|
|
كبرنا على اللعب بالشعارات بقلم: مبارك اباعزي
أصبحت بعض دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعطي دروسا حقيقية في معنى الثورة، بعد أن كانت شعوبها من أبلد خلق الله. قد نجد من يردد الآن فقط، أن مواطني تونس ومصر واعون ومثقفون، لكن قبل أن يحدث ما حدث، كنا، نحن المغاربة، نلقبهم بـ»البلداء» و»الأغبياء»، لأنهم لا «يقرأون»؛ مصر كان لها دور ريادي في الكتابة، ولبنان في النشر، أما المغاربة ففي القراءة. لقد أنجبت هذه الشعوب، الآن، حركة شعبية حقيقية، استطاعت، بفعل الاندفاع الغريزي نحو التحرر، تغيير أسس نظام بكامله، حيث أرغم الجلادون على الرحيل، دون أن يعني ذلك هروبهم من العقاب. وما زالت هذه الحركات في أراض أخرى، تحاول ترحيل أحد الحمقى والكوميديين الأكثر شعبية من عادل إمام وشارلي شابلان. يضحي الإنسان العادي، الذي من عادتنا أن نسميه بالأمي، بدمائه ليحرر أبناء جنسه، في الوقت الذي لا يستطيع فيه أي مثقف أن يضحي بظفر أصبعه؛ أصبحنا في زمن تراود فيه السلطة مثقفيها، فيتناوبون على ملذاتها الآسرة. أصبحنا في زمن، نأسف فيه على المصير المذل الذي آل إليه المثقفون، فالآن لا يستحقون إلا أن نبصق عليهم. خسرنا المعركة، نحن «الأذكياء»، وربحها «البلداء»، لأن ما راهنا عليه كان مكتوبا بحبر السلطة، قبل أن يخرج من رفوف أصحاب الجسام الطويلة والعريضة. الأمر شبيه بالترخيص الذي يحصل عليه التافهون للقيام بمسيرة احتجاجية. لا نملك هنا إلا أن نشيد بالعقول الإلكترونية المخزنية التي تحبك سماط الموائد بدقة ليناسب ألون وأصناف الطعام. هذا ما رأيته في حركة 20 فبراير، وأعتقد أنها حركة مزيفة- قد أكون مخطئا- لأن تاريخ الدولة القمعي لم يسمح من قبل بأي حركة احتجاجية، وتواجه أيا منها بالقمع والقتل والتصفية. لأن مطالب الحركة لا تتجاوز سقف إسقاط الوزير، وهما أمران أحدهما لا يستحق كل هذا المجهود الكبير، فالوزير حتما سيسقط في الانتخابات البرلمانية المقبلة. والآخر مبهم، فالفساد مستشر في بقاع الأرض بكاملها، لكن كوامنه لا يمكن تجليتها، إنه ظاهر ومستتر، غائب وحاضر في آن. لقد كان من الضروري تحديد المطالب العينية من الألف إلى الياء، والمطالبة بتحقيقها فورا. وإن تلكأت الدولة في ذلك، آنذاك، لا بد أن تتحول الحركة إلى حركة يومية. لأنها جاءت في ظرفية زمنية مستجيبة للاحتجاجات الحاصلة في الدول الأخرى، وليست منبثقة من الإرادة الشعبية القوية. صحيح أن رغبة الاحتجاج والرفض كانت موجودة وما زالت، لكن الذين بدؤوها كانوا أقوى، وعبروا عن رفضهم بالطريقة التي يجب أن يكون عليه، لهذا كان حراكنا مزيفا، لأنه لم يكن قويا، ولم تتوافر له الإرادة الشعبية الحقيقية. لأنها حركة شبابية وليست شعبية. إن الحركات التحررية تعتمد على كل الفئات العمرية المختلفة، من الأطفال إلى الشيوخ، أما حركتنا فتحمل صفة الشبابية فحسب.ويعتقد البعض أن الخطاب الملكي الملقى في 9 مارس 2011، هو استجابة لمطالب حركة 20 فبراير، ومن جهتنا، نظن أن الدولة كانت في حاجة إلى هذا الخطاب، لإسكات الجماهير التي ستقوم من سباتها بعد لحظة، لأن ما وقع في البلدان الأخرى لم يكن بسيطا ولا سهلا، لقد خلقت الحركة لكي تكون مبررا لوجود الخطاب، ولكي لا يكون هذا الخطاب موسوما بالجبن. وقد عتا بعضهم وسماه خطابا حول الأمازيغية، والحال أن لفظ الأمازيغية لم يذكر إلا مرة واحدة ضمن ألفاظ كثيرة، والخطاب في مجمله ليس سوى نداء إلى الاعتناء بمكونات الهوية الوطنية، واعتبر الأمازيغية صلب هذه المكونات، وهو أمر فيه خطورة كبيرة، ذلك أن وجه المقارنة تم بين الأمازيغية ومكونات أعتبرها هامشية، ولم تجر مقارنة مع العربية التي أتت على الأخضر واليابس. إن الاعتراف الدستوري لم تهيء له الدولة ما يلزم من تغيير لأنظمة المؤسسات والعقليات. أعتقد أن دسترة الأمازيغية يتطلب إلقاء الخطب الملكية باللغتين الرسميتين.لهذا كله نعتقد أن الأمر هو استيهامات وخرافات، إذ متى رأيتم إعلاما رسميا، يروج للتظاهر والاحتجاج، بل متى رأيتم الدولة تسمح بوقوع ذلك، دون قمع أو ترهيب، لقد كان ماكس فيبر محقا عندما قال إن الدولة هي الاحتكار الشرعي للعنف. إنها خيوط منسوجة في دواليب السلطة، لتحييد المغرب عن الحركات الثورية الشعبية الحقيقية التي تشهدها الدول الأخرى. وأستغرب الآن أن يتم الحديث عن مظاهرة مليونية بافتخار وخيلاء، في بلد يضم ما يزيد على 30 مليون نسمة. أي قبو يسكن هذا الشعب؟ لقد كان بودنا أن نكون عنصرا في حركة تاريخية ناجحة، لكن الآن لا نملك إلا أن نعاود ذلك الحلم القديم، لعل الأيام تأتي بأحسن مما كان. ونحن ههنا نتحرق شوقا إلى ذلك. m.abazzi@hotmail.com أكادير
|
|