|
|
برنامج «أوال ن تاسوتين» هو أحسن نموذج لتطوير الإذاعة الأمازيغية بقلم: المهدي مالك مقدمةلم يكن أحد يتخيل أو يتصور في العقود الماضية أن الإذاعة الأمازيغية ستخرج من خطاب التخلف القروي ومن خطاب يتجاهل الأمازيغية كهوية وكثقافة وكقضية نقاش وطني إلى خطاب معاصر يعتمد على مفاهيم حديثة كالحداثة والتنمية البشرية والحفاظ على الثقافة والهوية الأمازيغيتين والحوار مع المستمعين حول مواضيع من وحي حياتهم العامة والخاصة. وهكذا كانت الإذاعة الأمازيغية في العقود الماضية مجبرة على جعل عامة الأمازيغيين بعيدين عن همومهم الحقيقية والمتمثلة في تنمية مناطقهم وتنمية وعيهم الهوياتي حيال وضعية ثقافتهم ولغتهم في ذلك الوقت الحساس بالنسبة للمسالة الأمازيغية بشكل عام. وبالإضافة إلى مسالة جوهرية ألا وهي الخطاب الديني الموجه إلى الأمازيغيين عبر هذه الإذاعة الموقرة، والذي بدأ يطرح بالنسبة لي مجموعة من الأسئلة العميقة إلى حدود الساعة حيث إن هذا الخطاب لم يستطع مواكبة المستجدات والتحولات التي عرفها المغرب منذ سنوات من هذا العهد المبارك على مختلف الأصعدة والمستويات بل ظل هذا الأخير يعاني من رواسب الماضي المعادية لهويتنا الأمازيغية ويعاني كذلك من عقدة تحريم عاداتنا وفنوننا الجميلة كفن أحواش وفن الروايس... الخ، بدعوى أنها حرام في الدين الإسلامي وفق المنظور السلفي الذي يجسده الفقيه المعروف داخل الإذاعة الأمازيغية منذ سنوات طويلة وهو من منطقة سوس. ومنذ طفولتي أستمع لبرنامج هذا الفقيه الديني وأسجل مجددا أنه ضد التطور وضد الثقافة الأمازيغية بصريح العبارة ويشجع الفكر السلفي بكل وضوح. وهذا اعتبره يشكل خطرا كبيرا على مستقبل الهوية الأمازيغية خصوصا ومستقبل الحداثة ببلادنا عموما حيث ما معنى هذا التقدم الكبير في حين نسمع هذا الفقيه وهو يحرم الأسماء الأمازيغية ويحرم تقاليدنا وخصوصياتنا الثقافية بدعوى أنها جاهلية... الخ، من هذا الحديث السخيف تجاه الأمازيغية منذ عقود من الزمان. وأتساءل متى يؤمن هؤلاء الفقهاء الكرام بأن الأمازيغية عموما هي الحاملة لهويتنا الإسلامية المغربية منذ الفتح إلى يومنا هذا؟ متى سيعتبرون أن تقاليدنا وعاداتنا تدخل ضمن تراثنا المغربي الإسلامي ..معالم التطوير في الإذاعة الأمازيغية يمكن القول إن البوادر الأولى لظهور معالم تطوير الإذاعة الأمازيغية بدأت منذ تأسيس المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية الذي أعطى الانطلاقة لعملية تحديث هذه الإذاعة وزيادة عدد ساعات بثها من 12 ساعة إلى 16 ساعة منذ نونبر 2005ـ بل هناك من يتحدث عن مشروع 24 ساعة من البث منذ سنوات. وعلى مستوى المضمون البرامجي استطاعت الإذاعة الأمازيغية إنتاج وتطوير برامجها لكي تتناسب مع السياق العام للنهوض بالهوية والثقافة الامازيغيتين ببلادنا حيث بدأ المستمعون يتعرفون على الوجه الحقيقي لثقافتهم الأم ويتعرفون على مصطلحات أجدادهم مثل ازول أي السلام وتيفاوين أي صباح الخير. غير أننا تعودنا على قول السلام عليكم من باب احترام الدين الإسلامي حيث يقال إن السلام عليكم هي تحية أهل الجنة! ولا يمكننا أن نتجاهل برامج الأستاذ الحسين جهادي الدينية التي انطلقت منذ سنة 2003 وهي عبارة عن تمزيغ السيرة النبوية وصحيح البخاري والحديث القدسي بلغة أمازيغية في المستوى.. لعلي تحدثت على العموم عن معالم تطوير الإذاعة الأمازيغية غير أنني سأركز على برنامج «اوال ن تاسوتين» الذي انطلق مع شبكة الموسم الإذاعي 2010 /2011 والذي يقدمه صوت إذاعي جديد واسم معروف في أوساط الحركة الأمازيغية وهو الأستاذ رشيد بوقسيم رئيس جمعية اسني ن ؤورغ الغنية عن التعريف وتساعده في هذا البرنامج الأستاذة زهرة ارجدال وهي كذلك صوت إذاعي جديد على الأثير الأمازيغي. أن برنامج «اوال ن تاسوتين» هو فكرة جديدة تستهدف فتح النقاش مع مستمعي الإذاعة الأمازيغية عبر الهاتف حول مواضيع من وحي حياتهم العامة والخاصة. وهدف هذا البرنامج الكبير هو تعميق وإصلاح مجتمعنا وإبراز مجموعة من الظواهر السلبية كالتحرش الجنسي تجاه تلميذات المدارس أو الجامعات وشهادة الزور... الخ من هذه الظواهر الاجتماعية. وكما تناول هذا البرنامج إلى حد الساعة مواضيع في المستوى كالمواطنة كحقوق وواجبات خصوصا بعد ما حدث في مدينة العيون مؤخرا من الأعمال التخريبية والمنافية لمفهوم المواطنة الصادقة. وتناول برنامج «اوال ن تاسوتين» تقليد بلماون كتراث أمازيغي قديم يعود إلى عهود غابرة ما قبل الإسلام وعاش هذا التقليد في أحضان الأمازيغيين المسلمين الذين يحتفلون به في عيد الأضحى المعروف بحمولته الرمزية والدينية لدى مسلمي العالم. وحاول الأستاذ رشيد بوقسيم إيصال فكرته الشخصية ومفادها علينا أن نعتبر ظاهرة بلماون تراثا ثقافيا يساهم في جلب السياحة وتحريك العجلة الاقتصادية لجهة سوس طيلة أيام هذا العيد حيث يتوافد الناس من مختلف المدن المغربية ومن الخارج قصد قضاء تلك الأيام في أحضان الأهل والأحباب وفي أحضان مثل هذه التقاليد العريقة التي يجب أن نتعز بها عوض تحريمها وإقبارها تحت ذريعة محاربة الجاهلية وتقاليدها والجاهلية هنا هي هويتنا الأمازيغية في نظر فقهاء السلفية الدخلاء على تراثنا المغربي عموما. وعلى مكونات المجتمع المدني أن تنظم هذا التقليد تنظيما قويا قصد جعل بلماون بعيدا عن كل من شأنه تشويه صورة هذه الظاهرة وإخراجها من سياقها الأصيل إلى السياقات الأخرى مثل السرقة... الخ.وخلاصة القول إنني أتمنى لبرنامج «اوال ن تاسوتين» النجاح والمزيد من العطاء تحت شعار تطوير الإذاعة الأمازيغية مسؤولية الجميع وشعار ثانٍ لا يقل أهمية من الأول هو من أجل تطوير مجتمعنا المغربي وجعله يتبنى خيار الحداثة والحفاظ على هويته المغربية.
|
|