uïïun  166, 

sinyur 2961

  (Février  2011)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

tamukrist n tnttit di lmrruk

Timitar n tinit

Mbarek

Teddit a Nba

Français

Le plurilinguisme déséquilibrant pout tamazight

Etrange "recherche"!!!

Nature humaine et amazighophobie

Interview de Larbi Moumouch

Condoléances du CMA

Activité de l'association amghar de khnifra

Communiqué de l'observatoire amazigh

العربية

إشكالية الهوية بالمغرب

لماذا نطالب الأمازيغية بما لا يطالب به غيرها من اللغات؟

تحديات التدبيثر المؤسساتي للشأن الأمازيفي

الفنان مبارك أولعربي في ذمة الله

اللغة الواحدة والدين الواحد أم التعدد والاختلاف؟

أسماء أمازيغية ولكن مكتوبة بالفرنسية

هل سيحرر عبد الحق المريني الأسماء الأمازيغية؟

الميزات العقلانية للتشريع الأمازيغي

العرف الأمازيغي ودوره في حماية البئة

الفنان العملاق عموري مبارك

ذاكرة معتقل

فلسفة الحرمان في التواصل اليومي

إشكالية الساحة الجامعية

الموت للجانجويد العروبي

رفض تسجيل اسم يوبا الأمازيغي

منع العلم الأمازيغي

إصدار جديد لمحمد أرجدال

جائزة تيرا للإبداع الأمازيغي

بيان المعتقلين السياسيين الأمازيغيين

تقرير حول ملتقى تيرا

نشاط ثقافي لجمعية أيت سعيد

مصطلحات الكشفية الأمازيغية

بيان تنسيقسة تنمل

بيان الحركة الأمازيغعية بالناظور

بيان استنكاري

 

 

 

الميزات العقلانية المجهولة لنظام التشريع السياسي الأمازيغي

بقلم: ذ – الصافي مومن علي

 

تعرضت في المقالة السابقة (الأصل المشترك لنظامي التشريع السياسي الأمازيغي والأمريكي) المنشور بمجلة عدالة جوست العدد الرابع أكتوبر 2010، إلى ظاهرة تميز هذين النظامين بارتكازهما على العقد الاجتماعي السياسي الرضائي، خلافا لغالبية الأنظمة السياسية العالمية المعاصرة لهما في زمن نشوئهما، التي كانت مؤسسة إما على القوة الروحية لعقيدة دينية، وإما على القوة المادية للغلبة الحربية أو المالية.

وفي هذه المقالة سوف أركز على الميزات السامية، وذات المستوى العالمي، التي استمدها التشريع السياسي الأمازيغي من هذا العقد الاجتماعي عندما جعله مصدرا له، وروحا لنظامه.

وقبل أن أسرد هذه الميزات، أشير بداية أن فهم فحوى هذه المقالة رهين بالاطلاع الأولي على المعلومات الواردة في المقالة السابقة، التي سلطت الضوء على حقيقة هذا التشريع، مصححة طبيعته الحقوقية، التي تتعارض مع صورة الأعراف البدائية الدونية التي كانت لصيقة به من قبل.

أما أهم هذه الميزات فتتلخص في سبعة مبادئ هي:

العقل، المساواة، العدالة، الحرية، الكرامة، الديموقراطية، السعادة الاجتماعية.

المبدأ الأول: العقل: بمعنى أن العقل هو المحرك الأساسي الذي دفع بالعائلات والعشائر الأمازيغية التي لم يصلها نفوذ الدولة المركزية إلى تكوين مجتمعات سياسية منظمة بقانون مكتوب متفق عليه.

وأنه بالنظر إلى الزمن الماضي البعيد نسبيا، أي زمن أقدم نص عقد اجتماعي مكتشف المؤرخ في 904 هجرية الموافق 1498 ميلادية، الذي يشهد على وجود هذه المجتمعات في تاريخ سابق للثورة الفرنسية، وسابق كذلك لتأسيس قانون ماكنا كارطا الإنجليزي، فإن ذلك يبعث حقا على الاندهاش والإعجاب لفرادة هذه المجتمعات بخاصية حكم نفسها بنفسها بواسطة قانون صادر عن الإرادة الجماعية المشتركة، وسط عالم مليء آنذاك بدول وإمبراطوريات وكيانات سياسية مختلفة، محكومة بقوة أشخاص ذوي القوة الروحية في المجتمعات الدينية، أو ذوي النفوذ المالي في الدول الاوليجارشية، أو ذوي قوة السلاح في المجتمعات العسكرية.

