|
|
بعد الانتكاسة والركود التامين، أين تسير القضية الأمازيغية؟ بقلم: محمد أيت بود دخلت القضية الأمازيغية مند تولي الحكومة الحالية في إطار ركود تام، أسفر عن تسجيل عدة تراجعات في المكتسبات الهشة التي حققتها الحركة الأمازيغية خلال العقد الماضي، فلا مشروع تدريس اللغة الأمازيغية أخذ طريقه الصحيح نحو التنفيذ، ولا مشروع إنشاء القناة الأمازيغية ظهر إلى حيز الوجود، بعد أن كان من المقرر أن تبدأ البث مع مطلع سنة 2008، ولا البرامج الضحلة التافهة التي كانت تقدمها القناتان التلفزيتان العموميتان في الأوقات الميتة تابعت البث. هذا دون الحديث عن 30 بالمائة من البث التي التزمت بها القناتان في كناش التحملات، ولا اللغة الأمازيغية تم إدراجها في الدستور لغة رسمية ووطنية الخ... ، هده الحصيلة تعطي الانطباع على أن الأمازيغية لا تواجه فقط بعض التشنجات كما أكد على ذلك السيد أحمد بوكوس في برنامج تيارات بالقناة الثانية، بل وتواجه عقليات متشبثة بقناعات تستمد فلسفتها من إرادة سياسية متسلحة بترسانة أيديولوجية متمترسة وشرسة لا ترغب في إعطاء الأمازيغية أية فرصة للظهور، ناهيك عن إعطائها فرصة للتطور. وإن كانت هذه التراجعات لا تنفصل عن مثيلتها التي تشهدها الساحة السياسية والثقافية والإعلامية والحقوقية الوطنية، بل وتشكل جزءا منها، كما يرى ذلك أغلب المتتبعين، فإن التراجعات التي أصابت القضية الأمازيغية لا تقاس بمقياس الانكفاء لحماية المكتسبات كما يرى ذلك بعض النشطاء الأمازيغيون، أخص منهم بالذكر المسئولين داخل مؤسسة ليركام، الذين أصبح البعض منهم مطبلا ومزمرا للمنجزات التي لا توجد سوى على الورق، في الوقت الذي يلاحظ فيه أغلب المتتبعين للشأن الأمازيغي، والمناضلين والنشطاء في الحركة الأمازيغية أن القضية الأمازيغية وصلت إلى منعطف خطير، بعد فترة انتعاش دامت زهاء عقد من الزمن، هذا المنعطف زاد من حدته ضعف الحركة الأمازيغية وتشرذمها وانزواؤها عن المشهد السياسي الوطني في إطار التوجه نحو المهاترات الذاتية والحسابات الشخصية الضيقة. كانت الأحداث الأخيرة التي تلت انعقاد الكونكريسين الأمازيغيين بكل من مكناس وتبزي وزو المؤشر الدال القوي على ضعف وانقسام الحركة الأمازيغية على ذاتها، والغريب في الأمر أن الحركة الأمازيغية بالجزائر تعرف هي الأخرى نفس الضعف والانقسام. فالخطاب الأمازيغي الذي استطاع في التسعينيات من القرن الماضي أن يفرض على القاموس السياسي الوطني عدة مفاهيم ومصطلحات كانت بالنسبة للنخبة السياسية أشبه بالطابو، أصبح اليوم موسوما بالازدواجية، بل إن هدا الخطاب نفسه أصبح يكرس هده الازدواجية، لاسيما عندما يدعو مناضل أمازيغي بحجم الإستاد بوكوس إلى ضرورة الفصل بين الخطاب الأمازيغي الرسمي والخطاب الحركي، وكأن مؤسسة ليركام لم تنشأ إلا للتطبيل والتزمير لا غير، في حين كان دور هذه المؤسسة هو إنعاش وتطوير الثقافة واللغة الأمازيغيتين من خلال إستراتيجية واضحة المعالم، تجعل من مؤسسة ليركام قطبا فاعلا داخل الساحة الثقافية والسياسية بالبلاد ، بغض النظر عن الإطار القانوني الذي يؤطرها، لا مجرد مؤسسة لتزكية الاختيار الرسمي لاحتواء القضية الأمازيغية. يتبع