|
|
حصيلة ناقصة وسوء تدبير إداري عنوان عشرية المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بقلم: رشيد الحاحي
احتفل المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية بالذكرى العاشرة لتأسيسه في سياق مخالف لما عرفته السنوات الماضية من عدم اهتمام كبير بما يقدمه عميد المعهد وأمينه العام من تصريح حول الحصيلة خلال هذه الفترة من كل سنة، خصوصا بعد أن اتضح مسار الاحتواء ومحدودية الانتظار المعلق على هذه المؤسسة نتيجة وضعية شبه الشلل الإداري والمؤسساتي الذي تعاني منه منذ ثماني سنوات. فالحراك الاجتماعي والسياسي الذي بدأ منذ 20 فبراير وما تلاه من نقاش سياسي ودستوري كبير احتلت فيه الأمازيغية مكانة بارزة بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ المغرب الحديث، وحالة البلوكاج التي طبعت وضعية ليركام منذ سنوات، كلها عوامل ساهمت في إيلاء احتفالات ذكرى خطاب أجدير هذه السنة اهتماما ملحوظا بهدف معرفة معالم التغيير الذي يمكن أن يشمل تدبير الشأن الأمازيغي انطلاقا من تقييم موضوعي لأداء هذه المؤسسة ولوضعية اللغة والثقافة الأمازيغية في الحياة الاجتماعية والعامة الوطنية خصوصا في السياق السياسي الراهن. ومساهمة في تقييم عشرية المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأدائه العلمي والإداري، وحدود صلاحياته التدبيرية والسياسية انطلاقا من الإطار القانوني المنظم له، وفي سياق التغيير والبناء المؤسساتي الديمقراطي الذي يفرضه الوضع السياسي الراهن وتتطلع إليه قوى التغيير ومن بينها إطارات الحركة الأمازيغية في المغرب، يمكن أن نخلص إلى المعطيات والنتائج الآتية: ضلت مقاربة المعهد للشأن الأمازيغي ولأدائه كمؤسسة استشارية وعلمية خلال العشر سنوات الماضية رهينة الانبهار بما يمثله إحداثه من منحة إدارية، حيث كان ذلك كافيا للنظر إلى المنجزات الضئيلة بنوع من التضخيم باعتماد المقارنة مع وضعية الأمازيغية خلال فترة ما قبل تأسيس المعهد وليس بالنظر إلى ما يجب أن يكون وأن يتحقق إذا توفرت الحكامة في التدبير والشخصية الكريزمية القادرة على فرض الاعتبار في «السوق المؤسساتية» والتأثير في معادلات التوازنات السياسية، أو إذا توفر الإطار القانوني الديمقراطي الكفيل بتقديم العمل المنشود للغة والثقافة الأمازيغية في فضاء تدبير الشأن العام الوطني. ويكفي معاينة كيف أنه رغم تعدد العراقيل والتملص من جل اتفاقيات الإطار التي أبرمها المعهد فإن تصريحات عميد المعهد وأمينه العام وتقديمهما للحصيلة السنوية كان دائما يعكس الرغبة المفرطة في إرضاء الدوائر العليا وتجنب كل ما من شأنه أن يثير غضب أو عدم رضا أية جهة معنية ولو كانت مجرد حزب سياسي صغير أو مسؤول حكومي بسيط، وذلك حفاظا على مواقعهم ولو على حساب الأمازيغية. وإذا استحضرنا مثلا كيف أن أهم التغييرات التي عرفتها الإطارات القانونية المنظمة للمؤسسات الوطنية الأخرى مؤخرا كالمجلس الوطني لحقوق الإنسان والهيئة الوطنية لمحاربة الرشوة والوسيط... جاءت بعد أن تجرأ المسؤولون عن تدبيرها المؤسساتي مرارا، وآخرهم عبد السلام أبودرار، على توضيح قصور نظمها الأساسية وكشفوا عن العراقيل والاختلالات التي تواجه عملهم المؤسساتي، فإننا لا نزال نتابع اجتهاد عمادة المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية وأمانته العامة في صيغ التحفظ الذي لا مبرر له بقدر ما يعزز النوازع الذاتية للمستفيدين من الوضع المشلول لمؤسسة ملكية. فإذا توقفنا عند ظهير تأسيسه نجد بأن المعهد يشارك بتعاون مع السلطات الحكومية والمؤسسات المعنية في تنفيذ السياسات المعتمدة من طرف الملك ويساعده على إدراج الأمازيغية داخل المنظومة التربوية وضمان إشعاعها في الفضاء الاجتماعي والثقافي والإعلامي الوطني والجهوي والمحلي(المادة الثانية من الظهير)، وقد طرح المنسحبون السبعة من مجلسه الإداري هذا الإشكال في بيانهم بتوجيه الانتقاد بالخصوص لوزارتي التربية الوطنية والاتصال حيث إن الحكومة غير ملزمة بالاجتهاد في تطوير هذه الشراكات مع قطاعاتها الحكومية من أجل تسريع وتيرة الإدماج. وعلى ضوء السياق الدستوري والسياسي الحالي يطرح سؤال عريض عن آفاق العمل المؤسساتي للمعهد وتعيين عمادته ومجلسه الإداري ومحاسبتهم؟