|
|
بحث في الأصول المشتركة للحضارة الأمازيغية والحضارة المصرية القديمة: Horus والأمازيغية (الجزء الثاني) بقلم: أهريشي محمد (أزرو)
Kûz أنزار Anzâr: هل يكون أوزيريس الفرعوني هو Anzâr الأمازيغي؟ ليست هذه شطحة خشيمية (نسبة إلى الليبي علي فهمي خشيم المثال الساطع للعلمية الزائفة)، فالأمر يتعدى مجرد التقارب الفونوتيكي للاسمين والذي قد يكون وليد الصدفة فقط، إلى التطابق الشبه التام لمضمونيهما الميتولوجيين. فأوزيريس في الميثولوجيا الفرعونية إله البعث والحياة الأخرى وإله الإنبات والخصوبة وإله النيل، يقدم في صورة رجل ملفوف في قماط جنائزي وعلى رأسه تاج محاط بريشتين وحامل للحية الفرعونية التي ترمز للسلطة(5) وبشرته ذات لون أخضر ترمز إلى بعث الخضرة في الأرض وإحيائها بعد موتها (H.S, p.46). و Anzâr (inuzîr, inzaren) عند ئمازيغن حاليا هو المطر، والمطر يحمل معاني الإنبات والاحياء والخصب، إلا أن Anzâr في حقيقته ليس هو المطر بالذات بل هو إله المطر (كaggur أو ayyur الذي كان يعني إله القمر لدى القدماء وليس القمر بالذات كما هو معروف لدينا اليوم G.Camps, p148) فأنزار إله للخصب والإحياء كأوزيريس، هذا ما تؤكده المعطيات اللغوية والثقافية الأمازيغية. فقد كانت النساء الأمازيغيات يخرجن في فترات الجفاف إلى مكان الماء (نهر، نبع…) ويتجردن من ثيابهن ويغنين ويقمن بحركات جنسية مثيرة تجاه السماء حيث المقر الرمزي للإله طلبا لماء السماء (المطر= أنزار)، وقد توقفت هذه الطقوس منذ وقت طويل وانقرضت تدريجيا من كل المناطق. كانت هذه العادة المذكورة باقتضاب في مجلة تيفيناغ (N°5.6, p 152) وراء انقداح الفكرة الأولى لهذا البحث، دفعتني إلى مزيد من التنقيب في هذه العادة القديمة التي سبق للقديس Augustin أن شجبها لدى معاصريه (G. Camps, p147)، وتكتسي هذه العادة القديمة قيمة برهانية كبيرة في ما أذهب إليه، تؤازرها في ذاك مجموعة من المعطيات الأخرى اللغوية والثقافية الأمازيغية. فعلى المستوى اللغوي: المطر له أسماء أخرى غير anzâr، ويبقى اسم anzâr من بينها هو الشائع والمشهور على الأقل لدينا هنا في المغرب، وهو اسم مذكر، وكل ملم بلغة الزاي لا يستعمل مؤنثه أبدا ولو بغرض التقليل رغم إمكانية ذلك نحويا (tanzârt). إن ذكورة أنزار لا تتأكد فقط على مستوى الاستعمال النحوي، بل تدافع عنها معطيات لغوية أخرى ك tistit n unzâr و telghwnja (6)، ف tislit n unzâr التي حجبت الأيام حقيقتها وأصبح ينظر إليها اليوم كتصوير شاعري لظاهرة طبيعية، أقل ما يمكن أن يستنتج منها كمعطى لغوي هو ذكورة أنزار باعتباره isli n tislit n unzâr، أما telghwnja فهي لا تنفصل كذلك عن أنزار باعتبارها طقسا للاستسقاء، وسنأخذها هنا على المستوى اللغوي المحض، ف telghwnja نحويا مؤنث ودلاليا دمية امرأة يستسقى بها، فأنوثة كل من telghwnja و tislit n unzâr تتقابل وتتقاطع مع ذكورة anzâr، وهذا يتماشى مع عادة خروج النساء في فترات الجفاف إلى مكان الماء وتجردهن من الثياب وقيامهن بحركات جنسية تجاه السماء طلبا لماء Anzâr أي طلبا للإحياء والإخصاب لأن الإخصاب