افتتاحية:
الاستخفاف بالأمازيغية والأمازيغيين في
الإصلاح الجديد للتعليم
بقلم: محمد بودهان
إذا كان "الميثاق
الوطني للتربية والتكوين" قد جعل من الأمازيغية "خادمة" للعربية تستعمل
"للاستئناس" بهدف تسهيل تعلم العربية، فإنه لم يكن يخطر ببال أحد أن
الأسوأ ـ بالنسبة للأمازيغية ـ ليس ما جاء في "الميثاق"، بل في كيفية
تطبيق وأجرأة "الخدمة" "والاستئناس" اللذين كلفت بهما الأمازيغية لصالح
العربية. وهذا ما فصله "الكتاب الأبيض" المتضمن لمراجعة المناهج
التربوية، الذي وزعته مؤخرا وزارة التربية الوطنية على بعض الهيئات
المعنية بقطاع التربية والتعليم.
1
ـ تقرر تعليم الأمازيغية فقط في السنتين الأولى والثانية من التعليم
الأولي (ما يسمى حاليا بروض الأطفال) والسنتين الأولى والثانية من
التعليم الابتدائي (الثالثة والرابعة من السلك الأساسي حسب التسمية
الجديدة). والكل بغلاف زمني سنوي من 51 ساعة في السنوات الثلاث (وهي
أصغر حصة في مجموع المنهاج) و34 ساعة فقط في السنة الرابعة (الثانية
ابتدائي). (انظر الصفحة 18 من الكتاب الأبيض)
2
ـ لا يتضمن برنامج الأمازيغية أي تعليم للقراءة
والكتابة، بل فقط «أنشطة متنوعة مثل: كلمات معبرة ـ قصص قصيرة معبرة عن
مواقف معيشة ـ أناشيد وطنية ـ حوارات بين المتعلمين حول المفاهيم
المعروفة ـ خلق مواقف لحفز المتعلمين على التعبير بالأمازيغية« (الصفحة
21).
أسئلة كثيرة تثيرها
هذه المعطيات، من بينها:
ـ هل ب 51 ساعة سنوية
(أو حتى مائة!) يمكن تربويا وبيداغوجيا تعليم لغة وطنية كالأمازيغية،
أو أية لغة أخرى كيفما كانت؟
ـ لماذا يتوقف تعليم
الأمازيغية عند السنة الثانية من الابتدائي ولا يتواصل عبر المستويات
التالية؟
ـ هل توجد في العالم
كله لغة تدرّس دون تعليم لقراءتها وكتابتها؟
كل هذه الأسئلة تجد
الجواب عنها في الهدف من تعليم الأمازيغية، هذا الهدف الذي هو
"الاستئناس" بها لخدمة اللغة العربية وتسهيل تعلم هذه الأخيرة،
وبالتالي:
ـ فإن ساعات قليلة
تكفي ما دام الغرض ليس هو إتقان الأمازيغية والتمكن منها كلاما وكتابة،
بل فقط استعمالها في بداية المسار الدراسي لفتح شهية التلميذ على
العربية التي هي الهدف، أما الأمازيغية فهي وسيلة فقط.
ـ يتوقف تعليم
الأمازيغية عند نهاية السنة الرابعة (الثانية ابتدائي) لأن التلميذ في
هذه المرحلة يكون متمكنا من قراءة وكتابة العربية، فتكون بذلك مهمة
الأمازيغية قد انتهت، هذه المهمة المتمثلة في تسهيل تعلم العربية على
التلميذ في سنواته الدراسية الأولى.
ـ بما أن الأمازيغية
ليست سوى وسيلة لتحقيق الغاية التي هي التمكن من اللغة العربية، فإن
استعمالها ـ كوسيلة ـ لا يتطلب اعتماد الكتابة والقراءة، بل فقط أنشطة
شفوية. وفي هذا تأكيد وتبرير أيضا أن الأمازيغية ليست إلا "لهجة" شفوية
ولا ترقى إلى مستوى الاستعمال الكتابي. مع أن السليم تربويا وبيداغوجيا
في تعليم اللغات هو عكس ما قررته الوزارة تماما بالنسبة للعربية
والأمازيغية: فبما أن غالبية التلاميذ المغاربة يتقنون الأمازيغية كلغة
أم ويتحدثون بها شفويا كل يوم، فكان يجب التركيز منذ البداية على
تعليمهم كتابة وقراءة الأمازيغية مباشرة دون الوقوف كثيرا عند الجانب
الشفوي، عكس العربية التي يجب إعطاء الأسبقية فيها، في المراحل الأولى،
لتعلم النطق بها ولاستعمالها الشفوي أولا قبل المرور إلى مرحلة القراءة
والكتابة.