إذن عندما اجتمعت هذه المجتمعات الأمازيغية استجابة لصوت العقل، لتؤسس كيانات مدنية وسياسية يحكمها قانون جمعي مشترك، فإنها تكون بذلك قد طبقت أحكام القانون الكوني الأزلي الثابت المنقوش في عقل الإنسان، الذي رسم الطريق الصحيح لاجتماع الناس في دول ومجتمعات سياسية، ينعمون فيها بالسلام، والازدهار، والسعادة الاجتماعية.

وبالفعل فهذا القانون الكوني هو الذي جعل كائنات الأرض تنقسم إلى قسمين كبيرين: قسم مطبوع بأن يعيش في مجتمعات منظمة كالنحل والنمل والإنسان والغزلان والذئاب ومعظم الحيوانات الثديية. وقسم خلق ليعيش منفردا منذ ولادته حتى مماته كالسلحفاة الاستوائية، والثعابين والزواحف بصفة عامة.

وحقيقة الطبيعة الاجتماعية للإنسان التي حددها سلفا هذا القانون الكوني، هي التي اختزلها بعض الفلاسفة في المقولة المأثورة: «الإنسان اجتماعي بطبعه». وهي التي جعلت الفيلسوف أرسطو يؤكد: «الإنسان الذي يعيش منفردا، هو إما ألاه أو أحمق».

لكن إن كانت الحيوانات الاجتماعية تجتمع كلها استجابة لنداء الغريزة فقط، فإن الإنسان يختلف عنها في كونه يجتمع غريزيا في حالات معينة، وعقليا في حالات أخرى.

فالاجتماع الغريزي يحققه الإنسان في الأسرة، وفي العشيرة، أما الاجتماع العقلاني فيحققه في الدولة التي تجمع أسر وعشائر في مجتمع سياسي منظم، تزداد به قوة، وأمنا، وازدهارا، وسعادة.

ويستنتج من هذا أن القانون الكوني، قد حدد هدف الاجتماع الغريزي للإنسان في المحافظة على الحياة، وحدد هدف الاجتماع العقلاني في تطوير هذه الحياة وتحسينها، بتبادل المصالح والمنافع والاستمتاع بإبداعات المواهب الخلاقة وفنونها.

وأحيل القارئ على كتابي (اغاراس ن وورغ) لمعرفة المزيد عن هذا القانون الكوني، وعن مصدره، وقواعده، وآثاره.

وهكذا فإن الالتزام بتطبيق أحكام هذا القانون الكوني هو الذي يميز بين المجتمع الإنساني الطبيعي الحقيقي، وبين المجتمع الإنساني الغير الطبيعي، الذي يطلق عليه بعض فلاسفة القانون (مجتمع القطيــع)، إذ الأول يجمعه العقل والإرادة الحرة، أما الثاني فيجمعه الأشخاص الحائزون لإحدى القوات المتقدم ذكرها.

إذن بإدراكنا لهذا القانون الكوني الأزلي الذي حدد سلفا خارطة الطريق الطبيعية لاجتماع الناس في مجتمعات مدنية سياسية منظمة، ندرك قيام هذه المجتمعات الأمازيغية بسلوك طريق العقل في تأسيس كياناتها المدنية والسياسية استنادا إلى عقد اجتماعي رضائي، كما هو مبين في مقالتي السابقة الأنفة الذكر.

المبدأ الثاني: المسـاواة: إذا ما سلمنا بتحديد هذا القانون الكوني للطبيعة الاجتماعية للإنسان، فمن البديهي إذن أن نسلم أيضا بأنه هو الذي حدد قواعد وشروط تحقيق التجمعات المختلفة للإنسان السالفة الذكر، أي الأسرة والعشيرة، والدولة، بمعنى أنه هو الذي جعل من القرابة الدموية قاعدة للاجتماع الأسري والعشائري، وجعل من مبدأ المساواة الكاملة في الحقوق الطبيعية للإنسان، قاعدة المواطنة الحقة التي توحد الأسر والعشائر في كيان مدني وسياسي واحد، إذ لما كان العقل هو الدافع إلى تكوين هذا المجتمع الواسع، فمن المنطقي أن لا تقبل أية أسرة أو عشيرة، أن يكون هذا الاتحاد المجتمعي على حساب حقوقها الطبيعية، أو أن تقبل طوعا أن يمس الآخرون بحقوقها هذه.