في علاقة الذكر والأنثى مهمة ذكورية حصرا، وهذا ما يفسر الاستعمال النحوي ل Anzâr في اللغة الأمازيغية (التذكير حصرا). إن عادة خروج النساء في فترات الجفاف إلى مكان الماء طلبا للمطر وما يصاحب ذلك من طقوس يؤكد أن Anzâr كان إلها للخصب والإحياء، يعبد من طرف النساء في طقوس جنسية وهذا ما تؤكده كذلك tislit anzâr كمعطى لغوي يؤرخ لفترات قديمة. وكما أن الإثارة الجنسية للرجل تؤدي إلى نزول منيه الذي يزرع الحياة في رحم المرأة، فإن إثارة الإله أنزار كذلك من طرف النساء العاريات تؤدي إلى نزول منيه الذي هو قطرات المطر ليزرع الحياة في كل شيء، والمني في اللغة الأمازيغية (ibelghughen, ilghughen) يسمى كذلك أمان aman، و بالماء جعل كل شيء حيا، والحياة سرها في الروح، والروح ئمان iman ليست بعيدة عن aman. إن الحركات الجنسية التي تقوم بها النساء العاريات تجاه السماء دعوة ل anzâr لإقامة علاقة جنسية، يستجيب لها تحت وطأة إغراء الجسد الأنثوي، وعندما تصل فيه الإثارة ذروتها ينزل منيه / المطر، وتصبح بذلك النساء (issis) tislit n unzâr، وتظهر في السماء معلنة زواج issis التي هي tislit ب anzâr الذي هو isli، ونسجل هنا أن العروس الأمازيغية تحاكي في ألوان مكياجها وألوان ملابسها الألوان الزاهية لtislit n unzâr. لكن من تكون tislit n unzâr هذه؟ هل هي كل النساء (issis) العابدات العاريات أم واحدة فقط بينهن؟ وإذا كانت باقية على قيد الحياة في الأرض، فكيف تظهر في السماء؟ إن كلا من tislit n unzâr و issis (النساء) كلمات مفردة، فهل هذا يعني أن anzâr يتزوج واحدة فقط من بين النساء؟ وظهور tislit في السماء هل يعني أن anzâr يتزوج واحدة فقط من بين النساء؟ وظهور tislit في السماء هل يعني عدم بقائها على الأرض وصعودها إلى السماء للالتحاق بزوجها؟ وبالتالي هل هذا يعني أن anzâr كانت تقدم له إحدى النساء قربانا كما كان الأمر بالنسبة لأوزيريس حيث كانت تلقى في النيل؟ هذا ما يكشف عنه ربط المعطيات اللغوية بعادة خروج النساء إلى أماكن الماء في فترات الجفاف وما يصاحب ذلك من طقوس، وإذا أضفنا المعطيات الثقافية إلى هذا الكل فإن الصورة تزداد وضوحا. فعلى المستوى الثقافي: نجد في الثقافة الأمازيغية مجموعة من الطقوس والعادات التي ارتبطت بأنزار وبالماء بصفة عامة، وأحد هذه الطقوس والذي له ارتباط صريح ومباشر ب Anzâr هو telghwnja باعتباره طقسا للاستسقاء. ف Telghwnja طقس قديم يقام ولا يزال في فترات الجفاف للاستسقاء، وهي عبارة عن دمية تصنع من قصب وثياب وتزين بلباس وحلي العروس، وتوضع في كل يد من يدها مغرفة aghwnja... ويطاف بها في موكب غنائي… يقف عند كل منزل يرقص و يغني و يرفع Telghwnja إلى السماء إلى أن يرشها أصحاب المنزل بالماء… إن هذه الدمية لم توصف إلا بأغناجها ، إشارة إلى ما يحتله aghwnja فيها من مركز رمزي أو سحري كبير، فاستعمال aghwnja في دمية telghwnja ينبع من تطابق الدلالة الرمزية ل aghwnja ومضمون الطقس ككل، والذي يتغيى الاستسقاء والخصب، لأن aghwnja أداة تحمل معاني الخصوبة، فقد كانت أمهاتنا حين نسيء التصرف لا يضربننا