|
|
افتتاحية: إشكالية الهوية بالمغرب (الجزء 2)بقلم: محمد بودهان الهوية بين الأرض واللغة: إذا كانت هوية الشعوب تتحدد بالأرض واللغة، كما رأينا وشرحنا، فما هي «نسبة» كل منهما في تشكيل هذه الهوية؟ أي ما دور ووزن كل منهما في هذه الهوية؟ هل دوراهما متساويان أم أن أحدهما أكبر وأهم من الآخر؟ 1 ـ الأرض واللغة في مطالب الحركة الأمازيغية: عندما نتأمل مطالب الحركة الأمازيغية، نلاحظ أن المطلب اللغوي يطغى بشكل لافت على كل المطالب الأخرى مثل الاعتراف بالهوية الأمازيغية للمغرب، إعادة كتابة تاريخ المغرب، اعتماد الأعراف الأمازيغية كمصدر للتشريع، وقف نزع الأراضي من أصحابها الأمازيغيين، تنمية «المناطق الأمازيغية»... بل إن الكثير من المطالب الأمازيغية ترتد إلى ـ وتتفرع عن ـ المطلب اللغوي لأن الاستجابة لها تمر عبر الاستجابة لهذا المطلب اللغوي، مثل المطالبة بإدماج الأمازيغية في التعليم وفي الإعلام وفي القضاء وفي الإدارة، هذا الإدماج الذي يتحقق باستعمال اللغة الأمازيغية في التعليم وفي الإعلام وفي القضاء وفي الإدارة، وهو ما يعني أن هذا المطلب لغوي رغم أنه يتعلق بقطاع الإعلام أو الإدارة أو القضاء. وحتى مطلب الترسيم الدستوري للغة الأمازيغية، والذي يمثل أعلى سقف «سياسي» للمطالب الأمازيغية، ليس سوى وسيلة لتوفير الحماية القانونية للغة الأمازيغية وضمان استعمالها في مؤسسات الدولة. هذه الأولوية للغة في مطالب الحركة الأمازيغية تجعل مفهوم الهوية يكاد يختلط بمفهوم اللغة عند هذه الحركة، إذ تصبح المطالبة بالاعتراف بالهوية الأمازيغية لا تعني شيئا آخر غير الاعتراف باللغة الأمازيغية.لماذا تعطي الحركة الأمازيغية دورا أكبر لعنصر اللغة الذي تجعل منه العامل الحاسم والمحدد للهوية فيما يتعلق بالأمازيغية؟ ليس لأن اللغة هي العنصر الأهم في تحديد الهوية، ولا بسبب سياسة التعريب التي تستهدف اللغة الأمازيغية، كما يعتقد الكثيرون. وإنما لأن العنصر الوحيد من العناصر المكونة للهوية، الذي تبقى للأمازيغيين من هويتهم الأمازيغية هو عنصر اللغة الأمازيغية، إذ لم تعد لهم دولة أمازيغية ولا أرض أمازيغية (وهي الأهم في الهوية) بعد أن أصبح المغرب بلدا «عربيا» وجزءا من «الوطن العربي»، ولا شعب أمازيغي بعد أن حوّل التعريب هذا الشعب الأمازيغي إلى شعب «عربي»، ولا حتى الأسماء الأمازيغية بعد أن أصبح عدد من ضباط الحالة المدنية يمنعون تسجيل الأسماء الأمازيغية. الشيء الوحيد الذي لا زال يربطهم بهويتهم الأمازيغية ويذكّرهم بها ويدلّ عليها هو اللغة الأمازيغية التي لا زالوا يستعملونها ويتحدثون بها. ومن هنا نفهم لماذا تكاد اللغة الأمازيغية أن تكون مرادفا للهوية الأمازيغية في مطالب الحركة الأمازيغية، لأنها (اللغة) هي كل ما تبقى للأمازيغيين من هذه الهوية. لكن هذا التركيز على اللغة، والتعامل معها كما لو كانت هي كل الهوية، قد يساهم في إضعاف هذه الهوية وضياعها في النهاية. لماذا؟ لأن الهوية تمثّلها، في كل بلدان العالم، الدولةُ التي تمارس سيادتها باسم هوية الأرض التي تسود عليها، كما سنشرح ذلك لاحقا. وبالتالي فإن المطالبة باسترداد الهوية الأمازيغية لا ينفصل عن المطالبة بإقامة دولة أمازيغية، بالمفهوم الترابي كما سنوضح فيما بعد. النتيجة أن المطالبة بالاعتراف باللغة الأمازيغية والنهوض بها ورد الاعتبار لها هو مطلب جزئي ولسني لن يغير شيئا من هوية الدولة التي تبقى عربية في هويتها وانتمائها حتى عندما تستجيب هذه الدولة لكل مطالب الحركة الأمازيغية التي تخص اللغة الأمازيغية. فحتى على فرض أن الأمازيغية أصبحت، كما تطالب بذلك الحركة الأمازيغية، لغة رسمية ومستعلمة في التعليم والإدارة والقضاء وكل مؤسسات الدولة، إلا أن ذلك سيكون دائما في إطار دولة ذات هوية عربية واحدة تعترف بالتعدد اللغوي الموجود لديها. لهذا يجب على الحركة الأمازيغية أن تنتقل من المطلب اللسني إلى المطالبة بالدولة الأمازيغية ـ بالمفهوم الترابي وليس العرقي ـ التي ستسترجع معها الهوية الأمازيغية كاملة وبكل عناصر ها ومكوناتها الترابية واللغوية.2 ـ العلاقة بين الأرض واللغة: بعد هذا التوضيح للعلاقة الخاصة للحركة الأمازيغية، وللأمازيغيين بصفة عامة، باللغة الأمازيغية، نعود إلى تحليل العلاقة العامة والعادية بين الأرض اللغة كما هي محددة في الأسئلة التي طرحناها أعلاه. عندما نتأمل العلاقة بين الأرض واللغة، سنتوصل إلى أن اللغة لا تكتسب أهميتها كعنصر في تحديد الهوية إلا لأنها هي نفسها تستمد وجودها وهويتها واسمها من الأرض التي نشأت بها وتنتمي إليها. فنحن نعرف مثلا أن اللغة اليابانية ليست هي اللغة الصينية، وأن هذه الأخيرة ليست هي اللغة الهندية، كما أن هذه ليست هي اللغة الفارسية، ودون أن نعرف شيئا عن الاختلافات بين الأنظمة النحوية والاشتقاقية والمعجمية لهذه اللغات الأربع، هذه الاختلافات التي قد تفسر أن هذه لغة صينية وتلك يابانية أو فارسية أو هندية. فعلى أي أساس نميز إذن بين هذه اللغات التي نجهل خصائصها النحوية والمعجمية؟ نميز بينها، ليس على أساس خصائصها الداخلية كلغات، بل على أساس انتماءاتها الترابية إلى أرض الصين أو الهند أو فارس أو اليابان. فاللغة الصينية ليست تلك اللغة التي تتميز بسمات خاصة بها كلغة صينية، وإنما، بكل بساطة، هي لغة أرض الصين بغض النظر عن خصائصها النحوية والاشتقاقية والمعجمية التي تميزها كلغة صينية. وكذلك الأمر بالنسبة لجميع اللغات التي تتمايز بعضها عن بعض بانتماءاتها الترابية التي تستمد منها وجودها وهويتها وأسماءها. ولهذا فهي تسمى بأسماء الأراضي التي نشأت فيها. وبالتالي فهويتها هي نفسها تابعة لهوية الأرض التي ظهرت بها هذه اللغات. وهكذا تكون الأرض هي الأصل واللغة هي الفرع في تحديدهما للهوية دون أن ينتقص هذا الدور «الفرعي» للغة شيئا من أهميتها أو يجعلها عنصرا بسيطا وثانويا، بل تبقى دائما وجها آخر للهوية لكن شريطة ارتباطها بالأرض التي هي مهد تلك اللغة وموطنها. فالأرض، كمكون للهوية، عنصر مستقل وموضوعي في حين أن اللغة عنصر فرعي وتابع.ومن جهة أخرى، إن الشعوب لا تملك إلا أرضا واحدة هي التي تنتمي إليها وتستمد منها هويتها. لكن يمكن لتلك الشعوب أن تستعمل لغات أخرى بجانب لغتها الهوياتية. بل قد نجد شعوبا، كالهند والسينيغال مثلا، تستعمل لغات أجنبية عنها كلغات رسمية للدولة وللسلطة دون أن يكون لذلك أي تأثير على هويتها التي تبقى هي هوية الأرض التي تنتمي إليها تلك الشعوب التي تستعمل تلك اللغات الأجنبية. كل هذا يبيّن أن الأرض، كمكون للهوية، عنصر ثابت قار ـ أو على الأقل لا يتغير بنفس السهولة التي تتغير بها اللغة ـ وواحد، في حين أن اللغة هي موضوع للتغير والتعدد والتطور. الهوية ارتباط فيزيقي ووجداني بالأرض: واضح من