uïïun  182, 

sdyur 2962

  (Juin  2012)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

"ddahir lbrbari" d tvawsa tamazivt

aäëiã n usqsi n tabaomrant

ifran

Tnifest n Sifaw

Hakku

Taqessist 12

Ghif Ihâykwan

Yemma

Français

La langue amazighe interdite au parlement

Enfin 2M se convertit à l'islam

Le théâtre nord-africain ancien

Organisation des peuples unis

Mnla reçu aux parlements

العربية

الظهير البربري والقضية الأمازيغية

عندما يسيء لساني إلى اللسان

رسالة مفتوحة إلى رئيس الحكومة

الأمازيغية بين القانون التنظيمي والتدابير الحكومية

الشعر الأمازيغي غايات وجماية

تاباعمرانت والأقلام العنصرية

الشجرة التي حاولتم اغتيالها لم تمت

غياب الإعلام عن مسيرة تاوادا

مهرجان تغيرت يحتفي بمولاي علي شوهاد

نشاط جمعية أيت ريدي

بيان جمعية اورتان

لقاء مدرسي الأمازيغية بخنيفرة مع النائب الإقليمي

بيان حركة اليقظة المواطنة

بيان جمعية أمغار

بيان جمعية محمد خير الدين

 

 

 

 

رسالة مفتوحة من مواطن مغربي أمازيغي إلى السيد المحترم رئيس الحكومة المغربية

بقلم: عبد السلام خلفي

تحية طيبة وبعد،

ها أنتم أصبحتم رئيساً للحكومة المغربية؛ وها هي ذي السلطة التي كنتم أحد طلابها منذ سنوات السبعينيات، قد جاءتكم في صناديق الاقتراع مختالة غاوية؛ وها هي ذي المشاريع التي كنتم تريدون تطبيقها قد ارتسمت في برنامجكم الحكومي حالمة مستشرفة؛ وها هم أعضاء من حكومتكم يسابقون الزّمان مستدركين ما فاتهم يبتغون به أجر الدار الآخرة؛ وها هي ذي «إمعات الاستبداد»، كما أسْميتموها، قد لملمت أنفاسها، وأعادت جمع أوراقها، ومدّت إليكم أياديها، ونادت بصفاء سريرتكم عاشقة هاوية؛ وها أنتم تفتحون ملفات الهوية المغربية، ومعها تفتحون ملفات الفساد التي فاحت روائحها وعمّت أرجاء البلاد فأزْكَمت الأنوف وأدمعت القلوب اليائسة؛ فمن وزرائكم من أعاد عقارب الساعة لزمن الفتْح يريد تعريباً شاملاً باسم التعددية والأَسلمة؛ ومنهم من خرج للناس طُرّاً ينشر لوائح المستفيدين من الريع، ومنهم من يهدد، الآن، بنشرها؛ ومنهم من أقام الدنيا مصرحاً باقتلاع جذور فساد الفئة الباغية.

1ـ كنتم تريدونها سلطة خالصة لكم، وكنا نشكك في رحابة صدركم

لقد كنتم، سيادة الرئيس، تريدونها، في البدء، سلطةً خالصة لأنفسكم لا شريك لكم فيها؛ كنتم تريدونها سلطة محمولة على صهوة ثورة وهّابية تتربعون على عرشها، وتعيدون لأمجادها عنفوان أمة الخلفاء الغابرة؛ وكنتم تُعدون لخصومكم الخيول المسوَّمة، والسيوف المهنَّدة، وتعدونهم بالكثير من دموع الأيامى واليتامى، وتبشّرونهم بتطبيق شريعة الإسلام المتعالية. لقد كنتم تريدون - كما دأبتم- أن تكونوا يد الله في الأرض، بها تبطشون، وبها تعطون، وبها تجمعون الأمة على كلمة واحدة؛ لا يسألكم أحد عمّا فعلتم ولا تُسألون عمّا تفعلون؛ فأنتم الخلفاء لله مِنْ أعلى سبع سماوات، وأنتم ظله الذي تستظل به الفئة النّاجية.

لم نشك يوماً في حسن نواياكم، ولا في طيبوبة معدنكم، ولا في علو كعب أخلاقكم، ولا في نظافة أياديكم؛ ولكننا كنا دائماً نشك في رحابة صدركم، وفي إيمانكم بالتعدد الذي خلقه مولانا ومولاكم؛ ولأننا كنا نخاف من عصي التكفير التي كنتم بها علينا تهشّون، ومن مقاصل قطع الألسن التي كنتم لنا تُحضِّرون؛ فقد سكتنا دهراً وتركناكم وما تعبدون؛ ولأنا كنا نحب الله في الله لا حباً في بيع أو شراء أو كرسي تُجزى به أنفس باعت أخراها بحطام الدنيا، وألسنتَها للطغاة والمستبدين والمفسدين، فلأننا كنا مثلكم نقرأ نفس النصوص ونفس الفصوص، ونفس آيات التراحم والاختلاف والتعدد الذي أنتم منه تنفرون؛ قلنا لكم هذه آيات ربنا، أفلا تعقلون؟ فتبرأتم من فهمنا واسْتبلدتمونا، وقلتم ليس في النص غير آيات سيف العروبة الذي به تقطعون وتحكمون؛ كان مشروعنا هو التسامح والحب والوئام، وكان مشروعكم يستقبل الماضي أمام؛ قلنا لكم أعيدوا قراءة النصوص والفصوص، واقرؤوا حواشي غيركم، فلربما استوت بيننا وبينكم منطقة وسطى، لكنكم ادّعيتم أننا لصوص للنصوص، وأنكم وحدكم الذين يفهمون الحواشي والفصوص، وأن فهمنا، نحن، إنما هو ديناميت مشتعلٌ نحمله في الرؤوس.

ها أنتم ذا، سيادة الرئيس، قد أصبحتم، الآن، الحاكم الأمين الذي كنتم به تحلمون؛ وها هي ذي السلطة المحمولة على صهوة الانتخاب قد جاءتكم مختالة، متمنِّعة تارة، وتارة أخرى تمنحكم شهوة الوصال وحلو الشرابْ. هي ذي امرأة لعوب لا تستقر لحال، تسقيكم الرّضاب آناً ثم تختفي حيناً وتغيب؛ لم تكن تلك جريمتُها، سيادة الرئيس، ولكن كنتم أنتم من لم يؤد كل المهر كي تكون لكم زوجة خالصة؛ فأشهدتم على ذلك العُدولَ من المخلصين، وأشهدتم الناس جميعاً لما انتفضتم ضد التعدد وحقوق الإنسان؛ وانتفضتم ضد شعب أراد أن يحمي آية من آيات الرحمان؛ وقلتم: «تلك شنوية»؛ وتناديتم فاستبدلتم كلاماً بكلام، ووعدتم بالثبور وعظائم الأمور إن لم يُغيَّر الدستور؛ وفاضلتم، لذلك، بين الهويات، وبين الناس، وجعلتم بين بعضهم البعض سُدّاً، فمنهم الشرفاء والمقدسون، ومنهم الغوغاء والمدنّسون.

هل لي أن أسائلكم، سيادة الرئيس، عن مصيرنا نحن الأمازيغ، عن ثقافتنا، بعد أن اعتذرتُم لنا وتحملتم المسؤولية؟ هل لي أن أسائلكم عن حقوقنا الفردية والجماعية والثقافية واللغوية في مغرب القرن الواحد والعشرين؟ ماذا أنتم بنا صانعون؟ ماذا أعددتم للغة وثقافة نحن فيها مشتركون؟ أنظل دائماً في الدرجة الأخيرة من المواطنة، لأنّا نمتلك لساناً غير اللسان الذي به ترطنون؟ هل ستدخلوننا في خانة الذميين وناقصي العقل والدين؟ أم ستجعلون من «الوحدة الوطنية»، كما هو وارد في برنامجكم، مشجباً لـ «دعم الخطاب الديني» ولإلحاقنا بالهوية العربية التي بها تومنون؟. أوَ تجعلون من الوحدة صنماً وقد جعل الله من الاختلاف آية؟ «فذكر إنما أنت مذكّر لست عليهم بمسيطر»( الغاشية : 21 ، 22 )؛ «وما أنت عليهم بوكيل» (الزمر، 41 ) «ولو شاء ربُّكَ لجعل الناس أمة واحدة» (هود 11، 118)، «ولو شاء اللهُ لجعلهُم أمة واحدة» ( الشورى 42، 8)؛ «ومن آياته خلق السماوات والأرض واختلاف ألسنتكم وألوانكم إن في ذلك لآيات للعالمين» (الروم، 22)؛ تلكم آيات بينات نزلت على النبي محمد منذ أربعة عشر قرناً، فهل تأملتم معناها ومغزاها أم أنَّ العروبة أعْمت أفئدةَ القوم، فهُم في واد يعمهون؟

