|
|
الدرجة الصفر في النضال بقلم: مبارك اباعزي «ثمة ظلام أكثر سوادا من ظلام الليل، هو بلا شك ظلام السلطة» (جوزيف كونراد) «مسرورة جدا تلك الشعوب التي لا تحتاج إلى أبطال» (مالرو) مضى زمن طويل، كنا ننتظر فيه حلول إعلام أمازيغي مسؤول ومستقل، يراعي مشاعر الأمازيغ ويهتم بثقافتهم ويضمد جروحهم وينسيهم قهر التاريخ. وقبل سنوات عديدة، كان الأمازيغيون على طرفي نقيض؛ فئة واعية راديكالية، كانت تدرك أهمية وجود هذا النوع من الإعلام في إعادة النضال الأمازيغي إلى درجة الصفر. وفئة العامة، التي أصبحت تبجل السلطة أكثر، من أعلى الهرم إلى أسفله، لأنها أوجدت، وأخيرا، تلفزة أمازيغية. النضال من أجل وجود إعلام أمازيغي، كان قد قطع شوطا كبيرا، أضاع فيه الكثير من الأمازيغ جهودهم وأوقاتهم وأموالهم، بل إن الجذرية الأمازيغية كانت بدورها من أشد المدافعين عن هذا المطلب، وكتب أحدهم قبل ما يربو على سبع سنوات: «لماذا يحرم الأمازيغ من حقهم في الإعلام». والآن بعد تحقق المطلب الإعلامي بالشكل الذي تحقق به لم يستطع الكثيرون مقاومته. فالمثقفون- بما فيهم الجذريون- يلهثون وراء الكاميرا، شأنهم في ذلك شأن الفنانين. صحيح أن الأمازيغي كان يعاني من كبت إعلامي( على غرار الكبت الجنسي)، وقد جاء الزمن الذي يعوض فيه هذا النقص، لكن ذلك كان يمكن أن ينطبق على الفنانين، باعتبار غربتهم عن المواقف السياسية الحقيقية، أما أن يلهث المثقف، ثم يلهث، فيواصل اللهث، فذلك أمر يستحق الشفقة. إن أنظمتنا تحتقر ممثلي المجتمعات، باختلاف انتماءاتهم اللغوية والسياسية، فأصبحت تنتج سربا من الكسلاء واليائسين كما قال علي حرب (نقلا عن بوبكر أونغير، العالم الأمازيغي،ع.43، ص.12). فنتيجة لذلك الكبت القديم، يستغل الفنان الأمازيغي مثلا، بطريقة غاية في الدهاء؛ إذ، مقابل ظهوره في برنامج من برامج القناة الثامنة، يحصل على مقابل مادي يطابق تأشيرة الحافلة إلى الدار البيضاء، في حين أن الفنانين في البلدان الأخرى ، ينالون نصيبا كبيرا من الاهتمام المادي ، والمعنوي أيضا. أما نحن، فنهينهم ونولي ظهرنا لهم كأنهم حشرات غير جديرة بالكينونة. يجب أحيانا، أن نحيي العرب على عروبتهم التي يتشدقون بها ليل نهار. من اللازم أن نحيي الفرنسيين الذين يزجرون من يخطئ في لغتهم مهما كانت علاقتهم به. لا مناص من تقدير فوكوياما، فوحده من يحب أمريكا حقا. لا بد أن نقف وقفة إجلال للشعوب الأخرى التي تحترم نفسها، لأننا، وإلى الآن، نحتقر أمازيغيتنا. شاهدنا الكثير من البرامج في القنوات العربية العروبية( 2M، المغربية...) التي تخصص بعض برامجها، لإهانة الفنانين الأمازيغ، لا لتكريمهم. كم من مرة رغبت تالبنسيرت في الحديث بالأمازيغية وتم اعتراضها بحجة أن «ماشي كلشي كايفهم الشلحة»، ونتيجة تلعثمها بلغة غريبة عنها، تحرج أمام جمهورها ومحبيها. كم من مرة انزلق أحمد أمنتاك، وهو يتحدث، إلى الأمازيغية، فوقع منه الحبل الرابط للكلمات. وللعلم فقط، فإن المثقفين الأمازيغ، كانوا يباركون ذلك كله بحضورهم. ولا أعرف أي سبب يستدعي تعريب برنامج، المفروض أن مشاهديه أمازيغ ، فالعربي والمستعرب المغربي ينصرف إلى قضاء أغراضه الشخصية، في الفقرات المخصصة للأمازيغية. كل ذلك حدث، ولا بد أن نحيي الكثير من المثقفين والفنانين، الذين شمروا على ساعد الرفض، لكل أشكال الإهانة والاحتقار والاستغلال، فإليهم منا تحية إكبار وإجلال. قدر الأمازيغ أن يسخر القدر منهم، فبعد أن احتلت القناة الأمازيغية الرتبة الثانية في نسبة المشاهدة رغم الرداءة، ارتأت القنوات المغربية الأخرى، ذات التوجه اللغوي العربي، الاهتمام بالثقافة الأمازيغية، ونثر هذا البرنامج وذاك في بعض الأوقات، لاستمالة الأمازيغ. وإذ نجحت في ذلك، فلا بد أن قصور القناة الأمازيغية، وعدم قدرتها على الحفاظ على مشاهديها هو السبب. لقد سئل المهدي المنجرة قبل ست سنوات عن أسباب عدم ظهوره في القناتين المغربيتين فأجاب بما يلي: «سبق لي أن شغلت مديرا للإذاعة والتلفزة المغربية، لكن القناة الأولى حاليا تابعة لوزارة الداخلية، وأنا أرفض المشاركة في أي برنامج فيها ما لم تكن مستقلة، والقناة الثانية محطة للدفاع عن الاستعمار الثقافي الحضاري بالخصوص، وفي شكل غير مباشر هي للدفاع عن بعض الأغراض. لم أتعامل مع القناتين ولا قنوات الخليج أيضا، و»دول البترودولار» وأرفض التعامل معها أو حتى زيارتها، أعرف جيدا خبايا الإعلام المغربي وما سيأتي مستقبلا «أكفس» مما سمي بالإصلاح أو التغيير». هذا ما قاله صاحب أطروحة «صدام الحضارات» التي قدمها هنتغتون في وقت متأخر. من الحرب الحضارية الأولى وقيمة القيم والإهانة وزمن الذلقراطيقية بدأ، لينتهي إلى رفض الإعلام ذي الأهداف الاستعمارية. فهل بيننا مهدي منجرة آخر؟ طانطان في 2010-12-12
|
|