|
|
جمعيات الأطلس المتوسط في لقاء مع الكونكريس العالمي الأمازيغي بازرو
بعد مرور سنة من انعقاد مؤتمره الخامس، نظم الكونكريس العالمي الأمازيغي بتنسيق مع جمعية أمناي وأنزووم وبتعاون مع مجموعة من الجمعيات بالأطلس المتوسط يوما دراسيا تحت عنوان: «الأمازيغية ورهان التنمية» بثانوية طارق بن زياد بأزرو، وذلك يوم 01 نونبر 2009 حضره أكثر من 300 مشارك يمثلون ما يزيد عن خمسين جمعية من مختلق مناطق الأطلس المتوسط، إضافة إلى منتخبين وفعاليات أمازيغية. وقد عرف اللقاء، بعد كلمة الافتتاح، تقديم ثلاثة عروض في الصبيحة وورشتين بعد الزوال. المحور الأول: تدخل لونيس بلقاسم، رئيس الكونكريس العالمي الأمازيغي، في محور الدفاع عن حقوق الأمازيغ في شمال إفريقيا وبلاد تمازغا على المستوى الدولي، وذكر بمجمل الأعمال التي قام بها داخل المنظمات الدولية الرسمية ومنظمات المجتمع المدني بالدول الديمقراطية، وكذا اللقاءات التي جمعته بالشخصيات الرسمية التي لها علاقة بالقضية الأمازيغية. وفي معرض مداخلته نبه الجمعيات الأمازيغية إلى أن المكتسبات، في الواجهة الخارجية، لا يمكنها أن تقوم مقام النضال في الداخل، من أجل تفعيل توصيات المنظمات الدولية بشأن الحقوق الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والسياسية للشعوب، كما حثها على إنجاز ملفات موثقة عن الخروقات، وتزويد الكونكريس بها. وكمثال عن دور الكونكريس، ذكر بمجموعة من التوصيات وجهتها الأمم المتحدة إلى الدولة المغربية، بخصوص دسترة اللغة الأمازيغية وترسيمها وتدريسها، ومحو الأمية بواسطتها، لكن تفعيلها يبقى رهين فعالية الحركة الأمازيغية وقوتها داخل المغرب. ولم يفته في مداخلته أن يؤكد على التاريخ المشترك للأمازيغ الذين يشكلون شعبا واحدا بغض النظر عن تعدد الأنظمة بشمال إفريقيا. وفي الأخير عبر عن اعتزازه بتواجده بين ايمازيغن بثانوية طارق بن زياد التاريخية، التي درس بها أحد قادة الفكر ومؤسسي الوعي الأمازيغي المعاصر مولود معمري. المحور الثاني: وفي موضوع «الهوية والأرض في علاقتمها بالكونكريس العالمي الأمازيغي» تدخل الأستاذ محمد اجعجاع وذكر في البداية، ومن منظور جيوسياسي، بالموقع الجغرافي الحساس الذي تحتله الدول العشرة المنتشرة على امتداد تامزغا. من هذا المنطلق شدد على أهمية التواصل مع الرأي العام الدولي حتى يتأكد من أن الأمازيغية، أرضا وهوية ولغة وثقافة، لا تزال حية، والنضال من أجلها مشروع. وبالاعتماد على تجاربنا التاريخية مع العالم الخارجي، توقف عند عقد الحماية الفرنسية لسنة 1912 الذي انتهى إلى التدمير العسكري للبنيات السوسيوثقافية الأمازيغية، كان من نتائجه الإقصاء السياسي للهوية الأمازيغية من الفضاء العام، ثم بروز نخب مدينية نالت تكوينا علميا على يد سلطات الحماية الفرنسية. وبدعم وتوجيه سياسيين من قبل شخصيات فرنسية، وأخرى من المشرق العربي، أسست سنة 1934 «كتلة العمل المغربي»، فأقامت على أنقاض النظام الأمازيغي الأصلي، نظاما يقوم على «الاختيار العروبي الإسلامي»، تم ترسيمه بمقتضى اتفاقيات إيكس ليبان، بين الحكومة الفرنسية وممثلي ذلك الاختيار، في صيف 1955. ومع إلغاء نظام الحماية الفرنسية والإسبانية سنة 1956، تولت تلك النخب السلطة فكرست بالممارسة، ثم بالقانون والدستور فيما بعد، اختياراتها ووضعت المغرب تحت هيمنة المشرق