2ـ لسنا ضد الهوية العربية، فلا تتنكروا لنا، وارفعوا عنا حيْف الهوية

لا تعتقدوا، سيادة الرئيس، أننا ضد الهوية العربية، أو أننا ضد إخوة لنا في الدين والحضارة والإنسانية؛ فبيننا وبينهم وشائج ثقافية عميقة وعلاقات قربى لا انفصام لها؛ نحن منهم وهم منّا، تجذّروا في عروقنا وتجذّرنا في أرض تامازغا؛ تشكلنا أمة كما أردنا، منفتحين متضامنين متعاضدين، لا ينفي بعضُنا بعضاً، ولا يستقوي بعضُنا على بعض بالدين أو بالعراقة والعرق وقداسة اللغات والأصول؛ لم نبحث لنا أبداً، ولم يبحثوا، في شجيرات أنساب أجدادنا، ولم نتخذ لنا سلالات نبوية، قيسية كانت أو قرشية أو أندلسية؛ لقد كنا، سيادة الرئيس، كما نحن، نؤمن بالإنسان وبالأرض التي منها وُلدنا؛ لا نفرق بين من ارتضى أرضَنا أرضاً؛ فمنا الأمازيغي المتجذّر، ومنا الإغريقي والرومي، ومنا الفنيقي والعبري والعربي، ومنا الأبيض والأسود والبني، ومنا المسلم واليهودي، ومنا المغربي الذي تنصَّر؛ لا نفرق بينهم، هم أبناء للأرض، والأرض لم تتبدّل، لم تستبدل سلالتها أبداً، ولم تتنكَّر.

فبأي حق، سيادة الرئيس، تنكرتم لنا، وللأرض التي آوتنا، ففرقتم بيننا وجعلتم بعضنا فوق بعض طبقات؟ بأي حق فرقتم، في دستورنا، بين العربية والأمازيغية؟ نحن الذين جمعناهما في القلب سويّة؛ بأي حق اختزلتم هويتنا الوطنية في هوية دينية وحيدة؟ بأي حق جعلتمونا ملحقاً هوياتياً للشرق وأذناباً بعد أن كنا للعالمين هامات عليّة؟ كيف لنا أن نعيد لحضارتنا التوهج ونحن نستقي فهمنا للدين من أكثر التأويلات الدينية نكوصية؟ كيف لنا أن نستثمر تعددنا الثقافي وعمقنا التاريخي، وكل ما تختزنه الأرض من قيم وعادات وتقاليد وسلوكات زكية؟ كيف يمكن لنا أن نحب المرأة والفن والأرض ونتشبع بقيم الديموقراطية، وأنتم تختزلون هويتنا (كل الهوية) في لغة غير كاملة الترسيم، مهمشةً ومقصية؟. ها أنتم ذا، سيادة الرئيس، تنقلون المغرب من عهد الحكومات الأموية إلى عهد الحكومات الدينية التي اختزلت هويتها في أكثر الأشكال الدينية إغراقاً في البعْثية. وها أنتم أولاء تطالبون بإلحاق الاتجاهات الدينية الموصوفة بغير المعتدلة كي تدخل معكم معامع الحكم الذي جاء محمولاً على أكتاف ربيع أحمر قان يشدو بالحرية؛ ذلك الربيع الذي قطفتم بعض أزهاره، وتعملون، الآن، على تجفيف جذوره وينابيعه السخية؟ أهي صفقة بدايتها حكومة ملتحية وآخرتها حكومة أموية - سلفية؟

اسمحوا لي، سيادة الرئيس، أن أقول لكم إننا، نحن الأمازيغ، نعيش تمييزاً لغوياً وثقافياً صارخاً؛ نعيش جُرحاً غائراً يمتد عميقاً في أحشاء كرامتنا التي ليس لنا غيرها؛ فمنذ الخمسينيات من القرن الماضي ونحن نناضل من أجل كرامتنا وإنسانيتنا وانتمائنا إلى هذا الوطن (نحن أبناء هذا الوطن)؛ غير أن منكم، وآخرين، من كان لنا دائماً بالمرصاد؛ فتارة نُتَّهم في الحرف الذي ارتضيناه لباساً للغتنا، وتارة نُتَّهم، ظلماً، بالتخابر مع الأجهزة الإسرائيلية والصهيونية والأمريكية؛ وتارة نُرمى بتهم الاستقواء بالقوى الخارجية؛ وتارة أخرى بفزاعة الوحدة الوطنية التي تهددها الأمازيغية؛ وتارات أخريات يؤخَذُ الشعب كله بجريرة ما فعله بعض السفهاء منكم ومنّا؛ يا حسْرة؟ هكذا وبجرّة ملفوظ أو قلم سوف يُنْسى تاريخُنا المشترك، تاريخُكم الذي كنا فيه يداً واحدة؛ وتَنسون، في لغط الاتهام، أننا، نحن المغاربة، كانت لنا حكومات ودول وممالك موحدة؛ وكنا جميعاً، يوم كانت الأمازيغية هي لغة الأغلبية، صفاً متراصاً، نحضنكم في قلوبنا، أنتم الذين كنتم الأقلية؛ تنسون أننا لم نفرض عليكم أبداً دكتاتورية الأغلبية، ولا انتزعنا منكم اللسان الذي صلّينا ودعونا به رب البرية؛ فلقد كنا لكم الغطاء، وكنا لكم العطاء، وكانت صدورنا العارية فدىً لأرواحكم الغالية؛ ومنحناكم السلطان دون انتخاب أو اقتراع، وزوّجناكم أجمل نسائنا، كنزة الأورابية؛ وعبد الحميد الذي أوصى بكم خيراً بنى لكم مجداً في أرضنا الأمازيغية؛ لم تكن الأرض خِلواً من أهلها، ولا الممالك خِلواً من ملكاتها وملوكها، ولا المداشر والمدائن خلواً من لسانها ولغاتها وأعرافها، ولا المدارس فارغة من علمائها وأدبائها؛ ولا المعابد خالية من نساكها وزهادها؛ ولكن كنا ذلك الشعب الذي رضع التسامح وحب الأوطان من ثدي دهيا الأوراسية، وكنا أبناء الأرض التي أنجبت ماسينيسا وصيفاكس ويوبا ويوكرتن وبوكوس وباكا وبوكود وأكسيل وتين هينان وغيرهن وغيرهم من ملكات وملوك هذه الأرض الأبية.

3ـ اسمحوا لي، نحن الأمازيغ، لسنا مقطوعي الشجرة

أاُذكركم أنّا لم نكن مقطوعي الشجرة؟ وأن لنا جذوراً وجذوعاً وأغصاناً باسقة؟ وأن لنا في الأمم تاريخاً شهدت به الآثار الباقية؟ فلماذا تقطعون تلكم الجذور وتلكم الجذوع وتلكم الأغصان وتهيلون التراب على تلكم الآثار الزاهية؟ أأذكركم بـ»ميكيبسا» ابن «ماسينيسا» الفيلسوف العلامة؟ أم أذكركم بـ»هيمبسال» الثاني ابن الملك الأمازيغي «كاودا» مؤرخ أرضنا الإفريقية؟ أم أذكركم بـ»يوبا» الثاني أب اللغات والفنون ومؤصل العلوم الفلسفية والأركيولوجية؟ أم أذكركم بـ»مانيليوس» مؤسس الحتمانية الميكانيكية وواضع نظرية الجاذبية؟ أم أذكركم بالفيلسوف «كورنوتوس» اللبتي زعيم البلاغة والمدرسة اللاهوتية؟ أم أذكركم بالمؤرخ الفيلسوف «فلوروس» الذي فلسف الوقائع التاريخية؟ أم أذكركم باللساني البارع وزعيم الفصحاء «أبولينير» صاحب كتاب الرسائل النقدية؟ أم أذكركم بالعالم والأديب المشهور «أبوليوس» المداوري الذي ذاع صيته فيزيائياً ورياضياً ومنطقياً وخطيباً وفيلسوفاً وعالم فلك وطبيباً وأول من أصل للرواية الأدبية؟ أو أذكركم بالبلاغي «أرنوبيوس» السيكي الذي أثبت وحدانية الله وألف ضد الوثنية؟ أم أذكركم بـ»أوغسطينوس» فيلسوف الأرسطية والأفلاطونية الجديدة وأب العقلانية الديكارتية الحديثة؟ أم أذكركم، سيدي الرئيس، بعالم الرياضيات والجغرافيا والفلك «إراطوسطنس» القوريني الذي وضع حساباً وخريطة لمحيط الكرة الأرضية، وحسَب المسافة بينها وبين الشمس، وأصّل للأعداد الأولية؟ أم أذكركم بمواطنه «تيودورس» صديق سقراط وأستاذ أفلاطون وعالم الرياضيات الذي برهن على عدم قياسية الأعداد الممثلة للجذور التربيعية ؟. كلهم كانوا بنات وأبناء هذه الأرض الأمازيغية؟ فهل تعرفون عنهم شيئاً سيدي الرئيس؟ وهل في أجداد الجزيرة العربية أمثال لهم يوم كان القوم يرسفون في أغلال الجاهلية؟ وهل وضعتم لهم، كما في جميع الأمم، مقررات ليدرسها أبناؤنا وبناتنا في الكتب المدرسية؟ أم أنكم ضربتم عن كل ذلك صفحاً فمحوتم الجذور وأرختم للهجرات ونسيتم أنَّا بضعةً من تلكم الشوامخ العلمية.

