|
|
هل يكفي ترسيم الأمازيغية؟ بقلم: مصطفى ملّو
سؤال قد يطرحه معي الكثيرون وقد يعتبره البعض غير جدير بالطرح، لأن الجواب بالطبع أن ترسيم اللغة الأمازيغية يبقى غير كافٍ ما لم تتبعه إجراءات أخرى سنستعرضها لاحقا. وما ينطبق على سؤالي هذا يصح على سؤال أحمد عصيد «لماذا ترسيم الأمازيغية؟». فهذا السؤال ما هو إلا توضيح واضح وتأكيد مؤكد، فكمن يتساءل لماذا اللغة الفرنسية لغة رسمية في فرنسا، ولماذا جنوب إفريقيا تسمى جنوب إفريقيا؟. لكن أهمية السؤالين؛ لماذا، وهل، تكمن في وجود موقف ثالث أو الأصح صف ثالث يصطف فيه مجموعة من الأشخاص الذين تجاوزوا حد الوقاحة في التدليس والترويج للكذب إلى تخوين وتجريم كل من يدافع عن الأمازيغية. فأصحاب هذا الموقف الشاذ والعنصري أصدروا فتوى ما لها من قرار وما أنزل الله بها من سلطان، فتوى تحمل نبرة عنصرية صريحة، حين دعوا إلى تجريم الدفاع عن الأمازيغية. وإذا تحققت هلوستهم-وأكيد أنها لن تتحقق لأن الباطل يهزمه الحق-، فمعنى ذلك أن كل من يدافع عن الأمازيغية مجرم مكانه السجن، والله أعلم بكم سنة ستحكم علي محكمة هؤلاء لمجرد كتابة هذا المقال. إن تجريم الدفاع عن الأمازيغية وتخوين المدافعين عنها فتنة ما بعدها فتنة، فأصحاب مثل هذه الفتاوى الشوفينية التي تعبر عن عقد نفسية تجاه كل ما هو أمازيغي، لا يدركون مغبة وغباء تفكيرهم الإقصائي المريض الذي من شأنه أن يجر الويلات، فقد أبان هؤلاء-ضحايا القومجية العربية التي أصبح أبناؤها الحقيقيون يتبرأون منها-، عن من هو العنصري الحقيقي. كانوا يصفون الحركة الأمازيغية بأفدح وأقبح الأوصاف ويتهمونها بتهم تنم عن انهزام وقصور فكريين وانحطاط أخلاقي، فمن هو العنصري يا ترى، هل الذي يدعو إلى ترسيم الأمازيغية جنبا إلى جنب مع العربية؟ أم من يعتبر الدفاع عن الأمازيغية جريمة ينبغي أن يعاقب عليها «القانون؟؟أمام تعالي هذه الأصوات الشاذة والعنصرية التي نتمنى أن لا تطلع علينا مرة أخرى بفتاوى مراوغة زاعمة أنها لم تكن تقصد الأمازيغية، فخطابها واضح وضوح الشمس في نهار صيفي، قلت أمام ظهور هذه الأصوات فإن ترسيم الأمازيغية يبقى غير ذي جدوى ما لم تتبعه إجراءات ندرج بعضها فيما يلي: -إجراءات لا بد منها *تجريم العداء للأمازيغية واحتقارها، وتجريم التعريب الذي يعتبر تدميرا لتراث بشري أمازيغي أصيل، تدمير يستهدف أسماء المدن والأماكن والأعلام، كما يعتبر منع الأسماء الأمازيغية أحد أوجهه العنصرية المقيتة. *لا يجب أن تبقى الأمازيغية حبيسة وثيقة اسمها الدستور؛ أي لا ينبغي اعتبار ترسيمها إنجازا عظيما ما بعده إنجاز، بل يجب تفعيل هذا الترسيم بجعلها لغة إجبارية في جميع مناطق المغرب وفرضها في جميع مباريات وامتحانات ولوج جميع الوظائف العمومية من تعليم وصحة وشرطة وقضاء... تماما كما تفرض العربية والفرنسية.