ب aghwnja إذا كان في أيديهن مخافة أن نبور. هكذا يقلن لنا ويجد هذا الاعتقاد تفسيره في كون الضرب استعمالا سلبيا / شريرا لأداة لا تستعمل إلا لغرض إيجابي / خير، لذلك فالاستعمال السلبي / الشرير يقلب دلالة / تأثير aghwnja من الأصل الذي هو الخصوبة إلى ضده: العقم والبوار. كما أن استعمال aghwnja في يدي telghwnja محاكاة لجسد الإنسان باعتبار أن فكرة صناعة aghwnja تنبع في الأصل من محاكاة يد الإنسان حين تستعمل لغرف الماء أو الاستجداء والدعاء (urawen)، وإذا كانت وظائف اليد في الجسد قد شحنت اليد ثقافيا بدلالات القدرة والتصرف: ddawn n ufus, nnig n ufus, iffegh afus, îdra afus, îdrayis afus… فإن aghwnja كأداة تحاكي وظيفيا في مجالها يد الإنسان، تحاكيه كذلك دلاليا فيصبح بذلك aghwnja هو المتصرف في جسد المطبخ (المواعين iqcucen, ifecka)، به تحرك وتغرف وتوزع خيرات القدور التي تربطها كخيرات داخل المنزل علاقات تواز مع خيرات التساقطات خارج المنزل، فمن مجموع هذه العلاقات الرمزية تتكون دلالات الخصوبة التي يحملها aghwnja. وتتضح بشدة دلالة aghwnja كرمز لطلب واستجداء الماء والخصوبة من خلال طقس آخر هو aghwnja tebburja ( H. Benamara.p17) أي المغرفة المقلوبة، وهو طقس يقام في الفترات التي تكثر فيها التساقطات وتستعمل فيه دمية كذلك يطاف بها في موكب غنائي على المنازل والغرض منه كما هو واضح من اسمه هو طلب توقف المطر حتى لا يغرق الناس في الوحل، فطقسا aghwnja tebburja و telghwnja طقسان يشتركان في الموكب الغنائي والطواف على المنزل واستعمال الدمية وحضور فكرة aghwnja والارتباط بالتساقطات باعتبارهما موجهين معا ل Anzâr، لكنهما يختلفان وبالأصح يتناقضان في الغرض الكامن وراء كل واحد منهما، ف Telghwnja طلب واستجداء للمطر و aghwnja tebburja طلب لتوقف المطر، وهذا ما يتجسد في الكيفية التي يحضر بها aghwnja في كل واحد منهما، ف Telghwnja كطقس للاستسقاء يستعمل فيها Aghwnja ممدودا طلبا للمطر، و Aghwnja tebburja يستعمل فيها Aghwnja مقلوبا كرمز للاكتفاء وطلب توقف المطر، ف aghwnja المقلوب لا يمكن أن يغرف أو يحمل الماء كاليد المقلوبة تماما والتي قال عنها buyezli : iwa ddayem Llah lxir inew ikkassen tadawet ufus nek das traâax gher sudem ar itraâan s idâren إن الطقسين موجهان معا ل Anzâr، وتناقضهما إنما هو لحفظ التوازن بين غياب وحضور anzâr، فغيابه الدائم مخيف (جفاف) وحضوره الدائم مخيف كذلك (فيضان). قد يكون استعمال الدمية في طقسي telghwnja وtebburja Aghwnja ممارسة أحدثت بعد الاحتكاك بمعتقدات أخرى، فربما كان الأصل في عبادة anzâr هو أن تقوم به النساء (issis) دون استعمال دمية ما في طقوس ذات طابع جنسي يحتمل أنها كانت تنتهي بتقديم قربان بشري أنثوي للإله anzâr . فاصطدام المعتقدات القديمة بالجديدة ودخول الكل في علاقات تفاعل متبادل وفق قانون حكم تعاقب الديانات في شمال إفريقيا أدى إلى إحداث هذه الدمى كمرحلة أولى لتعوض القرابين البشرية ولتمنع تبرج النساء وطقوس الجنسية المنكرة من طرف المعتقدات