التحليل السابق أن الهوية لا يمكن إلا أن تكون واحدة وليست متعددة، كما أنه لا علاقة لها بالعرق ولا بالأصل السلالي والإثني. بل هي مستمدة من الأرض التي تمنح هويتها للإنسان الذي يعيش فوقها كما فعل أجداده السابقون. ولهذا غالبا ما نلاحظ، ما عدا عند الشعوب التي تعرضت لغزو أثّر على هويتها كما هو شأن البلاد الأمازيغية بشمال إفريقيا، أن اسم الأرض التي يعيش فوقها شعب ما، هو نفسه الاسم الذي يحمله ذلك الشعب، وهو نفسه الاسم الذي تحمله اللغة التي يتكلمها ذلك الشعب كما سبقت الإشارة: فالشعب الياباني يسمى باسم أرضه اليابانية، ويتكلم لغة تحمل اسم الأرض اليابانية التي هي اللغة اليابانية. والشعب الفرنسي يسمى باسم أرضه الفرنسية، ويتكلم لغة تحمل اسم الأرض الفرنسية التي هي اللغة الفرنسية. والشعب الصيني يسمى باسم أرضه الصينية، ويتكلم لغة تحمل اسم الأرض الصينية التي هي اللغة الصينية. والشعب التركي يسمى باسم أرضه التركية، ويتكلم لغة تحمل اسم الأرض التركية التي هي اللغة التركية. وهلم جرا... وهذا ما يؤكد أن هوية أرض الأجداد (هوية صينية، فارسية، تركية، أفغانية، أمازيغية، عربية...) هي التي تمنح السكان الذين يعيشون فوقها كورثة لأولئك الأجداد، انتماءهم الهوياتي المستمد من هوية تلك الأرض. واستقرارهم وعيشهم المشترك فوق أرض الأجداد تلك، تنتج عنهما لغة مشتركة يتواصلون بها تكون خاصة بسكان تلك الأرض التي تستمد منها تلك اللغة هويتها هي كذلك كما سبق أن شرحنا، بجانب ما يؤدي إليه ذلك العيش المشترك فوق تلك الأرض من ظهور ثقافة ومعتقدات وعادات وفنون تشكل قيما مشتركة لسكان تلك الأرض. هكذا تكون الهوية ارتباطا فيزيقيا ـ وليس فقط وجدانيا ـ مباشرا بأرض الأجداد، ارتباطا ذا عمق وجذور يتمثلان في الأجداد السابقين الذين سكنوا تلك الأرض. وليس المهم، لقيام ارتباط فيزيقي مباشر وعميق وذي جذور بالأرض، عدد الأجيال من الأجداد الذين سكنوا هذه الأرض ولا المدة الزمنية لاستقراهم بها، بل المهم أن يكون هناك مثل هذا الارتباط ولو تعلق الأمر بجيلين أو ثلاثة وبقرن أو نصف قرن، لأن المهم هو استقرار هؤلاء الأجداد على وجه الدوام والبقاء بالأرض مصدر الهوية. وهذا أحد الفوارق بين الهوية والجنسية التي يمكن للإنسان أن يكتسبها دون أن يكون له أجداد يحملون تلك الجنسية. لا يمكن إذن أن يكون هناك تعدد في الهوية الواحدة، وإنما قد يكون هناك تعدد في الهويات، بالجمع، داخل وطن واحد يتوزع إلى مناطق تشكل، بناء على العناصر المشكلة للهوية كما ذكرناها أعلاه، هويات متمايزة ذات حدود ترابية ولسنية (العنصران المحددان للهوية كما رأينا). هوية المغرب هوية أمازيغية واحدة وليست متعددة: أعرف أن القول بوحدة الهوية، وبأن هوية الأمازيغيين بشمال إفريقيا هوية أمازيغية واحدة لا كثرة فيها ولا تعدد، قول يثير رفضا واعتراضا لدى الكثيرين، لأنهم يساوون بين القول بوحدة الهوية والقول بالنقاء العرقي مع أن الأمر ليس كذلك. فوحدة الهوية ليست هي النقاء العرقي الذي لا وجود له بصورة كاملة حتى عند الجماعات المغلقة التي تمارس الزواج الداخلي Endogamie، فبالأحرى أن يكون هناك نقاء عرقي في مجتمعات ـ كالمجتمع الأمازيغي ـ مفتوحة، عرفت طيلة تاريخها الهجرات والغزو والاستعمار.