|
مكانة المرأة الأمازيغية في المجتمع بقلم: جواد امصمود (أسيف ن دادس، ورزازات) إن الباحث في الشأن الاجتماعي الأمازيغي وفي سوسيولوجية مجتمعاته القديمة لا بد أن يخلص ببحثه إلى مجموعة من المقومات الأساسية التي تنبني عليها الحياة اليومية عند الأمازيغ، ألا وهي: الأرض (تمورث) والمرأة (تمغارث)، وبدون هذين الإثنين لا وجود لمعنى الرجل: (أمغار). من خلال هذه المعادلة الأمازيغية يتضح لنا وبكل جلاء على أن للمرأة دورا بارزا ومهما عبر كل مسارات الحياة بمختلف أوجهها وتوجهاتها. فهي ليست عنصرا ثانويا أو تكميليا بقدر ما هي الحياة ذاتها على مستوى جميع المجالات كما يراها أخوها الرجل، ما دامت تنتج وتعمل وتربي وتعلم وتساهم في جميع النشاطات الحيوية من حرث وزرع وخزف وزربية ونقش... ولم ينظر إليها الرجل هذه النظرة الحداثية حتى وجدها تقوم بنفس المهام التي يقوم بها الرجل نفسه. الشيء الذي لم تسول له نفسه التنكر لمهامها وأعمالها الجبارة، بل حاول الإشادة بما تقوم به وتنهى عليه لتستمر الحياة بشكل طبيعي وسليم ملؤها التضامن والتآخي والتعاون للتغلب على كل ما من شأنه أن يعرقل تحقيق الطموحات والأغراض. وهذا العنصر الاجتماعي يحظى بمكانة مقدسة ورمزية لأنه ينبوع الحياة كما سلف القول. فالأمازيغي يرفض أن يذكر أحد اسم زوجته باسمها الخاص وبشكل سيميلوجي يقول لها ضمن الحضور (الجماعة) أبنائي (إحارموشن). فهي ليست فردا عاديا بل هي أسرة وعائلة، أي كونها هي المؤسسة لهذه الفخذة التي لعبت دورا مهما في حياة الفرد والجماعة واعتبرها الأمازيغ السر الذي ساهم في تطوير الحياة وبناء التاريخ سواء تعلق الأمر بعملية تقسيم العمل أو تسيير الشؤون السياسية والاقتصادية - من خلال ظاهرة أسواق النساء – وممارسة الفنون الجميلة. أما على مستوى الكفاح والمقاومة فتاريخ طويل أشادت به مختلف الأشعار والروايات الشفوية لتأكيد الدور النضال للمرأة الأمازيغية حتى لا يقال إن دورها كان محصورا في المنزل بقدر ما جاوز فضاءات أخرى منافسة للرجل الذي نظر للمرأة من زاوية إنسانية وحضارية وليس جنسية أو استغلالية، فلم يسئ إليها أبدا ولم يهنها أو يقترف في حقها ما يمكن أن يتعارض مع القيم الإنسانية، فكانت المجتمعات الأمازيغية عبر التاريخ مجتمعات أمسية لا بطريركية، لا يسودها الفكر الرجولي الذي ينظر للمرأة باعتبارها عنصرا ناقص العقل والدين كما هو الشأن عند العرب الذين يقولون عنهن "بأن عقولهن في فروجهن". إن النظرة الأمازيغية الحضارية للمرأة حققت المجتمع الأميسي الذي ساهم في تحرير المرأة وتكسير القيود عنها وتمتيعها بحقوقها وحريتها لتتمكن مع مرور الزمن باعتلاء الشؤون السياسية والعسكرية وقيادة الانتفاضات ضد الاستبداد والجور ، وعلى سبيل الذكر: ديهيا – زينب النفزاوية- بويا- كنزة الأوربية -.... إلى غير ذالك من الأميرات اللواتي غمرهن النسيان ولم يأت عليهن التاريخ الرسمي وظللن في المخيلات الشعبية أشكالا ميتولوجية ترافق الحضور اليومي لتثبيت اللامفكر فيه: كتينهنان عند الطوارق بالنيجر. وحتى ما قبل التارخ يتأكد لنا الأمر بأن المرأة الأمازيغية عاشت في مجتمع أمسي دون فكر رجولي يقيد حريتها ويمنعها من ممارسة رغباتها. وهذا يتبين من خلال أسماء الإلهات كالإلهة تنيت أو من خلا ل نسب الأبناء للأم بدل الأب إلى غير دالك من السمات التي تفيد بأن الرجل الأمازيغي كان يقدر المرأة ويحترمها باعتبارها أختا وأما وليس جارية أو عبيدة... وكان دوما يأخذ برأيها في شتى المواقف اليسيرة والعسيرة، فأحيانا يرسل الأب الابن ليشاوره في ما قد يقرره الأب، بمعنى أن الإنفراد بالموقف دون مشاورة المرأة غير وارد باعتبارها جزء فعالا من رأي المجتمع. وعلى مستوى آخر بفضلها حاولنا الحفاظ على جزء مهم من التراث الشعبي المحلي من خلال تكريسها للفن المادي والروحي والرمزي واعتنائها بكل أشكال الأدب... الذي حاول قدر الإمكان أن يصون هويتنا الثقافية والتاريخية رغم مسخ التاريخ الرسمي، حتى صارت المرأة عند الأمازيغ أكثر من الجنس والنوع وقد سوى بينها وبين الأرض لاعتبارات الخصوبة والحياة والهوية والانتماء لأن الإنسان دون المرأة والأرض إنسان لا يعتبر عند الأمازيغ لأنه لا يمتلك مقومات الانتماء والهوية. فإذا كانت الأرض تمثل الوطن والهوية فإن المرأة هي من ينظم فوضى الرجل، لذا فإن صح التعبير هي مقوده. المرأة عند المجتمعات الأمازيغية قبل كل شيء قيمة إنسانية وليست جنسية أو رغباتية. وهذا المنظور الحضاري والنظرة المتفتحة هي نتاج وتتويج لتجربة تاريخية عاشها وعاصرها الأمازيغ منذ قرون وهي من ساهمت في ترسيخ بوادر المجتمع الأميسي الذي قال إن المرأة ليست طابو، بل هي قيمة حضارية غير قاصرة كما يعتقد البعض، فترى الرجل والمرأة معا في الحقل وكل ما يتطلبه الشأن اليومي من كد وتفان وإخلاص ليعيشوا دوما في الحب والتآخي دون طلاق أو تنافر.... فتاريخيا تبقى المرأة الأمازيغية عنصرا مقاوما مكافحا منتجا مبدعا وقد حملت كل معاني السيميولوجيا الدالة عن الخصوبة والمطر ليس مجاملة بل اعترافا بجميلها في سبيل الهوية الأمازيغية، فهي: عروس المطر القادرة على إحياء الأرض بعد الجفاف والحروب والأوبئة. ومن خلال النقش ونسج الزربية والحلي حاولت أن تعرف بحضارتنا خارج الحدود كما حاولت أن تقي هذه الحضارة من اليتم والتشتيت. هي إذن المرأة الأمازيغية، إنها عنصر حيوي يحب الحرية ويحب الإشراك في العمل دون أن يبقى على الهامش. لكن هذا الدور الريادي هو الذي كان يخيف النازحين إلى بلاد المغرب الأقصى فأخذوا الأمازيغيات جواري وسبايا خصوصا في عصر موسى ابن نصير كما تحكي المصادر التاريخية. رد الاعتبار إذن للمرأة هو كذلك رد للاعتبار للأمازيغية، وتمتيع المرأة بحقوقها امتلاك للنظرة الحضارية للإنسان وإيمانه بالآخر وتكريسه للاختلاف. (philo-1987@hotmail.com)
|
|