يسجل أيضا خلال سنوات عمل المعهد غياب إستراتيجية واضحة ومعقلنة للبحث العلمي حيث إن أهم ما أنجزه المعهد يتم في إطار مبادرات فردية وتعاقد مع باحثين من خارج المؤسسة مقابل تعويضات بخسة وبمسطرة معقدة ومثيرة للنفور مقارنة مع حجم الأموال والتعويضات التي تصرف دون أثر ملحوظ على وضعية اللغة والثقافة الأمازيغية، وحتى بالنسبة للبحث اللساني وتهييء اللغة الذي يمثل حجر الأساس في مهام المعهد خلال العشر سنوات الماضية فإن العديد من الاختلالات العلمية والمعيارية شابت أعمال المراكز، خاصة تضارب الاختيارات المعجمية والارتباك في توحيد المصطلح وفي التأهيل التيبوغرافي لتيفيناغ وفي وضع إستراتيجية عقلانية للتكوين... وغيرها من أسباب الإخفاق المؤسساتي الذي طبع عمل المعهد. يمكن للمتتبع أن يلاحظ بكل بساطة أن عمل المعهد وحصيلته الإدارية يغلب عليها الطابع البرتوكولي الذي يحاول إخفاء حقيقة المنجز العلمي والسياسي، حيث أنه منذ حدث انسحاب سبعة أعضاء من مجلسه الإداري احتجاجا على إخفاقه، تعددت أشكال الاتفاقات والشراكات التي وقعها المعهد مع المؤسسات والوزارات والجامعات، وتعددت مظاهر الاحتفال واستقبال الوفود داخل مقر المؤسسة، وباستثناء النزر القليل الذي تحقق على مستوى إحداث مسلك الأمازيغية بثلاثة كليات، فإن جل الاتفاقيات والأعمال البرتوكولية ليس لها تأثير ملحوظ على أداء المهام المنوطة بالمعهد وعلى وضعية اللغة والثقافة الأمازيغية، وذلك في غياب تصور عملي لعملية إدماج الأمازيغية في الإدارة والقضاء وبعض مجالات الحياة العامة، وفي غياب الكفاءات ومخططات وطرق عمل مضبوطة ومؤثرة داخل لجن مجلسه الإداري. وفي شأن دعم مشاريع الجمعيات الذي أثار الكثير من النقاش يتأكد غياب تصور واضح ومعايير محددة في دعم هده المشاريع، حيث أن المقاربة المعتمدة في صرف الدعم الذي يبقى هزيلا (حوالي 8 ملايين درهم ل274 مشروع سنة 2010) مقارنة مع ما تخصصة المؤسسات والمنظمات الأخرى لإطارت المجتمع المدني، هي ضمان التعاطي الإيجابي مع المقاربة الرسمية للمعهد في تناول الشأن الأمازيغي عبر استقطاب جمعيات المجتمع المدني وإلزامها على التوقيع على إطار مرجعي يمس باستقلاليتها مقابل دعم بخس لا يحقق المطلوب، وكذا انحصار جل الأنشطة والمشاريع التي تنال موافقة المعهد في إطار تنظيمي غير محقق للأهداف والنتائج التي من شأنها التأثير الفعلي في وضعية الثقافة واللغة الأمازيغية في الحياة الاجتماعية والتنموية الوطنية، إضافة إلى ما يحيط بطرق منح وصرف هذا الدعم من غموض وانتقادات في صفوف العديد من إطارات ومنظمات المجتمع المدني العاملة في الحقل الأمازيغي. انطلاقا مما أوردناه من معطيات وتحليل موضوعي لمنجزات المعهد ومختلف الإخفاقات التدبيرية والسياسية التي حالت دون اضطلاعه بدور هام وملحوظ في سياق إنصاف اللغة والثقافة الأمازيغية، يتضح أن ضعف الكفاءة والحكامة الإدارية والإبداع في الرقابة الذاتية وما يرتبط بذلك من سير على نمط التدبير المؤسساتي العليل في المغرب، وسوء إدراك لحجم الرهانات السياسية المرتبطة بالأمازيغية في السياق الوطني الحديث، كلها عوامل حالت دون أن تفطن المجموعة «الإيركامية» إلى حجم الإخفاق الذي راكمته المؤسسة والتصلب في مقاربة انكفائية تبجل المنجزات البسيطة ولا تستوعب حجم الرهانات وإمكانيات التغيير الممكنة انطلاقا من السياق السياسي وزخم إرادة التغيير الذي يهز البلاد. ولا شك أن توفير الإطار التنظيمي والأكاديمي والسياسي الكفيل بتأهيل الأمازيغية في المستقبل مرتبط بتطوير وتعزيز الإطار القانوني والكفائي لهذه المؤسسة في إطار متطلبات الحياة السياسية والدستورية الوطنية.
|
|