|
|
مشروع وثيقة اليوم الدراسي الوطني حول «راهن الأمازيغية» 1- السياق الراهن تقتضي المرحلة التاريخية التي تجتازها الأمازيغية اليوم في وطنها وقفة كل الفاعلين/ات والمناضلين/ات والمهتمين/ات لتدارس الراهن الأمازيغي بالمغرب بكل معطياته وتداعياته، قصد وضع تقييم أولي للمرحلة في مختلف أبعادها، وصياغة الأفق الممكن للاستمرار على درب النضال الديمقراطي بالشكل الذي يحقق تقدما فعليا للمشروع المجتمعي الذي نطمح إليه جميعنا في مغرب الألفية الثالثة. وتحصينا ونقدا للمكاسب المحققة، رغم الاختلاف الحاصل في زوايا التقييم والنظر، فإنه يلزمنا الاعتراف بواقع الأزمة الذي تعيشه أمازيغية المغرب اليوم ذاتيا وموضوعيا، وبضرورة تضافر جهود ومساهمات كل مكونات الحركة الأمازيغية لتجاوز بعض الاختلافات الثانوية بهدف الدفع بقضيتهم العادلة والعمل على تبوئ لغتهم وثقافتهم وهويتهم مكانتها المنصفة في السياسات العمومية للدولة وفي مختلف الإجراءات والمشاريع التي تطمح فعلا إلى تحقيق كرامة الإنسان المغربي ونمائه. فغياب الإستراتيجيات النضالية الموحدة الناتجة عن التركيز أكثر على بعض التباينات في المواقف الجزئية، والتهافت الملحوظ لاقتناص مواقع هشة، يحول دون الالتفاف على القضايا الكبرى التي منحت للخطاب الأمازيغي مشروعيته وأحقية وجوده ومناعة الاستمرار والتطور، وقوة في التميز والانفتاح الايجابي على المنتوج الثقافي والحقوقي الإنساني والكوني، مما أفسح المجال لتنامي الخطابات المناوئة والمحورة لعدالة المطالب الأمازيغية ومشروعيتها التاريخية والإنسية والديمقراطية، واستمرار سياسة التعريب المنهجي للذات المغربية بطرق جديدة ومختلفة، وديمومة الارتباط الإيديولوجي بالشرق وتصريف إديولوجياته في كل دواليب القرار السياسي والثقافي والتربوي وفي جميع مسارات الإنتاج الاجتماعي، واستمرار تهميش قطاع واسع من المواطنين/ات المغاربة وحرمانهم من حقهم في ممارسة مواطنتهم بلغتهم وثقافتهم ومن حقهم الديمقراطي في المساهمة في صياغة مستقبل وطنهم بكيفية حقيقية وفي تمثيلية فعلية في السلطة ومن فرص التنمية والاستفادة العادلة من الثروة العامة وبالأخص موارد مجالهم الطبيعي والصناعي المباشر. كما يضاف إلى كل ذلك اعتماد أساليب جديدة في المناورة وتفريغ المطالب والمقاربات الأمازيغية من محتواها وغاياتها الفعلية، والمراهنة من جديد على الزمن لفرض الأمر الواقع، ناهيك عن ما سجل مؤخرا من تنامي خطابات نكوصية تجاه الحقوق الأمازيغية من أطراف وازنة واستفحال لغة التهجم والتسفيف ضد الحركة الأمازيغية واستهدافها عبر أساليب وتكتيكات مغرضة تهدف استعداء مناضليها وتأليب الرأي العام ضد مطالبها، وحياد الدولة السلبي إزاء كل ذلك. كلها عوامل تجعلنا في أمس الحاجة إلى وعي عميق بدقة المرحلة لإعادة صياغة وتثمين عملنا النضالي والثقافي والعلمي المشترك، وتحديد أهدافنا المرحلية والإستراتيجية، وتعبئة كل الإمكانات الذاتية والموضوعية وتنسيق الجهود لبعث الدفء في توجهاتنا وتحصين مكتسباتنا التي يبقى أهمها تزايد الوعي لدى المغاربة بهويتهم الأمازيغية واعتزازهم بكيانهم الحضاري. وهذا سيعزز بدوره قوتنا في مواجهة الأسئلة الكبرى المطروحة اليوم على الواقع الأمازيغي في بلادنا إسهاما منا في تجذير الانتماء إلى إرثنا التاريخي والحضاري عبر منهجية تنتقل بالنضال من مرحلة البحث عن الذات والدفاع عن أحقية الوجود، إلى مرحلة المبادرة والإسهام والمشاركة الفعلية والنوعية في صناعة مغرب المستقبل، وذلك من خلال تفعيل هذا الوجود لتعميق القيم النبيلة التي تحبل بها الذات المغربية الأصيلة وترسيخ المفاهيم الحضارية التي أنتجها الخطاب الأمازيغي وأطرت أبعاده الثقافية والحقوقية، هذا بموازاة مع الانخراط بشكل أكبر وبأدوات وطرق جديدة ومختلفة في تعميق خطابه التصحيحي والدفع بمطالبه المشروعة لرد الاعتبار لكينونة الإنسان المغربي ووجوده المادي والرمزي. يرمي هذا اللقاء إذن، إلى المساهمة في إعادة الدينامية النضالية والثقافية إلى العمل الأمازيغي، ورص صفه الديمقراطي عبر تقييم موضوعي للمرحلة، والتفكير في آلية تنسيق ومقاربات جديدة تعيد اللحمة إلى الخطاب الأمازيغي وتقوي مناعته وفاعليته