|
الريف بين هجرة الأفراد وتشتيت الجماعات ـ الحسيمة نموذجا بقلم: عبد الوهاب الصديقي (قلعة مگّونة) نظر فضولي نظرة ضيقة إلى وجود الجيوش المتوافدة من الشباب... على شاطئ ” كيمادو“ لمدينة الحسيمة، وقال: ”الحمد لله على كل حال، لقد بدأت الحياة تدب في النفوس، لقد عفا عليها الزمن! وإن كان الأمر ليس كذلك، فما معنى هذه الحركة المنقطعة النظير في صفوف الشباب.. المتنقل صباح مساء بين شاطئ كيمادو والدواوير المجاورة للمدينة، إنه رواج سياحي بامتياز وعودة متألقة لقيمة المدينة السياحية كما سالف عهدها“. أطنب الناظر بفضوله في الحديث واستطرد قائلا: ”إلى عهد قريب كانت الحسيمة «كتصفّر»، أي خالية سواء من السواح الجانب أو الداخليين.. لقد عصفت بها رياح التهميش والإقصاء وطعنتها خناجر الاستياء والموت حتى بلغ السكين العظم وأصبحت المدينة «لا تباع ولا ترهن». أما الآن فها أنت تلاحظ، عادت الحركة تدب فيها وعاد وجهها السياحي «المشرف». لا شك أن جهة ما لعبت دورها في هذا المجال“. تدخل أحد المستمعين بحسرة واضحة: «آه، آه يا ابن عمي، ”جهة“! عن أية جهة تتحدث؟ جهة بالمعنى السياسي أم بمعانٍ أخرى؟ إن للجهة معاني. أما هنا فلا جهة ولا معنى! هنا تبدأ القصة وتنتهي، هنا المبتدأ وهنا الخبر». استطرد بجرأة قائلا: «إنها الهجرة، يا ابن عمي، الهجرة على مقاس أهل الحل والعقد، الذين يتقنون اللعبة، غميضة كانت أم كرة داخل الشبكة، والهدف واحد: تهجير الأفراد ومن ثم تشتيت الجماعات، وبالتالي تعرية المجتمع من الداخل بعوامل تعرية أكثر نجاعة ونجاحا. فهؤلاء الشباب الذين تلاحظهم هم فلذات أكبادنا وليسوا سياحا ولا هم يحزنون. همهم الوحيد هو الرمي بأنفسهم في حضن باخرة ”شيّولا“ (تاغارّابوت ن شيّولا) قصد العبور إلى الضفة الأخرى، بلاد الفلامينكو، ومن ثم يفتح الله. إنهم أشبه ما يكونون بالراقصين على حبال الدف/الحلم الذهبي. حلم يبوح لهم بإيجاد مستقر يحتضنهم ولو في أحضان الماما غولا!». في تمام هنيهة فقيرة تم كل هذا العجب من الكلام وضرب غشاء طبلتي أذنيي وانأ أتأمل تراب هذه المدينة المعشوقة كأنه شاهد على ما قيل. أسئلة كثيرة راودتني ونبضات القلب لم تهدأ بعد، ما ذا يجب على المرء أن يفعل في خضم هذا الإجرام المنظم في حق مجتمع كله طاقات، مجتمع فتي، خصب ومعطاء، يزخر بثروات طبيعية هائلة في مدينة ساحلية عجيبة يسيل لعاب الإسبان عليها... و.. ورغم ذلك كله، تجد القاصي والداني فيها متوسدا حقيبة ملابسه إن كانت له حقيبة، منتظرا الرحيل كأنه في قاعة الانتظار نحو الجنة الموعودة. صدقت يا ابن عمي، أكيد أن هناك تخطيطا لهذا المرمى، هجرة على مقاس تهجير الأفراد/الذات وترحيل على مقاس تشتيت الجماعات والبادئ أظلم، يراوغ ويداري ويجني الثمار في «ليلة الجني الطويلة». وها هي ”وكالة تنمية مناطق الريف“، وها هي وكالات الدعم الخارجي، الاتحاد الأوروبي في الواجهة، والمستهدفون إلى الجحيم. تصاميم بسيطة بعائدات ضخمة، والأمر أمر واقع، فالذئب دائما وأبدا يعرف من أين تؤكل الكتف. وبكل اختصار فكل ما في الأمر أن هناك على الضفاف المعتمة من بحر المتوسط شبكات للفساد المالي والدعارة الاقتصادية وتبييض الأموال والرش والترياش والتغلغل في أعماق المجتمع/الجسد الموبوء بشتى صنوف الابتلاء لنهش جثته ونخر عظامه وتركه يبحث عن معنى لوجوده دون جدوى!! يدق ناقوس اليقظة من السبات، والبقية طبعا تأتي.
|
|