وإذا ما عاد أي إنسان ببصيرته إلى اللوح المحفوظ الكامن في عقله، فسيجد فيه هذه الحقوق منقوشة ومحددة كما يلي:

1– حق الحياة

2– حق الشرف والكرامة.

3– حق الملكية

4– حق التفكير

6- حق الاعتقاد

7- حق المواطنة وما يتفرع عنه من كافة الحقوق السياسية والمدنية.

وما من شك أن التأمل في الوظيفة الاجتماعية الهامة لهذه الحقوق، يفضي إلى حقيقة منطقية مفادها أن القانون الكوني المذكور، جعل هذه الحقوق بمثابة الغراء القوي الذي يوحد الناس رضائيا في مجتمع غير عشائري، للعيش فيه في سلام واستقرار، مثلما جعل نفس هذا القانون من الطين والإسمنت غراء التصاق الأحجار المختلفة الأحجام مع بعضها في بنيان واحد.

ولما كانت هذه الحقوق هي الوسيلة الأولى التي توحد الناس في كيان مدني سياسي، فمن البديهي أن تكون كذلك هي الوسيلة الأولى التي يتبادلها المواطنون فيما بينهم، قبل تبادلهم الخبرات والمنافع الأخرى، كما شرحت ذلك بتفصيل في كتابي (أغاراس ن وورغ).

وبعد هذه المسلمات المنطقية يبدو من قراءة مختلف التشريعات الأمازيغية أنها لا تدخل في خانة القوانين الإذعانية، التي يأتي بها مسبقا أشخاص ليفرضوها على الآخرين، استنادا لاعتبارات القوة المادية أو المعنوية المشار إليها آنفا، بدليل خلو هذه التشريعات من أي بند أو أية إشارة يستشف منها إعطاء عشيرة معينة أو فرد ما، حقوقا أكثر من التي لغيرهما، أو استثناء أية عشيرة أو أي فرد من التمتع بأي حق من هذه الحقوق (راجع نص العقد الاجتماعي النموذجي الوارد في المقالة السابقة).

وبالفعل فهذه التشريعات تثبت ضمنيا أن أفراد عشائر هذه المجتمعات كانوا متساوين أولا في هذه الحقوق، قبل اتفاقهم على تأسيس كياناتهم السياسية، ثم جعلوا ثانيا غاية هذه الكيانات هي المحافظة على المساواة في هذه الحقوق وضمانها، وليس إحداث التمييز فيها بين الحاكم والمحكومين كما ارتأى الفيلسوف هوبز في كتابه الشهير لوفياطـان.

ولعل أبرز دليل على مساواة الجميع في هذه الحقوق بدون استثناء هو مشاركة كل العائلات والعشائر عن طريق نوابها الثقاة، في وضع نص العقد الاجتماعي المؤسس لمجتمعها السياسي، ومشاركتها أيضا في وضع (الألــواح) أي القوانين القطاعية، المتعلقة بتنظيم مختلف مؤسسات المجتمع، وسوف يقع التوسع في هذه النقطة عند مناقشة مبدأ الديموقراطية.

ومساواة كل النسيج المجتمعي في وضع كل التشريعات الضامنة لهذه الحقوق الطبيعية، هو الذي يدخل طبعا هذه التشريعات في خانة القوانين الالتزامية الرضائية، وليس في خانة القوانين الإلزامية كما لاحظ ذلك الأستاذ امحمد العثماني في كتابه (ألواح جزولة) .