في التعامل مع جميع الخطابات غير الجادة في تعاطيها مع الحقوق الملحة للأمازيغ، ووضع الدولة وجميع الفرقاء السياسيين بشكل حازم أمام مسؤوليتهم التاريخية في الإقرار الحقيقي بأمازيغية المغرب، وضمان الإدراج الفعلي للغة والثقافة الأمازيغيتين في السياسات العمومية ومجالات الحياة العامة الوطنية، و صون حق الإنسان الأمازيغي في تمثيلية فعلية وفي تقاسم الثروة العامة والسلطة. وفي خضم هذا السياق الدقيق تفرض عدة أسئلة نفسها على الوعي والفعل الأمازيغيين بصفتها قضايا آنية وعلى رأسها سؤال دسترة أمازيغية المغرب، وراهن مشاريع إدماج اللغة والثقافة الأمازيغيين في الإدارة والقضاء وفي المنظومة التربوية والتعليمية وفي المشهد الإعلامي الوطني، وأدوار الأمازيغية كعنصر ومحدد تنموي وكمدخل لمقاربة مشاريع الجهوية والتدبير الترابي لجهات الوطن. هذه بعض من القضايا الأكثر حيوية والتي يبدو أنها تستحق أن تنال أكبر قدر من النقاش وتحوز أعلى درجات التوافق بين فعاليات الحركة الأمازيغية من أجل المستقبل. 2- الأمازيغية والتدبير التنموي التنمية من المفاهيم المركبة التي يصعب تحديد تعريف محدد لها لانفتاحه على امتدادات معرفية واسعة ومتداخلة، غير أن جميع المقاربات تؤكد على ضرورة وضع الإنسان واستحضاره في قلب المعادلة التنموية من خلال العمل على ربط كل مشاريع التنمية بأساسها السوسيو ثقافي، وتوظيف مختلف مقومات هذا الوجود والامتداد الإنساني في تلك المساعي التنموية. غير أن الخطاب التنموي في الإطار الجيوسياسي المغربي اعتمد، ولعدة عقود، على أسس إيديولوجية وترتيبات تنظيمية إدارية ممركزة أفرزتها الاختيارات السياسية التي انتهجتها الدولة، نتج عنها خلق ثنائيات ومعادلات إقصائية وتخريجات استحواذية مجحفة من قبيل ثنائية المركز والهامش، والمغرب النافع وغير النافع، وفي ذلك تعبير عن عمق الاختلال الحاصل في المقاربات التنموية المنتهجة مند عقود والتي غيبت عمق الارتباط بخصوصية الإنسان المغربي وضرورة الانطلاق من مقوماته الذاتية والثقافية والسوسيواقتصادية، ومن طبيعة نظرته للوجود والعالم. وهي الاختلالات التي لا يزال المجتمع المغربي يعيش أسوأ نتائجها والمتجلية في الارتباك والانفصام الحاصل في الواقع التنموي المغربي وحيرته بين ما تفرضه المؤسسات الإدارية ووسائل الإنتاج الاجتماعي وبين ما يعرفه فعلا في واقعه الحي وطموحه نحو المستقبل. وهذا ما يفسر فشل المقاربات التنموية رغم تبذيرها لإمكانات المغرب البشرية والمادية، وهدرها للكثير من الزمن في تبني اختيارات تنموية تتعارض مع حقيقة وجوهر الوجود الاجتماعي والثقافي الوطني. من هذا المنطلق فإن استبعاد الهوية الأمازيغية للمغرب وشعبه وعدم استحضارها في المقاربات التنموية المعتمدة هي التي جعلت المطلب التنموي في صلب اهتمام الخطاب الأمازيغي من خلال نضال فاعليه على مستويات وجبهات مختلفة، يعد الجانب الثقافي أحد تمظهراته الجلية، بهدف تحريك سواكن المجتمع وخلخلة ثوابته ومسلماته الفكرية والقيمية، والتي كرستها سنوات من هيمنة النماذج الإيديولوجية الشرقية والمركزية الإدارية والاقتصادية المفرطة، وكذا للدفع بالوعي الأمازيغي إلى الانخراط في كل التحولات المحفزة على التغيير والحد من هيمنة النخب الانتهازية بكل اتجاهاتها الإيديولوجية على القرار السياسي والإداري في البلاد، وهو ما تعكسه طبيعة المطالب الأمازيغية المشروعة والداعية إلى إعادة النظر في السياسات المنتهجة لتدبير المعادلات السياسية والاجتماعية والثقافية والتنموية، وإعادة الاعتبار للكائن المغربي من حيث هو منطلق التنمية وغايتها. لذلك، فإن استحضار البعد الأمازيغي في قلب المعادلة التنموية بالمغرب يعد مطلبا أساسيا ورهانا كبيرا لكل الفاعلين/ات والمهتمين/ات من خلال ربط كل مشاريع التنمية بأساسها السوسيوثقافي، فلا تنمية للبلاد دون تحرير الإمكان البشري الوطني، وتنمية الأرض والإنسان بالارتكاز على عناصر كينونته الوجدانية كمنطلق ومحفز للتميز والتفاني والإبداع، وباعتماد مقومات مجاله الترابي كمبدأ للاستغلال الجماعي للأرض وأشكال توزيع الموارد، وغيرها من قيم التضامن والتآزر داخل طبيعة التبادلات الاجتماعية التي ما