|
|
افتتاحية: انتخاب ابن المهاجر الكيني رئيسا للولايات المتحدة تأكيد أن الهوية تتحدد بالانتماء إلى الأرض وليس بالانتماء إلى العرق بقلم: محمد بودهان بغض النظر أن الولايات لمتحدة هي في الأصل كيان أوروبي استعماري أقيم على أرض الغير ـ أرض الهنود الحمر ـ التي تحولت إلى امتداد هوياتي وبشري لأوروبا، إلا أنها أصبحت مع ذلك ذات وجود هوياتي وسياسي قائم بذاته، وبهوية أميريكية (أميريكا الشمالية) مستقلة عن الهوية الأم، الهوية الأوروبية. فما الذي يشكل اليوم أساس هوية دولة الولايات المتحدة الأميركية؟ أو ما الذي يجعل دولة الولايات المتحدة ذات هوية أميركية؟ ربما يحسن الانطلاق، قصد التشخيص والتوضيح، من طرح نفس الأسئلة حول حالة هوية دولة المغرب لنصل إلى الجواب عن أسئلتنا حول هوية دولة الولايات المتحدة: فما الذي يشكل أساس هوية الدولة بالمغرب كدولة عربية، منتمية إلى "الوطن العربي" وجزء من مجموعة الدول العربية، وعضو في جامعة الدول العربية؟ أو ما الذي يجعل من دولة المغرب دولة ذات انتماء عربي؟ الجواب بسيط ومعروف: أقلية صغيرة من حكام هذه الدولة، والذين يعتقدون ـ أو يدعون ـ أنهم من أصول عربية، حولوا هوية الدولة التي يحكمونها، والتي خلقتها وهيأتها لهم فرنسا، إلى هوية تابعة لهويتهم العرقية العربية. فبما أنهم "عرب" من الناحية العرقية والإثنية، فإن الدولة التي يحكمونها أصبحت دولة عربية تبعا لأصولهم العرقية العربية. إنها إذن دولة تستمد هويتها من الانتماء العرقي لحكامها. إنها دولة ذات هوية بمضمون عرقي سلالي. فالذي يجعل إذن من دولة المغرب دولة عربية في هويتها، ليست هي الأرض الأمازيغية التي تسود عليها الدولة، وإنما الدم "العربي" لحكامها. لنعد الآن إلى سؤالنا الأول حول أسس هوية دولة الولايات المتحدة الأميركية: واضح أن هذه الهوية ليست مستمدة من الانتماء العرقي لحكامها، كما في حالة المغرب، وإلا فإن هذه الولايات المتحدة ستتحول، ابتداء من خامس أكتوبر 2008، يوم انتخاب ابن المهاجر الكيني "أوباما" رئيسا لها، إلى دولة ذات انتماء كيني إفريقي تبعا للأصل الكيني الإفريقي لرئيسها الجديد، وتصبح نتيجة لذلك عضوة في الاتحاد الإفريقي مثلما أصبح المغرب عضوا في جامعة الدول العربية لأن حكامه يحملون دما "عربيا". لكن الأميركيين لم ينتخبوا "أوباما" بسبب انتمائه العرقي الكيني، بل بناء على انتمائه الترابي، أي الانتماء إلى التراب الأميركي، وليس إلى الدم الكيني الذي يجري في عروقه. إذن، فعلى النقيض مما يجري في المغرب حيث إن الدولة عربية لأن دم حكامها "عربي"، فإن الولايات المتحدة تستمد هويتها الأميركية، ليس من دماء حكامها ورؤسائها، بل من هوية الأرض الأميركية التي يعيش فوقها أولئك الرؤساء والحكام، حتى ولو كانت أصولهم العرقية غير أميركية كما في حالة الرئيس الجديد "أوباما". وهو ما يجعل كل شخص يعيش فوق التراب الأميركي على وجه الدوام والاستقرار، أميركيي الهوية مهما كانت أصوله العرقية، أسيوية أو عربية أو إفريقية... وهذا يبين ويؤكد أن أساس الهوية، ليس هو الانتماء إلى العرق كما في هوية الدولة بالمغرب، بل هو الانتماء إلى الأرض. إن حالة انتخاب الرئيس "أوباما"، الذي هاجر والده من كينيا الإفريقية في السبعينيات من القرن الماضي إلى الولايات المتحدة، مثال ساطع وناصع على أن هوية الدول تحددها هوية الأرض التي تحكمها تلك الدول، وليس الانتماء العرقي لحكام تلك الدول، كما في المغرب. وهذه قاعدة عامة تجعل هوية كل دول العالم نابعة من هوية أراضيها وليس من الانتماء العرقي