وتقولون لنا إنا لم نبن مدينة ولم نستقر في حضارة كتلك التي جاء بها الفاتحون أو كتلك التي تجذرت في أراض غير أمازيغية؟ وتؤكدون أنّا كنا نسكن الكهوف ونلبس جلود الآيائل ونأكل من خشاش الأرض مثلما تفعل الحيوانات البرية؟ وأنا كنا نرتع في ظلمات الجهل يستعبدنا الرومان، وتمزقنا الأهواء، ومن أحشائنا تأكل طيورُ الشؤم، وتنخرنا صراعات قبلية؛ حتى إذا ما جئتم أزلتم الغشاوة عن عيوننا وأخرجتمونا من ضيق المزوغة لرحابة الهوية العربية؛ هذا ما لقنتموه لنا في المدارس الوطنية، وهذا ما تعلمناه منكم، فكرهنا جدودنا وتنكرنا لهم، وحملنا المعاول معكم نحطم آثارهم لا نبقي لهم من بقية؛ لا يا سيدي الرئيس، لم يكن أجدادي كما لقنتمونا؛ فقد كان فيهم العالم والأمغار والإنفلاس والملك الذي أسس الممالك الأمازيغية؛ وكان فيهم الكاتب والأديب والفيلسوف والرياضي والبلاغي والفقيه والمؤرخ الذي ألّف للحضارات المتوسطية؛ وكان فيهم المهندس باني المدائن والقصور الملكية؛ وكان فيهم الصانع والتاجر والفلاح الذي أثرى الصنائع وصدّر القمح والزيت، ومما تنبت الأرض، وطور التقنيات الفلاحية؛ وكان فيهم المقاوم والمجاهد الذي مات من أجل أرضه، وسقى ترابها من دمائه الزكية؛ ومنهم أيضاً، سيدي الرئيس، تلكم البضعة المؤمنة التي أحبتكم وفتحت لكم قلوبها كي تدخلوا أفناءها من أبوابها الواسعة.

أأذكركم، سيدي الرئيس، أن أجدادي تماماً مثل أجدادكم، بنوا الحضارات، ونشروا العلم في ربوع الكون، ومدوا أيادي السلام إلى كل الشعوب كي تزدان تلكم المدن العامرة؛ أأذكركم أن من بنى مدينة «مليلت» (روسادير)، حاضرة الريف، وموطن بطليموس، إنما هم الأمازيغ؛ أم أذكركم بأن من بنى مدينة «تمودا» (تامدا/ تيطاوين) حاضرة المغرب القديم، إنما هم أيضاً الأمازيغ؛ أم أذكركم بمدينة سبتم (سبتة) في أقصى شمال غرب الريف، حيث استطالت المعابد، وبُنيت معامل تمليح الأسماك، واشتهرت بالجنان والبساتين؛ أم أذكركم بالمدينة العظيمة تينكي (طنجة) التي كانت عاصمة لموريطانيا الطنجية، والتي عُرفت بأسطورة هرقل، وكانت ملاذاً لتسامح الأجناس والأديان ونبراساً لحضارة النوميديين؛ أم أذكركم بـ «زيليل» (الممر) قرب أزيلا / أزيلي (الجمال) التي غيرتم اسمها لأصيلة، والتي تؤكد كل الآثار أنها كانت مدينة للموريين؛ أم أذكركم بمدينة ليكسوس الليبية «على الضفة الغربية لوادي اللوكوس»، وبـحدائق الهسبريد الأسطورية الجميلة؛ أم أذكركم بمدينة «بناصا» على الضفة اليسرى لنهر سبو، حيث ازدهرت صناعةُ الفخار وحيث انتشرت كل أنواع الأفران الخزفية؛ وهل لي أن أذكركم أيضاً، سيدي، بمدينة «تموسيدا»، وبمدينة ريغا أو «سيلدا» أو «جيلدا»، شمال غرب سيدي سْليمان، وبحماماتها الفسيفسائية؛ أو أذكركم بمدينة وليلي الأزلية، كما سماها ابن عذارى، والتي كانت عاصمة ليوبا الثاني وابنه بطليموس ومقراً للرومان وملجأ للعائلة الإدريسية؛ و»سلا» (إسلّي) التي استقر بها الأمازيغ منذ ما قبل القرن الثاني قبل الميلاد لم يرفع أعمدتها، سيدي، غيرُ سواعد أمازيغية؛ وموكادور التي أقام الأمازيغ على رمالها بلاطات طينية، لم تكن، بدورها غير مدينة أمازيغية.

إيه، سيدي الرئيس، وهل في استطاعتي أن أعدد لكم كل المدن الأمازيغية؟ في الصحراء وفي الجبال وفي السهول وفي التلال وعلى السواحل المتوسطية والأطلسية؟ وهل باستطاعتي أن أعدد لكم أيضاً كل الممالك التي أسسها الأجداد ووحدوا بها الأرض، وأقاموا لها الحدود الوطنية؟ هل لي أن أذْكُرَ لكم شيشون الذي بنى له مجداً بأرض الكنانة الفرعونية، فتأمر فرعوناً أمازيغياً على مصر وفلسطين ومصراييم بأراضي الجزيرة العربية؛ وهل لي أن أذكّركم أن هذا الفرعون هو من ورث عرش النبي سليمان، وهو من نقل فلسطين من عصر دولة المدينة إلى عصر الدولة الإمبراطورية؛ وهل لي أن أذكركم بممالك الماسيل والماسيسيل والموريطانيين وغيرها من ممالك النوميديين الكثيرة؛ وهل لي أن أذكركم بمدن مثل «قرطاج» و»أوتيكا» و»كليبيا» و»تونس» و»هيبو» و»سيكا» و»بولا» و»زاما» و»فيكا» و»سبطيلا» و»تالا» و»كابسا» و»تيبازا» و»إيكيلكيليز» و»سالدا» و»إيول» و»شالكا» و»سيرت» وغيرها من الحواضر التي منها ما يزال عامرا ومنها ما زالت تشهد آثاره على أصالة تلكم الحضارات الأمازيغية؛ أاُذكركم؟ وهل لكم، سيدي الرئيس، ذاكرة أطول من تلك التي تختزلونها في الفتوحات العربية؟ تلكم مرحلة نعتز بها، تغذت بها أرواحنا وسقت أمواهُها فروعَها وأوراقَها وأثمارَها، ولكن، سيدي، لا تقطعوا جذورَها، ففي قطعها موت لها ولجذوعها ولنسغ أغصانها.

4ـ كيف ستحفظون هويتنا وأنتم تجعلون من الدين، في برنامجكم، كل الهوية؟

لقد اعترفتم، سيادة الرئيس، في تقديمكم لبرنامجكم الحكومي بنموذجنا الهوياتي المغربي الفريد، وأعلنتم أنها «هوية مغربية مميزة ومتعددة المكونات والروافد»، بعد أن كنتم، فيما مضى، ترفضون هذا التميز والتعدد وتغلقون دونه الأبواب والنوافذ؛ كنتم وكنا على طرفي نقيض، تقطّعون أوصال تاريخنا المجيد، وتجعلون منه تاريخاً قصير القامة مفصول الماضي مبتور الحاضر مستلباً مذبوحاً من الوريد إلى الوريد؛ وكنا كالأم الثكلى تلملم أشلاء فلذة كبدها وتعيد خلقه من جديد؛ ولكنكم بالدين كنتم الأقوى، لأنا لم نرد أن نشتري به ثمناً قليلاً، فنُزَفّ يوم القيامة لجهنم في سلاسل من حديد؛ كان الدين لنا أن نحب ونسامح، ونقرأ القرآن وننافح، ونتلو الأوراد ونصالح، ونخرج الزكاة ونعطف على اليتيم، ونمنح الفقير من أموالنا ما يبيض الكوالح، فإن لم يكن فكلمة طيبة ترفع الضيم عن القلب الكئيب؛ وكان الدين لكم أن تستعيدوا تاريخ الحروب والغزوات والسلالات والبيوتات واللغات والثقافات المقدسة؛ وتمسحوا من ذاكرتنا كل الأسماء وكل الكلمات وكل الذكريات الجميلة؛ كان لكم أن تأخذوا منا أمجادنا وتصنعوا لنا سلالات مثلكم، وتسبّوا أجدادنا أو تخفوا ملامحهم وتعلنوا الحرب على سلالاتهم المدنسة؛ وكان لكم أن تنقلوا الجغرافيا ضداً على إرادة الإله، كي تجعلوا لها أوتاداً في شبه الجزيرة، ولكي تعلنوا أنكم من هناك، وأن الهنا لا يوجد إلا هناك، فسميتم أرض المغارب مغرباً عربياً، ونسيتم أننا هنا وأنَّا بعد لم ننتقل إلى هناك؛ سيدي الرئيس انزعوا الأوتاد من أصداغنا، وتوقفوا عن الحفر في قلوبنا، وخذوا كل شيء إلا انتماءنا؛ لكم الله، لا تنزعوا عروقنا، تلكم آيات من ربكم فلا تجففوا منابعها، واخشوا أن تقتلوا آية من آيات ربنا.

