هذه القرية أصبحت مرجعا لمعرفة تونفيت رغم أنه على أرض الواقع تونفيت تمارس نفوذها على أنفكو إداريا، سياسيا، طبيا، تربويا. لا أريد أن أعود بكم إلى تفاصيل ما جرى في شتاء قاتل في جبال أنفكو. لكنني أريد أن أثير الانتباه إلى قضية ظلت تشغلني منذ مدة طويلة لكن الفرصة سنحت للحديث عنها بمناسبة اليوم العالمي للشعر الذي يوافق21 مارس من كل سنة، هذه القضية كانت ستسمح لباقي المغاربة، لمَ لا لجزء من سكان العالم للتعرف على هذه المنطقة كغيرها من المناطق الأخرى بالمغرب. لكن سياسة الدولة اليعقوبية ذات المركزية المفرطة، أبت إلا أن تبقينا خارج التاريخ، الجغرافيا منذ سنة 1956 تاريخ الاستقلال الشكلي للدولة المغربية. إنني أريد أن أحدثكم عن مجموعة من الشعراء يتقنون نظم الكلام، يتنفسون القوافي، يتفننون في بناء القصائد بدون أقلام جافة. شعراء لا ينتظرون نشر دواوينهم أو حفلات توقيعها. شعراء لا يحلمون بأمسيات تكريمهم أو استضافتهم في بلاطوهات القنوات الفضائية، ولا يتقربون ممن سيعطي لهم فرصة استضافتهم في الملتقيات الدولية أو الوطنية. شعراء يؤمنون برسالة الفن الصادقة دون انتظار المقابل. هذه الرسالة تكتسح كل الفضاءات، تصل إلى كل الفئات متحدية كل آليات الرقابة الاجتماعية، المخزنية ببلاغتها، معانيها المشفرة، بصورها الشعرية الراقية. شعراء لا يتعبون من ممارسة هوايتهم في نظم الكلام، البحث عن القوافي، حتى أنهم يحلمون في المنام بنظم الشعر، في الصباح يصبح الحلم حقيقة (تقول بعض الروايات أن الشاعر التونفيتي عياش حمو ذات ليلة حلم بنظمه لقصيدة شعرية في المنام، عندما استيقظ في الصباح تذكر جميع أبيات القصيدة). شعراء رغم ظروفهم المادية المزرية لم يستطيعوا التفريط في لحظات روحانية بطقوس متوارثة منذ آلاف السنين يقتسمونها مع أبناء بلداتهم. لحظات يعشقها كل محبي الشعر، الشعراء، يحضرون إليها بكل تلقائية. إنها لحظة أحيدوس أو أحواش قرب عين مائية أو في إمي ن اغرم أو في جلسة بين الأصدقاء تحت ضوء القمر. ومن بين هؤلاء الشعراء نجد الشاعر لوسيور، حمو أخلا، حمو اعياش، توخساست، عبابو، اقلي، اضرمون... هذه أسماء بعض منهم إذ لا يمكن حصر لائحتهم لأن نسبة كبيرة من سكان البوادي المحيطة بتونفيت البعيدة عن المؤثرات العروبية عبارة عن شعراء. أجد نفسي في بعض اللحظات محتاجا إلى تسجيل كل ما اسمعه كما استمتع بلغة غير عادية في جلسات عادية، فكل جلساتهم تكون مليئة بالشعر، الألغاز، المعاني، وفي الأعراس، المناسبات الاجتماعية الأخرى يصبح نظم الشعر أكثر غزارة لأن الشعراء يأتون من مناطق مختلفة، تصبح المنافسة الشعرية ذات نكهة خاصة تصل إلى مستوى التحالفات التي تنتهي في الغالب بعقود هدنة مؤقتة في انتظار لقاء أخر. مقابل هذه الفئة من الشعراء الفطريين الذين تعج بهم هوامش كل شبر من التراب المغربي نجد فئة أخرى تنظم الكلام بأقلام ذهبية، على أوراق بيضاء، ترتشف من كؤوس القهوة السوداء، تدخن السجائر الأمريكية، مكيفات الهواء تتحكم في حرارة الأجواء، فئة تنظم لها حفلات التكريم في دور الثقافة، نوادي المحامين، تعطى لهم الهدايا، الامتيازات، فئة توظفها، وزارة الثقافة، ترسلها لتمثيل المغرب في أستراليا، اليابان، كندا، وينزلون بأرقى الفنادق. فئة تنشر دواوينهم كل سنة، تدرس قصائدهم في المدرسة. إن الاختلاف الوحيد بين الفئتين يتجلى في أن رأسمال الفئة الثانية يتمثل في نظمهم لتلك القصائد بلغة يعترف بها الدستور لغة رسمية بالمغرب.أما لغة النظم الأخرى فلا زال البعض من إخواننا المغاربة يعتقدون أن دسترتها سيلحق أضرارا كبيرة باللغة العربية. لغة لا يريد الشيخ عبد السلام ياسين، ومريديه المطيعون أن لا تكون الأمازيغية ضرة لها. لكن ما عيب الفئة الأولى من الشعراء حتى يتم تهميشهم بهذه الطريقة. إن ذنبهم الوحيد هو أنهم يتكلمون لغة يحسون بها، لغة تعبوا كثيرا، هم صغار لتعلمها لكن عندما أتقنوها، أصبحوا من فطاحلة النظم بها، جدوا أنفسهم يسبحون ضد التيار، إنها اللغة الأمازيغية التي قاومت سياسة التعريب الاسلاموية منذ عهد الموحدين، ومن بين نقط قوة هذه اللغة تلك القصائد الشعرية التي تناقلتها الأجيال منذ مدة ليست بالقصيرة، هذه القصائد حافظت على معجم أمازيغي قديم لم يعد مستعملا الآن. ولهذا فإن أول من يستحق الشكر على هذا الجميل هم شعراء كل بلدان تامزغا من هضبة سوا إلى جزر الكناري. شكرا لكم لأنه بفضل أشعاركم لا زالت الأمازيغية صامدة أمام عجرفة آلتي التعريب والفرانكفونية, شكر خاص لأبي، عمي، كل شعراء قريتي على كل بيت شعري جادت به ألسنتهم.
|
|