|
|
الأمازيغية لغة وطنية، نريدها لغة رسمية بقلم: محمد مغوتي
الجدل الذي يثار هذه الأيام حول مستقبل الأمازيغية في الدستور المرتقب، يعيد إلى الواجهة قصة «العداء» الذي يكنه بعض أبناء هذا البلد لهويتهم وجذورهم رغم أنهم يتشدقون باستمرار بالحديث عن التعددية والغنى الثقافي وغيرها من الكلمات الفارغة من أي محتوى... إذ ما زالت أجندة العروبة تفرض نفسها بقوة كلما لاحت في الأفق بارقة أمل في النهوض بالأمازيغية إلى المستوى الذي يليق بها بوصفها هوية المغاربة التي تضرب عميقا في جذور التاريخ... من حق كل شخص طبعا أن يبدي رأيه بخصوص التعديل الدستوري، والأمازيغية تشكل واحدا من المواضيع التي ينبغي أن تلقى هذا الاهتمام، لأن أحكام الديموقراطية تفرض الإنصات لجميع الآراء. لكن موضوع دسترة الأمازيغية ليس في حاجة إلى توافقات من أي نوع، لأن الأمر يتعلق بفرصة لإعادة الاعتبار للأمازيغية. وبالتالي فإن الوصول إلى دسترة الهوية المغربية يجب أن يكون محط إجماع تفرضه أحكام التاريخ والجغرافيا. لذلك فإن تحقيق هذا الطموح ينبغي أن يتجرد من أية حسابات إيديولوجية أو عرقية ضيقة. أعني أن الإقرار بالهوية الأمازيغية للمغرب هو اعتراف بأمر واقع، ولا منة لأي أحد في أمر اختارته الجغرافية وفرضه التاريخ... ولأن الاختيار العرقي الذي ذهب إليه مغرب ما بعد الاستقلال قد نجح إلى حد بعيد في تعريب الكثير من جوانب الشخصية المغربية، فإن قوى الممانعة كانت دائما تقف في وجه أي تقدم في ملف الأمازيغية. وهي تفعل ذلك بالواضح حينا وبالمرموز أحيانا. ومع تعدد الإشارات الصادرة عن القصرخلال السنوات الأخيرة في ما يتعلق بهذا الموضوع، حاولت هذه القوى تغيير خطاباتها بما ينسجم مع اختيارات العهد الجديد. لذلك غيرت كثير من الأحزاب لهجتها بهذا الشأن حتى لا تجد نفسها خارج النص. لكنه تغيير من أجل الاستهلاك الإعلامي الذي يتناغم مع شعار: «الأمازيغية ملك لكل المغاربة». وهو شعار ظل يتردد باستمرار دون أن يرقى إلى التفعيل الميداني.... واليوم بدا أن النقاش الذي دشنه الإعلان عن الورش الدستوري قد أعاد إلى الواجهة تلك اللغة المعادية للأمازيغية بشكل واضح. والمتتبع لمواقف الأحزاب السياسية «الوازنة» يتأكد من هذه الحقيقة. وخصوصا تلك التي تتعلق بحزب بالعدالة والتنمية وحزب الإتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب الاستقلال. إذ ما زال الغموض يكتنف حقيقة التصورات التي تقدمها هذه الأحزاب بخصوص مطلب دسترة الأمازيغية. لكن الخط المهيمن على مواقفها لا يحتاج إلى كثير من التخمين لمعرفة نوعية القرارات التي تتخذها بهذا الشأن. فقد ظلت المرجعية العروبية قاسما مشتركا بين هذه الأحزاب التي تتقاسم الولاء للعروبة، وترفض الاعتراف بالأمازيغية إلا بوصفها مكونا فولكلوريا يسمح بتأثيث مشهد التعددية الذي يتم تسويقه على كافة المستويات. هذه الأحزاب أصبحت تتحدث عن الدسترة حتى تتناغم مع الإرادة الملكية في التغيير والقطع مع الماضي، لكن هذا الماضي يفرض نفسه بقوة في المواقف المعلنة. ومرة أخرى يتبين أن لا صوت يعلو على صوت العروبة في خطابات هذه الأحزاب، وأن التنكر للأمازيغية ما زال قائما في توجهاتها. فالحديث عن مركزية المكون الأمازيغي يقتضي تحويل الأقوال إلى أفعال. ولا يمكن أن يتحقق هذا المطلب إلا من خلال دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للبلاد، مع ما يرافق هذا الترسيم من تغييرات في تحديد الهوية المغربية في ديباجة الدستور الجديد. أما هؤلاء الذين يتحدثون عن الأمازيغية بوصفها «لغة وطنية» إلى جانب العربية كلغة رسمية، فإنهم لا يقدمون شيئا يذكر. لأن وطنية الأمازيغية لا تحتاج إلى شهادة أو اعتراف دستوري. فهي كذلك منذ زمن بعيد اعتبارا لوضعها اللساني ومكانتها في الثقافة الشعبية وتفاصيل الحياة اليومية للمغاربة.... لذلك فإن الحديث «توطين» الأمازيغية في الدستور لا يعني إلا مزيدا من الإيغال في قتل الشخصية المغربية والإبقاء على هذا الرصيد الهوياتي للمغاربة في سقف المستوى الثقافي. والحال أن تصالح المغرب مع هويته وماضيه يقتضي دسترة الأمازيغية كلغة رسمية للبلد إلى جانب العربية من أجل الحماية القانونية لهوية المغاربة ولغتهم ومن أجل فرض الأمازيغية في الإدارة والمدرسة والحياة. وهذا يعني ضرورة إعادة النظر في كثير من الانتماءات التي فرضها الاختيار العروبي وعلى رأسها الكلام عن المغرب بوصفه دولة عربية أو جزءا من المغرب العربي... وترسيم الأمازيغية وحده هو الذي يمنح للمغرب مكانته الإقليمية كما كان دائما طيلة فترات التاريخ التي سبقت مرحلة الحماية الفرنسية، دون أن يمنعه ذلك من إقامة علاقات طيبة مع محيطه العربي والإسلامي و الإفريقي.إن لحظة النقاش الدستوري تضع المغرب أمام تحدّ حقيقي من شأنه أن يحدد كثيرا من ملامح مستقبل بلدنا. وبما أن دسترة الأمازيغية تمثل إحدى أولويات التغيير الدستوري المنتظر، فإن هذه اللحظة تقتضي اعترافا حقيقيا بالأمازيغية يرقى بها إلى مستوى اللغة الرسمية حتى يكون لهذه اللغة الوطنية معناها الفعلي. (محمد مغوتي، 07/04/2011)
|
|