*تجريم تخوين النشطاء الأمازيغ والجمعيات الأمازيغية التي تسعى لرد الاعتبار للثقافة الوطنية الحقيقية الأصيلة والأصلية والنهوض بها، والدفاع عن الهوية الحقيقية للمغاربة، ومحاربة الاستلاب الثقافي الخطير، كما يجب دعمها ماليا وتجريم الكتابات العنصرية التي تنفث السموم وترمي الناس بالباطل، وتحاول دغدغة العواطف والتحريض على أشخاص آخرين لا لشيء سوى لأن لهم قناعات ومبادئ تختلف مع مصالح وأفكار أصحاب الفكر الإطلاقي، مما يشكل أكبر تهديد للوحدة والاستقرار، وذلك عندما ينحط العقل وتسود الخرافة والأوهام، والتفسير على الهوى. *ضرورة التحقيق والمراقبة للتمويل والدعم المقدم لجمعيات تسعى إلى محو كل ما هو أمازيغي وطني أصيل، وخلق استلاب ثقافي وتاريخي خطير أدى ويؤدي إلى احتقار الذات وتبخيس كل ما هو وطني وتقديس كل ما هو أجنبي، مما ينتج عنه قتل ملكة الإبداع الوطنية وتراجع الإنتاج الثقافي الوطني وغزو الثقافة الأجنبية، مما ينجم عنه انحلال واضمحلال وبوار كل ما هو وطني، خاصة إذا علمنا أن هذه الجمعيات لها علاقات مع عواصم طالما قدمت الدعم المادي والمعنوي لأعداء الوحدة الترابية في إطار التبشير لما يسمى ب»الوطن العربي من الخليج إلى المحيط»، هذه العواصم التي تحكمها أحزاب واحدة مستبدة، إقصائية وغير ديمقراطية مما أدى إلى ثورة الشعب عليها، في حين يتمسك أصحاب الفكر الواحد واللغة الواحدة والدين الواحد والقومية الواحدة بصدقاتها والسفر لعقد الاجتماعات في عواصمها، وعليه فالانتصار على أصحاب هذا الفكر الأحادي هو انتصار للديمقراطية. *تجريم وتحريم تقديس لغة ما أو تشريفها أو تعظيمها أو اعتبارها سيدة اللغات لأي سبب من الأسباب،ف ي مقابل تحقير ومهاجمة لغات أخرى ومحاولة إبادتها ومحوها من الوجود، مما يمكن اعتباره جريمة ضد الإنسانية وتراثها وخرقا فاضحا لكل المواثيق الدولية التي تجرم أي ميز بسبب اللغة أو الدين أو العرق أو اللون، كما يعتبر ذلك إخلالا بتعاليم الدين الإسلامي ونقضا لقوله تعالى: «وَمِنْ آيَاتِهِ خَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلَافُ أَلْسِنَتِكُمْ وَأَلْوَانِكُمْ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِلْعَالِمِينَ». فاللغة إذا كانت من صنع البشر فلا يقبل أي عقل بشري تقديسها أو تشريفها، لأن الله لو أراد فعلا تقديس أو تشريف لغة ما لقالها صراحة، ولما خلق لغات أخرى إذا أسلمنا للنظرية الثانية القائلة بأن اللغة من صنع الله، وإذا كانت كذلك فمعناه أن جميع اللغات مقدسة وشريفة لأنها من خلق الله، وبناء على ذلك فتبرير إبادة وإماتة لغة ما والسعي للتمكين للغة أخرى باسم تقديسها وتشريفها من الله هو شِرك بالله وافتراء عليه وعلى رسوله الكريم ومن قبله من الرسل الذين لم تكن لغاتهم هي نفس اللغة التي يقولون بقدسيتها وتشريفها من عند الله، وهذا تغليب للفكر الخرافي وتقديس للخبل والهبل على حساب العقل.*تفعيل الأمازيغية يتطلب كذلك إنشاء معاهد مستقلة في جميع أنحاء الوطن للبحث والتطوير وتدوين التراث الشفوي الأمازيغي الهائل والتاريخ المقصي في البرامج التعليمية والمحفوظ في الذاكرة والروايات المحلية، فضلا عن تشجيع الإبداع في مختلف المجالات من كتابة وموسيقى وفن تشكيلي ومعمار وصناعة... وكتابة اللوحات الإشهارية وعلامات المرور وأسماء المدن بالأمازيغية، والعمل بالأسماء الأصلية للمدن التي محتها ومسختها سياسة التعريب العنصرية حتى أصبحت بلا معنى كتطاوين (تطوان)، أشاون (شفشاون)... وإلقاء الخطب بالأمازيغية... *تجريم استعمال الكلمة القدحية «البربر» التي تعتبر إهانة وتحقيرا لملايين الأمازيغ المنتشرين من واحة سيوة بمصر إلى جزر الكناري، والذين يفوق عددهم عدد دول مجتمعة، سواء في الخليج أو في أوربا، ووقف استعمال العبارات