المبدأ الثالث: العدالة: عندما استندت هذه المجتمعات الأمازيغية على العقل في إنشاء كياناتها السياسية، وتبنت قواعد القانون الأزلي المنقوشة في العقل، والمتمثلة في احترام حقوق الإنسان مقررة مبدأ المساواة في هذه الحقوق، دون تمييز في ذلك بين حاكميهم ومحكوميهم، وعندما كانت التشريعات الوضعية التي تخضع لها هذه المجتمعات صادرة منها، في إطار إرادتها الحرة المستقلة، وفي إطار مشاركتها الجماعية في وضعها، فمن البديهي إذن أن تكون كل قوانينها عادلة، ونزيهة، تخدم الجميع، وتراعي مصلحة الجميع بدون استثناء، إذ لما كانت هي وحدها التي تملك السلطة التشريعية، فمن المفروض أن تسـن قوانين على مقاسها، فتتجنب بذلك الجور والظلم من جهة، والشدة والقساوة من جهة أخرى، لأن لا أحد منطقيا يرغب في ظلم نفسه أو في إحداث الضرر لها.

ثم لما كانت تشترك أيضا في السلطة القضائية والتنفيدية بواسطة نوابها الثقاة، فمن المسلم به أيضا أن تراعى تحقيق العدالة في إصدار الأحكام، وفي تنفيذها، وذلك عكس مجتمعات القطيع الإنساني السائدة آنذاك، التي كانت العدالة فيها نادرة، لاختلاف مصالح الحاكمين والمحكومين، وانفراد الأولين بكل سلط الدولة، دون الآخرين.

ولعل أكبر دليل على قيام هذه المجتمعات بوضع عدالتها فوق كل اعتبار، هو إصدارها لقانون عقوبات الجرائم خاص بها، متعارض مع نصوص القانون الإسلامي، وذلك على الرغم من ثبوت تشبثها بالإسلام، بل وتشددها في ممارسة العبادات، وفي التنافس في بناء المساجد والمدارس العلمية وغير ذلك من أنواع السلوك الشاهد على غيرتها الدينية، إلى درجة قيام بعض مجتمعاتها بسن قانون خاص بتغريم من يتخلف بدون عذر عن صلاة الصبح في المسجد، كما ورد ذلك في كتاب (ألواح جزولة) المتقدم ذكره.

وما من شك أن هذا التعارض الواضح مع الدين، يشكل مفارقة غريبة، تبعث على الدهشة، إذ كيف تكون هذه المجتمعات مسلمة ومتدينة، ومع ذلك تسن شرائع مخالفة لشرع الإسلام .

وبالمناسبة أذكر هنا الحيرة التي انتابتني عندما قرأت نقد اليكسيس توكفيل للدساتير الأولى لبعض الولايات الأمريكية، معيبا عليها كونها لا تشرف العقل البشري لأنها كانت قاسية جدا بسبب اقتباسها جل عقوباتها الجنائية من الكتب المقدسة.

وسبب حيرتي هذه هو عدم فهمي للسر الذي جعل الأمازيغ لا يعملون بقانون العقوبات الإسلامي، ولم يجعلوه مصدرا أساسيا لقانونهم الجنائي، على غرار الأمريكيين، وذلك على الرغم من غيرتهم الدينية الصادقة من جهة، وعدم وصول سحب التنوير المنتشرة في أوروبا، إلى سماء شمال أفريقيا، لكي يتأثروا بأفكارها التحررية من جهة أخرى.

وكنت أتساءل لماذا كانت التشريعات الأمازيغية أكثر حداثة من بعض الدساتير الأمريكية الأولى، بل ولماذا كانت أسبق في العمل بمبادئ هذه الحداثة، من كل الدول التي تعمل بها اليوم، لثبوت عدم أخدها بعقوبة الإعدام في أية جريمة كيفما كانت، وعدم تبنيها عقوبة الجلد، والرجم، والقصاص المتمثل في القتل مقابل القتل، والعين بالعين، والسن بالسن، وغير ذلك من العقوبات الشديدة المعمول بها آنذاك في الكثير من دول العالم، التي أجمع الناس اليوم تقريبا على تعارضها مع روح الحداثة.