وتقولون، بعد كل هذا، في برنامجكم، سيدي الرئيس، إنكم ستحفظون لنا انتماءنا، وتصونون إسلامنا ولساننا وتاريخنا والقيم التي تجري في دمائنا؛ كيف لكم ذلك وأنتم تجعلون من الإسلام هوية؟ مِن فضْلكم دلونا على آية واحدة تثبت أن الإسلام أنزله الله بوصفه الهوية؟ كيف لي، إذن، أن أميز هويتي المغربية عن الهوية الماليزية أو الباكستانية أو السعودية أو التركية ...؟ فكل المنتمين لهذه الهويات، يا سيادة الرئيس، هم، لعلمكم، مسلمون مثلنا، تجمعنا نفس الديانة، لكن لا تجمعنا، أبداً، نفس الهوية؛ هل تعلمون أن الإسلام، كما هو مثبت في الذكر الحكيم، قد جاء لكل الهويات لأنه جاء لكل العالمين؛ هل تعلمون أن قوة الإسلام في كونه لم يربط أبداً نفسه بأي هوية؛ ولم يأت أبداً لكي يَجُبَّ ما قبله من ثقافات ولغات وهويات أو لكي يحتل مكانها بوصفه الدين والهوية؛ ما الذي يفرق بينكم وبين القوميين الذين جعلوا من الإسلام منتوجاً عربياً يمتاح من الهوية العربية؟ ما الذي يفرق بينكم وبين ميشيل عفلق القومي-المسيحي الذي نادى بعروبة الوحي، واعتبر الطقوس الإسلامية من صلاة وصيام واحتفال بعيد المولد النبوي طقوساً عربية؟ أو ما الذي يفرق بينكم وبين القومي محمد أحمد خلف الله الذي نظَرَ إلى الإسلام بوصفه «الجانب الإلهي من العروبة»، والقرآن بوصفه «الجانب الإلهي من الثقافة العربية القومية» والتي نظَّر لها محمد عابد الجابري في عقوله العربية.

هل تعلمون نتائج هذا التفكير القومي الخطير يا سيادة الرئيس؟ نتائجه أن القوميين، ومنذ أواخر القرن التاسع عشر، سيعتبرون الدخول في الإسلام دخولاً في القومية العربية، وسيعتبرون الإسلام نتاجاً لثقافة العروبة التي تتأسس عليها الهوية العربية، وسيعتبرون القرآن كتاباً عربياً أنتجه مثقف عربي عظيم اسمه محمد ابن عبد الله، والذي لم يكن بدوره غير نتاج للشروط التاريخية والحضارية العربية. ماذا أقول لكم وأنتم تجعلون الدين الإسلامي يتبوأ في برنامجكم مكانة الصدارة في الهوية المغربية ؟؟؟ كيف حولتم ديناً عظيماً يتسامى على الهويات، ويفتح صدره للعالمين، إلى منتوج خاص بهوية مغربية؟؟؟

5ـ تذكَّروا أننا، نحن الأمازيغ، نؤمن بالإسلام ديناً يتعالى فوق كل الهويات الأرضية.

نعم، نحن الأمازيغ، نؤمن بالإسلام ديناً عالمياً حتى وإن كان منبعه أرضاً عربية؛ نؤمن به فوق اللغات وفوق الثقافات وفوق كل الهويات الإنسانية؛ ونؤمن أيضاً أن هويتنا الأمازيغية قد وطَّنته وأعطته فرادته المغربية؛ ولذلك نحن لا ندعي أبداً أن إسلامنا هو الهوية، وأن هويتنا هي إسلام لكل البشرية؛ نحن ندعي، فقط، أن لنا فهماً للإسلام العالمي مغايراً ويستمد حقيقته من تجربتنا وهويتنا الأمازيغية؛ نحن لم نقرأ القرآن بعيون ماليزية أو سعودية أو عراقية أو طالبانية؛ نحن قرأناه بعيون مغربية، بثقافة تمتد عميقاً في تربتنا الإفريقية؛ ولذلك رفضنا العبودية الأموية، وتبنينا مذهب مالك ولم نتبن مذهب الحنبلية؛ تبنيناه لأن في شرائعه سعة تسع أعرافنا وتقاليدنا وأنماط عيشنا دون ضغط أو قطيعة مع هويتنا الأصلية؛ أتدرون أنّا وطدنا لشريعة «الأزرف» الأمازيغية، فلم نحكم على السارق بقطع اليد، وحكمنا عليه بمائة مثقال يعطي نصفها للقبيلة، والنصف الآخر يعطيه للضحية؛ ولم نحكم على القاتل بالإعدام، وحكمنا عليه بالنفي وبمائة مثقال، نصفها يذهب لخزينة الجماعة والنصف الآخر يذهب لعائلة الضحية؛ وحكمنا على من تعدى على امرأة بمائة مثقال، ولم نحكم عليه بالرجم حتى تأتيه المنية؛ وحكمنا على من جرح شخصاً بحجر أو عصاً أن يؤدي نصف ريال، ولم نحكم عليه بالقصاص، فتُفْقَأُ عينُه أو تُنزع منه الأضراس.

نعم، لم نحكم إلا بما وافق العقلَ وروح الدين وحقق العدل بين الناس؛ وحزمنا أمرنا، كي لا يكون فقير بيننا، أن نشرك الجماعة في أملاكنا، فجعلناها مشاعاً أو أوقفنا كل ما نملكه على الأحباس؛ كان ذلك اجتهادنا، ولما تنادى فقهاء أهل فاس، وأنكروا على ابن عرضون أنْ ناصَفَ النساءَ عند الوفاة والطلاق، دعاهم لأرض الأمازيغ، وقال لهم: أبحكم الجزيرة العربية تريدون أن تحكموا أهل غمارة ووزان؟ أنظروا إلى النساء يعملن في الحقول، يزرعن ويحصدن ويدرسن؟ أنظروا إليهن يعصرن الزيوت، يتسلقن الجبال ويحتطبن؛ أنظروهن إلى جنب الرجال يشتغلن ويعرقن؛ ألا يستحقن أن يُعطى لهن حقهن من الثروة التي راكمن؟ أبالنفقة وحدها تظنون أن تعدلوا بين الأزواج عند طلاقهن؟ ذلك عدل في أرض سَدَّت أعرافُها على المرأة الأبواب، وهو ظلم صارخ في أرض فتحت لها الأعرافُ النوافذ والأبواب، فانطلقت تشمر عن ساعدها وتحقق ذاتها وتشارك أهلها والجماعة حياة النظراء من الرجال ومن الأضْراب.

ولأن الأمازيغ لم يكونوا يرضون عن هويتهم بديلاً، فقد استرشدوا بقول الرحمانْ: «خذ العفو وأْمُر بالعُرْف وأعرض عن الجاهلين» (الأعراف، 199). هكذا جعلوا من العفو دَيْدَنهم، ومن العرف شريعتهم، وأعرضوا عن كل جاهل وشيطان؛ واستنزلوا أعرافهم مستلهمين روح القرآن، ومستدبرين كل الأحكام التي تجاوزها الزمانْ. لقد صار العرف أصلاً والاجتهاد وسيلة والعقل هو البرهان؛ وكانت العلة في كل هذا هي الموجبة لكل الأحكام؛ فمنعوا قطع الأيادي وفقأ الأعين وقتل النفس وتشويه الأبدانْ؛ وحرموا عليهم الحكم بالسجن وحرموا الإعدام؛ لم يتطرفوا ويعتبروا الحكم انتقاما؛ بل أخذوا بالعفو وحكموا بالنفي مصداقاً لرب الأكوان :» إنما جزاء الذين يحاربون الله ورسوله ويسعون في الأرض فساداً أن يُقتَّلوا أو يُصلَّبوا أو تُقَطَّعَ أَيْديهِم وأرجُلُهُمْ من خلاف أو يُنْفَوا من الأرض» (المائدة، 33)؛ وبما أن في القرآن سعة في الأحكام، فلقد أوَّلوه بعيون أمازيغية رحيمة، فلم يقتلوا ولم يصلبوا ولم يقطعوا الأيدي والأرجل، ولكنهم نفوا الفاسد، فلم يخرجوا بذلك عن عرفهم، ولم يخرجوا عن روح عدالة القرآن.

