|
|
لهذه الأسباب سيفوز الخليفة على عصيد بقلم: مصطفي ملو
رفع امحمد الخليفة، عضو اللجنة التنفيذية لحزب الاستقلال، تحديا في وجه الأستاذ أحمد عصيد، عبر من خلاله عن استعداده الترشح ضده في الدائرة الانتخابية التي يختارها. والخليفة برفعه لهذا التحدي يعتقد أنه سيخرس عصيد ومن خلاله نشطاء الحركة الأمازيغية، الذين أخذوا على عاتقهم مهمة فضح السياسة العنصرية لحزب الاستقلال تجاه الأمازيغية، ولنا قبل البدء بالخوض في تفاصيل هذا التحدي، أن نسأل الخليفة ما الفائدة إذن من إجراء انتخابات أنت متأكد مسبقا من أنك فائز بها، أينما وكيفما كانت الدائرة التي تترشح بها؟الاستحواذ على الإعلام والثروة والسلطة والركوب على الاستقلال قد يستغرب بعض القراء إذا قلنا إن الخليفة سينتصر على عصيد أينما حل وسينال هذا الأخير هزيمة نكراء، لكن الاستغراب والعجب يزولان عندما نعرف أسس وقواعد اللعبة التي ينبني عليها هذا الفوز، فكيف لحزب استحوذ على الإعلام وفرض برامجه في التعليم وخاصة في برامج التاريخ، التي جعلها في خدمة أجندته وإيديولوجيته وسيطر على الاقتصاد والسلطة والثروة وكل مقدرات الشعب المغربي واستعمل جميع الأساطير والوسائل ليبقى هو الحزب الوحيد المتحكم في مصير البلاد والعباد لعقود من الزمن، ألا ينتصر على مواطن بسيط كعصيد؟وهل سيعتبر انتصار حزب بهذه المواصفات وفي ظل كل هذه الإمكانيات المتوفرة له وفي ظل «ما حباه الله به من خيرات ونعم» مفاجأة؟تلكم إذن أول الأسباب التي تجعل الخليفة واثقا من الفوز على عصيد. أتذكر أنه في أحد الأعوام كنت في بلدة عين بني مطهر على الحدود الشرقية مع الجزائر وقد صادف تواجدي هناك إجراء الانتخابات القروية، أتذكر أن أغلب سكان تلك البلدة كانوا ينوون التصويت لحزب الاستقلال وعندما تسألهم لماذا؟ يجيبونك وهل يعقل أن نصوت لحزب غير حزب الاستقلال الذي حقق لنا التحرير وأرجع لنا محمد الخامس إلى أرض الوطن، نحن نكن كل الحب لحزب الاستقلال ولا يمكن أن نصوت لغيره. خيل لي حينذاك أن الانتخابات كأنها تجرى على فرق لكرة القدم وأن المصوتين كأنهم مشجعون معجبون بهذا الفريق أو ذاك ولا يهمهم شيء من برنامج وإيديولوجية هذا الحزب أو ذاك، إنها مسألة إعجاب وفقط، إعجاب كسب بفضل الأكاذيب وتزوير التاريخ والحقائق ونسبة البطولات التي تحققت لهذا الوطن لغير أهلها، في ظل هذه الأجواء السياسية المتعفنة إذن، كيف يعقل لمفكر كعصيد جاء لهدم الأصنام التي أصبحت مسلمات لدى الناس البسطاء بفضل «نضالات» حزب الاستقلال، أن يفوز على الخليفة أو شباط صاحب «حديث المدينة الفاضلة» الذي يعرفه القاصي والداني؟ الترويج للأساطير و»الحقائق الكاذبة» وجعلها مسلمات ما قيل عن بني مطهر يصح أن يقال عن باقي المناطق المغربية، التي يقول الخليفة إنه مستعد للترشح فيها، حيث الناس البسطاء ميالون إلى تصديق أكاذيب حزب الاستقلال، فلا عجب إذن، إذا قلنا أن جيلا بأكمله ما زال يصدق مجموعة من الأساطير، التي كان حزب الاستقلال خريج ما يسمى بالحركة الوطنية هو مخترعها، بل إن حزب الاستقلال في حد ذاته يعد أسطورة من هذه الأساطير، فقد تساءلنا في مقال سابق، كيف بقي هذا الحزب محتفظا بهذا الاسم كأن الاستقلال لم يتحقق بعد أو كأنه يسعى لتحقيق استقلال آخر، ألا يعتبر ذلك استغلالا وركوبا على تضحيات المقاومين المغاربة الذين طردوا المستعمر شر طردة، فإذا كان هناك من يستحق أن يحمل صفة حزب الاستقلال، فهم أعضاء المقاومة وجيش التحرير الذين قاوموا بالجبال وأعطوا دماءهم من أجل هذا الوطن ونحن نعرف قصة حزب الاستقلال مع جيش التحرير والمقاومة؟إن الأنكى من ذلك، هو وجود مجموعة من المثقفين أو أشباه المثقفين، الذين لا يكلفون أنفسهم عناء إعادة قراءة التاريخ المغربي المعاصر، وعوض ذلك يميلون إلى أسهل الحلول وهي تصديق أكاذيب وأساطير اخترعتها»الحركة الوطنية»، التي يعتبر حزب الاستقلال وريث سرها، ومن أمثلة تلك الأساطير ما يسمى بالظهير البربري، الذي لا وجود له إلا في مخيلة حزب الاستقلال، الذي ينصب نفسه غيورا على وحدة الوطن والمواطنين، ووطنيته أرفع وأصفى من وطنية بقية الناس، فلو حصل أن تقدم عصيد للترشح في دائرة انتخابية للتنافس مع الخليفة، فإن أول شيء سيواجه به، هو أنه جاء لإحياء الظهير البربري، وأنه يسعى لزرع بذور الفتنة والتفرقة والانفصال وغيرها من التهم التي ظلت لصيقة بالحركة الأمازيغية ومناضليها، والتي يحاول الترويج لها أعداؤها وحزب الاستقلال أكبرهم، فالخليفة لن يحاول إقناع الناخبين ببرنامجه الانتخابي بعيدا عن تبخيس عصيد والنيل منه في عيون المواطنين، لأن لا برنامج له أصلا، بل سينال أصواته من خلال اللعب على المشاعر والظهور بمظهر الغيرة على الوطن وسيقول كما قال أحدهم»كلنا شلوح»، ثم يضيف «هؤلاء هم ضد الدين وضد وحدة الوطن، فكيف تصوتون على هذا الزنديق، وتتركون حزبنا الوطني، التقي، الورع، المؤمن، الطيب، الغيور على الوطن، المتشبث بوحدته، والذي حقق للمغاربة الانتصارات تلو الانتصارات»؟ استغلال أمية المواطنين عبر التاريخ يسجل أن كل فكر جديد ومتجدد يقبل بالرفض والاضطهاد، فالرسل عليهم السلام اضطهدوا أيما اضطهاد وهجروا وفلاسفة الأنوار زندقوا وكفروا، إذن لا غرابة إن قوبلت أفكار عصيد وشخصه بالرفض وحظي الخليفة بالقبول والرضى، في مجتمع ما زالت الأمية تضرب فيه أطنابها، حتى في صفوف من يسمون أنفسهم مثقفين وفي مجتمع ما زالت فيه أصنام حزب الاستقلال تعبد وتستعصي على الهدم، مغرب أعده وبرمجه وأنتجه وخطط له هذا الحزب منذ عقود من الزمن، بتزوير وتحريف التاريخ واستغلال المساجد والتلفزة والتحكم في التعليم وتوجيهه لخدمة مصالحه، حتى أصبح من الصعب على مواطني هذا المغرب أو على الأقل على بعضهم