|
|
قناة الجزيرة الرياضية والمنظرون الجدد للقومية العربية بقلم: الكراني محمد 1-التنظير في وسائل الإعلام العربية: منذ أن غزت القنوات الفضائية أفقنا الإعلامي واحتلته، ارتفع منسوب الفكر الوهابي والإرهاب بحيث وجد المنظرون الرجعيون وسيلة فعالة وموثوقة لمخاطبة المسلمين والشعوب المستضعفة. وبالتوازي ارتفعت كذلك عدد القنوات الإباحية والشاذة التي تعرض ليل نهار ما يخدش الحياء والاحترام. وبين الإرهاب باسم الإسلام والإباحية باسم التفتح، ترعرع فكر أحادي يخاطب العواطف، هدفه المعلن هو توحيد "الأمة العربية" ومواجهة الإمبريالية الصهيونية العالمية. فأصبحت إيديولوجيا القومية العربية التي كانت تعيش آخر أيامها بمثابة الدين الجديد والوصية الأخيرة لكل من بقيت في دمائه ذرة من العصبية لهذه الأمة الآيلة للهلاك. فعلا لقد عشنا منذ بداية التسعينات إلى اليوم بين تنظيرات شتى جمعت وفرقت وما زالت. الإسلام الوهابي وإيديولوجيا القومية العربية والتفتح الجنسي كلها عوامل ساعدت على الارتقاء بهذه القنوات حينا لتسقط في أحضان الفشل والاحتضار. من المنقذ وما المخرج إذن؟2-الرياضة: إنها المخرج. بعد أن يئس منظرو القومية العربية في تجييش العواطف ومواجهة "عنفوان الأقليات" المناهضة لفكرهم، وبعد أن سقطت قنواتهم الإعلامية في حضيض الميوعة والتعصب ودعم الإرهاب والانتحار باسم الدين، وبعد أن تم إعدام أو تصفية أو تجاهل كل من يدعم فكرهم بالبتر والدولار أمثال صدام حسين والقذافي ، تفتحت أعين القائمين على هذه القنوات على مخرج يعينهم أكثر من السياسة والبرامج الحوارية والدين. فقد وجدوا في الرياضة وسيلة مجانية وغير مباشرة لاستدراك أخطائهم والسير قدما نحو استتباب قلعة الفكر العروبي المشرقي المبشر بقيم التعصب والإرهاب. 3-نعم لكن ليس بنا نحن؟ للمشارقة أن يؤسسوا لفكرهم وأن يجدوا له السبل الكفيلة بالبقاء على قيد الحياة، لكن ليس بنا نحن الأفارقة. تاريخيا، كان المشارقة كلما وقعوا في ورطة يلتجئون إلينا نحن الأفارقة لنقف إلى جانبهم، وقد كانت مساعدتنا لهم على دخول الأندلس أكبر خطيئة يقدم عليها الأفارقة-الأمازيغ لأن تلك المهمة لم تكن لها دوافع أخرى غير تركيع الشعوب واستغلالها. وما زال الأمر كذلك إلى اليوم، فهاهم المغاربة والجزائريون والتونسيون يهرعون إلى القنوات الرياضية العربية لإخراجها من حالة الإفلاس المرجعي والتأسيس مجددا لفكر رياضي قومي هدفه الارتقاء بالجنس العربي كأحسن شعب على الأرض. وتعتبر قناة الجزيرة الرياضية نموذجا معبرا في هذا المجال. من الجزائر الأخضر بريش ورابح مادجر ، من تونس طارق دياب ونبيل معلول ومن المغرب سعيد عويطة. كل هؤلاء يمطروننا خلال كل تعليق لهم أو تقديم برنامج بعبارات من قبيل: عرب إفريقيا أو اللاعب العربي بفريق مالاكا نبيل باها، المتسابق العربي هشام الكروج ، المدرب العربي وغيرها.4-تعددت الأسباب... إن التجاء القنوات العربية إلى الرياضة "المغاربية"، وبعبارة أخرى رياضة شمال إفريقيا لم تستدعه عوامل الوحدة العربية أو الشعب العربي الواحد وإنما مرده إلى فشل رياضة الدول العربية القحة في تحقيق إنجازات رياضية لبلدانهم بعدم انفتاحها على الرياضة العالمية وبقائها حبيسة الشعارات القومية الفضفاضة والعنصرية. لذا يظهر أن رياضة شمال إفريقيا، والتي لم يكن لها وزن يذكر عند العرب في الماضي رغم كل الشعارات من قبيل المحيط إلى الخليج (نفس الشيء بالنسبة للسياسة والثقافة) أصبحت هي طوق النجاة الأخير الذي يمكنه انتشال العنصر العربي والفكر الرياضي العربي والرياضة العربية ككل من سكرات الموت والانحطاط الذي طالها منذ الأزل. فأصبح رياضيونا أمثال عويطة هم حملة مشعل إنقاذ الكرة العربية. كم أشعر بالتقزز لدى سماع عويطة يعلق أو يحلل مسابقات ألعاب القوى، وخصوصا خلال اولمبياد بيكين. تكاد لا تخلو جمله من أخطاء الإملاء والتعبير، لكن القائمين على القناة يغفرون له كل ذلك مادام تعبيره عن القومية العربية والعروبة لا يشق له غبار. قد يكون العامل المادي هو السبب وهذا جائز لأن أغلب المعلقين المغاربة والجزائريين والتونسيين في هذه القنوات لم يعرف عنهم اهتمامهم بالعروبة طيلة مسيرتهم الرياضية بخلاف المصريين والخليجيين الذين تربوا في أتون هذا المعتقد العنصري.
