|
|
افتتاحية: هل سيضع الدستور المنتظر حدا لجرائم النصب والتزوير وانتحال الصفة وخيانة الأمانة في حق الهوية الأمازيغية للمغرب؟ بقلم: محمد بودهان
منذ استقلال المغرب، وأصحاب القرار السياسي المسؤولون عن تسيير شؤونه يرتكبون، وبشكل متكرر (حالة العود)، جرائم التزوير والنصب وانتحال الصفة وخيانة الأمانة في حق الهوية الأمازيغية للمغرب والمغاربة والدولة المغربية، دون أن يكونوا بعدُ موضوعَ محاكمة ولا متابعة قضائية. وليس المقصود هنا بـهذه الجرائم معناها المجازي والرمزي المتمثل في محاربة الأمازيغية وإقصائها. وإنما نقصد معناها الحقيقي الجنائي كأفعال مادية اقترفت من طرف هؤلاء المسؤولين أصحاب القرار السياسي، يجرّمها ويعاقب مرتكبيها القانونُ الجنائي المغربي. لنوضح ذلك بمزيد من التفصيل. لما سلمت السلطاتُ الفرنسية المغربَ المستقل لحكامه الجدد في 1956، بعد مفاوضات «أيكس ليبن» التي كان هؤلاء الحكام طرفا فيها، أصبح المغرب المستقل أمانة لدى هؤلاء الحكام، تفرض عليهم الحفاظ عليها والذود عنها، وتمنع عليهم التصرف فيها أو مقايضتها أو تغيير حالتها التي سلمت بها إليهم. لكن بمجرد ما أصبحت الأمانة/ المغرب في يدهم وتحت سلطتهم حتى شرعوا في التصرف فيها، والعمل على تغيير طبيعتها ومحتواها. هذا التصرف وهذا التغيير تجسدهما سياسة التعريب ـ العرقي والسياسي والهوياتي والإيديولوجي ـ التي حولت المغرب الأمازيغي إلى بلد عربي، وقلبت شعبه الأمازيغي إلى شعب عربي، وجعلت من دولته دولة عربية. هذا التصرف وهذا التحويل وهذا القلب للأمانة/هوية المغرب الأمازيغية، وإدخال تغييرات جذرية في طبيعتها ومحتواها من طرف من أؤتمنوا عليها من المسؤولين السياسيين، يشكل جريمة خيانة الأمانة كما تنص عليها الفصول 547، 549 و550 من القانون الجنائي المغربي. ومن الشروط المادية لخيانة الأمانة، كما تشرح ذلك دائرة المعارف القانونية http://www.lawperationnel.com/EncyclopedieJur/:أ ـ التصرف في الشيء موضوع الأمانة من طرف الأمين كما لو كان هو المالك لذلك الشيء، ولو بصفة مؤقتة، ب ـ أن ينتج عن ذلك التصرف ضرر (مادي ومعنوي) للمالك الحقيقي لذلك الشيء. وهذان الشرطان متوافران في الطريقة التي دبّر بها المسؤولون الأمانة /الهوية الأمازيغية للمغرب: أ ـ فهم أولا تصرفوا في هذه الأمانة كما لو كانت ملكا خاصا بهم يحق لهم أن يتلفوه أو يفوّتوه أو يقايضوه أو يستعملوه بالوجه الذي يختارونه ويريدونه. وهو التصرف الذي يتمثل في تحويل هوية المغرب من هوية أمازيغية إلى هوية عربية. ب ـ نتجت عن هذا التصرف أضرار بليغة للهوية الأمازيغية للمغرب كادت أن تقضي عليها وتبيدها نهائيا. هكذا يكون حكام المغرب قد ارتكبوا، في حق الشعب المغربي الذي ائتمنهم على هويته الأمازيغية، جنحة (إلى حد الآن فقط لأنها سترقى، كما سنرى في ما بعد إلى مستوى الخيانة العظمى) خيانة الأمانة، التي تعطي الحق لهذا الشعب في المتابعة القضائية لهؤلاء الذين غدروا به وخانوا أمانته. ويرتبط بجريمة خيانة الأمانة التي تجسدت في عملية التصرف في الهوية الأمازيغية عن طريق التعريب العرقي والسياسي والهوياتي والإيديولوجي، جريمةُ التزوير واستعماله، خصوصا تلك المنصوص عليها في الفصل 342 من القانون الجنائي المغربي الذي جاء فيه: «يعاقب بالسجن المؤبد من زيّف خاتم الدولة أو استعمل هذا الخاتم المزيف».