وبعد التأمل وجدت أن الجواب على ذلك السؤال يمكن في اعتقادي أن يكون أحد هذين الأمرين، أو هما معا:

ـ الأمر الأول هو ثبوت تقديس الأمازيغ لأعرافهم في كل زمن، وتقديمها على الدين، ثم اضطرار أي دين وافد كيفما كان إلى التكيف مع هذه الأعراف، وتطابقه معها، إن هو أراد استمراريته في المجتمع، كما عبر عن ذلك الأستاذ عبد الحميد العوني في كتابه (موت العقل الأمازيغي) ملخصا بذلك حقيقة هذا التقديس للأعراف التي لاحظها الكثير من علماء الاجتماع والأنتروبولوجيا، الذين درسوا المجتمع الأمازيغي..

ـ أما الأمر الثاني فهو تأسيس هذه المجتمعات الأمازيغية، كياناتها السياسية على مبدأ العقل كما سبق الذكر، وليس على إيمان ديني، وأنه لما كان العقل يأمر باحترام قواعد القانون الكوني الأزلي المنقوشة فيه، والمتمثلة في حقوق الإنسان، فإن تطبيق أوامر هذا العقل يتعارض مع فرض عقوبات الإعدام، والجلد، والرجم، والتعذيب، وسائر أنواع العنف، ومن ثم، ولهذا السبب، لم تعمل المجتمعات الأمازيغية بهذه العقوبات على الرغم من أمر الدين الإسلامي ببعضها.

إذن إن صح هذا الرأي، يمكن القول إن مشرعي القوانين الأمازيغية كانوا حقا أكثر حداثة وتحررا وعقلانية من مشرعي الدساتير الأولى لبعض الولايات الأمريكية، الذين رغم استنادهم أيضا إلى العقل، والى العقد الاجتماعي في تأسيس ولاياتهم، فأنهم كانوا جد متأثرين بالكتب المقدسة فيما قرروه من عقوبات قاسية كما جاء في كتاب اليكسيس توكفيل المتقدم ذكره .

المفهوم الرابع: الحرية: أكد الفيلسوف مونتيسكيو في مؤلفه (روح القوانين) أن مفهوم الحرية يعني طاعة القانون.

ولكن هذا القول في اعتقادي لا يعبر عن حقيقة صادقة، إلا إذا كان القانون المطاع صادرا من الشخص المطيع، لأنه في حالة طاعة الإنسان لقوانينه، يكون حرا فعليا، لكونه لا يطيع إلا نفسه.

ومن هنا تعتبر هذه الكيانات الأمازيغية المؤسسة بمقتضى العقد الاجتماعي السياسي الرضائي، مجتمعات حرة بمعنى الكلمة، لأنها بطاعتها للقوانين الصادرة منها، انطلاقا من اختيارها ومن إرادتها الحرة، تكون فعلا سيدة نفسها، لكونها لا تطيع إلا نفسها، وذلك عكس الكيانات المسماة بمجتمعات القطيع، التي تعيش في العبودية، وفي الإكراه على الطاعة، لأنها محكومة بقوانين مفروضة عليها، ولم تشارك في إصدارها بأي وجه من الوجوه.

ولعل أكبر دليل يثبت شعور هذه المجتمعات بحريتها الكاملة وبعدم خضوعها لأي إكراه مادي أو معنوي، هو إصدارها لقانون جنائي خاص بها، يخالف قانون عقوبات الدين الإسلامي الذي تعتنقه، كما سبقت الإشارة إلى ذلك من قبل.

فهذا الإحساس بحريتها هو الذي جعلها تختار العدل المبني على اللاعنف الجسدي في حق مواطنيها الجناة، لكونها تراه هو الأصلح لها، وهو الأضمن لسلامها واستقرارها، عوض عدل ايقاع الإيداء الجسدي على المذنبين، الذي يقره الدين الإسلامي وغالبية قوانين العالم آنذاك.

هذا النوع من العدل الذي كانت هذه المجتمعات قد اختارته في القرون الماضية، هو الذي اختارته دولتنا في عصرنا الحالي، كما اختارته أيضا سائر دول العالم كله، باستثناء بعض الدول المحدودة، التي لا تتجاوز في مجموعها عدد أصابع اليد.

المبدأ الخامس: الكرامة: يلاحظ كذلك أن هذه المجتمعات الأمازيغية قد وضعت الكرامة الإنسانية لمواطنيها فوق كل اعتبار، لكونها حصرت العقوبات التي شرعتها لردع المذنبين في نوعين فقط هما:

1– النفي وهدم الدار في الجنايات.