الجديدة، وذلك بعد تغيير المضمون الاعتقادي لهذا الطقس وإبدال الأناشيد والصلوات القديمة بأخرى جديدة. A telghwnja asey urawen s ignna Gher i Rebbi, anzâr ad tekker tuga. ومع استحكام الديانات الجديدة بدأت تتخلى النساء في مرحلة أخرى شيئا فشيئا عن هذه الطقوس وأخذها الأطفال عنهن وبمباركة ضمنية منهن (تتجلى في كون النساء هن من يصنعن الدمى للأطفال وهن من يحضرن لهم ما جمعوا من طعام) وهو ما ضمن لهذه الطقوس استمراريتها إلى جيلنا هدا باعتبار الأطفال يفلتون من رقابة الديانات الجديدة، وهذه قاعدة من قواعد تعاقب الديانات بشمال إفريقيا والتي نجد لها تطبيقا آخر في ما تطور إليه طقس bûhsîra (uday n âacur) في بعض المناطق اليوم التي لم يعد الطقس ممارسا فيها من طرف الكبار ولم يحتفظ الصغار منه إلا على بعض مظاهره كالطواف على المنازل الذي بدأ يتحول إلى طواف بالشوارع واستجداء خالص يقوم على أسس اقتصادية واجتماعية غابت معها الأسس الثقافية القديمة (أعطينا حق عاشوراء). إن الطابع الاحتفالي (الرقص والغناء) للطقوس القديمة يسهم في بقائها، فرغم استئصالها من مجال المعتقد فإنه يتم الاحتفاظ بها كعادة من العادات. لكن إذا كانت دمية telghwnja قد أحدثت كما افترضنا لمنع تبرج النساء وطقوسهن الجنسية، فماذا يمكن أن نقول عن دمية aghwnja tebburja التي تنحدر من طقس ليس فيه تبرج ولا حركات جنسية لأنه كطقس لإيقاف المطر وإعلان الاكتفاء لا يمكن أن يتم بتبرج وحركات جنسية وفقا لما شرحناه في دور الإثارة الجنسية في عبادة anzâr؟ لذلك من المستعبد أن تكون فكرة الدمى قد أدخلت إلى هذه الطقوس في مراحل متأخرة، فالراجح بشدة أن دمية telghwnja و aghwnja tebburja تعود إلى المراحل الأولى من عبادة anzâr، لأن استعمال الدمى له أصول في الديانات القديمة حيث كانت العبادات لا تنفصل عن الممارسات السحرية (Les statuettes d'envoutement) فالدمى ما هي إلا "تماثيل" من ثوب وعصي يسهل صنعها ويسهل حملها والطواف بها على عكس "دمى" الأحجار الثقيلة. إن telghwnja تفصح لغويا عن معطى أساسي في صنع دميتها (aghwnja) لكنها لا تفصح عن أصلها وعن ماذا ومن تجسد؟ فربما كانت النساء اللواتي يطلبن الماء والخصوبة يحملن معهن دمية telghwnja إلى مكان الماء كتجسيد للإلهة isis/issis التي خرجت قبلهن إلى مكان الماء لتبحث عن زوجها إله الإنبات والخصوبة لتحييه بدموعها وبسحرها وبذلك تكون دمية telghwnja عند قدماء ئمازيغن استحضارا للإلهة issis في عملية توسل وتوسط بها لدى زوجها anzâr استجداء منه للماء والخصوبة، كما كان الفراعنة يتوسلون بإزيس isis لتحيي نهر النيل ولتنبت البذور الميتة بدموعها وسحرها. وكما نرش نحن بالماء دمية telghwnja الواقفة في موكبها أمام منزلنا، فربما كانت النساء في العبادات الأولى وبعد طقوس خاصة يلقين telghwnja في الماء لتتحول إلى tislit unzâr ويشاركنها في استحمامها ويقتدين بها في حمل aghwnja ليغرفن به الماء ويصببنه على أجسادهن ويتراششن به، أو أنهن كن يحملن aghwnja ليضربن به الماء كما كان يفعل قدماء الكناريين Igwanciyen الذين كانوا يخرجون