فتئت تعزز قيم الانتماء والمواطنة داخل المجتمع الأمازيغي. فالتنمية، باعتبارها حقا إنسانيا لا ترتبط فقط بالواقع المادي والجغرافي و لا بأدوات وإجراءات تقنية محضة، بقدر ما هي دينامية إنسانية واعية بذاتها معتمدة على طاقاتها على تغيير الأوضاع وتطوير قدراتها الإنتاجية وبلورة مصيرها التنموي. وهذا يفرض العمل على إدماج المجتمع المغربي بكل فئاته أفرادا وجماعات، وبمختلف جهاته دون ميز أو مفاضلة أو إقصاء، تحقيقا لمبدأ العدالة والديمقراطية التي تحبل بها التنظيمات الديمقراطية المحلية المعروفة لدى المجتمع الأمازيغي، وبما يحقق إسهامها في الإنتاج الوطني المشترك. 3- الأمازيغية والسياسة الترابية تحيل كيفية التعاطي السياسي مع المجال، بصفة عامة، على مقاربتين أو اختيارين متناقضين : المجال المفروض والمجال الطوعي. الأول محكوم بمقاربة أمنية تفرض تدبيرها على الإنسان باعتباره مصدر تهديد وموضوع استغلال، والثاني ذو مضمون إنساني ينطلق من المعطى البشري والجغرافي، وينتظم على أساس طوعية الانتماء. فالتراب كمعطى مفروض يقوم على أسبقية المعطى الجغرافي والأمني، يحكمه هاجس التحكم في إفرازات المجال والاستيعاب القسري لساكنته، وفرض هوية السلطة عبر سلطة وبطاقة الهوية واختيارات الفئات المهيمنة والحاكمة، و ذالك بما يخدم مصالحها واستحواذها على المجال رغم ما تدعيه من إجراءات تنموية وتدابير ترابية كتشكيل مجالس تمثيلية وإجراء الانتخابات. أما المقاربة الديمقراطية التنموية فهي تنظر إلى التراب كبناء إنساني وإطار للعلاقات والتفاعلات الاجتماعية والاقتصادية والثقافية، غاية تدبيره وتنظيمه هو الاستجابة لحاجات ساكنته وحقوقهم في الكرامة والنماء. وإذا ما توقفنا عند قانون تنظيم الجهات بالمغرب يتضح طغيان هذه الهواجس على المقاربة السياسية للتراب الوطني، فنجد أن أول ما نص عليه هذا القانون في بابه الأول هو»لا يجوز للمجلس الجهوي أن يتداول في قضايا ذات طابع سياسي» و»لا يجوز بأي حال من الأحوال أن يمس إحداث و تنظيم الجهات بوحدة الأمة ولا بالوحدة الترابية للمملكة»1.وحسب وزارة الداخلية التي تتولى تدبير المسألة الترابية، فان الهدف من وضع نظام جديد للجهة بصفتها جماعة ترابية جديدة حسب الفصل100 من دستور 1996 هو تجريد الدولة من كافة الأعباء ذات الطباع المحلي أو الجهوي حتى تتفرغ -أي الدولة- لممارسة وظائفها الأساسية التي تتجسد في التحفيز والتنظيم والمراقبة وإسناد المسؤوليات وتدبير المصالح العمومية وتنشيط التنمية المحلية والوحدات الترابية على مختلف مستوياتها مع تدعيمها بالموارد العمومية الضرورية لذلك! وبعد هذا التعبير الصريح عن الاستحواذ على كل المهام والمسؤوليات، يبقى السؤال المطروح بأية جهوية يتعلق الأمر إذن، وبأي لاتمركز ولامركزية؟! فالتصور الأنجع لسياسة جهوية فعالة، كما تبين تجارب الأمم المتقدمة، يتطلب الانطلاق من المعطى الميداني والواقعي، بالمكونات الترابية والبشرية، ووضع الإنسان في مبتدى ومنتهى التدبير الإداري والإجراء القانوني. وواضح أن أي حديث عن المقوم البشري يعني التوظيف الفعلي والإدماج المنتج لعناصر الوجود المحلية على المستوى الاجتماعي والاقتصادي، بما في ذلك الأرض والثروات المحلية، ولغة وثقافة الوسط وإرثه التاريخي ومميزاته وموارده الطبيعة، وذلك وفق مقاربة تحديثية وتأهيلية قادرة على تحرير الإمكان البشري ودعم انخراطه في خلق دينامية اجتماعية وتنموية مندمجة. فعند تحليل الاختيار التدبيري للمجال الوطني في بعده الاقتصادي والاجتماعي، يتضح هاجس التركيز والتبئير المؤسساتي والإنتاجي، مما أفضى إلى تهميش عدة مناطق وجهات رغم توفرها على موارد طبيعية ومؤهلات تنموية هائلة . بل أن سياسة اقتصاد الريع المجالي، حولت بعض المناطق المتوفرة على موارد طبيعة هامة إلى أفقر أقاليم وجماعات المغرب. علاوة على الموارد المعدنية، يمكن أيضا تسجيل الاستغلال الريعي للثروات البحرية في العديد من الجهات والجماعات المحلية على امتداد التراب الوطني، حيث يبقى قطاع الصيد البحري من أكثر القطاعات غموضا وريعا في علاقته بتدبير التراب وتوظيف مؤهلاته الطبيعية في التنمية الجهوية والمحلية. وإذا توقفنا عند إحدى أهم الموارد والثروات الطبيعية التي تفرض أهميتها البالغة في أي سياسة مجالية ألا وهي الأرض والماء، يتضح كيف تم الانقضاض على هذه الثروة المحلية واستغلالها المجحف . فاللوبيات الفلاحية والمستغلة للأراضي الجماعية والسلالية، والفلاحون والملاكون الكبار، قاموا بامتصاص الموارد المائية، الجوفية وخزانات السدود، دون مراعاة لحق السكان القاطنين في الاستفادة من موارد مجالهم الطبيعي. فعن أية سياسية مجالية يمكن أن نتحدث إذا ما كان منطق الاستغلال وانتزاع الأراضي وتهجير الموارد الطبيعية هو السائد؟ هذه الوضعية تفاقمت خلال السنوات الأخيرة بتصاعد تفويت الأراضي، خاصة أراضي الجموع والغابات للفلاحين الكبار، وحرمان السكان من حقهم في استغلال هذه الأراضي والثروات الغابوية. إضافة إلى ما تشهده مناطقهم، خصوصا بسوس، من امتصاص للمياه الجوفية وتهجير مياه السدود، كمياه سد «أولوز» بنواحي تارودانت التي هجرت إلى منطقة «سبت الكردان» ليستفيد منها الفلاحون الكبار القادمون من المركز ومدنه الكبرى، وتشييد ضيعات تعمل بالتكنولوجيا العالية technologie de pointe لإنتاج مواد ومنتوجات تصدر ولا علاقة لها بحاجيات الأمن الغدائي الوطني، ومعفية من الضرائب، والساكنة المحاذية لهذه الضيعات تعيش ظروف معيشية قاسية والجماعات التي وافقت على تفويت أراضيها لا تستفد من أدنى عائد اقتصادي يمكن استثماره في تنميتها المجالية. استنتاجات وعناصر تصور أمازيغي للتراب:ـ المجال ليس امتدادا حيويا أو احتياطيا استغلاليا كما يتصوره البعض بل «تمزيرت» هي مجال إنساني بعمق هوياتي، ولا يمكن وضع سياسة مجالية فاعلة على المستوى التنموي دون استحضار المضمون الإنساني للمجال، أي وضع الإنسان في منطلق ومنتهى التدبير الترابي، وذلك بتوظيف مقومات مجاله المحلي اللغوية والثقافية وإقرار نظام لضمان حق الساكنة في ثروات مجالها وتدبير شؤونها بنفسها، أي اعتمادا على ديمقراطية محلية كاملة الصلاحيات قادرة على إفراز نخب كفئة ومجالس نزيهة وانخراط منتج للرأسمال البشري. ـ المغرب في حاجة إلى جهوية سياسية وليس إدارية. ولا سياسة جهوية بدون جهوية سياسية، أي إعطاء الجهات صلاحيات كبرى لتدبير شؤونها وإمكاناتها، وتشكيل منظمات وأحزاب جهوية من منظور ديموقراطية القرب التي تسمح للمواطنين بالارتباط المباشر والمحسوس بالآليات والمجالس التي تدبر شأنهم العام، وإمكانيات مراقبة أدائها ومحاسبتها، إضافة إلى ضرورة اضطلاع الجهة بصلاحيات تشريعية وتنفيذية في تدبير شأنها العام السياسي والاقتصادي والثقافي. وإذا لم تقدم الدولة على تفويض هذه الوظائف والمهام إلى الوحدات الترابية في شكل حكم ذاتي فإن التدابير الجهوية الشكلية المحكومة بهاجس ضمان مصالح الفئات المهيمنة على الثروة والسلطة لن تعدو أن تكون إخراجا ومصوغا جديدا للمركزية، أو بالأحرى لمركزية القرب! ـ تجربة الدول الديموقراطية التي قطعت أشواطا كبيرة في تعميق السياسة المجالية تؤكد بأن تطوير التدبير الترابي لا يتم دون خلفية وتأطير ثقافي وفكري. وفي المغرب الأمر يتطلب، إضافة إلى النقاش السياسي والتحليل والإجراء التقني والإداري، انخراط الفاعل الثقافي في بلورة رؤية إنسية جديدة للعلاقة مع الأرض والطبيعة والثقافة والهوية. وللأمازيغية دورها الأساسي في إدراك وفهم وتحرير الشخصية الجهوية والوطنية، وتعزيز قيم المواطنة والحداثة والنزاهة والمصلحة العامة انطلاقا من المقومات الرمزية للوجود التاريخي والثقافي الأمازيغي، وذلك في صيرورة حداثة الدولة والفعل السياسي والاقتصادي والثقافي المشدود إلى معطيات العصر وتحديات العولمة. وهذا يتطلب، من بين إجراءات أخرى، تصحيح وإعادة كتابة التاريخ الوطني، وإعادة الاعتبار للتاريخ الاجتماعي والمحلي ودوره في تشكيل ثقافة المواطنين ووعيهم بذاتهم وانتمائهم، إضافة إلى التدبير المنصف للتعدد اللغوي والثقافي الوطني، وتصحيح التعاطي الإيديولوجي التأحيدي والوحدوي مع قضايا الهوية والشخصية الوطنية. بخصوص قضية الصحراء: تشهد قضية الصحراء خلال الآونة الأخيرة تطورات متسارعة ولقد جاءت الأحداث الأخيرة بمدينة العيون لتلقي بظلالها القاتمة على القضية ولتذكر من جديد بحساسية الظرف الذي تجتازه، ولتلفت