|
|
متى سيشاهد الأطفال الأمازيغ الرسوم المتحركة باللغة الأمازيغية؟ بقلم: مبارك بلقاسم لا شك أن عددا كبيرا منا كبر مع التلفزيون. ولا شك أن ما شاهدناه ونحن صغار أو يافعون من رسوم متحركة وأفلام بوليسية أو كوميدية قد انطبع في ذاكرتنا الفردية أو الجماعية، وساهم في صقل جزء ولو صغير من شخصيتنا. ورغم أننا كبرنا في محيط تلفزيوني لا يتكلم لغتنا وكأن لا وجود لها، لم تكن عقولنا الصغيرة آنذاك تكترث للتناقضات الضخمة بين لغة البيت والشارع الأمازيغية وبين لغتي التلفزيون العربية والفرنسية، رغم أن هاتين اللغتين الأجنبيتين (العربية والفرنسية) لا يتكلمهما أحد في البيت ولا في الشارع في بلادنا. لم تكن عقولنا الصغيرة تكترث لتلك التناقضات العجيبة، بل كانت تبذل جهدها وتسخر كافة قدراتها التعلمية الاستدلالية في فك رموز ما يقوله "الكابتن ماجد" لـ"الكابتن بسام"، أو ما يفعله "غراندايزر" لحماية كوكب فليد من الشرير فيگـا. ورغم أن القصة كانت دائما مقصوصة بإحدى اللغتين الأجنبيتين، كانت عقولنا تحاول أن تفهم القصة بمزج تلك الصور المتحركة والتعابير والصراخ ولغة الجسد والموسيقى مع البث اللغوي الأجنبي الذي كان كثيرا ما يستعصي على فهمنا وإدراكنا. ولكن اليوم كبرنا وعرفنا أن "الكابتن ماجد" ("كابتن تسوباسا" باليابانية) و"غراندايزر" و"توم أند جيري" وغيرها ما هي إلا رسوم متحركة أجنبية يابانية أو أمريكية دبلجها عرب وفرنسيون في غرف مغلقة، ثم تم تصديرها إلى تلفزيون دار البريهي والدوزيم الذي بثها كما هي، غير مبال باللغة الأمازيغية لأغلبية الأطفال المروكيين. اكتشفنا اليوم أن التلفزة المروكية (التي دفع آباؤنا وأجدادنا ضريبتها وتكاليفها) قد خانت الأمانة وغذت عقولنا لسنوات طوال بلغات أجنبية، وأغان أجنبية، ورسوم متحركة أجنبية مدبلجة للغات أجنبية أيضا! اكتشفنا أن تلك الرسوم المتحركة الجميلة كان يمكن أن تكون أكثر جمالا، وأن نفهمها أحسن ونستمتع بها أكثر لو شاهدناها مدبلجة إلى لغتنا الأمازيغية الجميلة.