فالمعروف أن الهجرة والغزو والاستعمار لا تؤدي إلى تعدد في الهوية بناء على ما قد تؤدي إليه من تعدد عرقي. فهناك حالات ثلاث قد تنتج عن الاختلاط بين الشعوب بفعل الهجرات أو الغزو أو الاستعمار: 1 ـ إما أن يقضى الشعب المهاجر أو الغازي أو المستعمر على الشعب الأصلي بالإبادة والقتل، وبالتالي تموت هويته وتزول نهائيا، وتحل محلها هوية الشعب الغازي المستعمر الذي يجعل من الأرض التي غزاها امتدادا جغرافيا وهوياتيا لموطنه الأصلي، كما حصل في أميريكا الشمالية على الخصوص، حيث اختفت الهوية الأصلية للهنود الحمر وبرزت مكانها الهوية الأميركية ذات الأصل الأوروبي. وهذا ما لا ينطبق على الشعب الأمازيغي الذي لم يسبق لأي شعب أن أباده أو قضى عليه. 2 ـ وإما أن يؤدي الاختلاط الناتج عن الهجرات والغزو والاستعمار إلى تعدد حقيقي في الهويات ببلد ما، ولكن لا يؤدي إلى تعدد في الهوية الواحدة. وهذا ما نلاحظه مثلا في بلجيكا وسويسرا وأسبانيا والعراق. ففي سويسرا هناك أربع هويات متمايزة داخل بلد واحد: الهوية الألمانية، الهوية الفرنسية، الهوية الإيطالية والهوية الرومانشية. هناك إذن هويات قائمة بذاتها مستقلة بعضها عن بعض داخل بلد واحد، وليست هناك هوية متعددة بأربعة مضامين. ونجد كذلك في العراق هويتين متمايزتين هما الهوية العربية في الجنوب والهوية الكردية في الشمال، ولكن لا نجد هوية واحدة متعددة. وفي إسبانيا نجد هويات متمايزة بعضها عن بعض كذلك ومتواجدة جنبا إلى جنب داخل نفس البلد الذي هو إسبانيا: الهوية الكطالانية؛ الباسكية؛ الفشتالية؛ الكاليسية والأمازيغية (سكان جزر الكناري). فإسبانيا تضم إذن خمس هويات تشكل كل واحدة منها هوية قائمة بذاتها، ولا تضم هوية متعددة، لأن الهوية المتعددة لا وجود لأن وجودها يتنافى مع مفهومها وخصائصها، وبالتالي فالقول بهوية متعددة كالقول بمثلث مربع الأضلاع. فالهوية إما أن تكون واحدة أو لا تكون. في البلدان التي تعرف تعددا في الهويات (وليس في الهوية الواحدة)، نلاحظ أن هذه الأخيرة تتمايز بعضها عن بعض، كما في الأمثلة التي ذكرنا، بحدودها الترابية (المكون الترابي الأول للهوية كما سبق أن شرحنا) واللسنية (المكون اللغوي الثاني للهوية). فهوية المغرب واحدة ولا يعرف هويات متعددة لأنه لا توجد به أية هوية لها حدودها الترابية واللسنية التي تميزها عن هويات أخرى داخل نفس البلد الذي هو المغرب.3 ـ وإما أن لا يكون للاختلاط الناتج عن الهجرات والغزو والاستعمار تأثير يذكر على الهوية الأصلية للشعوب التي تعرضت للهجرات والغزو والاستعمار، مثل الشعب العربي الذي حكمه الأتراك لأزيد من ثمانية قرون دون أن يؤدي ذلك إلى أدنى تأثير على الهوية العربية لتصبح هوية متعددة: عربية تركية. بل لقد بقيت هوية عربية واحدة رغم ما قد يحمله الدم العربي من عنصر عرقي تركي بفعل المصاهرة الناتجة عن الاختلاط بين الشعبين لمدة طويلة، كما أن الهوية الإسبانية هي واحدة رغم ما قد يحمله دم الشعب الإسباني من عناصر جينية عربية بفعل تواجد العرب بهذه الأرض لما يقارب تسعة قرون. وهذه الحالة الثالثة تنطبق، بصورة أصدق وأوضح، على الهوية الأمازيغية لسكان شمال إفريقيا. فقد وفدت على هذه البلاد شعوب مختلفة (غازية ومستعمرة ومهاجرة ومتاجرة..) من يهود وفينيقيين ورومان ووندال وعرب وأتراك وفرنسيين وإسبان.. ومع ذلك فإن هوية الشعب الأمازيغي بقيت واحدة ولم تصبح متعددة بتعدد هذه الشعوب، رغم أن الدم الأمازيغي قد يحمل بالتأكيد، عبر التزاوج والمصاهرة، جزءا من جينات هذه الشعوب التي خالطها الأمازيغيون في فترات من تاريخهم. أما العدد القليل من العرب الذين استقروا بشمال إفريقيا فقد اندمج حفدتهم بالسكان الأصليين وتبنوا هويتهم وأصبحوا جزءا منهم، كما يحصل لكل من يهاجر إلى بلد ويستقر به بصفة نهائية: فبعد ثلاثة أو أربعة أجيال يصير الأبناء المنحدرون منه جزءا من السكان الأصليين في الهوية والانتماء، بعد أن أصبحت لهم هم كذلك ـ مثل السكان الأصليين ـ جذور (أجداد) بهذه الأرض، والتي (الجذور) تمنحهم الانتماء الهوياتي لهذه الأرض. ونؤكد أن لفظ «أجداد»، كما هو مستعمل في هذا التحليل لموضوع الهوية، لا علاقة له بالتصور العرقي للهوية، والذي يربطها بالأصل العرقي للأجداد. فلفظ «الأجداد»، في هذا الاستعمال، له وظيفة «ترابية» تعني المدة الكافية (عدد الأجيال) التي يصبح بعدها أحفاد من هاجر إلى بلد جديد، منتمين هوياتيا، مثلهم مثل السكان «الأصليين»، لهوية ذلك البلد الذي استقر به «جدهم» عندما كان مجرد مهاجر لا ينتمي هوياتيا بعدُ لتلك الأرض. ويجدر التذكير هنا بأن عدد العرب الذين استقروا بالمغرب أقل كثيرا ممن استقروا منهم ببلاد بفارس، نظرا للقرب الجغرافي لهذا البلد من موطن العرب الذي انطلقت منه الفتوحات. ومع ذلك فليس هناك من يقول بأن الهوية الإيرانية هوية متعددة: عربية وفارسية. فالهوية الأمازيغية، إذن، هوية واحدة، لا تعدد في أصلها ومضمونها الهوياتيي ـ وليس العرقي ـ الأمازيغي الصرف، مثله في ذلك مثل الشعب العربي نفسه، أو الفارسي أو الإسباني بمنطقة الأندلس… فهذه الشعوب عرفت غزوا واستعمارا وهجرات دون أن يؤدي ذلك إلى تعدد في هويتها. لا توجد إذن بالمغرب هوية عربية وأندلسية بجانب الهوية الأمازيغية لأنه لا توجد لدينا هويات متعددة ومتمايزة قائمة بذاتها كما في بعض الدول الأخرى كما أشرنا. فمثلا في إسبانيا، الهوية الكطالانية معروفة بمنطقتها الجغرافية ولغتها الكطالانية، والهوية الباسكية معروفة كذلك بحدودها الترابية ولغتها الباسكية. لهذا نقول بأن إسبانيا تتشكل من هويات متعددة، ولكن ليس من هوية واحدة متعددة. أما بالمغرب، فأين توجد الهوية العربية بعنصريها الترابي واللغوي مجتمعين؟ فلا توجد بالمغرب منطقة عربية بسكان عرب ولغة عربية حتى نقول بأن هناك هويتين بالمغرب. فالعنصر العربي، إذا كان هناك من وجود لهذا العنصر، ذاب في الهوية الأمازيغية الأصلية وأصبح جزءا منها. أما من ينجح في تقديم الدليل على أنه عربي الهوية والانتماء، فسيكون قد قدم الدليل على أنه أجنبي ويجب التعامل معه على هذا الأساس، مثل أي شخص يقدم أوراقا تثبت أنه فرنسي أو ألماني أو روسي...هناك من يعترض: وأين توجد كذلك الهوية الأمازيغية بحدودها الترابية ولغتها الأمازيغية؟ لا حاجة للإجابة عن هذا السؤال لإثبات أن هوية المغرب أمازيغية. لماذا؟ لأن الأصل في سكان المغرب أنهم أمازيغيون وهويتهم أمازيغية، وعلى من يدعي العكس أن يثبت ذلك. مثلما أن لا حاجة لتقديم الدليل على أن هوية سكان جنوب إسبانيا (منطقة الأندلس) هوية إسبانية لأن الأصل في سكان هذه المنطقة أنهم إسبانيون رغم ما قد يجري في عروقهم من دم عربي وأمازيغي نتيجة أكثر من ثمانية قرون من احتلال هذه المنطقة من طرف المسلمين، لأن الانتماء العرقي لا تأثير له، كما شرحنا، على وحدة الهوية. الهوية والعرق: (يتبع في العدد القادم)
|
|