النظر في نفس الوقت للعديد من الاختلالات التي تشوب تعاطي الدولة مع هذا الملف الاستراتيجي. فرغم كل المجهودات المبذولة في مسار التعريف بموقف المغرب، والتعاطي الدولي الايجابي المتزايد مع مبادرة الحكم الذاتي، لا يزال تدبير هذا الملف المصيري مشوبا بكثير من الاختلالات. لذلك نجد ملائما إيراد الملاحظات التالية: ـ الصحراء موضوع النزاع أرض أمازيغية تنتمي للمغرب بحكم التاريخ والجغرافيا، وتشهد بذلك كل المعطيات الثقافية والإنسانية والطوبونيمية، ولا مستقبل لهذا المجال خارج انتمائه التاريخي والحضاري. ـ ضرورة تغيير التدابير والمقاربة المبنية على الإقصاء والتعتيم التام على أمازيغية الصحراء، والتمييز الذي يطبع تعامل الدولة مع المواطنين الصحراويين الأمازيغ، وثقافة الريع وسياسة الامتيازات المتبعة من طرف الدولة لعقود في تعاطيها مع الملف. ـ التذكير بأن تبعات التدبير الحالي لهذه القضية وتكاليف أية أخطاء محتملة ستدفع من دماء وجيوب عموم المغاربة، وعليه نجدد اعتراضنا على احتكار هذا الملف المصيري من طرف نخبة معينة، ونشدد على ضرورة الإشراك الحقيقي لجميع القوى الوطنية الحية وعلى رأسها الحركة الأمازيغية في تحمل مسؤوليات التفكير والاقتراح في معالجة القضية. 4- وضعية الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين يعد مشروع إدماج اللغة الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين أحد المداخل الأساسية لإعادة الاعتبار للهوية والثقافة المغربية الأصيلة، وتصحيحا للاختلالات ولواقع الإقصاء الذي تتعرض له في موطنها مند أن وضعت أولى هياكل ومناهج التعليم النظامي العصري في المغرب . وبينما كانت بدايات هذا المشروع إبان بداياته سنوات 2003، 2002. واعدة من خلال عمليات تقعيد اللغة وإنتاج الكتب المدرسية وإصدار مذكرات تنظيمية، اتضح مع توالي سنوات التعثر أن الدولة المغربية، ممثلة في المؤسسات المعنية بملف إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين، ليست جادة وحازمة في تعاطيها التدبيري مع هذا الورش ذي العلاقة الوطيدة بهوية الدولة ومختلف مشاريع التنمية والمواطنة والديمقراطية المطروحة. فواقع الارتجال واللامسؤولية التي يتخبط فيه تدريس الأمازيغية وتزايد التراجعات وتمييع أهدافه، يبين لبسا في الموقف من هذا المشروع، ويكشف تقاعسا واضحا عن إيجاد الحلول للمشاكل والحاجيات والدعامات المرتبطة به وتخصيص الاعتمادات والموارد المطلوبة، ومما يؤكد ذلك إهمال الإمكانات والموارد المتوفرة كخريجي مسالك الأمازيغية بالجامعات الذين يواجهون باللامبالاة بدل الاستفادة من تكوينهم في تدريس الأمازيغية. لهذا، وأمام هذا الوضع المتردي تتضح ضرورة تذكير الدولة والمؤسسات العمومية بما يلي: ـ أن الأمازيغية هي لغة وثقافة وهوية الشعب المغربي، ومن واجب الدولة أن تعلم الشعب المغربي بلغته، وأن تعمل على تطوير هذه اللغة وتأهيلها لتستجيب لحاجياته في التربية والتطور والنماء. ـ أن مشروع إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين يرمي إلى إنصاف اللغة والثقافة الأمازيغية وتبويئها مكانتها العادلة في السياسات العمومية للدولة، كما يهدف من خلال ذلك إلى إعادة الاعتبار للذات المغربية والشخصية الوطنية بتصحيح الاختلالات الثقافية والهوياتية التي أفضت إلى حالة التردي والبؤس واللاانتماء التي تخيم على الشعور الفردي والجمعي، والتبعات الكارثية لذلك على الوطن والمترتبة عن تعطيل المقدرات الإبداعية للإنسان المغربي وتبديد طاقاته في مساع ومتاهات أبعد ما تكون عن قضاياه الملحة وحاجياته الحقيقية . ـ أن إدماج الأمازيغية في منظومة التربية والتكوين ومشروع إنجاحه هو مطلب وورش كل المغاربة، ومن تم التأكيد على خطورة التعامل الانتقائي مع مكونات وامتدادات هذا الإدماج ، وعليه فإن هذا التعليم يجب أن يستفيد منه كل المواطنين من خلال تدبير حكامي ومنصف يقوم على التعميم العمودي والأفقي وتوفير الإمكانات والموارد المادية والبشرية الضرورية لذلك . 