لحكامها. الاستثناء الوحيد هو دول شمال إفريقيا حيث تتبع هوية الدولة الانتماء العرقي لحكام تلك الدول، وليس الانتماء الترابي الأمازيغي لأرض تلك الدول. وهو استثناء يكرس العنصرية والعرقية، ويعطي للدولة طابعا قبليا بدائيا ومتخلفا يقدم فيه الولاء للعرق على الولاء للأرض. وقد كان لافتا جدا أن "أوباما" ظل يذكّر، خلال حملته الانتخابية، بعلاقته الخاصة بجدته (من أمه وليس من أبيه) الأميركية الأصل (من الهنود الحمر) مع سكوت كلي عن عائلة أبيه ذات الأصل الكيني الإفريقي، إلى درجة أن هذا التذكير كان جزءا من الحملة الانتخابية التي اضطر المرشح "أوباما" لوقفها لمدة يومين قصد زيارة جدته المريضة، والتي ماتت قبل يوم الاقتراع، وهو ما تأثر له كثيرا "أوباما". لا شك أن "أوباما" أراد بهذا الاستحضار "الانتخابي" لعائلة الأم ذات الأصل الأميركي، بجانب الإقصاء المقصود لعائلة الأب غير الأميركي، أن يؤكد أمرين اثنين: ـ ارتباطه بجدته الأميركية تعبير عن ارتباطه الترابي ـ وليس فقط العرقي ـ بأميركا التي احتضنته وكوّنته وهيأته لأن يكون رئيسا للولايات المتحدة. ـ استبعاد عائلة والده هو استبعاد للاعتبار العرقي كنتيجة لأولوية الترابي على العرقي في تحديد الهوية والانتماء. أما عندنا، في المغرب، فإننا نعرف كل شيء عن آباء وأجداد آباء ـ وليس الأمهات ـ الحكام ذوي الأصول "العربية"، نعرف حتى قبائلهم "العربية" الأصلية التي ينتمون إليها بالجزيرة العربية. لكن لا نعرف شيئا عن أمهاتهم وجدات أمهاتهم الأمازيغيات اللواتي تزوجهن آباؤهم وأجدادهم "العرب" عندما حلوا مهاجرين بالمغرب. وهكذا نعرف أدق التفاصيل التاريخية والأسطورية عن إدريس الأول وابنه إدريس الثاني اللذين أقيما لهما ضريحان كبيران ومعروفان للتبرك بهما، والاحتفال السنوي بذكرييهما، فضلا عن احتفال القرن بمرور 1200 سنة على تأسيس الدولة العربية بالمغرب ـ التي أسستها في الحقيقة فرنسا ـ على يد إدريس. في حين لا نعرف شيئا كثيرا عن زوجة إدريس الأول الأمازيغية الأصل، والتي هي أم إدريس الثاني باني مدينة فاس كما يقول التاريخي الرسمي "العربي". لا نعرف عنها شيئا سوى أنها أمازيغية وتحمل اسم "كنزة"، وهو اسم مشكوك في صحته طبعا. فلم يُقم لها ضريح ولا يعرف لها قبر ولا يحتفل بذكرى ميلادها ولا مماتها الذي لا يعرف تاريخه، ولم تخصص لها دروس في التاريخ المدرسي. هذا الاستحضار التمجيدي المبالغ فيه للنسب الأبوي مع استبعاد احتقاري تام لكل ما يتعلق بالأم ذات الأصل الأمازيغي، يترجم، أولوية الانتماء العرقي العنصري، الذي يمثله نسب الأب، على الانتماء الترابي الأرضي الذي تمثله الأم الأمازيغية، فضلا عما يعبر عنه من نظرة ازدراء إلى المرأة بصفة عامة كبقايا لثقافة الوأد الجاهلية التي حملها معهم المهاجرون العرب إلى المغرب. إنه تمجيد للعنصر الأجنبي بمعناه العرقي، واحتقار لما هو محلي مرتبط بالأرض. وقد هلّل الحكام العرب واستبشروا خيرا بانتخاب "أوباما" الذي يعتبرونه، من منطق عرقي، "قريبا" منهم نظرا لأصله الإفريقي ودين أبيه الإسلامي. فبما أنه ليس من أصل عرقي أميركيي، فهو إذن "أقرب" إليهم من "بوش" الذي هو من عرق أميركيي أصلي. وهذا ما سيجعل "أوباما"، حسب المنطق العرقي العروبي، يتعامل مع القضايا العربية بكثير من "الود و"التعاطف" والتفهم، عكس سابقيه من الرؤساء الأميركيين. كان من الممكن أن يكون هذا الاستدلال، مع كل ما يترتب عنه من نتائج تخص السياسية "العربية" لأميريكا، صحيحا لو أن "أوباما" انتخب بالفعل على أساس عرقي. لكن ما لا يريد أن يعيه الحكام العرب، تحت تأثير إيديولوجية الانتماء العرقي، هو أن "أوباما" انتخب على أساس انتمائه الترابي وليس العرقي. وهو ما سيجعل منه، عكس الانتظارات "العرقية" العروبية، أميركيا مرتبطا بالأرض الأميركية التي يستمد منها هويته وانتماءه، وليس من أصله العرقي الكيني. ولهذا يمكن أن نجزم، منذ الآن، أن "أوباما" سيكون "أسوأ" رئيس أميريكي بالنسبة للقضايا العربية، عكس ما يتوقعه العرب بناء على منطق العرق والإثنية. لماذا؟ لقد رأينا كيف كان خصوم "أوباما" يلوّحون، لتخويف الأميركيين من عواقب انتخابه رئيسا، بفزاعة ارتباطاته وميولاته "الإسلامية"، مستدلين على ذلك أن اسمه الأول ـ حسين ـ هو اسم عربي إسلامي فضلا على أن أباه مسلم. نلاحظ إذن أن ذرائع خصوم "أوباما" لردع الأميركيين من التصويت عليه هي نفس المنطق العرقي الذي على أساسه يفضل العرب "أوباما" عن المرشح الجمهوري "ماك كاين". ولهذا فإن "أوباما" سيعمل، بلا شك، كل ما في وسعه ليبين للأميركيين وللعالم أجمع أنه رئيس "ترابي" ولا دخل لأصوله العرقية ولا لإسلام أبيه في اختياراته وتوجهاته التي يحددها المنطق "الترابي" وليس العرقي، وهو ما يعني أن سياسة الرئيس "أوباما" لن تراعي سوى مصلحة أميركيا بالمفهوم الترابي وحلفائها مثل إسرائيل، مع ما قد يكون في ذلك من "تشدد" إزاء القضايا العربية كـ"برهان" من "أوباما" على أنه ابن التراب الأميركي وليس ابن المهاجر الكيني، مثلما فعل عندما ركز في حملته الانتخابية على نسب أمه مع إهمال تام لكل ما له علاقة بأصله الإفريقي. وهنا سيتصرف الرئيس "أوباما"، استنادا إلى منطق الانتماء الترابي وليس العرقي، على النقيض من الحكام العروبيين لشمال إفريقيا، الذين يعملون كل ما في وسعهم، بناء على المنطق العرقي كما قلت، لإقصاء الأمازيغية ذات الحق الترابي والرفع من مكانة العروبة كحق عرقي، ليبرهنوا "لأشقائهم" العرب المشارقة أنهم ليسوا "برابرة" بل أصحاب دم عربي شريف مثلهم. وقد سارع الحكام العرب، تحت تأثير الإيديولوجية العرقية، إلى الإعلان عن سعادتهم بفوز "أوباما" وتوجيه رسائل التهنئة إليه، في غفلة منهم أنه يمثل النموذج "الترابي" الذي يلغي نموذجهم العرقي ويتعارض معه على طول الخط، وهو ما يطعن ضمنيا في شرعيتهم العرقية التي جاءت حالة انتخاب "أوباما" لترفضها وتقطع معها وتؤسس للشرعية الترابية المستمدة من الانتماء إلى الأرض وليس إلى العرق. ولهذا، فإن هؤلاء الرؤساء والملوك العرب، لو وعوا وفهموا مضامين ودلالات هذه الثورة "الترابية" لانتخاب الرئيس "أوباما" لكانوا آخر من يسعد بفوزه لأن هذا لفوز يعني انتصار الانتماء الترابي على الانتماء العرقي الذي يتمسك به الحكام العرب ويجعلونه المحدد لهوية بلدانهم ودولهم. لهذا فإن انتحاب "أوباما" رئيسا للولايات المتحدة هو درس بليغ أولا في الديمقراطية ، وثانيا في المساواة "الترابية" بين المواطنين رغم اختلاف أصولهم العرقية. فهل سيستفيد حكام شمال إفريقيا من الدرس الأميركي ويعلنون انتماء دولهم لأرضها الأمازيغية وليس للعرق "العربي" لحكامها؟ إن انتخاب "أوباما" يقدم مثالا عمليا وتوضيحيا يبين أن هوية الدول والشعوب تتحدد بالأرض وليس بالعرق. فمن يعيش على أرض بصفة دائمة وقارة ونهائية، يصبح منتميا في هويته إلى تلك الأرض رغم أن أصوله العرقية قد ترجع إلى أرض أخرى أجنبية وبعيدة. وهذا ما أكدت عليه جمعية "الهوية الأمازيغية" في الكتيب/الوثيقة الذي أصدرته بعنوان: "من أجل دولة تستمد هويتها من الأرض الأمازيغية بالمغرب"، والمنشور ضمن هذا العدد.
|
|