العربي لحمايتها، مرة أخرى ، من شرعية العودة إلى الأصل. وبهذا الصدد عرّف بوفد «مجلس الأطلس» المكون من شخصيات، أغلبها تخرج من إعدادية آزرو، والذي سافر إلى باريس في أوائل نونبر من سنة 1955 للاتصال بمحمد الخامس، العائد من المنفى . وأثناء اللقاء «بسان جيرمان أن لي» طلب الوفد من الملك عدم الاعتراف بنتائج اتفاقيات «إيكس ليبان» ويتولى هو، بصفته ممثلا شرعيا للسيادة المغربية، إعادة المفاوضات مع فرنسا. من ذلك الإصرار الأمازيغي على رفض الاحتلال والهيمنة الأجنبية وما رافق دلك من التضحيات، ومن الدفاع عن شرعية العودة إلى الأصل الهوياتي للمغرب، ومن النضال من أجل إلغاء نتائج إيكس ليبان، تبلور «الاختيار الأمازيغي» الذي يعطي الهوية مفهوما ترابيا لا عرقيا. فهي لا تتحدد لا بالدم ولا بالعرق ولا بالأصل الإثني أو الانتماء الديني، بل يحددها الموطن الذي ينتمي إليه الإنسان ويتخذه وطنا له. فهوية المغاربة والدولة ومؤسساتها أمازيغية، مستمدة من هوية الأرض الأمازيغية. ووحدة الهوية هده لا تنفي ما قد يميز بين الناس من اختلاف في العرق أو الدين، كما لا تلغي التعدد اللغوي والتنوع الثقافي، وهي كلها مقومات وليست مكونات. وللتذكير فالأمازيغية ليست عرقا، بل خلاصة تجارب أمة بمختلف مكوناتها، عبر مختلف الأحقاب التاريخية على أرض تامزغا. إنه مفهوم للهوية، ينسجم مع القيم الإنسانية العالمية، ما دام لا يقيم بين الناس حواجز عرقية أو اثنية أو دينية أو لغوية.المحور الثالث: تناول الأستاذ إبراهيم فوكيك موضوع «الثقافة والتنمية البشرية». في البداية حدد المجالات التي تعتمد لقياس مستوى التنمية البشرية في المجتمع، منها: التربية، الصحة، الدخل (الاستهلاك)... وأثناء تحليله لهده المؤشرات، ظهر من خلال الفوارق الصارخة بين الجهات، أن الدولة تعتمد سياسة انتقائية في التنمية، لأنها أبقت على النظم الإدارية والقانونية التي ورثتها عن الدولة الاستعمارية. فسياستها الاقتصادية تركز على تنمية المناطق التي تخدم مصالح الفئات النافدة في الدولة، بينما تهمل غيرها من المناطق. وفي هذا الصدد عمل على إزالة الخلط بخصوص مقولة «المغرب النافع والمغرب غير النافع» إذ وضح أن الجهات المهمشة هي أهم مصدر، نحو المناطق الغنية، للموارد الطبيعية من محاصيل زراعية وأخشاب ومياه ومعادن، كما أنها المزود الرئيسي لها باليد العاملة الماهرة والأطر المتخصصة. وقد جاءت التقارير الصادرة عن المنظمات الدولية المتخصصة في التنمية، لتفرض على الدولة الاعتراف بانتشار الفقر على نطاق واسع. وبالاعتماد على الأرقام ومؤشرات التنمية، تتجلى على امتداد الخريطة اختلالات مهولة بين مختلف الجهات، لا يفسرها المنطق الاقتصادي الصرف، بل يتحكم فيها البعد السياسي بالأساس. فباستثناء تنمية المناطق الصحراوية المسترجعة، التي تشهد على الإرادة السياسية للدولة في إنجاز مشاريع تنموية، فإن باقي المناطق البعيدة عن المركز، وأغلبها أمازيغوفونية، يتحكم فيها الهاجس الأمني، أكثر منه البحث عن سبل التنمية لتحرير الإنسان من الفقر والجهل. فخيار المركز في رفضه الاعتراف بلغة الهوامش وثقافتها، هو بمثابة بتر لأهم ما يحفز الذات على الخلق والإبداع، لأنه،كما عبر عن ذلك تقرير خبراء برنامج الأمم المتحدة للتنمية لسنة 2004 ، تشكل ثقافة الشعب، المتجذرة في فكره ووجدانه، جوهر التنمية