5-نقطة نظام: عويطة: الكل يعرفه والقليل منا يجهله، إنه من رفع راية المغرب عالية في الثمانينات من القرن الماضي ونقش اسم المغرب (مراكش) في أدبيات الرياضة عموما وألعاب القوى بالخصوص. أثناء مزاولته للسباقات العالمية، التقى وعاشر جميع الأجناس والديانات واللغات والأشكال والألوان مما كان سيشكل بالنسبة إليه وللجميع إنسانا متفتحا غير متحجر، رجلا مثقفا وعالما، شخصا متواضعا غير متعجرف، فقد سافر وجال وتعرف والتقى واشترك تكون وصادق وتعارف وتصافح مع كل نموذج من مخلوقات هذا الكوكب، لذا فانتظاراتنا منه لا تعد ولا تحصى. انتقل إلى الولايات المتحدة ودرس بها وتعلم الإنجليزية، أقوى لغة في العالم، ثم أصبح مدربا للمنتخب الاسترالي لألعاب القوى وانتهى به المطاف، وهذا بيت القصيد، معلقا ومحللا لقناة الجزيرة الرياضية قبل استدعائه مديرا تقنيا لألعاب القوى المغربية. فهل كانت انتظاراتنا في محلها؟ يا للعبث 6-قناة الجزيرة الرياضية في أسبانيا: استعمار جديد في الأفق؟ بعد أن قام طارق بن زياد بغزو الأندلس وفتح الباب أمام العرب لكي يحتكوا بأوروبا ويظهروا مبادئهم "المدافعة" عن السلام التعايش، وبعد أن تنكروا لطارق و للأمازيغ، بل خاضوا معهم حروبا لم يذكرها التاريخ على التراب الإسباني، وبعد أن حولوا تواجدهم "الإسلامي" في اسبانيا إلى مقاطعات ودويلات وممالك تتنازع النفوذ والسلطة، وبعد أن تقوت شوكة أصحاب الأرض وطردوا العرب من مملكة الجنة التي ما زالوا يتباكون عليها، ها هو الحنين يراودهم من جديد لفتح مبين للتراب الاسباني ومن ثم الأوربي. الكثيرون منهم ما زالوا يعتبرونها أرضا عربية. ومن أكبر المنظرين لهذا الطرح الصحفي الأخضر بريش رئيس مكتب مدريد بالجزيرة الرياضية. فلا تمر مناسبة معينة من تعليقه على الدوري الإسباني دون التلميح المباشر أو غير المباشرة إلى عروبة إسبانية بدءا بأسماء المدن، والتي بالمناسبة لا تنطق باللغة الإسبانية لدى معلقي الجزيرة بل بالعربية لأنها بكل بساطة مدن "عربية": طليطلة، مالقة، بلد الوليد، إشبيلية، العامرية وغيرها. وخلال أحد أحاديثه مع المحلل الإسباني بويو قال الأخضر بريش: "كابتن بويو، الم تلاحظ أن حارس مرمى فريق... بقيت شباكه نظيفة ل 1492 دقيقة؟ " طبعا بويو حارس ريال مدريد سابقا لم ولن يدور بخلده أي تاريخ أو أية جغرافيا أو أية قومية إسبانية لأن الرجل متخصص في كرة القدم ليس إلا. 1492 ميلادية تاريخ طرد العرب من الأندلس. 7-و بعد؟ القومية العربية أفلست مفاهيمها وصارت إلى الهزيمة بعد أن مرت بالنكبة، ومات وأعدم أو صار أبكم كل منظريها. فشلت في السياسة والتاريخ والجغرافيا والأنتروبولوجيا. من أجل استفاقة أخيرة قبل الموت الأبدي ها هي ترفع راية الرياضة من أجل إحياء العبث من العبث. لكن ذلك الإحياء يتطلب متطوعين أكفاء لديهم مصداقية استمدوها من لاشيء. وهاهم أمازيغ شمال إفرقيا يضعون الطعم بأيديهم داخل أفواههم ويحاولون انتشال العرب والعروبة من فشلهم التاريخي. يريدون الدخول من جديد إلى أوروبا ودائما بنا نحن كما صنعوا مع ابن زياد. فهل ينجحون؟ أبدا. فالأرض لم تعد الأرض وإسبانيا لم تعد إسبانيا وأسباب فتح إسبانيا قبل زمن لم تعد نفس الأسباب. أما الرياضة فللجميع.
|
|