|
|
”تينهينانت “ العظيمة بقلم: عساسي عبد الحميد (الرباط) ولو أني لم أتشرف بحضور عصرك يا سيدتي، ولو أني لم تكتحل عيناي بإطلالة صباحك المجيد؛ إلا أنني أراك في واضحة أحلامي كتابا عظيما قل مثيله، وسفر حياة ينهل من معية الحكماء والبسطاء، وأراك يا سيدتي فضيلة كاملة تسير فوق الأرض بكبرياء الملوك ونخوة العظماء؛ وحرية شاسعة تنشد البيداء ملاذا والسكون رفيقا، وأراك كائنا يحدق إلى الشفق الأزرق بعينين واثقتين ويمشي وسط الصحراء بخطى مهيبة رصينة. وما زالت نظراتك جادة كصحرائنا كما عهدك شعب الطوارق الأبي؛ حنونة كنخيل واحاتنا، عذبة كمياه آبارنا، وما زال تجار سوس وأغمات ومكناسة يتذكرونك جيدا في حديث أسلافهم وهم في ضيافة خيمتك العامرة، تلك الخيمة التي كان رجالك عادة ينصبونها على طريق القوافل المتجهة صوب شنقيط وتامبوكتو وغدامس، والكثير منهم يتذكر عن أجداده نكهة خبزك الفريد وحليب نوقك اللذيذ الذي كنت تقدمينه لضيوفك ولعابري السبيل، وشايك المطبوخ بأعشاب الصحراء وعسل النحل الذي كان يحلو لأسلافنا أن يحتسوه على إيقاع الحكايات وهي تسرد بلسان شيخ وقور خبر مسالك الحياة ودروبها بأسلوب مثير مشوق يشد العقول ويأخذ بمجامع القلوب…. حكايات عن الجني الأزرق الذي اختطف أميرة الطوارق؛ وعن الذئب الوفي الذي رد الجميل لراعي الغنم فأنقذ قطيعه من هلاك محقق، وقصص أخرى عن أشباح الصحراء وهي تحرس ليلا بعيونها الكبيرة قوافل محملة بنفائس "غانا" وملح تامبوكتو. وما زالت وصايتك حديث الناس في تامازغا نستأنس بعظيم حكمتها قرب المواقد عند حلول الشتاء وعند مواسم الحصاد وجمع الغلال. ياسيدتي… أينما حملتني خيول الأرض وأينما رست بي مراكب البحر في تامازغا العظيمة أراك أما جليلة لكل الأمازيغ، فمن غيرك ياسيدتي علمنا أن النظافة ليست نظافة اليدين والوجوه فقط، وإنما نظافة القلوب والعقول أيضا، وأن الكريم هو ذاك الذي يغدق من حاجاته لا من فائض ماله، وفي شدته لا في سعته؛ وأن العهود والوعود سلاسل تطوق الأعناق وأغلال تقيد الخطوات وتؤلم ضمير الفرد والعشيرة؛ ما لم يوف بها صاحبها؛ وأن الكذب عار وشنار يلاحق صاحبه ما لم يطهر نفسه بنذر جميل أو عمل جليل؛ وأن الوفاء تاج يكلل الرؤوس ويضيء النفوس…؛ وغيرها من مأثور نورك ونادر أمثالك. وما زال الطوارق الأباة يحفظون صداك في ترحالهم وتجوالهم؛ ويحدث بعضهم بعضا عن أسراب الغزلان كيف كانت تأمن لوجودك وعن قطعان النوق كيف كانت تطمئن لحضورك؛ وما زال النشامى من أحفادك إلى يومنا هذا يتقفون آثار مسيرك وترحالك ما بين تافيلالت وأهكارت يتبركون بذكراك ويرددون وصاياك ويحفظونك في قلوبهم ذكرى رقيقة تنسكب مع نسيمات الصباح وترفرف مع نور المساء، روحا لطيفة تهدهد جفونهم عند حلول الليل. وستظلين، أيتها الجليلة، المهابة علما شامخا في ضمائرنا ومفخرة خالدة في وجداننا يرددها الدهر على مسامع الفصول وتتغنى به الأجيال على مر العصور. عساسي عبد الحميد (الرباط) |
|