جاء في الصفحة الثامنة
من الكتاب الأبيض: «وحتى تتم معالج الكفايات التواصلية بشكل شمولي في
المنهاج التربوي، ينبغي أن تؤدي إلى: ـ إتقان اللغة العربية وتخصيص
الحيز المناسب للغة الأمازيغية والتمكن من اللغات الأجنبية؛… «. واضح
أن أهداف تعليم العربية واللغات الأجنبية هي إتقان الأولى والتمكن من
الثانية. و"الإتقان" و"التمكن" سلوكات ملموسة يمكن قياسها وتكميمها
وأجرأتها. أما "الحيز المناسب" الخاص بالأمازيغية فهي عبارة فضفاضة
وغامضة قد لا تعني شيئا على الإطلاق: فهل "الحيز المناسب" للأمازيغية
هو ساعة أم يوم أم شهر أم سنة أم قرن..؟. وما دام أن الأمر يتعلق
بالكفايات التواصلية في مجال اللغات (العربية والأمازيغية والأجنبية)
فقد كان من الطبيعي والمنطقي أن تحدد الغاية المتوخاة من تدريس
الأمازيغية مثلما حددت الغاية من تعليم العربية واللغات الأجنبية
(إتقان الأولى والتمكن من الثانية). إلا أن المضحك المبكي أن وزارة
التربية الوطنية حددت لتعليم الأمازيغية "تخصيص حيز مناسب" كغاية! متى
كان "تخصيص حيز مناسب" يدخل ضمن أهداف وغايات تعليم اللغات؟! وما معنى
"تخصيص حيز مناسب" كغاية من تعليم الأمازيغية؟ إنه لأمر مضحك حقا
الكلام عن "تخصيص حيز مناسب" ضمن سلم الأهداف المتعلقة بتعليم اللغات.
لكن ما دام أن الوزارة خططت أن لا يكون لتعليم الأمازيغية أي هدف
تواصلي حقيقي (مثل: قراءتها وكتابتها؛ التراسل بها؛ التواصل بها؛ تحصيل
المعرفة بها…) فقد حددت لها هدفا ينفي كل هدفية، وهو "تخصيص حيز
مناسب". كنا ننتظر أن يجيد التلميذ بتعلمه للأمازيغية التحدث بها و
قراءتها وكتابتها كما هو الشأن بالنسبة لتعلم سائر اللغات، فإذا
بالوزارة تضع لتعلم الأمازيغية هدفا خارج التلميذ وخارج الأمازيغية
وخارج كل شيء: "تخصيص حيز مناسب". فكأن "تخصيص حيز مناسب" كفاية أو
مهارة أو سلوك!
إنه ضحك
على الذقون واستبلاد للعقول.
الخلاصة التي نخرج
منها عند قراءتنا لمضمون المناهج التربوية الجديدة هي أن مطلب رد
الاعتبار للأمازيغية لا زال يقابل بالاحتقار والاستخفاف والتلاعب،
وبشكل فيه كثير من الاستفزاز والتحدي للحركة الأمازيغية والأمازيغيين
بصفة عامة. وهذا ما يطرح عدة أسئلة:
هل ظهير إحداث المعهد
الملكي للأمازيغية لا يعني وزارة التربية الوطنية التي تقرر حسب هواها
في أمر تعليم الأمازيغية، ضاربة عرض الحائط كل ما جاء في الظهير المنظم
للمعهد الملكي للأمازيغية وفي خطاب العرش وخطاب أجدير الذي ينص على
ضرورة «النهوض بالأمازيغية وتعزيز مكانتها في المجال التربوي
والاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني«؟ كيف لقرار وزاري أن يتجاوز
ظهيرا ملكيا؟ أين مبدأ دستورية القوانين الذي ينص على أن كل قانون يجب
أن لا يخالف القانون الأعلى درجة؟ لأي شيء سينفع ظهير إنشاء العهد
الملكي للأمازيغية إذا كان الهدف من تعليم الأمازيغية هو "تخصيص حيز
مناسب" وليس تعميم تدريسها بالشكل اللائق وبجميع الأسلاك التعليمية؟
ولا يمكن القول بأن المعهد الملكي للأمازيغية لم يبدأ أعماله بعد، لأن
الظهير المنظم له نشر بالجريدة الرسمية وتعرفه وزارة التربية الوطنية
التي كان عليها أن تعيد
النظر
في المكانة المهينة التي خصصتها للأمازيغية بناء على ما جاء في ظهير
المنظم للمعهد.
كل هذا يبرر تخوفنا من
أن يكون مصير المعهد الملكي للأمازيغية كمصير خطاب الحسن الثاني في 20
غشت 1994، أي لا يكون له أي تأثير على سياسة "الإنعاش" و"الاستئناس"
التي بدأت تطبقها الحكومة على الأمازيغية دون مراجعة أو تراجع.