في فترات الجفاف إلى مكان الماء في موكب يغنون ويضربون الماء بعصي طلبا للمطر (G.Camps, p147). إن الطقوس التي تستعمل بها دمى telghwnja و aghwnja tebburja تختلف كثيرا أو قليلا حسب المضمون أو الشكل عن الطقوس التي استعملتها بها جداتنا وأجدادنا القدماء، فمن حيث المضمون بقيت الطقوس مرتبطة دائما بالمطر، لكنها فقدت كليا أساسها الاعتقادي ومراسيمها وأناشيدها القديمة، ومن حيث الشكل قد لا تختلف معارفنا الشكلية منها فقط المرتبطة بإعداد الدمية عما كانت تعرفه جداتنا وأجدادنا الأوائل، فمن قواعد قانون تعاقب الديانات بشمال إفريقيا أن تصادم الديانات يؤثر على المضمون أكثر مما يؤثر على الشكل، فأشكال الطقوس يمكن اقتفاء أثرها والتعرف عليها دون جهد كبير، لكن مضمونها لا يمكن معرفة شئ عنه بعدما فقد إلا بالدراسة والتنقيب والمقارنة، أضف إلى هذا أن طقوس الديانات المتعاقبة والمتشابهة في أحد الجوانب أو أكثر تتطابق فيما بينها ويحل الجديد منها محل القديم بسرعة كبيرة لدرجة تحجب عنا أصولها في الديانات القديمة، ونعتقد خطأ بأن لا أصل لها إلا في الديانة الجديدة. ف Tejghwnja مثلا اكتسبت مضمونها الحالي عبر عملية إفراغ وسكب بطيئة زمنيا ومكانيا لمضمون طقوس وصلوات استسقاء الديانات الجديدة في طقوس telghwnja القديمة والمشابهة لها من حيث الغاية، وسنرى بعد قليل في طقس الختان المثال الأكثر توضيحا لهذه القاعدة. لقد حاولت انطلاقا من ربط عادة خروج النساء إلى أماكن الماء في فترات الجفاف بطقوس telghwnja و aghwnja tebburja أن انقب في أصول هاتين الدميتين الأمازيغيتين، وأتتبع تطورهما عن تلك الأصول القديمة إلى أن وصلت إلينا بالشكل والمضمون الذين نعرفهما اليوم، ف Telghwnja Aghwnja tebburja - في ما أرى- هي أكثر بقايا الطقوس القديمة صراحة في ارتباطها بالإله anzâr وإن تم تغليفها بصبغة ديانة أخرى فإنه لا أصل لها ثابتا في تلك الديانة. إذا كانت telghwnja و aghwnja tebburja هي أكثر بقايا الطقوس القديمة صراحة في ارتباطها بالإله anzâr، فإننا نجد كذلك لهذا الأخير كإله للخصب والإحياء حضورا واسعا في مجموع العادات الاجتماعية وهو ما قد يعتبر أصداء شعبية كانت لهذا الإله تماثل شعبية نظيره الفرعوني أوزيرس. ومن العادات التي تتجلى فيها آثار عبادة الإله anzâr نجد عادة الختان (tasekra) وعادات العروس الأمازيغية خاصة المرتبطة منها بما يعرف ب ass n yigem (يوم الاستسقاء)، وهو اليوم الخامس من ايام العرس، والقاسم المشترك بين العادتين هو الخروج إلى مكان الماء وقد فسر هذا الخروج بالنسبة للمختن بأنه تخفيف رمزي لما يجده الطفل من حرارة الألم أو كما يقول izli في المناسبة : isêmmîd uzzal i yerban، وفسر بالنسبة للعروس بكونه تفاؤلا بأن يكون قدومها قدوم خير على زوجها وعلى قبيلته، أو أنه إجراءات رمزية لانضمام العروس إلى جماعة جديدة، لكن وانطلاقا من تفاصيل هاتين العادتين ومن ربطهما بالعادات الأخرى القديمة التي أتينا على ذكرها، ومن الموقع الرمزي للماء بصفة عامة، يتضح أن الأمر ليس كما فسره المفسرون، فهاتان العادتان ما هما إلا