5- الإدارة والقضاء لقد ساهم غياب الحماية الدستورية للغة الأمازيغية كلغة رسمية إلى استمرار الدولة في تبني سياسات مهمشة للغة الأمازيغية بالإدارات العمومية، حيث يواجه قطاع عريض من المواطنين المغاربة بخروقات مختلفة نتيجة إرغامهم على استعمال لغة غير لغتهم الأم في قضاء مصالحهم الإدارية المختلفة وفي التقاضي، ذلك أن التشريع المغربي جعل العربية اللغة الوحيدة للإدارة (مع حضور فاعل للغة الفرنسية) كما أنه يحرم على القاضي إنجاز المحاكمات إلا باللغة العربية دون غيرها. ويتم التعامل مع الأمازيغيين بمقتضى ذلك كأنهم لاجئون أو أجانب، ولم تسن أية تشريعات وطنية في هذا المجال تعيد الاعتبار للمواطن الأمازيغي وذلك بإقرار اللغة الأمازيغية بدورها لغة الإدارة والقضاء، مما يعد تعديا على حق قطاع كبير من المغاربة في المواطنة ومسا كبيرا بمبدأ التساوي أمام القانون. ومن جهة أخرى لازالت هناك بعض أقسام الحالة المدنية ترفض تسجيلها أسماء المواليد الأمازيغية بعلة أن هناك لائحة معدة سلفا من قبل ما يسمى باللجنة العليا للحالة المدنية بوزارة الداخلية تمنعها. كما تمظهر الإجحاف القانوني ضد الأمازيغية في الاعتقالات والمحاكمات الغير العادلة التي راح ضحيتها طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية بكل من الراشيدية ومكناس، والزج بهم في السجون وإصدار أحكام زجرية ضدهم، بعد أن ألصقت بهم تُهم في محاكمات غابت عنها شروط التحاكم المنصف. أما على مستوى التجمعات العمومية والحق في التظاهر، وحرية الصحافة فقد تعرضت عدة حركات احتجاجية للمنع أو أحيانا للقمع ومنعت جمعيات عديدة من وصول الإيداع القانونية. وعليه فإننا نسطر على ما يلي: ـ وجوب اعتماد اللغة الأمازيغية في الإدارات والمحاكم بدون استثناء، صيانة لكرامة المواطنين المغاربة وحقهم في قضاء جميع أغراضهم الإدارية بلغتهم الأم وفي تقاض عادل. ـ وجوب احترام الحريات العامة والحق في الرأي والتعبير والحق في تأسيس الجمعيات واستغلال القاعات العمومية وحريات التجمع والتظاهر والتنقل، وذلك عبر مراجعة التشريعات الجاري بها العمل وملائمتها مع القوانين المتعارف عليها دوليا وتعزيز مكانة الاتفاقيات الدولية في الوثيقة الدستورية، والتنصيص على سمو المواثيق الدولية وعلى الحماية القضائية للحقوق الدستورية وتمكين الجمعيات من حقها في وصولات الإيداع القانونية والتراجع عن المقاربات والهواجس الأمنية في التعامل مع مختلف القضايا العمومية. ـ الإشادة بالنضالات النوعية التي تخوضها الجمعيات الحقوقية الأمازيغية على الصعيد الدولي والتي أتمرت على اختراق التعتيم الذي تفرضه الدولة المغربية على وضعية الحقوق الثقافية واللغوية والاقتصادية والسياسية المتردية الإنسان المغربي في وطنه، والصدى المتزايد الذي تلقاه المطالب الأمازيغية العادلة دوليا، والتأكيد على إستراتيجية المسار الدولي. وبالموازاة مع ذلك التنديد بالهجمات المجانية والحملة المغرضة التي استهدفت الحركة الأمازيغية مؤخرا عقب صدور تقرير لجنة الأمم المتحدة لمناهضة الميز حول وضعية الحقوق الأمازيغية في المغرب. ـ التأكيد على أن إدانة طلبة الحركة الثقافية الأمازيغية تم في غياب شروط المحاكمة العادلة، ومطالبة الدولة بالإطلاق الفوري لسراح المعتقلين الأمازيغ من طلبة الجامعات وإلغاء الغرامات المالية في حقهم. 6- الإعلام والتواصل إذا كان الاعتراف بالحق في الإعلام والاتصال أداة فعلية تمكن المجتمع من تتبع الشأن العام ومراقبته والإطلاع على مجريات الأمور وما يتخذ أو ينفذ من قرارات على كافة مستويات الدولة من جهة، فانه من جهة أخرى يعتبر الضمانة الأساسية لمشاركة المواطنين في الحياة العامة للبلاد. لذا فإن الحق في الإعلام والاتصال يتجاوز الإطار الذي يتم حصره فيه في الكثير من الأحيان، لأن ممارسة هذا الحق لا يمكن أن يتم بشكل جدي إلا إذا توفرت مجمل الشروط والضمانات ومنها احترام التعددية اللغوية والثقافية، وتوفير الحق في الحصول على المعلومات والمعطيات التي تهم المواطن حول سير الشأن العام باللغة الأم، والحق في الوصول إلى وسائل الإعلام السمعية والبصرية وتوفير الخدمة العمومية في هذه المرافق، ومحاربة احتكار الصحافة والإعلام من طرف مجموعات سياسية ومالية نافذة وتحويله لأداة لتمرير إيديولوجيات محددة. علما أن دور الإعلام أساسي في تقوية البناء الديمقراطي