لقد قرأ الأمازيغ في السلف الصالح أن العلة هي ما يحدد الأحكام، وأن النص لا يوجب الحكم إلا بالبرهان؛ وأن القرآن لا يفسر العصر، ولكنه العصر الذي يفسر القرآن؛ هذا ما تعلموه من ابن عباس في حديثه، وهذا ما تعلموه عن علي ابن طالب حينما جعل لكلام الرب أوجهاً ومعاني؛ وهذا ما علِموه عن الفاروق ابن الخطاب الذي منع الصدقات عن المؤلفة قلوبهم من المتنفذين الأعراب؛ وهذا ما علِموه عنه رغماً عن النص الذي جعلها فريضة لهم ولغيرهم من الفقراء والمساكين والعاملين عليها والغارمين وابن السبيل وفي الرقاب؛ وهذا ما علِموه عنه أيضاً حينما منع توزيع الغنائم على المقاتلين بعد فتح العراق، رغماً عن النص الوارد في الكتاب؛ وهذا ما علِموه عنه، مرة أخرى، عندما لم ينفذ حكم حد السرقة أو عندما نزع من بلال المزني ما أقطعه الرسول من أراض وبلدان؛ فلقد كانت علة المؤلفة قلوبهم أن الإسلام عاد قوياً دونهم، وأن شرهم لم يعد يخيف كما كان؛ وكانت علة منع توزيع الغنائم أن في أخذ الأراضي من أهلها هلاكا للضرع وللزرع وخرابا للدولة والأهل والأوطان؛ وكانت علة نزع الأرض من بلال المزني أن الأرض كانت أكثر من حاجته، وفي بلاد المسلمين العريان والمحتاج وغير ذي مأوى وفيهم الجوعان.

6ـ لماذا سكتُّم عن الرق والاستعباد وتشبثتم فقط بالتمييز بين الرجال والنسوان وبين اللسان واللسان؟

ولنا أن نسائلكم، سيادة الرئيس، لماذا سكتم عن الرق والاستعباد واتخاذ الإماء سراري وجواري ومحضيات يُلقى بهن في الأحضان؟ ألم يكن الإنسان يُباع ويشترى في أسواق النخاسة في عز الإسلام كما الحيوانات تباع وتُسلخ لا فرق بين الدهري بينهم والوثني وصاحب الكتاب ومن عمر قلبَه الإيماْن؟ ألم يُقر إسلام الفقهاء وضعاً جاهلياً لما استعملوا القرآن كي يكرسوا عبودية الإماء ولكي تزدهر فيهم تجارة الأقنانْ؟ عودوا، سيادة الرئيس، إلى تفسير الفقهاء للقرآن؛ عودوا إليه وانظروا كيف فسروا سورة النساء وسورة النحل وسورة المؤمنين وسورة النور وسورة الروم وسورة المعارج وسورة الأحزاب؛ عودوا وسترون أن القرآن، في عرفهم، لم يحرم ما ملكت الأيْمان؛ وأن الفقهاء في متونهم ميزوا بين إنسان وإنسانْ، وأنهم باسم الدين والنص لم يجعلوا صلاة الجمعة مفروضة على العبيد كي لا ينشغلوا بعبادة الله عن خدمة الأسياد وذوي الشأن والصولجان. عودوا إلى تراثكم فستجدون الصحابي والتابع وتابع التابع والأمير وصاحب السلطان، كلهم استعبدوا الإنسان؛ حزوا العبيد والجواري والسراري والمخصيين الذين قطّعوا منهم الذُّكْران؛ ورغم ذلك تسكتون عن كل هذا التراث «التليد» وتطلبون لهم الغفرانْ؛ لماذا، إذن، لا تطبقون هاهنا آيات الرحمان؟ لماذا تؤولون اليوم آيات بينات، خلافاً لتأويل أجدادكم، كي تتلاءم وحقوق الإنسان؛ لماذا، بربكم، لا تؤولون الآيات الأخرى كما تفعلون مع آيات «ما ملكت الأيمانْ»؟.

لماذا لا تتشبثون إلا بتمييز الرجال عن النساء والادعاء أن الله فضل الثقافات على الثقافات واللسان على اللسان؛ وتدّعون، بعد ذلك، أنه تعالى سوّانا كالمشط نبتت من جذعه الأسنان؛ لقد برر الفقهاء قديماً الاستعباد والتسري والسبي لأن على كاهل الإماء والأقنان يقوم صرح الاقتصاد وتعمر البلدان؛ وبرروه أيضاً بالحروب، وأنه - واحسرتاه - كان غير مَنْكور ولا مستغرَب وغير مؤلم ولا جارح للشعور ولا مثير للغثيان؛ وأغفلوا عتقهم، مَنّاً أو فداءً، وأغفلوا اقتحام العقبة فلم يفكوا الرقبة، وجعلوا منهن المحضيات ومنهم الولدان والخصيان. وكان الذي كانْ، وسُنت القوانين، وانتظم مجتمع العبيد يحكمه الأسياد، يسومونهم العذابَ ألوانْ؛ ثم إنكم بعد ذلك انتبهتم إلى مجتمع حقوق الإنسان، فمجَّ الذوقُ – ذوقُكم - ما كان يفعله الأجداد، وتناديتم «متى استعبدتم...»، وتنكرتم لكل النصوص وكل الفصوص والحواشي وكل القوانين وكل الأعراف التي نظمت حياة الاستعباد بكل الأوطان؛ وأعلن المتنورون منكم أن الإسلام لم يغلق باب التحرير كله وأنه تعالى خلق العباد سواسية، وأنه لا فرق بين الناس إلا بالتقوى والإحسانْ.

آه، سيادة الرئيس، إلى متى سيظل ذوقكم لا يمج التمييز الصارخ بين الرجال والنسوان؟ إلى متى وأنتم اليوم تكفرون بكل التراث وكل النصوص وكل القوانين التي شرعنت استعباد الإماء والأقنان؟ إلى متى سيظل ذوقكم يشرعن التمييز بين الإنسان والإنسانْ، وبين اللسان واللسانْ؟ ها أنتم أولاء، اليوم، على صهوة السلطان، فانظروا أمركم، وراجعوا ذوقكم، واعتبروا العلل التي تأتي بها الأزمان ويزكيها البرهان.

هل أخبركم، سيادة الرئيس، أن الأمازيغ بعُرفهم حكموا بروح القرآنْ، وأنهم أبداً لم يُقْصُوا اليهود والنصارى وغير ذي إيمان؛ فـ «بشرع من قبلنا» أدمجوا في عُرفهم أحكام التوراة والإنجيل وجعلوا من العدالة الغاية القصوى لكل إنسان؛ هذا ما أثبته مالك وهذا ما سارت به الركبان؛ وهذا ما جعلهم يستوعبون كل الوقائع والتجارب الإنسانية ويفتحون أمام المجتمع في تعدده الثقافي والديني أبواب التسامح والإحسان؛ وهل تعلمون أن مصيبة أهل السودان وكثير من البلدان التي تحكمها، اليوم، حكومات العربان، إنما جاءتهم من إيديولوجياتهم البعثية التي احتقرت لغات وثقافات ومعتقدات وتواريخ وسنت لسياسة مَحْوِهَا باسم العروبة والإسلام. ولم يقتل الأمغار الأمازيغي مستبدلاً لعقيدته كما يدعو إلى ذلك اليوم كل مدمن على القتل متسلط فتّان؛ فقد استرشدوا بأعرافهم ذات السماحة واستوعبوا قول الرحمانْ: «لا إكراه في الدين، قد تبين الرشد من الغي»، واستوعبوا قولَه تعالى: « فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر»، وما فتشوا في القلوب أو أنشأوا لهم فرقاً تضرب بالكرباج كما في السعودية أو في إيران، مسنودة ببعض التيارات الدعوية التي تدعي أن الله أرسلها لتغير باليد ما لم يُغيَّر باللسانْ؛ هكذا احترمنا ديننا وهكذا احترمنا كل الأديانْ؛ ووضعنا نصب أعيننا الحديث النبوي الشريف: «هلا شققت على قلبه»، إذ من أكون أنا العبد حتى آخذ مكان رب الأكوان، فأشق - سبحان الله، سبحانْ- على القلوب وأوزع صكوك الكفر والإيمان؛ من أكون وللنفس الإنسانية قداستها، والله جعل الحرية جوهر الإنسان؛ تلكم أعرافنا، وهو ما قرره الإمام مالك بقوله:» إذا صدر قول من قائل يحتمل الكفر من مئة وجه ويحتمل الإيمان من وجه واحد، حُمِل على الإيمان، ولا يجوز حمله على الكفر» مهما كان؛ هذا ما اهتدى إليه عقل الأمازيغ أيضاً وهذا ما قرره أئمة الاجتهاد حينما قالوا: « إذا تعارض العقل والنقل قُدِّمَ العقل وأُوِّلَ النقل»؛ فهل بعد هذا البرهان، سيادة الرئيس، من بُرهان؟

7ـ لقد آمنا بقول الله: «يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات: 13)؛ فآمِنوا بما آمنا