2- الغرامات المالية في الجنح والمخالفات.

بمعنى أنها لم تقرر عقوبة الإعدام، ولا عقوبة الضرب بالسوط، ولا عقوبة الرجم بالحجارة، ولا فقأ العين، أو سلخ الجلد، أو الإحراق بالنار، أو غير ذلك من العقوبات الأخرى المرتبطة بالعنف الجسدي.

وأشير أنني لم أكن أعلم ارتباط تقدير كرامة الإنسان بنوع العقوبة المفروضة عليه، إلا بعد اطلاعي على كتاب (القوانين) للفيلسوف أفلاطون، ذلك أنه ورد في هذا الكتاب أن العبيد والأجانب المذنبين بجريمة ما، هما اللذان كانا يضربان بالسوط، أو يسجنان عقابا لهما، أما المواطن الحر المذنب فيعاقب بالغرامة المالية.

إذن واضح الآن أن السر في عدم قيام هذه المجتمعات بسن عقوبات العنف الجسدي، هو صون كرامة مواطنيها، وتقدير حرمتهم، علما منها أن هذه العقوبات مخلة بهذه الكرامة، وماسة بشرف الإنسان.

أما السر في اختيارها عقوبة النفي في الجنايات العمدية عوض عقوبة الإعدام، فهو تجريد الجاني من العيش في مجتمعه، بطرده وبإبعاده عنه كما تبعد الوحوش الخطيرة، وذلك لكونها ترى أن هذا الجاني تخلى عن إنسانيته، وأصبح وحشا ضارا لا يصلح للعيش في مجتمع إنساني، ولذلك فهي لا تنفذ في حقه عقوبة الإعدام على جنايته المرتكبة، بل تتركه طليقا خارج مجتمعها، ليعيش في الغاب الذي يليق به كحيوان.

ولما سبق ذكر حقيقة كون الإنسان اجتماعيا بطبعه، فإن الحكم بالنفي، يعني بالدرجة الأولى تجريد المذنب من طبيعته الإنسانية، ومعاملته كوحش ضار عن طريق الإبعاد ليقضي بقية حياته في ألم العزلة والوحشة، الذي هو ألم معنوي داخلي مزمن، لايحس بقساوته وشدته إلا الإنسان الحر الكريم الشريف، عكس الألم البدني الذي يستوي الحيوان والإنسان الساقط في الإحساس به.

وأنه لهذه الأسباب بات واضحا أن هذه المجتمعات لم تختر هذه العقوبات اعتباطا أو جهلا، بل اختارتها عن قصد وعن وعي عميقين، لتكريس كرامة مواطنيها وشرفهم.

المبدأ السادس: الديموقراطيــة: الديموقراطية هي الوسيلة العقلانية التي تحقق لأي مجتمع سياسي الحياة في ظل فضائل: المساواة، والعدالة، والحرية، والكرامة، السالفة الذكر، إذ بدون ديموقراطية تغيب هذه الفضائل غالبا، ويعيش هذا المجتمع في رذائل الميز واللامساواة، والحيف والظلم، والعبودية، والنذالة والحقارة.

وهذه الصفة العقلانية للديموقراطية، تعتبر حقيقة ثابتة، لأن العقل هو الذي يأمر بها، من منطلق كونه الأداة الطبيعية التي تدفع الناس إلى خلق المجتمعات السياسية المنظمة استنادا للقانون الكوني الأزلي المتقدم ذكره، الذي جعل الإنسان اجتماعيا بطبعه.

ومثلما ثبت في السابق أن هذه المجتمعات الأمازيغية استجابت لصوت العقل في تأسيس كياناتها السياسية المنظمة، فقد استجابت كذلك لأمره في اعتماد مبدأ الديموقراطية لتنظيم نفسها، كي تنعم بحياة تسود فيها الفضائل المشار إليها آنفا.

وبالفعل فقد طبقت هذه المجتمعات مبدأ الديموقراطية في صورتها الحقة، لأنها تحكم نفسها بنفسها بواسطة تشريعات وضعية صادرة منها، مستمدة أصلا من العقل، ومن قواعد حقوق الإنسان الطبيعية للقانون الكوني الأزلي المنقوش في هذا العقل.

