|
|
بلا عقد الكذب على الذات بقلم: محمد بوزكَو حين تستيقظ كل صباح وتمشط شعرك أمام المرآة، غالبا ما لا تتفحص ملامحك بتدقيق، وإن فعلت فإن ذلك لا يكون سوى لتقف عند مدى قبولك على مظهرك من عدمه.. تنظر بعين جاسوسية تشتغل على الانبهار بالذات الخارجية دون التمكن من قيادة حملة تمشيطية لعمق ملامحك وخبايا خلاياك المنسوجة من غبار تراب وطنك.. تخرج من الباب وتترك وراءك بقايا ملامحك تتراقص خجلا.. لتصطدم مع واقع يلغيك من أول خطوة.. أول ما يخدشك طابور لوحات المتاجر والمقاهي والإدارات وإعلانات مكتوبة بعربية فصحى.. «مجزرة الرحمة»، «وسط المدينة، جميع الاتجاهات» «مصحة الريف».. أو بفرنسية مرقدة في الخل.. «café pourquoi pas « «syber café jbel arafa «.. وما أن يسخن الجو حتى تسخن عليك الأشياء.. تتكلم لغة ولغات أخرى مكتوبة والدنيا هانية، وأنت من الحامدين الشاكرين.. حتى أنك تتخيل أن قانون وجودك يمنع عليك كتابة لغة كلامك.. بمعنى: تكلمها أنت حر لكن لا تكتبها لأن ذلك ليس في مصلحة حريتك.. أما الطامة الكبرى هي أن يكون لديك ابن في المدرسة.. وفي مدرسة خاصة مُؤدى عندها.. ويأتيك في المساء باكيا لأن المعلمة أنقصت من نقطه لأنه نطق بلغته في قسمه... في حين لا يجد في المنزل من ينصفه لأن الكل منشغل بمسلسل مهند ونور أو سنوات الضياع.. في وقت سنوات جيل كامل غادية إلى الضياع.. مدرسة تحمل رسالة نبيلة، وإذا بها ترسل إليك ابنك كرسالة غير نبيلة.. ما معنى أن تنفق من أموالك في مدرسة كل أطرها ومربوها أمازيغ أقحاحا ويفرضون على الأطفال الكلام بينهم بلغة غير لغتهم الأصلية..؟ هل هذا من قواعد التربية..؟ أم من عوائق التربية..؟ ألا يُسخن هذا رأسك، ويُطرطقه ..؟ أما إذا كنت مُزَيرٌ ولا تعرف القراءة إلا بلغتك، فإنك حتما ستضعها في سروالك.. لأنك لا تعرف لا معنى المرحاض المكتوب على اللوحة ولا معنى toilette المُكَسل على الإعلان.. فلا تفطن إلا والرائحة طالعة معك..وإذا كنت تحبذ الجلوس في شارع محمد الخامس بالناظور فستأكل أذنيك قناة الجزيرة بأخبارها ورياضتها، وكأنك في الشام.. الكل هناك متتبع للأخبار وللكرة بعربية فصيحة فيها من الجد المصطنع ما يمكن أن يصيبك بسيلان عاطفي ينسيك في تلك البرك المائية التي ثقبت كل الشوارع في مهمة رسمية من أجل رفع الستار عن جرائم التسيير الفاشل... وفي السر يلعنون الدين والعرب.. انظروا إلى وجوهكم في المرآة، تفرسوا في قسماته وحملقوا أكثر في عيونكم، إنكم حتما ستنتبهون إلى أن هناك شيئا ما ليس على ما يرام.. ليست الجزيرة على كل حال ولا حتى اللوحات تلك.. إنما الذي فيه إن هو أنت ناظر المرآة... تتعايش مع كل شيء إلا مع نفسك... وعلى نفس الإيقاع ولكن بفَقسة أكثر قد توصلك إلى حد فقص البيض، يذهب كثير من أبناء الريف المتعلمون المتنورون إلى نهج سياسة أسرية تنبني على فكرة استباق الضربة، بحيث لا يبتغون غير العربية لغة لأبنائهم.. مخففين على حكومة عباس الفاسي وزر سياسة التعريب في إطار عملية إعادة نشر الوعي بالذات عبر إنكار الذات نفسها.. وما قد يفشل فيه الفاسي ينجح فيه الريفي.. فما أن يبدأ النجل إخراج كلماته الأولى يكون الأبوان قد أدخلوا سياستهم تلك حيز التنفيذ.. تدهنه الأم كل صباح ببعض الكلمات العربية الخفيفة على البشرة، قبل أن تذيب له بعض الحروف في حليب ساخن لتسهيل عملية النطق.. وفي الغذاء يتكلف الأب بإحضار طعام جاهز مكون عادة من همزة مشرملة بالحركات والسكون، كالفتحة والضمة.. أما المساء فلن يناولوه سوى بعض الأساليب ومعانيها اشتروها خصيصا من السعودية أثناء أداء العمرة..هكذا يترعرع أبناء بعض السادة المتعلمين المتنورين في ريفنا العزيز.. تكبر معهم اللغة العربية، يتربون في عزها.. بها يتقوى عودهم وشعرهم وأكتافهم.. إلى حين اصطدامهم بواقع فيه لغة أخرى ستكون عسيرة على الهضم بلا شك.. لغة بلا همزة.. نعم.. إنه واقع مرير.. صورة مخموجة.. ومقلوبة.. باختصار.. كذب على الذات.. بكلمة.. النفاق.. محمد بوزكَو thawalin@hotmail.com |
|