فخاتم الدولة تمثّله، في كل دول العالم، هويتُها التي تعطي هذا الخاتم طابعا (والخاتم هو بالفعل طابع) خاصا بها يميزها عن جميع الدول والشعوب والهويات. وبما أن الخاتم الهوياتي للدول هو ترجمة لهوية أرض هذه الدول وتعبير عنها وعنوان لها، فإن حكام المغرب، باستعمالهم خاتما للدولة يعبر عن انتماء عربي لهذه الدولة، وليس عن انتمائها الهوياتي لأرضها الأمازيغية، يكونون قد زوّروا خاتم دولتهم المغربية التي هي في حقيقتها دولة ذات هوية أمازيغية تبعا لأرضها الأمازيغية، ليجعلوا منها دولة ذات انتماء عربي يظهر في خاتمها العربي المزوّر. وهذه جريمة يعاقب عليها بالسجن المؤبد كما ينص على ذلك الفصل 342 المذكور أعلاه. وبجانب جريمة تزوير الخاتم الهوياتي للدولة، ارتكب حكام المغرب المستقل جريمة انتحال الصفة التي يجرّمها ويعاقب عليها القانون الجنائي المغربي، خصوصا في فصليه 383 و385. واقترافهم لجنحة انتحال الصفة ثابت ماديا عندما اعتبروا أنفسهم عربا وتعاملوا مع الغير (الدول الأخرى) على أساس هذه الصفة المنتحلة. فبما أنهم ينتمون إلى أرض أمازيغية، فهم إذن أمازيغيون في هويتهم، لكنهم أخفوا صفتهم الأمازيغية الحقيقية وانتحلوا صفة إنسان عربي. وهو ما يوقعهم تحت طائلة الفصل 385 الذي جاء فيه: «من انتحل لنفسه بغير حق اسما غير اسمه الحقيقي في ورقة عامة أو رسمية أو في وثيقة إدارية موجهة إلى السلطة العامة، يعاقب بغرامة من مائتين إلى ألف درهم». والحال أن جميع الوثائق الرسمية المستعملة والمتداولة بالمغرب، يُصدرونها ويوقّعونها كحكام عرب للمغرب، أي بصفتهم العربية المنتحلة،بل حتى المغرب نفسه سموه المغرب «العربي» انتحالا للصفة. وإذا عرفنا أن المغرب هو الوثيقة الرسمية الأسمى التي طالها انتحال الصفة، ندرك أن هذا الانتحال للصفة جريمة عامة تشمل كل الوطن، ولا تقتصر على بعض الوثائق والمستندات الرسمية التي يوقّعها المسؤولون عنها بصفتهم العربية المنتحلة.والعلاقة بين جريمة التزوير، السابقة، وجريمة انتحال الصفة هذه، واضحة وصارخة: فحتى يبدو تزوير الحكام للخاتم الهوياتي للدولة، وتحويله من خاتم أمازيغي إلى خاتم عربي، أمرا عاديا وطبيعيا، انتحلوا الصفة العربية حتى يكون الخاتم العربي ـ المزوّر ـ للدولة شيئا قانونيا ومشروعا، لأنه ينسجم مع الصفة العربية ـ المنتحلة كذلك ـ للمسؤولين عن هذا الخاتم. ولم يكن من السهل على هؤلاء الحكام، المزوّرين والخائنين للأمانة والمنتحلين للصفة، أن ينجحوا في اقترافهم لهذه الجرائم دون أي خوف من المتابعة القضائية، لولا اقترافهم المتكرر والمتواصل لجريمة أخرى، هي جريمة النصب التي ينص عليها وعلى عقوبتها الفصل 540 من القانون الجنائي المغربي كما يلي: «يعد مرتكبا لجريمة النصب، ويعاقب بالحبس من سنة إلى خمس سنوات وغرامة من خمسمائة إلى خمسة آلاف درهم، من استعمل الاحتيال ليوقع شخصا في الغلط بتأكيدات خادعة أو إخفاء وقائع صحيحة أو استغلال ماكر لخطأ وقع فيه غيره ويدفعه بذلك إلى أعمال تمس مصالحه...».وماذا فعل أصحاب القرار السياسي بالمغرب بعد الاستقلال؟ لقد احتالوا على الشعب المغربي وأوقعوه في الغلط بتأكيداتهم الخادعة، وإخفائهم لوقائع صحيحة، واستغلالهم الماكر لخطأ وقع فيه هذا الشعب. ويتجلى ذلك في: ـ احتيالهم على الشعب المغربي وإيقاعه في الغلط عندما أكدوا له، خداعا وكذبا، أن سياسة التعريب ترمي إلى رد الاعتبار إلى اللغة العربية ومحاربة اللغة الفرنسية، مع أن هدفها الحقيقي كان هو القضاء على الهوية الأمازيغية وإحلال محلها الهوية العربية من خلال التعريب العرقي والهوياتي والسياسي والإيديولوجي للمغرب والمغاربة، والذي (التعريب) لا علاقة له باللغة العربية وتنميتها والدفاع عنها. ـ إخفائهم لوقائع صحيحة يعرفونها، وهي أن المغرب بلد أمازيغي موجود في إفريقيا، وليس في أسيا التي هي موطن الهوية العربية التي جعلوا المغرب ينتمي إليها زورا وبهتانا. ـ استغلالهم الماكر لخطأ وقع فيه الأمازيغيون بالمغرب عندما ظنوا، لأسباب تاريخية وسياسية، أنه بقدر ما يجيدون اللغة العربية ويحبونها، بقدر ما يكون إسلامهم مقبولا، ومكانهم مضمونا في الجنة التي تكون لغتها هي العربية. وهو ما سهّل على حكام المغرب تعريب الشعب الأمازيغي دون أن يلقوا مقاومة أو معارضة، اعتقادا من هذا الشعب أن هذا التعريب هو جزء من الإسلام، مع أنه (التعريب) ممارسة جاهلية جاء الإسلام لمحاربتها وتحريمها. نلاحظ إذن أن عناصر النصب، كما يستعرضها الفصل 540، متوفرة، وبشكل كامل وجلي، في سياسة التعريب، العرقي والسياسي والهوياتي، التي اعتمدها حكام المغرب لتغيير هوية هذا البلد وهوية شعبه من هوية أمازيغية إلى هوية عربية. هؤلاء الحكام قلبوا إذن الهوية الأمازيغية للمغرب ودولته إلى هوية عربية، مرتكبين، لتحقيق ذلك، جرائم النصب والتزوير وخيانة الأمانة وانتحال الصفة. وإذا كانت هذه الجرائم غالبا ما يشكل اقترافها مجرد جنح، عندما يكون ضحاياها أشخاصا كما رأينا في العقوبات التي تحددها النصوص الجنائية الخاصة بهذه الأفعال، إلا أنها قد تصبح، في الحالة التي تعنينا، جنايات، وتكيّف كخيانة عظمى لأنها جرائم ترمي إلى تغيير المعالم الهوياتية للدولة، أي تغيير المقومات الجوهرية لهذه الدولة، مثل تحويلها من دولة ذات هوية أمازيغية إلى دولة بهوية عربية كما فعل هؤلاء الحكام، وهو ما يشكل خيانة عظمى في حق هذه الدولة، تستوجب (الخيانة) الحكم على مقترفي هذه الجرائم بالإعدام. لكن الإعدام المناسب والمطلوب هنا، ليس هو إعدام هؤلاء المسؤولين عن هذه الجرائم كأشخاص طبيعيين، بل إعدام دولتهم العربية لأنها دولة قامت على التزوير والنصب وانتحال الصفة وخيانة الأمانة. وسيتجلى هذا الإعدام لهذه الدولة العربية في إعدام صفتها العربية المتحصل عليها بارتكاب جرائم التزوير والنصب وخيانة الأمانة وانتحال الصفة، مع إحلال محلها الدولة الأمازيغية، بصفتها الأمازيغية المستمدة من الأرض الأمازيغية للمغرب، وليس المستمدة من التزوير والنصب وانتحال الصفة وخيانة للأمانة، كما في الدولة العربية الحالية. فهل سيضع الدستور المنتظر حدا لجرائم النصب والتزوير وانتحال الصفة وخيانة الأمانة التي كانت ضحيتَها الهويةُ الأمازيغية للمغرب منذ الاستقلال، ويقرر إتلاف المنتوج المتحصل عليه بارتكاب هذه الجرائم، وهو (المنتوج) الهوية العربية للدولة المغربية، وذلك بإعلانه أن "المغرب دولة أمازيغية تستمد هويتها وانتماءها من موطنها ببلاد تامازغا"؟
|
|