أما طريقة حكم نفسها بنفسها فتتم كما ورد في كتاب (ألواح جزولة) باختيار كل أسرة أو عشيرة من بين أفرادها ممثلا لينوب عنها في مجلس عام (برلمان)، يتولى تدبير شؤون المجتمع كاملة من تشريع وقضاء وتنفيذ، بدون هيمنة أي عضو منهم، على أساس أن يتخذوا قراراتهم بأغلبية الثلثين، وأن يتناوبوا رئاسة المجلس سنويا، وأن يقوموا بإعلان التشريعات المتخذة للمواطنين عن طريق إشهارها بواسطة المنادين في الأسواق، وعلى سطوح المساجد والزوايا وسائر المواسم العامــة.

وبهذه الطريقة التمثيلية الشاملة والعادلة، يحس كل فرد من أفراد هذه المجتمعات، أنه حاكم ومحكوم في نفس الوقت، حاكم لثبوت مشاركته الغير المباشرة في الحكم عن طريق فرد أمين من أسرته أو عشيرته، ومحكوم لخضوعه لحكم شارك بالطريقة الغير المباشرة ذاتها في مداولته وصدوره بأغلبية ديموقراطية.

ومما يؤكد عملهم بديموقراطية حقة، وليست شكلية، هو أن أعضاء هذا المجلس العام (البرلمان)، لا يسمون نوابا، أو مستشارين، أو ممثلي الشعب، أو غير ذلك من الأسماء الأخرى المعروفة اليوم، بل يسمون (ئنفلاس) أي الرجال الثقاة، ومفرده (انفلوس) أي رجل الثقة. وذلك لأن كلمة (انفلوس) هذه هي اسم فاعل للفظة (تافلست) التي تعني لغويا الثقة.

وكنت كالأستاذ امحمد العثماني مؤلف كتاب (الواح جزولة) وكثير من الناس نجهل المصدر الحقيقي الذي اشتقت منه كلمة (أنفلوس) فوقع الاعتقاد بأنها تعني النائب أو الممثل البرلماني، استنادا للوظيفة النيابية التي يقوم بها انفلوس). غير أنني لما اطلعت على معجم الأستاذ محمد شفيق، تعرفت على مدلول لفظة (تافلست) وعلى ما يقابلها لغويا في اللغة العربية أي لفظة (الثقـة)، فأدركت حينئذ أن المفهوم الحقيقي لأنفلوس هو رجل الثقة.

إذن كانت كل أسرة لا تقدم شخصا مصلحيا أو مدبرا ماكرا، لينوب عنها، وليدافع بشراسة عن مصالحها الخاصة في المجلس العام، بل تختار رجل الثقة، المشهود له في المجتمع كله، بالاستقامة والأمانة، والنزاهة، والصدق والغيرة على المصلحة العامة، والخير المشترك.

وهذه الصفات ليست طبعا من الشعارات البراقة، ولا من الآمال المستقبلية، التي يمكن ادعاؤها في الأيام الانتخابية المعدودة، من طرف أي كان ليفوز بالتمثيلية النيابية، بل هي صفات تعرف بطول الزمن، من التجربة والاختبار والممارسة.

ورجل الثقة الحقيقي لم يكن في غالب الأحيان يقدم نفسه أصلا لتمثيل، أو للفوز بالعضوية في المجلس العام. بل كان الناس هم الذين يفرضون عليه، أن يقوم بهذه المهمة، كما كان الشأن في مجالس دولة «اسبارطا» في بداية عهدها.

وما من شك أن هذه المجتمعات الأمازيغية كانت مثل دولة اسبارطا، لا تنتخب من يعرض نفسه لتولي المسؤولية بل هي التي تدعو رجال ثقتها لمعرفتها إياهم، فتعرض عليهم تولي مناصب تدبير شؤونها.

لهذه الأسباب تكون هذه المجتمعات قد طبقت مبدأ الديموقراطية في صورته المثالية، لحرصها أن يضم برلمانها المنتخب رجالا ثقاة حريصين على الصالح العام، وليس على مصلحة فردية ضيقة.