العنصرية الإقصائية من مثل العالم العربي، الوطن العربي، المغرب العربي،»الكرة الأرضية العربية». *تجريم مغالطة الشعب ونشر الجهل والكذب، ونشر مفاهيم تضليلية كالقول بالتعدد الهوياتي، إذ لا جود لشيء إسمه التعدد الهوياتي، بل هو تنوع ثقافي، أما الهوية فهي واحدة وموحدة، وهوية المغرب هوية أمازيغية بحكم المجال الجغرافي والأرض التي يستمد منهما الإنسان هويته، ففرنسا مثلا رغم اختلاط ملايين الأجناس والإثنيات فيها من المهاجرين إليها منذ وقت ليس ببعيد، من أتراك وأسيويين ومغاربيين وأفارقة فهويتهم فرنسية، فما بالك بتلك القلة القليلة جدا ممن بقي من العرب واستوطنوا في هذه الأرض لآلاف السنين؟؟هذا إذن نزر قليل من الإجراءات الواجب العمل بها للنهوض بالأمازيغية في شقها اللغوي، أما الأمازيغية في شموليتها كقضية سياسية، اقتصادية، اجتماعية، تاريخية، ثقافية، فحديث طويل وطويل جدا. - محاولات التشويش على الأمازيغية: يتضح من كل ما تقدم أهمية السؤالين؛ لماذا وهل، نظرا لمحاولات التشويش المسعورة والوقحة من أطراف عدة تريد أن تقف بالمرصاد ضد ترسيم الأمازيغية جاهلين أو متجاهلين مدى خطورة مواقفهم العنصرية تلك وما يمكن أن تسببه من ويلات. فإذا كانوا يعتقدون أن الأمازيغ سيقبلون بأقل من ترسيم الأمازيغية ومنحها نفس الحقوق الممنوحة للعربية فهم يحلمون ويا ليتهم يحلمون، وإذا كانوا يعتقدون أن الأمازيغ ستنطلي عليهم خدعة الترسيم في الدستور/التهميش والإقصاء في الواقع، فهم واهمون ووقحون، وتنبري وقاحتهم المضحكة المبكية في مطلبهم بدسترة ما يسمونه عنصرا أندلسيا، والحسانية، والدارجة، والعنصر الإفريقي... فكيف يقبل عقل كون هؤلاء يعتبرون العنصر الأندلسي، والحساني والدارجة جزءا لا يتجزأ من العربية، وفي نفس الوقت يطالبون بدسترة كل عنصر على حدة، فكيف يمكن وفق تفكيرهم السخيف دسترة أكثر من لغة عربية؟؟يتجلى خبث هؤلاء كذلك ومكرهم في الدعوة إلى ترسيم اللغة العربية، فكيف يا عقلاء العالم، ويا حمقى الكون نطالب بطلب هو محقق مسبقا؟؟ والغريب أن هؤلاء يدعون بأن العربية مشرفة ومحفوظة من عند الله، فماذا سيزيد ترسيم لغة في دستور وضعي وهي مدسترة في أعظم دستور إلهي ومحفوظة من عند الله؟وما الغرض من حمايتها مادام الله قد تكفل بحفظها وحمايتها؟ هكذا يظهر جليا بغض هؤلاء وسخف ادعائهم، وما يزيد من كشف عورتهم مطالبتهم بدسترة العنصر الإفريقي الذي لا ينكر أحد وجوده وحقه في العيش الكريم، ولكن عوض أن يندد ويشجب هؤلاء المدلسون سياسة الميز العنصري الذي تمارسه الدولة المغربية ضد المغاربة السود وإقصاؤهم من ولوج بعض الوظائف وهو مطلب لطالما رفعته الحركة الأمازيغية، نجد هؤلاء ينبحون وينعقون لدسترة العنصر الإفريقي دون أن يفهم ماذا يقصدون بذلك، فالعنصر الإفريقي في الغالب الأعم أمازيغي اللسان، لكن هؤلاء المشوشين ليس غرضهم دسترة العنصر الإفريقي ولا غيره، بل هدفهم هو عرقلة ترسيم الأمازيغية والزعم بأنها ليست الوحيدة من يعاني الظلم والحيف والإقصاء، بل لوقاحتهم يسعون لجعل الدستور مثل»ساحة جامع الفنا»، إذ لم يعد غريبا أن نسمع غدا أو بعد غد، أصواتا تطالب بدسترة «العنصر الحلايقي»(مع كامل احترامتنا للحلايقية وتراثنا الشعبي)، ودسترة الهيب هوب، و كناوة، والراب... (مع احترامتنا لهم جميعا).
|
|