|
|
ليس سؤال الأمازيغية اليوم إلا كسؤال الموت والروح والنفس والزمن... بقلم: عمر افضن تصريحات وأرقام تنبئ بتنامي ظاهرة معاداة الأمازيغية في المغرب. ترى ما الذي يدفع المغاربة إلى إعلان هوية غير هويتهم متجاهلين حقيقية تاريخهم وحضارتهم وبذلك يعاكسون الحياة بقتل أنفسهم، حتى أصبحوا مهزومين يبدو عليهم «انفصام الشخصية» ولا تهتز أبدانهم ولا أرواحهم كلما تعرضت هوية المغرب وانتماؤه الإفريقي إلى مكروه؟.. هناك من المغاربة من يعيشون في وهم دائم، غارقين في التافهات، يجرون أذيال الخيانة.. سماء يومهم ملبدة دوما بالغيوم.. لا فرحة ولا بسمة ولا حلم كلما تم الحديث عن حضارة الأمازيغ بشمال أفريقيا، ينازعون وهم أحياء صنعوا مجدهم بضريح «مولاي إدريس» وجعلوا مصير المغاربة مرهونا بتاريخ مزور يحدد دولهم في القرن الثامن الميلادي، يتحركون بأعلامهم ومخططاتهم التربوية وتبدو لهم الأماكن والقرى الأمازيغية هي المفارقة وهي تحتفظ بأسماء أماكن شاهدة على حضارات عريقة في القدم كأنها أشباح بالنسبة إليهم. وعندما يفاجأون بقرار فوقي ـ «حالة انفكو» مثلا ـ يصلون إلى الأماكن ذاتها وكأنهم يمشون في جنازة، لا غيرة لهم سوى المرارة والاستهزاء من سكان الجبال.. الذين يصارعون الزمن وظلم الفقر والحاجة. لم يعرفوا يوما ان هؤلاء موجدون أصلا في أماكن لم تورد في كراسات مقررات دراسية صنعوها ويلزمون أبناء المغاربة على حفظها ويشمئزون من أن يقرها أبناؤهم طمأنينة لنفوسهم على خلفهم واحتكارا للقرار السياسي، يحاربون كل قادم من الطبقات الفقيرة وهم يتصورون أنه أشبه إلى حيوان منوي وأن احتمال وصول واحد على الأقل ضمن الآلاف إلى البيضة وارد، وهم المكافحون إلا أن صمودهم هذا غالبا ما ينتهي بالاستسلام لضغوطات الحياة رغبة في وضع حد للبطالة وللمعاناة والألم فيضطرون إلى مغادرة أرض الوطن ليصبحوا في عداد الأدمغة المهاجرة. وهناك آخرون يخافون المستقبل ويئنون من أمراض نفسية ورثوها في مدارس ومساجد يسيرها فقهاء تجعلهم في خصام دائم مع أنفسهم، فيختارون راحة الموت وكم منهم قتل في العراق وافغانستان... باسم نصرة «الإسلام والعروبة». وكل مفخخ بفكر العروبة إلا ويواجه اليأس بالهروب ويعتقد أن التخلص من جسمه وروحه هو الوسيلة للولوج إلى سعادة أبدية بمختلف فروعها الثمانية من جنة عدن إلى جنة الفردوس. هؤلاء ليست لديهم القدرة على استيعاب الحقيقة والصبر والتحمل، يبدو له وجوده عبثيا دون أهمية ما دام أن ما تعلمه من المسجد والمدرسة لايعنيه في وطنه.. يتأرجح بين ظل الماضي المهمش وألم الحاضر المفبرك وشبح المستقبل الغامض، فيمضي إلى خيار الانتحار باسم»الإسلام» راسخا في ذهنه انتقاما لمتاع الدنيا... في الواقع، أصبحنا نعيش في زمن مغبون ومعقد بتفاهات رجاله الذين تحكمهم المادة وتتحكم فيهم»الإسلاموية» ووسائل الاتصال العربوفونية، لم تعد هناك مكانة للشخصية المغربية بأحاسيسها وخوالجها ونبض القلب ودفء الحضن. انشغل الأمازيغ عن أمور الحياة وعن صعوبة المعيشة وعن نفور الأبناء عن توجهات آبائهم ، الأزواج هم الآخرون يفقدون الثقة عن زوجاتهم فتغيرت طريقة العيش بسبب ضغوطات الحياة وطبيعة الأفكار التي تنشر وتهين المجتمع وتجعله ألعوبة في يد المشارقة. فقدنا كل شئ، فقدنا الأمان والأرض والثقة والتوازن وأصبحنا غارقين في التفاهات بل النوم العميق، بينما خصومنا هم الأقوى في عالم أصبح يحكمه قانون الغاب. والتجربة بينت أن كل من لم تقوَ قدماه على مسايرة سرعة الزمن، تتكالب عليه الأزمات وتتقاذفه الهموم والمصائب إلى أن يسقط خائر القوى.. مريضا مكتئبا، منعزلا أو منتحرا. العودة إلى الأصل ليس فقط تحريرا للذات من انفصام للشخصية المغربية القائم، بل هو هروب من كابوس عانى منه المغاربة مع ذواتهم أشد وأقسى، فكما المشارقة خلقوا هذا الكابوس باسم العروبة والدين، فإن تهاون الأمازيغ وغرقهم في السبات العميق كان خلاصا بل بداية لهوية مبتورة.. تكريم أخير لنخبة «أزرو» باسم الأمازيغ وتأسيس «ايركام» يظل بقايا حلم في الفجر.. شجاعة متأخرة لتسييس الأمازيغية يقابلها ردود أفعال من أهل الدار لا جدوى منها.. لذلك مهما حاولوا منع تسييس الأمازيغية ومحاصرة الحزب الديمقراطي الأمازيغي ويجعلوننا نشعر بالجرح والحكرة، ومهما خذلتنا الأيام وخاننا الرفاق وطعننا الأعداء في خرجاتهم الإعلامية المنظمة، لا يجب أن نعتزل السياسية أو نحس يوما أننا عجزنا عن تحقيق ذواتنا ونختار الفناء في أحضان العروبة وبإرادة مشلولة وجبن مرير نبحث عن موقع باسمهم. يجب أن نتعلم من التاريخ ونـُعلم الشباب الأمازيغي كيف كان السابقون يصبرون ويصمدون وينتظرون ويتحملون ويقاومون،.. أن نعلمهم الحكمة والتعقل والمواجهة وطرح الأسئلة.. وليس سؤال الأمازيغية اليوم إلا كسؤال الموت والروح والنفس والزمن.. تلك الأسرار الغامضة التي لا يملك تفسيرها إلا التاريخ.
|
|