المسئولون داخل مؤسسة ليركام سياسة تعرف عند الفقهاء والحكماء بالتقية، وهي إعلان خلاف ما تبطن، وذلك اتقاء غضب أو شر من يخشى شره، واستدارا لعطف من يرجى عطفه، خوفا على هذا الوليد الغض الذي هو ليركام من انتقام الحساد، وهذه السياسة تعد بكل المقاييس سياسة فاشلة، لأنها تكرس ما هو مكرس أصلا، وتزكي الاختيارات القائمة، ولا تعمل على خلخلتها. لا يعني هذا الكلام الدعوة إلى العدمية، لكن يجب الوقوف عند بعض التصرفات وطرح أسئلة بصددها، ومساءلة الأشياء بشكل موضوعي، وبنزاهة وأمانة، وحتى إن آلت الأوضاع عندئذ إلى عزل ليركام الذي هو معزول مند الإعلان عن تأسيسه، الذي جاء نتيجة توافقات فوقية تمت في معزل ومنأى عن رغبة المجتمع في تجاوز هذا الإشكال من خلال إعطائه الحل المناسب والأمثل، فأغلب الأحزاب لا تزال متشبثة بعقائدها الأيديولوجية الأحادية والإقصائية، ولا تعطي الانطباع نهائيا سواء من خلال خطابها أو ممارستها أنها تسير صوب الانفتاح والدمقرطة، واللوبيات المصلحية الضاغطة لم تغير قيد أنملة من تصرفاتها المتزمتة والإقصائية، والبيروقراطية الإدارية والاقتصادية الحاكمة، لا تؤمن بالانفتاح والديمقراطية بقدر ما تحن إلى سنوات الرصاص. بل هي متمترسة بشكل عدواني وهستيري للتصدي لكل ما هو أمازيغي. أمام هذه الحقائق المحزنة فإنه ليس أمام مؤسسة ليركام سوى ضرورة الإيمان بالخطاب الأمازيغي الحركي، وجعله مقوما للنهوض بالأمازيغية على جميع الأصعدة. أعتقد أنه يجب على مؤسسة ليركام أن تكون الخلفية التي تساند النضال الحركي، وتزكي اختياراته، لا أن تسقط في التناقض معه، لأن الحقيقة التاريخية هي أن ليركام ولد من رحم الحركة الأمازيغية وبفضل نضالاتها. إنه من البديهي أن الضعف الذي أصاب هذه المؤسسة هو ناتج بالطبع عن الضعف الذي أصاب الحركة الأمازيغية، بيد أن الموضوعية تحتم القول أن الركود الذي أصاب القضية الأمازيغية لم يكن من صنع هذه المؤسسة بقدر ما كانت حصيلتها هي بدورها ضحية هذا الركود، إنما كان يؤمل أن تعمل كممثل رسمي وحيد للقضية الأمازيغية على خلق تفاعل ايجابي بينها وبين الحركة الأمازيغية يساهم في التغلب على هذا الركود القاتل. إن الحركة الأمازيغية مدعوة اليوم أكثر من أي وقت مضى إلى ضرورة رص صفوفها ولم شتاتها وتوحيد خطابها لمواجهة التحديات، وذلك بالترفع عن كل الحسابات الشخصية الضيقة، والالتزام بالخط النضالي الحقيقي، واستغلال الإيجابيات ودراسة السلبيات وإيجاد الحلول للمشاكل التنظيمية، والتغلب على الحساسيات الأيديولوجية، وجعل من القضية الأمازيغية القاعدة والأرضية التي يجب أن تجمع كل الأطراف، ومن خدمتها الهدف الأسمى الذي يعلو كل الأهداف، في إطار الحد الأدنى من الواقعية، والموضوعية، والأمانة التاريخية الملقاة على عاتق المناضلين والمؤمنين بعدالة قضيتهم، وإلا فلن تقوم للأمازيغية أية قائمة أبدا. وسوف تصبح اللغة والثقافة الأمازيغيتان- لا سمح الله- في بلدهما مثل لغة الانكا والازتيك في بلدهما، لغة وثقافة أقلية معزولة في الجبال النائية ليس لهما أي تأثير داخل المجتمع، لا تطاوع الاندماج، أو تسير نحو الانقراض والتحلل والدخول في طي النسيان. Moh_aitboud@hotmail.fr
|
|