كذب رسمي وتبذير فاحش واليوم ما زالت دار لقمان على حالها. وما زالت القنوات التلفزية المروكية (الأولى، الدوزيم، المغربية، الرابعة...) على كثرتها لا تعترف بوجود الطفل الأمازيغي، وتصر على بث برامج الأطفال والرسوم المتحركة باللغتين الفرنسية والعربية. يتذرعون بقلة الأموال والإمكانيات بينما يهدرون ملايين الدولارات سنويا على استيراد المسلسلات المصرية والسورية الفاشلة، وإعادة بث برامج الأولى والدوزيم على "المغربية"، وإعادة بث برامج القناة الرياضية على الأولى، وإعادة بث برامج القناة السادسة على القناة الرابعة وبرامج الرابعة على الأولى! مهزلة هي إذن. بينما تكاليف حجز قناة واحدة على القمر الصناعي لا تقل عن 300.000 دولار أمريكي سنويا كحد أدنى! (انظر الجدول أسفله لمزيد من التفاصيل حول الأقمار الصناعية). وهكذا تبلغ تكلفة بث القنوات المروكية على 10 أقمار صناعية مختلفة ملايين الدولارات الأمريكية سنويا. والمقصود هنا هو تكلفة حجز "مكان" القناة على القمر الصناعي فقط. أما التكاليف الأخرى كاستيراد المسلسلات المصرية، واستيراد الأفلام والمسلسلات الأمريكية المدبلجة إلى الفرنسية من الموزعين الفرنسيين، والسهرات الفنية، واستيراد الفنانين العرب والإنفاق عليهم، وتكاليف العاملين والمستخدمين والأستوديوهات فهي أكبر من ذلك أضعافا مضاعفة. لماذا كل هذا التبذير الفاحش؟! القنوات المروكية مكررة على 10 أقمار صناعية مختلفة وكأنها CNN أو BBC تغطي أخبار الدنيا وتشغل الناس، بينما لا يعبأ المروكيون أنفسهم بما تقوله دار البريهي والدوزيم ويهربون هربا إلى القنوات الأجنبية تعففا عن السخافة والدعاية، ورفضا للاستلاب الثقافي والهوياتي العروبي الفرنكوفوني الذي يتم بأموال دافع الضرائب. فما دام التلفزيون المروكي ممسوخا ومستلبا هوياتيا وثقافيا، فالمشاهد المروكي يفضل أن يشاهد قناة تلفزية فرنسية أو إسبانية أو بريطانية حقيقية على الأقل، حيث لا توجد عقد التعريب والفرنسة ونكران الأمازيغية، ولا دعايات مخزنية. فلماذا ما يزال المسؤولون على الإعلام العمومي يبذرون ملايين الدولارات من أموال الشعب الأمازيغي على قنوات "الإعادة" وعلى الاستيراد وعلى مشروع التلفزة الرقمية الأرضية الفاشل، بدل إنفاقها على خلق برامج حقيقية باللغة الأمازيغية ودبلجة الرسوم المتحركة الأجنبية للأطفال الأمازيغ؟! من يدفعهم ويشجعهم على ذلك؟ متى سيمكن للأطفال الأمازيغ أن يشاهدوا الرسوم المتحركة وبرامج الأطفال الأخرى بلغتهم الأم مثل أقرانهم من بقية الأطفال في بلدان العالم الأخرى؟ متى سنتحرر من الكولونيالية الثقافية الفرنسية والعربية؟ متى سنحرر البراعم الأمازيغية من آلة التعريب والفرنسة التي تريد غسل أدمغتهم من الأمازيغية تمهيدا لاستعبادهم هوياتيا وثقافيا حينما يكبرون؟! منشار التعريب والفرنسة ما زال يشتغل السياسة لم تتغير إذن. والأمازيغ يعطون يوما بعد يوم الانطباع بأنهم راضون بالأمر الواقع أو قابلون به. نحن لا نحتج بما فيه الكفاية ولا نقوم بإسماع صوتنا بما فيه الكفاية. لذلك نسمع المسؤولين الحكوميين يماطلون ويعرقلون تمزيغ الإعلام الوطني في العلن وأمام كاميرات التلفزة وهم مطمئنون إلى أنهم سيفلتون من الحساب. ولذلك أيضا رأينا المسؤولين الإعلاميين وقد نقضوا أكذوبة الـ 30% من البث الأمازيغي بأنفسهم غير مبالين بالإركام ولا بالرأي العام الأمازيغي. هنا نرى تلك الصورة البانورامية الكبيرة التي لا يمكن أن نراها إلا عن بعد وذلك بعد ربط سلوكات وتبريرات الحكومة والمسؤولين الإعلاميين بعضها ببعض: إنهم يضحكون على ذقوننا ويسخرون من عقولنا، ويستغلون الوقت الإضافي لتنفيذ مزيد من التعريب والفرنسة ومسخ الثقافة والإعلام والذوق. فهل سنتركهم يلعبون بنا وبمقدراتنا ومواردنا أم أننا سنتبنى استراتيجيات عملية جديدة؟
ملحق: لائحة الأقمار الصناعية التي تبث عليها القنوات المروكية مكررة:
|
|