استمرارا وامتدادا لطقوس خروج النساء (issis) في مواكب غنائية منذ القديم إلى مكان الماء لعبادة anzâr. إن ما يحيط بالختان من عادات ومراسيم في الثقافة الأمازيغية اليوم، لازال يشير إلى أن هذه العادة تمت طقسستها انطلاقا من تصورات ومعتقدات قديمة، فرغم أن الإسلام تبنى هذه العادة القديمة وتقمص بالتالي الموروث الطقوسي القديم لمجتمعات شمال إفريقيا (فراعنة، أمازيغ…) لدرجة حجبت عن الكثير أصولها الأولى، فإنه مع ذلك لم يستطع أن يزيل منها آثار المعتقدات القديمة التي تمتد بكثير ليس فقط قبل الإسلام ولكن حتى قبل اليهودية، لأن الختان أصلا عادة شمال إفريقية تم تصديرها إلى المجتمعات المجاورة في فترات مبكرة، وقد حظيت هذه الممارسة بمكانة دينية هامة لدى المجتمعات الشمال إفريقية إذ كانت مثلا عند الفراعنة شرطا أساسيا من شروط الكهانة (S.V, p65)، وكثيرا ما تساءل الباحثون عن أصول هذه الممارسة، ونجد أن الأسطورة تحكي عن إزيس عثرت على جميع أشلاء زوجها ماعدا عضوه التناسلي، فهل كان الختان عند قدماء المصريين والأمازيغ إذن تشبها بأوزيريس الذي أكلت سمكة ما شيأه، ما دام أن أداة القطع تأكل كذلك جزءا من العضو التناسلي؟ عندما يختن الطفل الأمازيغي تحمله امرأة على ظهرها وفي يدها قصب طويل تعلق عليه tasebniyt ويذهب به في موكب نسائي غنائي إلى مكان ماء دون التوقف عن الغناء والرقص، إلى أن يصل الموكب مكان الماء ، و تدخل المرأة حاملة الطفل والقصب و توقفه في الماء، و قد تدخل أم الطفل كذلك رجلها في الماء، ثم يرجع الموكب مغنيا راقصا إلى المنزل، إن هذا الموكب يشبه مواكب النساء اللواتي كن يخرجن من قبل إلى مكان الماء لعبادة anzâr، فعود القصب المعلقة على رأسه tasebniyt ما هو إلا اختزالا لدمية telghwnja، فهو دمية لم يستعمل فيها aghwnja لأن الغرض من زيارة مكان الماء ليس الاستسقاء، ولكن الأخذ من قوة الماء التي هي قوة التخصيب والأحياء، فالطفل الأمازيغي المختن يأخذ إلى معبد أبيه anzâr (مكان الماء)، وتحضر الدمية هناك مرة أخرى كتجسيد لاسيس issis يتم إدخالها في الماء للتوسط والتوسل بها في عملية الاستمداد من قوة الماء التخصيبية لأن الختان إعداد لعضو رجل المستقبل لعمليات التخصيب، وفعل ختن يختن في اللغة الأمازيغية يحمل معاني الإعداد والتهيئ : (isker, ifres ( ifres amgwer. وبالنسبة لعادة ass n yigem ففي اليوم الخامس من أيام العرس تخرج العروس في موكب غنائي نسائي وتقصد مكان الماء، وبعد الغناء والرقص تدخل العروس رجلها في الماء، وعند البعض الآخر يتكون الموكب من الرجال والنساء، ويرافق فيه العريس عروسه التي تكون مغطاة الوجه، وعند الوصول إلى مكان الماء تقام حلقات ahîdus، يرقص الموكب ويغني، ويكشف العريس عن وجه عروسه، وتستقي هذه الأخيرة الماء لتأخذه معها إلى المنزل، وترمي حبات اللوز إلى السماء لتسقط كحبات المطر، يتخاطف عليها الأطفال… فإذا كان العريس isli قد مر من قبل بطقوس الإخصاب في tasekra فإن طقس ass n yigem هو دور العروس tislit للمرور من طقوس الإخصاب كذلك، فطقس ass n yigem تحضر فيه كذلك فكرة التبرك