نعم، لقد آمن الأمازيغ بقول الله: « يا أيها الناس إنا خلقناكم من ذكر وأنثى وجعلناكم شعوباً وقبائل لتعارفوا إن أكرمكم عند الله أتقاكم» (الحجرات: 13)؛ ولم يجعل الأمازيغ من التعارف، كما تدّعون اليوم، سبيلاً لمسح هوية الغير من الوجود وهدم كل البنيان؛ اقرأوا تاريخنا، تاريخكم، اقرأوا كيف احتضناكم وكيف احتضنتمونا، وكيف أحببنا فيكم الأخوة وقدسنا فيكم الإنسان؛ إقرأوا كيف فتحنا أبوابنا لكل حضارات الحوض المتوسطي، قديماً وحديثاً، وكيف انفتحنا على ثقافات الأثيوبيين والفنيقييين والأقباط والإغريق والرومان؛ إقرأوا كيف أبدعنا في ثقافاتهم وعلومهم وفي اللسان؛ إقرأوا كيف تكلمنا بلغاتهم وبلغات كل أبناء قارتنا الإفريقية دون تعصب للدم أو ادعاء بتفاضل الأنساب؛ ولم تكن أرضنا عرقية كي نجعل لها أصولاً دموية إلا ما كان من أصل التراب الذي منه وُلدنا والذي إليه المآب؛ كنا نؤمن أن الله خلقنا من نفس الطينة فلم نسمِّ الأرض إلا باسمها، ولم نفضل إنساناً على إنسان؛ وكنا أحرص على أن نتعارف شعوباً وقبائل وأوطان؛ فلماذا غيرتم أسماءنا واسم الأرض التي آوت أجدادنا وجعلتم لها ألقاباً دموية ما أنزل التاريخ بها من سلطان؟ لماذا استغفلتمونا وجعلتم من أرضنا مغرباً عربياً وتناسيتم أننا وإياكم إخوان؟ وأقصيتمونا من الأرض التي سقيناها بدمائنا، وادعيتم أننا انقرضنا منذ غابر الأزمانْ، وأن لساننا لم يكن غير كومة لحم لا نحركها إلا لكي تزدرد الطعام؛ ثم إنكم بعد ذلك تقولون: هيت لكم، ارتموا في حضن «الأمة العربية» أو انزرعوا في «الوطن العربي» أو انصهروا في عالم العربان، تماماً مثلما يفعل المعشوق حينما يرتمي في أحضان العاشق الولهان؛ فأين نحن من كل هذا؟ وهل يكون الحب حباً إذا لم يتبادله اثنان؟ وهل يكون الحب حباً إلا إذا التهم الواحد منا الثّانْ؟

اعْلموا، سيدي الرئيس، أن فئة من المغرّر بهم، منكم ومنا، قد ظلت طيلة قرون وهي تعيش عقدة التزلف لعروبة أوهمتهم أنها الطريق الوحيد إلى الله المتعال؛ واعتقدت، لحب الأمازيغ لكم، أن كسب رضوان الله لن يتأتى لها إلا بقتلها لمزوغة الأرض في نفسها وإحيائها لعروبة الدم في شجيرات الأنساب؛ فمنها من استبدلت اسْمَاءها بغيرها، ومِنها من غيّرت لسانها، ومنها من ادعت أن الدم الذي يجري في عروقها قرشي حملته حوافر أحصنة دكَّت الوهاد والسهول والتلال والجبال؛ لقد كانت تلكم عُقدتها ولم تعلم أن الله سوّى بين عباده، وأنه لا فضل لعربي على عجمي ولا لعجمي على عربي إلا بالتقوى وحسن المآل؛ كانت تلكم خطيئتها، فالله الذي خلقها هو نفسه الذي خلقكم، ولا شريف، عنده تعالى، إلا من شرّفته الأفعال؛ هذا ما قَرأْناه، وهذا ما علمناه، وهذا ما فهمناه، وهذا ما نريد، سيدي الرئيس، أن نقوله لكم الآن؛ فاستمعوا لنا وأصيخوا لصوت العقل وانزعوا عنا العقال؛ نحن مثلكم، لا فرق بيننا وبينكم في التاريخ والثقافة والأجداد واللسان والألوان؛ نحن مثلكم في المواطنة وفي الحقوق والواجبات والانتماء وحب الأوطان؛ فلتُسْقِطوا عنا كل الأساطير من الدستور ومن القوانين والمراسيم والأحكام ومن برامج التدريس والإعلام.

8ـ أسقطوا الأساطير عنا وساووا بيننا في التعليم والقضاء والإدارة والفضاءات العمومية والإعلام

أسْقِطوا ظهيراً أسميتموه «بربرياً»، وأعلنتموه خطيئة لنا، وجعلتموه في الأمجاد لكم عنوانْ؛ أتنكرون أنا كنا، مثلكم، في الجبال نموت وكنا نقاتل بما ملكت أيدينا من عتاد قليل ورجال ونساء وأطفال؛ أتنكرون أنا قُتّلنا بكل أنواع سلاح الدمار، وأن أجسادنا شُوهت، ومنازلنا هُدّمت، وحقولنا أُحرقت، وآبارنا سُممت، ومداشرنا هُجرت، وفلذات أكبادنا جُهلت، وألقوا بنا في غياهب السجون، ولم يجعلوا أبداً لمقابرنا عنوان؛ أو تنكرون أن بعض وطنيي التعريب قد هنأوا الغزاة، وأنهم جعلوا شرط القضاء علينا - سامحهم الله – مقدمة للمطالبة بالإصلاح تحت نير الاستعمار؛ لم يساندونا أبداً بالرجال ولا بالسلاح ولا بالأموال؛ كان ديدنهم أن يُعربوا ما شاء الله، وأن يدبجوا بطولاتهم بالقصائد والخطب الرنانة والمقالات الطوالْ؛ وها نحن أولاء، وبعد أكثر من خمسين عاماً، تُستغلُّ أسطورةٌ - نحن برآء منها- كي يوهَم الشباب أنا كنا مع الغزاة، وأنهم كانوا هم الذين يموتون في الوديان وفي الجبال وفوق التلال؛ ويستغلون الأسطورة كي يُمحوا بها أعرافنا، ويقتلوا لساننا، ويفصلوا بيننا وتاريخنا، ويقدمونا على أنا كنا للمعمرين إخوان؛ كانت تلكم، سيدي الرئيس، مقدمة كي نباع لقومية عششت في العقول، ففقست وتحولت لِذُهانْ.

والآن، الآنْ؛ ماذا بعد أن حصحص الحق وأُعلن أنا وإياكم من نفس الطينة وأنا لم نك يوماً إلا كأصابع اليد لا يفرق بيننا شنآن؛ ماذا بعد أن أُعلن أن جذورنا، مثلكم، تمتد عميقاً في الأرض لا فرق بين من أنبتته تربة المزوغة ومن جاء مهاجراً أو لاجئاً أو أتى، يحمل سيفاً، على صهوة الحصانْ؛ ماذا بعد خطاب أجدير، وماذا بعد أن رُسّمت لغة الأجداد، أجدادي وأجدادكم، وأُعلن أنا قد حررنا تاريخنا فأصبح لنا انتماء للأرض وأصبح لنا كيان؛ ماذا فعلنا وماذا فعلتم أنتم الذين في يدكم السلطان؟ هل ترجمتم الخطاب والدستور إلى واقع أم أن دارنا ما زالت فارغة كفؤاد أم موسى وكدار لقمان؟

عشْرُ سنوات ونحن ننتظر تفعيل الخطاب، فكانت الحصيلة صادمة مبكية؛ قلتم لنا: سنمنحكم، في التعليم، ثلاث ساعات أسبوعية (يا حسرة). فصدقناكم؛ وقلنا: لا بأس تلك بداية وستأتي بعدها قرارات وطنية؛ وعملنا ليل نهار، وحضّرنا كل البرامج والمصوغات وكل الكتب المدرسية؛ وكوَّنا آلافاً من المؤطرين والأساتذة والأطر الجامعية؛ ثم قلتم: مهلاً، سنعممها، إن شاء الله، بعد ثمان سنوات في كل المراحل الدراسية؛ وصدقناكم؛ وقلنا: لا بأس، ما زال لدينا بعض من الوقت، ولا داعي للاستعجال حتى نؤسس لبداية تعليمية شرعية؛ وطلبنا منكم أن تنقُّوا المقررات والمناهج من كل ما يسيء لتاريخنا والثقافة والهوية؛ فوعدتمونا خيراً، وانتظرنا حتى تنتهي العُشرية؛ وجاءت حكومة وذهبت حكومة، فلا الثلاث ساعات احتُرِمت، ولا الأساتذة التحقوا كلهم بالفصول الدراسية؛ ولا التلاميذ تصفحوا الكتب التي أُلِّفَت، ولا المقررات والمناهج توقفت عن الحط من تاريخنا - تاريخكم- والثقافة والهوية؛ فما قَدَرْتُم حق قدرها، وما عممتموها، وما آخيتموها بأختها العربية؛ قطعتم عنها - ويحكم- الهواء والماء والطعام وجعلتموها في ركن الهوان منسية؛ ومرت السنون، ونحن ننتظر، كالفلاح أمام الحقل، عساها تزهر ثماراً وردية؛ فما أزهرت ولا أنبتت إلا عوسجاً وأشواكاً في الحلق مُدمية؛ والتفتنا يميناً وشمالاً، فلم نجد غير تقرير لليونسكو ينعيها - واحسرتاه- للمنية.