نفسها. وفي معرض تحليله، أثار الانتباه إلى أن التنمية لا تتوقف عند المنجزات الاقتصادية للدولة فحسب، بل تتعداها إلى سن سياسة اقتصادية تجعل الطبقات الغنية تتحمل نصيبها من العبء التنموي الوطني، وليس فقط السعي وراء تنمية ثرواتها، بالتهافت على اقتصاد الريع والمضاربة العقارية والتحايل للاستفادة من الحوافز التي تقدمها الدولة للمستثمرين، على حساب المنتجين الصغار. وبعد تناول وجبة الغداء، أقيمت ورشتان: الورشة الأولى: تحت عنوان «انتظارات التنظيم والتعاون بين الجمعيات الأمازيغية» تولى تأطيرها السيد محمد البوسعيدي من جمعية آيت غانم، تساعده كمقررة: زبيدة فضايل من المجلس الفديرالي للكونكريس العالمي الأمازيغي. تمحورت التدخلات حول تقييم تجرية الجمعيات الأمازيغية والإكراهات التي تحول دون تحقيق الكثير من الأهداف الأساسية للحركة الأمازيغية. وللتغلب على تلك المعيقات، دعا البعض إلى تأسيس إطار وطني لتوحيد الحركة الأمازيغية بالمغرب. في حين استقر رأي أغلب المداخلات على توسيع تنسيقية أميافا لتشمل كل جمعيات الأطلس المتوسط، من غربه إلى شرقه، كحركة احتجاجية وسط المغرب، كما اقترحت تطوير أرضية اشتغالها لتتلاءم وتصورات الجمعيات المكونة لنسيج أميافا. وقد تميزت تدخلات ممثلي قبيلة آيت واراين، الممتدة من تاهلة إلى كرسيف، والتي تعد جسرا بين الأطلس والريف، باقتراح استبدال عبارة «الأطلس المتوسط» بما يسمح لجمعيات منطقة آيت واراين بجهة كرسيف، الانضواء تحت لواء تنسيقية أميافا. وقد ربط جل المتدخلين الوضعية الاجتماعية للمنتمين إلى المجال اللغوي والثقافي الأمازيغي المهمش، بالوضع القانوني للأمازيغية. ورفعا لذلك الميز الصارخ والمقنن بالدستور، دعوا إلى أولوية النضال من أجل الهوية الأمازيغية للمغرب، ودسترة لغتها وثقافتها، وإدماجهما في التعليم والإعلام. وخلصت الورشة إلى توصية دعت فيها إلى توسيع تنسيقية أميافا، لتشمل كل الجمعيات الراغبة في الانضمام إليها، على أساس أرضية تقوي الوحدة بين مكوناتها. الورشة الثانية: التأمت حول موضوع «مجال اشتغال الجمعيات الأمازيغية والبرنامج المستقبلي». ترأسها الأستاذ كمال سعيد، رئيس «جمعية سكان جبال العالم، فرع المغرب»، وتولى مهمة إعداد التقرير السيد أمزيان عبد القادر من جمعية «الملتقى». في البداية اتفق الحاضرون على استعراض المشاكل الاجتماعية والانتهاكات الحقوقية التي أفرزت الوضع الراهن المتأزم، الذي يعاني منه الأطلس المتوسط. فمن ناحية التنمية البشرية، تجد المشاكل الاجتماعية، من فقر وهشاشة وأمية، تفسيرها في السياسة الثقافية واللغوية للدولة التي لا توظف ثقافة الشعب ولغته في تأهيله للاندماج في خططها التنموية. وعلى مستوى التنمية الاجتماعية، وبالنظر إلى ثرواتها الطبيعية، تسجل المنطقة تأخرا غير مبرر في التجهيزات الأساسية من طرق ومدارس ومستشفيات وكهرباء ومياه... أما على مستوى المؤهلات الاقتصادية، فالأطلس خزان للمياه التي تروي السهول المغربية، وجباله تكسوها غابات تمتد مئات الآلاف من الهكتارات تزود الصناعات الخشبية، ومعادنه تغدي مختلف الصناعات بالداخل والخارج. أما من حيث الموارد البشرية، فقد أعطى الكثير من الأطر والخبراء والتقنيين الذين يساهمون اليوم ، في إدارة دواليب الاقتصاد الوطني بالمناطق المحظوظة. (زبيدة فضايل، عضوة الملجلس الفدرالي لـ CMA)
|
|