المبدأ السابع: السعادة الاجتماعية: إذن لما ثبت مما تقدم، تمتع هذه المجتمعات الأمازيغية بفضائل المساواة، والعدالة، والحرية، والكرامة، والديموقراطية، بسبب استنادها إلى العقل في تأسيس كياناتها السياسية، فهذا كله يقودنا إلى نتيجة حتمية، تتجلى في تمتعها أيضا بحياة تسود فيها السعادة الاجتماعية.

وهذه النتيجة منطقية طبعا لارتباط هذه السعادة بتلك الفضائل، ارتباطا عضويا، كارتباط أعضاء الجسد، بدليل استحالة تصور مجتمع سعيد اجتماعيا، بدون توفره على هذه الفضائل، وذلك مهما بلغت درجة تقدمه العلمي، أو ثروته الاقتصادية، أو تفوقه العسكري.

ومن هنا يمكن القول إن هذه المجتمعات قد أثبتت ذاتها، وحققت غايتها في الوجود باستمتاعها بالسعادة الاجتماعية التي تعتبر الغاية الأولى والدائمة من تأسيس الكيانات السياسية، وذلك على الرغم من فقرها الاقتصادي، وتخلفها العلمي، وضعفها العسكري.

وبالفعل لما كانت هذه السعادة هي غاية حياة كل مجتمع سياسي حقيقي، فأنها تعتبر إذن هي المعيار الموضوعي الذي يفرق بين المجتمع الناجح في حياته، وبين الفاشل فيها، كما يفرق كذلك بين المجتمع الذي يحيا حياة صحيحة وسليمة، وبين الذي يحيا حياة مريضة فاسدة.

وبعد تطبيقي لهذا المعيار على العالم، تغيرت نظرتي للأمور، فأدركت أن الامتياز الحقيقي للدول الغربية على دول العالم الثالث، لا يكمن في التطور الحضاري المادي كما يعتقد، بل هو تمتعها بالسعادة الاجتماعية الثابتة من تجربة حياة مواطنيها الذين يعيشون في ظل فضائل العقل، والمساواة، والعدالة، والحرية، والكرامة، والديموقراطية.

كما أن تجربة هذه المجتمعات الأمازيغية علمتني أيضا حقيقة مهمة وهي أن الوصول إلى هذا الامتياز لا يتطلب استيراد مواد، أو خبرات تقنية، ولا اكتساب معارف علمية دقيقة، أو ثروات مالية ضخمة، أو قطع مراحل زمنية طويلة، بل فقط الاعتماد على العقل الذي جعله القانون الكوني الأزلي أداة تكوين المجتمعات المدنية السياسية، ونقش فيه قواعد الوصول إلى السعادة الاجتماعية المتمثلة في احترام الحقوق الطبيعية للإنسان كاملة.

إذن يبدو أن هذا القانون الكوني رسم خارطة طريق واضحة وسهلة للوصول إلى هذه السعادة الاجتماعية، بإمكان أي مجتمع كيفما كان، وأينما كان وفي أي زمن كان، أن يقتفي هذه الطريق، فيثبت بذلك ذاته، ويحقق غايته من الحياة.

أما الدليل على سهولة هذه الطريق وعلى وضوحها فهو تجربة المجتمعات الأمازيغية الأنفة الذكر التي حققت هذه السعادة رغم ثبوت ضعف إمكانياتها المادية والبشرية.

المراجع:

1)– الأصل المشترك لنظامي التشريع السياسي الأمازيغي والأمريكي –الصافي مومن علي، شهرية «تاويزا»، العدد 162، أكتوبر 2010.

2) الــــواح جــــزولــة – امحمد العثماني السوسي

3) - القوانين - أفلاطـون

4) – أغارس ن وورغ – الصافي مومن علي

5) - الســيـاســة – أرسطــو

6) - موت العقل الأمازيغي – عبد الحميد العوني

7) - أصل العائلة والملكية الخاصة والدولة – انجلـــس

8) - الديموقراطية في أمريكا – اليكسيس توكفيــل.

9) – طوماس هوبز، فيلسوف العقلانية – امام عبد الفتاح امام.

10) – روح القوانين – مونتيسكـو

11) – أصول فلسفة الحق – فريديريك هيجـــل.

12) – المعجم العربي الأمازيغي – محمد شفيق.

 

 

 

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting