|
|
بدون عقد مدرسة النجاح... طريق نحو التكرار بقلم: محمد بوزكَو في الأسبوع الأول من هذا الشهر (شتمبر) فتحت المدارس أبوابها لاستقبال التلاميذ في رحلة جديدة للتحصيل. تحصيل لذلك استقبلني أبنائي عند عتبة المنزل وفي يد كل واحد منهما لائحة طويلة عريضة للأدوات والكتب المدرسية. هما بالطبع، فرحان. أما أنا فتظاهرت بالفرح وفي قلبي شيء من... لا أدري ما هو. أعرف أنكم تعرفون أنني فكرت في المبالغ المبالغ فيها كمقابل للحمولة «الفكرية» تلك... وهي، على كل حال حمولة ما بعدها حمولة، تزيد من اعوجاج ظهر التلميذ كلما زادت من اعوجاج فكره ليضعا يدا في يد ويسلكا طريقا ذا منحنى انحداري... لكن والحقيقة تقال ليس وحدها الفلوس هي التي أنبتت لي القرون في رأسي، لا ! إذ بمجرد ما أن اطلعت على اللائحتين إياهما حتى سخن لي دماغي وبدأ يفرز مادة فوسفورية ساعدت على الإنبات السريع للقرون إياها. نعم، لائحة اذا ما استثنينا منها المسطرة والممحاة والمنجرة و و و ما جاورهما من الأدوات والدفاتر الجافة، سنقف على الكمية الضخمة من الكتب؛ عربية وأخرى فرنسية وإنجليزية وإسبانية... لكن وتقول أني عثرت على كتاب أو نصف كتاب بالأمازيغية، مع العلم أن الأمر يتعلق بتلاميذ أمازيغ ولا يدكَدكَون سوى لغتهم في المنزل والشارع وأنهم يدفعون مقابلا ماديا محترما عن كل شهر تحصيل... إن شعار مدرسة النجاح الذي رفعته الحكومة كيافطة علقتها على أبواب المدارس يطرح نقط استفهام عديدة، عن أية مدرسة يتحدثون وأي نجاح يبتغون! علما أنها نفس المدرسة ونفس المنظومة التعليمية التي جعلت المجلس الأعلى للتربية ينفخ زمارة الخطر بعد تلك الرائحة التي انبعثت ولا زالت تنبعث من المؤخرة التي وجد تعليمنا نفسه فيها بين المنتظم الدولي في مجال التربية والتعليم... ولكي يتحقق هذا النجاح المفقود ابتدع ما يسمى بالمخطط الاستعجالي... حالة استعجال لمدارس تأخرت كثيرا في فتح أبوابها (13 شتنبر)!!! استعجال متأخر. ثم إن هذا المخطط وإن يبدو من خلال شعاره أنه يريد فعلا الرقي بالمنتوج المدرسي فإنه في جوهره يلغي أهم عنصر ألا وهو العنصر البشري... لماذا؟ وكيف؟ إن الجواب له علاقة وثيقة بالتلميذ كهدف، بالتحصيل المعرفي كغاية وباللغة كوسيلة... هنا بالضبط تبرز أهمية لغة الأم كمحور اساسي في اللعبة. إن الازدواج اللغوي الذي يعاني منه التلميذ المغربي بين لغة يتحدث بها بالفطرة (الأمازيغية والدارجة) ولغة سقطت على جمجمته من أعلى، يجعل من مسيرته التعليمية مسيرة معطوبة تؤخر عملية التحصيل... فالتلميذ المغربي المسكين، ومنذ دخوله المدرسي يجد نفسه، وهو جالس أمام السبورة، في صراع خطير بين رموزٍ للغة يحاول جاهدا تفكيكها من أجل فهمها وبين معرفة يريد اكتسابها ومن أجلها تحمل عناء ثقل محفظته... فيتيه المسكين بين الفهم والحفظ... بين الترديد والتحصيل... وكم منا من لم يفهم معنى «سعاد في المكتبة» حتى بلغ من العمر عتيا... بل ومنا من كان يقرأها «سعاد في المقْرَتِ» كما كان يفعل المكي ولد بناصر...إن فهم الدرس هو الطريق الأسرع للتحصيل ولكسب المعرفة، وتتسارع خطى التمكين كلما كانت لغة الأم سبيلا، وما لم تراع مدرسة النجاح هذا المعطى لن يكون هناك فلاح وسيظل الفهم معضلة حقيقية تتعثر فيه كل الخطوات... لكن مع الأسف، ها هي 50 سنة مرت عن الاستقلال، 50 سنة من سياسة تعليمية هدفها الرئيسي هو التعريب!! سياسة تعليمية بدل أن ترفع شعار الفهم والتحصيل رفعت شعار التعريب... ومنذ ذلك الحين وهم يعربون، عربوا الشوارع واليافطات والمدن والأسماء والتراب... وحين استفاقوا نظروا خلفهم فلم يجدوا أحدا... كل الأمم أركبت تعليمها قطار الفهم والتحصيل وانطلقت في رحاب الفكر والمعرفة... أما هم، فها هم هنا والآن يريدون نجاحا لمدرسة غبية بفم مصنوع... مدرسة تتخلى عن فمها الطبيعي بباب القسم لتركب الفم المفبرك داخل الفصل وتبدأ في قضم الكلمات وابتلاع المصطلحات... أما الفهم والتحصيل فلا زربة على صلاح...كتب بالأطنان، وحمولة ثقيلة كثقل الزمن... لولوج ساحة مدرسة النجاح بسياسة تعليم ضربها البرد تحتاج لكبسولات فيتامين لتستعيد نشاطها، التربوي طبعا... وبدون عقد... إن ما نحتاجه هو النجاح، وليس مدارس النجاح... إن ما نحتاجه هو مدرسة تتكلم لغة الأم... لا لغة لتتعلم بها المدرسة... إن ما نحتاجه هو أن نجهر بالحقيقة... أبناؤنا محتاجون للفهم أولا، للتحصيل المعرفي أولا وليس لتعليم اللغات أولا... فتعليم اللغات مرحلة لاحقة، لا سابقة... ما دام لأطفالنا لغتهم الأم. ولكم أن تتعمقوا في ما قاله د. خالد عزايزة من فلسطين عن لغته العربية: « نحن العرب حينما ننادي بالتعريب، فأملنا هو السعي إلى الاتصال بالعلوم المعاصرة، وتمثلها ضمن إطار من لغتنا العربية، وفي هذا آخذ عن الغرب دون الانصهار فيه، حفاظاً على هويتنا من الضياع « فماذا علينا أن نقول نحن؟؟؟ وحتى لا يعوج ظهر أبنائكم ويعوج فهمهم... خذوا عنهم المحافظ ... (Thawalin@hotmail.com) |
|