بالماء، فزيارة مكان الماء (معبد anzâr) استعداد لعمليات التخصيب وطلب للذرية = adaku ( aduku ?). إن علاقة tislit tamazight و isli amazigh هي علاقة تحاكي ما يربط anzâr و issis اللذين يشكلان الإسلي والتسليت الأسطورين في الثقافة الأمازيغية، فهذا ما تدل عليه الطقوس الجنسية في عبادة anzâr، وهذا ما تدل عليه كلمة tislit unzâr، وهذا ما يدل عليه تزيين دمية telghwnja بملابس وحلي العروس ف Isli يحاكي Anzâr في طقوس الختان وفي دوره التخصيبي بصفة عامة، وTislit تحاكي Issisالتي هي Tislit unzâr (الظاهرة الطبيعية) في ألوان ملابسها وألوان مكياجها وأشكاله (رسم الدموع على الخدين) وفي الخروج إلى أماكن الماء. فإذا كان الزواج في الثقافة الأمازيغية إعادة إنتاج لعلاقة الزوجين الأسطوريين anzâr و issis فإن هذا قد يكشف لنا الجذور الحقيقية الأولى لقصة الحب الأمازيغية بين isli و tislit (فماء البحيرتين لا يستعمل إلا إذا دعت الضرورة إلى ذلك، وحينها لا يجب جلب الماء إلى الساقية إلا بعد تقديم خروف كقربان ل Tislit بذبحه على شاطئ بحيرتها، يظهر هنا مرة أخرى التوسط والتسول ب Tislit issis) كما يعطينا بصفة عامة فهما لإميسية المجتمع الأمازيغي. يبقى الأمر في حاجة إلى مزيد من البحث والتفصيل، حتى نتمكن من استجلاء المعتقد الأمازيغي القديم، وبالتالي إمتلاك أدوات فهم مجموعة من العادات وموقعتها داخل ذلك المعتقد بالشكل الذي يميز بين الأصل والصبغة التي أضفاها تعاقب الديانات عبر العصور. فعادات كالتراش بالماء في عاشوراء (ترش حتما العروس في أول عاشوراء من حياتها الزوجية)، وكزيارة العانس أو العاقر لأماكن ماء محددة، واغتسالها بمائها في شكل طقوسي وغيرها، عادات لا تقف بعيدا من عبادات anzâr و issis. إن كل ما سبق في حاجته إلى مزيد من البحث والتدقيق إن لم يمكنا من الجزم فهو على الأقل يمكننا من الدفاع عن أن osiris و isis الفرعونيين هما anzâr و issis الأمازيغيان… فكل من anzâr و osiris إلهان للخصب والإحياء والبعث، يشتركان في استعمال قوة الماء من أجل ذلك، لكنهما يختلفان في أدوات استعمال هذه القوة، فأوزيريس يستعملها بواسطة نهر النيل، و Anzâr يستعملها بواسطة المطر، هذا ما تدل عليه تجسدات الإلهين: أوزيريس/النيل، Anzâr /المطر، وهذا التباين بين الإلهين يعود إلى اختلاف الظروف الطبيعية بين مصر وباقي الشمال الإفريقي، فمصر هبة النيل كما قال هيرودوت كان اعتمادها ولا يزال إلى يومنا هذا على ماء نهر النيل ولم تكن فيها للتساقطات أهمية، بينما Tamazgha كان اعتمادها ولا يزال إلى يومنا هذا على التساقطات المطرية. وإزيس الفرعونية وIssis الأمازيغية المتطابقتان مائة بالمائة على المستوى اللغوي كما سبق توضيحه، متطابقتان كذلك على المستوى الثقافي، فكما أن إزيس زوجة أوزيريس (علاقة جنسية) ف Issis كذلك زوجة Anzâr (Tislit n unzâr ) ما دام أن Issis/ النساء هن المعنيات بالعبادة الجنسية ل Anzâr، فكل النساء زوجات Anzâr، والنساء ككل أنثوي واحد زوجة Anzâr، وهذا ما يفسر الاستعمال النحوي والدلالي لكلمة Issis في اللغة الأمازيغية. (يتبع)
|
|