تقبل كل ما هو مناف لما جاء به حزب الاستقلال، فأن تقول لأحدهم مثلا إن الظهير البربري لا وجود، سيتهمك بالكذب والبهتان، وعندما تقول له إن ما يسمى اليوم بالعلم الوطني ليس في الحقيقة إلا علما من صنع ليوطي ستتهم بالخيانة، وأن مفاوضات إيكس ليبان ليست هي التي أتت بالاستقلال ستتهم بأنك ضد الوطنيين، إنه المغرب الذي نصر على تسميته بمغرب كل شيء مقلوب، فأكاذيب حزب الاستقلال أصبحت مع مر الزمن حقيقة لا تقبل النقض، في حين أصبحت الحقيقة نسجا من الخيال وأصبحت الأصنام آلهة تعبد، مغرب ما زال فيه الشعبويون يخدرون عقول الناس بأحاديث وخرافات ما أنزل الله بها من سلطان وشباط الذي أفضل مشاهدة عروض الفكاهي الأمازيغي Fellag، عوض الاستماع إلى أحاديثه المقززة، من أبرز هؤلاء، فمتى ينجح المغاربة في هدم هذه الأصنام وتكسير هذه الكراكيز التي تفوز قبل الانتخابات؟وماذا بقي لعصيد إذا عرفنا أن حزب الخليفة وصحبه قد سيطروا على أهم القنوات التي يمكن أن يمرروا عبرها إيديولوجيتهم وهي المدرسة والمسجد والتلفزة؟استغلال الدين وخلط المفاهيم. ما قيل عن حزب الاستقلال الذي لا يخفى على أحد استغلاله للدين غير ما مرة وأحاديث شباط الضعيفة أكبر دليل، يقال عن الاسلامويين المستغلين لدين لله كذلك، إذ لا غرابة أن يصوت المغاربة -و هم في الغالب مسلمون اعتنقوا الإسلام قبل أزيد من 1400سنة-، على من يخاطبهم سواء كان من حزب الاستقلال أو من حزب إسلاموي وكأنه يقول»يا معشر المغاربة أنتم مسلمون ومن أراد الإسلام وأحبه فليصوت علينا، ومن لم يفعل فليس من الإسلام في شيء»، فأي أمل وأي حظ بقي لعصيد لأن يفوز على هؤلاء المستغلين للدين أو أولئك المرتبط ماضيهم وحاضرهم ومستقبلهم بالأساطير وتزوير الحقائق التاريخية، فهم حريصون كل الحرص على أن يبقى الشعب المغربي مصدقا لما بين يديهم من التاريخ المزور والأساطير والخرافات وخلط المفاهيم، حتى صارت العلمانية إلحادا والعقلانية كفرا والأكذوبة حقيقة والحقيقة أكذوبة. . . ؟ مخطيء ومغامر عصيد إن هو قبل التحدي، على الأقل في المدى القريب، أما حين يبلغ الشعب المغربي مرحلة الأنوار، حينها لن يفوز إلا هو وأمثاله من المتنورين، كما فاز فكر ج ج روسو وكانط وديكارت، باختصار عندما ينتصر العقل على الخرافة وينتصر التاريخ الحقيقي على التاريخ المزور والصدق على الكذب، فمتى يتحقق ذلك؟ومتى تجرى انتخابات عقلية وعقلانية، لأن الشفافية لا تكون بمرور الانتخابات في جو سليم وفقط، ولكن الشفافية تتحقق بإقناع المصوتين بلغة العقل لا بلغة العواطف والأكاذيب، التي لا تساهم إلا في تدمرهم ويأسهم بعد الانتخابات مباشرة، فهل نجح الخليفة أو شباط يوما في إقناع الناخبين بعيدا عن الشعبوية والديماغوجية والحربائية والبسملة والأحاديث الموضوعة ومهاجمة الخصوم والتفنن في تلفيق التهم، حتى يبقيا هما وحزبهما في أعلى عليين؟ أعتقد أن بصيص الأمل بدأ يظهر وأن الشعب المغربي بدأ يتجه نحو الأنوار بخروج حركة 20 فبراير التي صم حزب الاستقلال ومن معه آذانهم عنها، بل وعملوا على محاربتها والتضييق عليها بنفس الأساليب التي يضيقون بها على عصيد من اتهام بالخيانة والسعي لزرع الفتنة والعمل على نشر الفوضى، والصحيح أن «التهمة الخطيرة» التي يمكن توجيهها لهذه الحركة الفتية، هي كونها-وباختصار-، رفعت في وجهوهم جميعا شعار ارحلوا. الديماغوجية واستغلال فقر المواطنين وحبهم الوحشي للوطن لم أتحدث في تحليلي للأسباب التي تجعل الخليفة ومن معه مرشحين فوق العادة، لاستعمال السلطة والجاه والمال والأعيان واستغلال الفقر المادي للمواطنين في الانتخابات، وإنما اقتصرت على الجانب الأسطوري والأكاذيبي الذي على أساسه يتم دخول غمار هذه الانتخابات، وهذا الجانب مرتبط أساسا بفقر معرفي وعلمي وفكري وبالحب الوحشي للوطن وعمق الإيمان وهو ما يعمل الخليفة على استغلاله ليجد له موقع قدم في المناطق التي يسميها أمازيغية، وهو في ذلك يستفيد من «الإرث النضالي» و»العمل الوطني» الجبار الذي قام به حزبه والقائم على تدريس مجموعة من الخرافات والأساطير لأجيال من المغاربة، إلى أن أصبحت بمثابة مسلمات يستحيل التشكيك في صحتها، والركوب على وطنية البسطاء الميالين إلى تصديق المنافقين المتفنين في زركشة الأكاذيب، التي تمرر تارة باسم الذود عن الدين وتارة باسم الغيرة على الوطن أو باسم الدفاع والتضحية من أجل المصلحة العامة ونكران الذات وتغييب المصلحة الخاصة وتلك هي قمة الديماغوجية.جريدة الميزان في الميزان بالنسبة للبقالي المتحدث الرسمي باسم حزب الاستقلال فيكفي للإجابة عليه أن نقول، بأن جريدته»العلم»، رغم استفادتها من أموال الشعب المغربي أو ما يسمى بدعم الدولة للصحافة لسنوات طوال ورغم أقدميتها، فهي لا تحتل المرتبة الأولى من حيث المبيعات ولا حتى المرتبة الثانية ولا الثالثة ولا حتى الرابعة، وما يوزع على «مناضلي»حزب الاستقلال من نسخ كهدايا أكثر مما يباع، فهل بعد هذا الدليل، دليل على فشل هذه الجريدة مقارنة مع جرائد مستقلة ليس لها من التمويل نصف ما هو متوفر للعلم؟تهنئة مسبقة للخليفة في الختام نقول، ليس غريبا إذن في ظل كل الظروف التي أوردناها سابقا، أن يفوز الخليفة ومن معه، وليس غريبا أن يكون متيقنا مائة بالمائة أن الفوز سيكون حليفه في الدائرة التي يريدها حتى قبل إجراء الانتخابات.في انتظار انتخابات تغيب فيها الديماغوجية والشعبوية والأساطير التي يتم بها كسب عواطف البسطاء، في انتظار ذلك نقول للخليفة هنيئا لك الفوز قبل الانتخابات، هنيئا لك 99، 99 بالمائة من أصوات الدائرة التي ستترشح بها ولا يهم إن كانت في وسط المغرب أو جنوبه، شماله أو شرقه أو غربه، لأنك فائز لا محالة وفوزك لا يحتاج إلى «والله أعلم».
|
|