ثم ماذا؟ لا شيء، غير قناة مأسورة داخل أسوار بناية ضيقة معزولة وموجهة للأمازيغ وحدهم كما لو أنهم جالية أجنبية؛ ودعوناكم أنا منكم وأنا شعب واحد فلا تفصلوا بيننا، واجعلوا لنا نصيباً في كل القنوات والإذاعات الوطنية والجهوية؛ وطلبنا أن لا تعزلونا داخل «كيطو» الإعلام حتى لا تتعالى أسوار التمييز بيننا، ويُنمّى في نفوس البعض منّا شعورٌ بالاستعلاء، وفي نفوس الآخرين يُنمى إحساسٌ بالدونية؛ وترجّيناكم أن لا تحولوا قنواتنا إلى زرائب محمية؛ ولكنكم زاوجتم في كل القنوات والإذاعات بين العربية والفرنسية، فألقيتم في روعنا أن العربية وطنية وقومية ووحدوية وأن الفرنسية عالمية وحداثية، وأما الأمازيغية فمنحتموها وضعية اللغة «الطائفية»، موجّهة لـ «لأطوكطون» دون الناطقين بالعربية؛ هكذا استرجعتم، ياسيدي، أسطورة الظهير القديم، وهكذا اختزلتم الأمازيغية، لاشعورياً، في أصولية عرقية قبلية جهوية ومحلية. تلكم هي الرسالة الثاوية التي تبثونها، عبر الأثير، في كل ساعة ودقيقة وثانية؛ فهلا انتبهتم للأسطورة مستشرية في اللاشعور متلبسة تارة لبوس الإسلام وتارة لبوس الظهير وتارة لبوس الوطنية.

وماذا مرة أخرى؟ لا شيء غير وعود تُلقى هنا أو هناك كما الرياح الشرقية؛ قلنا لكم كيف لنا أن نتساوى أمام القانون في الفهم والتعبير والدفاع عن النفس دون لغة الأم، ودون لغة التواصل اليومية؟ كيف لنا أن نقف أمام رجال السلطة ثابتي القامات دون إحساس بالهوان ودون شعور بالدونية؟ كيف لنا أن نشرح للطبيب المرض الخطير الذي انتابنا ونحن مطالَبون للتعبير عنه باللغة الرسمية أو الأجنبية؟ وكيف للقاضي أن يحكم بيننا وعلينا بالسجن والإعدام والغرامات ونحن لا ندري مضمون الحكم ولا الحيثيات القانونية؟. كيف لي أن أكون مواطناً صالحاً أحب وطني وأنتم تحرمونني من لغتي ومن حقوقي الأساسية؟ مات جدي وماتت جدتي ومات أبي وكل الذين حملوا السلاح في الجبال من أجل الحرية؛ ماتوا، ولم يحسوا أبداً بطعم الحرية؛ لقد وجدوا بالمحكمة لساناً لا يعرفونه، ووجدوا في الإدارة موظفاً لا يعرف لسانهم يتهمهم بالجهل والأمية؛ ووجدوا في المدرسة أستاذاً يقطع ألسنة أبنائهم، ويتّهم أجدادهم بالكفر والخيانة والعنصرية؛ ومنعوهم من تسمية الأبناء بأسماء آبائهم، وقيل لهم تلكم أسماء جاهلية، لا معنى لها في الإسلام، وخادشةٌ دلالتُها للحياء في العربية؛ ثم أصدرتم بياناً ومرسوماً وقائمةً تحددون بها الأسماء العربية «الشرعية». آه، كم كانت دمعة جدتي «تلايتماس» حرّى، وكم كانت حزينة، لما أرادت أن تسمي حفيدتها باسمها قبل الممات، فقال لها موظف الحالة المدنية: «اسمك يا سيدتي ليس مغربياً، هو مخل بالحياء، ولا معنى له في العربية»؛ جدتي هاته التي كانت – واحسرتاه- تُقدس العربية، أُهينت في كرامتها وأصبح اسمُها الأمازيغي مبعثاً للسخرية.

وجاءت سكرة التّرسيم، وانتظرناكم أن تعيدوا لنا كرامةَ الجَدّة التي ماتت وللشعب كرامةَ الهوية؛ فصادقْتُم على ميزانية لم يكن فيها نصيب لتلك اللغة التي اعترفنا واعترفتم بها في الدستور رسمية؛ لقد كان دستورُ الإقصاء، سيدي الرئيس، أقوى من دستور صناديق الاقتراع الشعبية؛ وكان قرارُ التهميش أقوى في دفاتر تحملاتكم وفي المؤسسات والمرافق وفي الفضاءات العمومية؛ فسواء رُسّمت تلكم اللغة أو وُطّنت تلكم الثقافةُ في الدستور، فمشروع التأحيد واحد في كل مشاريعكم الحكومية؛ لم تمنحوا التعليم، رغم الترسيم، منصباً واحداً للأمازيغية؛ وأعدتم، في الإعلام، تشكيل بناء «الكيطو» وكأننا جالية أو حالة مرضية؛ بربكم هل في العالم لغة رسمية لم يُخصص لها منصب واحد في المدرسة العمومية؟ وهل في العالم ثقافة وطنية ليس لها وجود في البرامج والمناهج التربوية؟ وهل في العالم من يعتز بهويته المتعددة، وليس للتعدد وزن في الإعلام، وليس له حضور وازن في الحياة المؤسساتية اليومية؟ كيف توزعون نسب البث يميناً وشمالاً، وتفاضلون بين مكونات هويتنا الوطنية؟ فتمنحون البعض منها في دفاتركم وقوانينكم كل النسب المئوية، وتمنحون الأمازيغية الفتات وما تبقى من زمن ميت في قنواتكم وإذاعاتكم الوطنية؛ أين، إذن، هي الأمازيغية الرسمية؟ أين هي العدالة بين المكونات الوطنية؟ أهذا هو استنزالكم للدستور الجديد؟ أهذا هو فهمكم للتعددية؟ «كيطو» لنا وحدنا وللآخرين كل القنوات السماوية والأرضية؟

9ـ هذه بعض من مطالبنا، والخير أمام

اسمحوا لي، سيدي الرئيس، أن أعرض بين يديكم، قبل توديعكم، بعضاً من مطالبنا، نحن الذين ما نزال ندّعي أننا مثلكم مواطنين وننتمي لنفس الأرض ولنفس الهوية الوطنية؛ مطالبنا المستعجلة، سيدي الرئيس، هي أن:

1ـ تقرأوا الفصل الخامس من الدستور قراءة مواطنة تقتضي تأويلاً حداثياً وحقوقياً وديموقراطياً يساوي بين اللغتين الرسميتين، ويمنحهما نفس الوضع القانوني والاعتباري في جميع مؤسسات الدولة ومرافقها وفضاءاتها العمومية؛

2ـ لا تنتظروا استنزال هذا الفصل من الدستور إلى أن يصدر القانون التنظيمي لتحديد الأولويات؛ بل إن المفروض هو أن تبدأوا من الآن، وبدون انتظار في منح اللغة الأمازيغية وضعيتها الرسمية في جميع المجالات وداخل كل المؤسسات؛ ونهيب بكم، لذلك، أن لا تتخذوا من انتظار هذا القانون مبرراً لتأجيل حقنا في أن تكون اللغة رسمية؛

3ـ تجعلوا من المجلس الوطني للغات والثقافات المغربية فضاءً لتعميق التأويل الحداثي والحقوقي والديموقراطي الذي سيمنحه القانون التنظيمي للفصل الخامس؛ وتنأوا بالمجلس عن أن يتحول إلى أداة في يد متنفذين من أصحاب النزعة الإيديولوجية الأحادية الذين لا يحترمون الآخر ولا يومنون بقيم التعددية؛

4ـ تعملوا على تقوية دور المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، بالشكل الذي يجعله قادراً على الاستجابة لكل طلبات المجتمع ومؤسسات الدولة؛ وتمنحوه كل الإمكانيات اللازمة القمينة بتحقيق كل هذه الطلبات، وبتجويد أدائه؛ وتحافظوا على استقلالية قراراته وتوجهاته العلمية والأكاديمية، دون تدخل توجيهي قد يتنافى مع الأهداف والغايات التي أنشئ من أجلها؛ وتتخذوا، إلى جانب ذلك، كل الإجراءات اللازمة لتوسيع مراكزه العلمية وتزويدها بالكفاءات العلمية الضرورية (الموارد البشرية)؛ واتخاذ المؤسسة مرجعاً في كل القرارات السياسية الكبرى ذات الصلة بمستقبل اللغة الأمازيغية وثقافتها؛