إذا تم توفير فضاءات منفتحة وجادة لممارسة الاختلاف ومقارعة الحجة بالحجة وإغناء النقاش بشكل جدي ومسؤول وتطوير حرية الفكر والعقل النقدي. ولا تكمن أهمية الإعلام وخاصة المسموع والمرئي منه، فقط في استجابته لحاجات المجتمع المرتبطة بالأخبار والتسلية والترفيه، بل إن وظيفته الحقيقة تكمن في تنوير الرأي العام وجعله قريبا من الحدث ومواكبا للتطورات، ليكون بذلك الإعلام أداة من أدوات تحقيق التنمية والقضاء على مظاهر التخلف والانغلاق. وعليه فإن إنصاف الإعلام الأمازيغي، خاصة السمعي البصري بعد عقود طويلة من التهميش والإقصاء الممنهجين، لن يتأتى إذن إلا باستحضار لمختلف عناصره الثقافية واللغوية والأدبية والفنية، وباقتسام متساو وعادل للوقت في القنوات الوطنية وإلغاء التعاقد السلطوي غير المتوازن بين الدولة والمواطنين. وبالموازاة مع ذلك لا يمكن للإعلام السمعي البصري الأمازيغي التقدم بمعزل عن انخراطه في صياغة أسئلة متقدمة تستند إلى النقد والنقد الذاتي، مما يفرض ضمنيا إعلان سلطة الحوار الجاد بين المهتمين والمتخصصين والباحثين وممثلي المجتمع المدني، وإقرار قانون تنظيمي يضمن استقلالية الإعلام وصحفييه وحمايتهم، وشفافية تدبيره، وعلى الإعلام الأمازيغي أن يعي نفسه كطرف وكشريك في تأكيد قيم المواطنة والمشاركة والتسامح، وشريك في إحقاق التربية الوطنية المنفتحة. لذا فإننا نجدد التأكيد على: - حق المواطن المغربي في إعلام كامل سمعي بصري عمومي حر ومستقل، يأخذ بعين الاعتبار اللغة الأم للأمازيغ كلغة موحدة ومعيارية، ولجميع المغاربة بدون استثناء برامج ذات أهداف للتعريف والنهوض بالأمازيغية والتربية على حقوق الإنسان، وتوفير الميزانيات والأدوات اللوجيستيكية لتحقيق ذلك. وضرورة أن يستفيد الإعلام الأمازيغي في ذلك بتمييز إيجابي لتدارك التأخر الذي لحقه نتيجة عقود من التبخيس والإقصاء. - تثمين إنشاء « القناة التلفزية الأمازيغية « من حيث المبدأ والتأكيد على ضرورة أن ترقى هذه القناة في برامجها شكلا ومضمونا للاستجابة لتطلعات المشاهد الأمازيغي لمنتوج إعلامي رصين وحديث ومتنوع يقطع مع النظرة النمطية الفلكلورية والتقليدانية للثقافة الأمازيغية. مع ضرورة إثراء الفضاء السمعي البصري الأمازيغي بقنوات ومحطات متنوعة وفتح الباب أمام المبادرات الخاصة في هذا المجال. - وجوب تحمل جميع الفرقاء مسؤوليتهم في تخليق الممارسة الصحفية والإعلامية وضرورة تقلد الوزارة الوصية مسؤوليتها في مراقبة الانزلاقات الغير المسؤولة لكثير من المنابر الصحفية الوطنية في تعاطيها مع أمازيغية المغرب والمتمثلة في السعي للنيل من الخطاب المطلبي الأمازيغي عبر مغالطة الرأي العام بأخبار زائفة وتأويلات مغرضة. 7- مستجدات النقاش العمومي ومواقف بعض الفرقاء في ما يبدو أنه موقف جديد آخذ بالتشكل ومنذر بانتكاسات وتراجعات في موقف الدولة والفرقاء من المطالب الأمازيغية العادلة، كانت الحركة الأمازيغية ومطالبها المشروعة الآونة الأخيرة هدفا لحملة تشويه وتسفيف ممنهجة على صفحات عدد من الصحف الوطنية التي تصرف عبرها مواقف فرقاء سياسيين وازنين، وذلك بتماه وتبادل أدوار واضح مع صحف خارجية وقنوات إعلامية خليجية يتفق الجميع على معاداتها للمغرب وسعيها النيل من مصالحه الوطنية إلا حينما يأتي الدور على التهجم على الأمازيغية وربطها بالصهيونية والعمالة للخارج... حينئذ يصمت الجميع وتصبح التحاملات والتهم المغرضة حقائق قاطعة وأدلة دامغة تتناقل على صفحات الجرائد ويتفنن في عنونتها وبثها لتضليل الرأي العام الوطني واستعدائه ضد هويته الأمازيغية. بل وصل الحد بالبعض درجة التزييف وتحريف الحقائق وتحميل بعض المعطيات أكثر مما تتحمل كما حصل مؤخرا مع مقال صحفي لباحث إسرائيلي حول علاقات إسرائيل مع الدول المغاربية حورته الآلة الإعلامية المتحاملة على هواها وجعلته مطية لشيطنة الحركة الأمازيغية في الوعي العام المغربي. فإذا ما كنا اليوم شهودا على الموقف الوطني الموحد المستنكر للتدليس الذي مارسته بعض وسائل الإعلام الاسبانية بتزييفها للحقائق واستخدامها المغرض لوثائق خارج سياقاتها في تعاطيها مع أحداث العيون الأخيرة، فيجدر بكل ديمقراطي وكل غيور على الحقيقة وعلى مهنة الصحافة أن يستنكر وبشدة التدليس الممنهج والروتيني الذي يمارس على الرأي العام الوطني من داخل المغرب ومن خارجه في كل ما له علاقة بالهوية والمطالب الأمازيغية. وبتزامن مع ذلك يسجل إقدام أطراف على إطلاق دعوات ومبادرات أقل ما توصف به أنها تنكر لمشاريع المصالحة مع الذات المغربية وإعادة الاعتبار للهوية الأمازيغية كما أسست لها الخطابات الملكية (خطاب العرش 2001، وخطاب أجدير). وفي هذا الصدد نخص بالذكر النداء الذي أطلقته مؤخرا جمعية مغربية للدفاع عن اللغة العربية انطلاقا من عاصمة دولة أجنية والداعي لاختزال المشهد اللغوي الوطني في لغة واحدة دون غيرها وتجريم استخدام ما عداها بمقتضى القانون، والتلقف السريع لهذه الدعوات من قبل أحزاب «عتيدة» وترجمتها لمشروع قانون أبارتايد هوياتي ولغوي يزمع طرحه على لجنة التشريع بمجلس المستشارين، ويتزامن ذلك واستمرار حالة البلوكاج المؤسساتي لمشاريع إدماج الأمازيغية في المنظومات والحياة العامة الوطنية، وغياب الحماية التشريعية والدستورية لها. لذلك، وبناء على هذه المستجدات والمعطيات تجدد الحركة الأمازيغية تذكير الدولة المغربية ومختلف الفرقاء السياسيين والرأي العام الوطني بما يلي: ـ استهجانها للاتهامات والتحاملات التي تتعرض لها والرامية للالتفاف على مطالبها العادلة، والتي تتوسل تضليل الرأي العام واستعدائه ضد الحركة الأمازيغية ومناضليها عبر محاولة الربط التلقائي للأمازيغية في المتخيل العام بمقولات “الصهيونية” و”التآمر” و”الفتنة”... واستنكارها للأساليب المغرضة الموظفة في تلك المساعي. ـ أن “نضال” بعض الأطراف ضد ما يعتبرونه “وضعية مزرية اللغة العربية في وطنها” لا يخول لها البتة الحق في مهاجمة واستهداف اللغة والهوية الأمازيغيتين للمغرب. ـ رفضنا لسياسة النوادي المغلقة التي ينتهجها دعاة التعريب المطلق في المغرب ودعوتنا لعقد مناظرة وطنية مفتوحة حول الواقع اللغوي الوطني وسبل تدبيره الديمقراطي. ـ التأكيد على أن دور الجهاز التشريعي هو صون حقوق كافة المواطنين وليس شرعنة الإقصاء وترسيم الميز بينهم، وأن خصائص اللغة كمعطى إنساني وحامل هوياتي وثقافي تجعلها عنوان كينونة ملتحمة بالإنسان، وأن أي تفاوت في القيمة الاعتبارية والوضعية القانونية للغات المختلفة ضمن حدود الوطن تنسحب تلقائيا على مراتب المواطنة للمنتسبين لتلك اللغات، وعليه فإن خلق وضعيتين اعتباريتين متفاوتتين بين اللغتين العربية والأمازيغية في المغرب بمقتضى القانون يعد تصنيفا للمغاربة على أساس هوياتي ولغوي ويهدد بضرب كيان الوطن ووحدته في الصميم. 8- دسترة أمازيغية المغرب إن المدخل الأساسي للمصالحة الفعلية مع هوية المغرب الأصيلة ورد الاعتبار للذات الفردية والجماعية الأمازيغية ولكياننا الوطني هو المدخل الدستوري، حيث إن إقصاء هذا المكون في جميع الدساتير مند دستور 1962 شرْعَن للتنكر للمغاربة الأمازيغ في سياق كانوا فيه أكثر من دفع ثمن تحرير البلاد وتحملوا أعباء تأسيس كيان وطني موحد، هذا التنكر شكل انتكاسة فعلية وتاريخية للوجود الأمازيغي وللغته وثقافاته وهويته، ومسوغا لمختلف أبعاد الوضع الدوني الذي لازالت تعاني منه الأمازيغية في السياسات العمومية للدولة وفي فضاء الحياة العامة الوطنية. ولهذه الأسباب نطالب باعتماد المرتكز الأساسي التالي في أي تغيير أو إصلاح دستوري في بلادنا : ـ التنصيص على أمازيغية المغرب وانتماءه المغاربي والإفريقي وعلى اعتماد اللغة الأمازيغية لغة رسمية، وتغيير الفقرات والعبارات التي تتنافى وذلك. ـ اعتماد مبدأ عام للسياسة الترابية ينص على الشخصية المعنوية للجهات بناءا على الاطار الهوياتي والثقافي المحلي، وعلى تمتعها بالاختصاصات التشريعية والتنفيذية والاستقلال التدبيري ، واعتماد نظام البرلمانات والحكومات الجهوية، وإقرار الحق في تأسيس أحزاب جهوية . ـ دسترة المؤسسات الوسيطة عبر التنصيص عليها وعلى صلاحياتها في اقتراح مشاريع القوانين، وتتبع تنفيذ مهامها بتنسيق مع المؤسسات الحكومية . ـ تعزيز مكانة الاتفاقيات الدولية في الوثيقة الدستورية، والتنصيص على سمو الصكوك الدولية لحقوق الإنسان وعلى الحماية القضائية للحقوق الدستورية.
|
|