5ـ ترصِّدوا كل المكتسبات المرجعية السابقة عن ترسيم اللغة الأمازيغية، سواء تعلق الأمر بالمرجعيات السياسية (الخطب الملكية، الظهير إلخ) أو تعلق بالمرجعيات التنظيمية والتربوية ذات العلاقة بمنهاج اللغة الأمازيغية وبالمبادئ الموجهة كالتعميم والإلزامية واستعمال حرف تيفيناغ والمعيرة اللسانية؛

6ـ تَشْرعوا في عملية تعميم اللغة الأمازيغية، أفقياً وعمودياً، انطلاقاً من الموسم الدراسي المقبل، وتضعوا لذلك مخططاً محكماً لتحقيق هذا الهدف، سواء من خلال توفير الإمكانيات البشرية والمالية واللوجيستيكية، أو من خلال وضع جدولة زمنية محددة لا يجب أن تتعدى خمس سنوات؛

7ـ تعيدوا النظر في الثلاث ساعات الأسبوعية التي خُصصت للغة الأمازيغية في المراحل الابتدائية، وتخضعوا تدريسها، بوصفها اللغة الرسمية للبلاد، لنفس المعيار العالمي الذي يحدد السقف الزمني الضروري لإتقان لغة ما؛ ونقترح عليكم، في هذا الصدد، أن ترفعوا من منسوب هذا السقف الزمني ليصل، في المرحلة الأولى، إلى ست ساعات خلال الخمس سنوات المقبلة؛

8ـ تواصلوا إدراج اللغة الأمازيغية في الإعدادي والثانوي، انطلاقاً من الموسم الدراسي المقبل، وتعمموها، عمودياً وأفقياً، في غضون السنوات السبع المقبلة؛

9ـ ترسخوا تجربة فتح مسالك وماسترات اللغة الأمازيغية وثقافتها في التعليم العالي، وتزودوا هذه المسالك والماسترات بالموارد البشرية الكافية ذات الكفاءة الأكاديمية العالية من خلال إنشاء شعب للأمازيغية مستقلة، وتخصّصوا لها ميزانية خاصة لتوظيف الأساتذة على غرار ما يقع في كل الشعب الأخرى؛

10ـ أن تُدرجوا الأعراف الأمازيغية في شعب كليات الحقوق والشريعة الإسلامية والدراسات الإسلامية والفلسفة وعلم الاجتماع؛ وتشجعوا الطلبة والباحثين على البحث في هذا الموضوع بمختلف مؤسساتنا الأكاديمية؛

11ـ ترسّخوا تجربة التكوين في اللغة الأمازيغية وديداكتيكها بمراكز التكوين، وتعملوا على تعميمها في جميع المراكز على الصعيد الوطني خلال الموسم المقبل؛

12ـ تُدرجوا البعد الحضاري الأمازيغي في مناهج وبرامج التعليم الوطنية، وتُعيدوا النظر في مفهوم الهوية داخل هذه المناهج والبرامج، وتطهّروها من جميع ما يحط من قيمة اللغة والثقافة الأمازيغيين، بالشكل الذي يمكن الأطر التعليمية من ترسيخ هويتنا الحضارية، ومنحها كل أبعادها اللسانية والثقافية دون حط من بعض مكوناتها أو إقصاء لها، ودون خلق أي نوع من أنواع التفاضلية القائمة على أحكام القيمة التقليدية؛ ونقترح، في هذا الصدد، تشكيل لجنة علمية ووطنية مختلطة مكونة من باحثين في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، وأساتذة ومفكرين ينتمون إلى الجامعات والمعاهد المغربية، إلى جانب فاعلين في المجتمع المدني، بهدف وضع إطار عام يُحدد مفهوم الهوية في المناهج والبرامج التعليمية المحلية والجهوية والوطنية؛

13ـ تستثمروا تجربة المعهد الملكي في مجال تعليم اللغة الأمازيغية وثقافتها لتأهيل الموظفين ورجال السلطة والقضاة ورجال الدولة إلخ؛ وتجعلوا من اللغة الأمازيغية شرطاً أساسياً للحصول على الوظائف في الجهات ذات الكثافة السكانية الناطقة بالأمازيغية؛ وتستثمروا نفس التجربة، أيضاً، في مجال محو الأمية؛ وتتخذوا من اللغة الأمازيغية مرتكزاً أساسياً لتحقيق التنمية البشرية والاقتصادية والثقافية، استناداً إلى التجارب العالمية الناجحة في هذا المجال؛

14ـ تعطوا أوامركم لاستعمال اللغة الأمازيغية وحرفها تيفيناغ في جميع مرافق الدولة وفي جميع الفضاءات العمومية إلى جانب اللغتين العربية والفرنسية؛ ونقترح، هنا، أن تكون مؤسسات البرلمان والقضاء والصحة والشوارع وأسماء المناطق والأماكن إلخ هي أولى تلكم الفضاءات التي يجدر الشروع فيها انطلاقاً من هذه اللحظة وبدون تأجيل؛

15ـ ترفعوا، وبشكل نهائي، كل المظالم والتعسفات التي يمارسها رجال الحالة المدنية عندما يمنعون الأمهات والآباء الأمازيغ من تسمية أبنائهم وبناتهم بالأسماء الأمازيغية؛

16ـ تعتمدوا سياسة إعلامية عادلة من خلال:

1 ـ إعادة النظر في البنود المتعلقة باللغة الأمازيغية الواردة في دفاتر التحملات التي تمت المصادقة عليها مؤخراً؛ إذ لا يُعقل أن تظل اللغة الأمازيغية وثقافتها هي الحلقة الأضعف دائماً عندما يتعلق الأمر بتحديد مكانتها الإعلامية؛ فهل يُعقل أن يتم إقصاء الأمازيغية بشكل كلي من القناة الإخبارية التي ستقتصر، فقط، على بث الأخبار بالعربية والفرنسية والإنجليزية والإسبانية؛ ولكأن المغاربة الذين يعيشون خارج الوطن لا يتكلمون إلا بهذه اللغات؛ في حين أن الواقع يؤكد على عكس ذلك تماماً؛ ثم هل يُعقل أن تُخصّصَ القناة الثانية (أكبر قنواتنا الوطنية) 70 في المائة للغة العربية (بتفرعاتها المختلفة) و20 في المائة للغات الأجنبية؛ في حين لا تخصص للغة الأمازيغية إلا أقل من 10 في المائة داخل نفس القناة؛ وهل يُعقل أيضاً أن تُعطى حصة الأسد للغات أخرى في القنوات والإذاعات الوطنية دون الأمازيغية التي لا تتجاوز نسبة البث بها في أحسن الحالات 20 في المائة؛ إننا نعتقد أن سياسة عادلة تستوجب إعادة النظر في هذه الدفاتر من خلال إشراك الفاعلين في مجال الصحافة والإعلام الأمازيغيين، والفاعلين في المجتمع المدني الأمازيغي، وأن لا يتم إقصاؤهم في كل مرة تعلق الأمر باتخاذ قرارات مصيرية؛

2 ـ التعامل مع اللغة الأمازيغية بوصفها مكوناً أساسياً للهوية المغربية، وميراثاً ثقافياً مشتركاً بين جميع المغاربة، وليس عنصراً غريباً ومفصولاً عن العناصر الثقافية واللغوية الوطنية؛ إن تعاملاً مثل هذا، والذي يتجلى، الآن، في تحويل المكون الأمازيغي إلى «كيطو» إعلامي خاص بالأمازيغ وحدهم، وعدم المساواة بين المكونات اللسانية في قنواتنا وإذاعاتنا، سواء على مستوى نسبة البث، أو على مستوى تقاسم زمن الذروة، أو على مستوى تجويد البرامج ... لن يؤدي في النهاية، إلا إلى إعادة إنتاج تمثلاث سلبية عن المكون الأمازيغي، وإلى إعادة إنتاج نفس المواقف الحاطة من هذا المكون؛

3 ـ احترام الدستور بالتوقف نهائياً عن استعمال تعبير «المغرب العربي» و»الوطن العربي»، وتنبيه الصحافيين والمذيعين ومقدمي الأخبار إلى هذا الخرق السافر لأسمى وثيقة وطنية؛ ذلك الخرق الذي يجترمونه، يومياً، على مدار الأربع وعشرين ساعة؛

حسن الختام

سيادة الوزير؛ إن احترامنا لكم ولاختياراتكم الفكرية والإيديولوجية لكبير؛ وإن حبنا للوطن ولقيم التعدد والتسامح ليس له نظير؛ وإن بيننا وبينكم عهدا أكبر من اختياراتكم؛ فأنتم مطوّقون بميثاق غليظ صوّتنا عليه جميعاً كبيرُنا والصغير؛ إن استنزلتموه – كما أراد الشعب – كنا لكم العون في الترسيم وكنا لكم النصير؛ وإن سلكتم به مسلك الذين سبقوكم، فإن الله بكم لقدير.

«فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانتَصِرْ». (سورة القمر، الآية 10) صدق الله العظيم.

 

 

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting