|
|
التجربة الشعرية عند شعراء "ثاويزا" بقلم: بوغانم خالد في سياق العناية بالأدب الأمازيغي ومحاولة تطويره والنهوض به، تأتي هذه المقالة المتواضعة والمختصرة لتسلط الأضواء على مجموعة من النصوص الشعرية التي نشرت على صفحات "تاويزا"، والتي طالها الإهمال من طرف المهتمين والمتتبعين لمسيرة الإبداع الشعري المغربي الناطق بالأمازيغية. والدراسة هي ملاحظات شخصية عامة لا تتجه إلى نص معين أو إلى شاعر معين، وإنما تروم إعطاء نظرة خاطفة على التوجه الموضوعي والفني الذي تأخذه جل القصائد المنشورة، مع استثناء لبعض النصوص كقصيدة Tarect n unuri للشاعر"سعيد خوتور"، لأنها قصيدة من الطراز العالي، وتستحق أن تدخل في دائرة الأدب العالمي من بابه الواسع. لكن، ومع الأسف الشديد لا نعرف هذا الشاعر إلا من خلال قصيدته المنشورة بالعدد 37 من جريدة "تاويزا"(1). ويأتي هذا الاستثناء، ليس لأن القصائد الكبرى لا يتناولها النقد، بل لأنني أريد، من خلال هذه المقالة، أن أثير في نفس الغيورين على الأدب الأمازيغي فكرة الاهتمام بالطاقات الشابة في كل الميادين الأدبية: الروائية، القصصية، المسرحية والشعرية. وفي هذا الصدد لا يفوتني أن أنوه بجريدة "تاويزا" التي فتحت صدرها واسعا أمام المبدعين الشباب. لكن، هذا لا يكفي، يجب علينا نحن القراء، قراء هذه الإبداعات، أن نبدي رأينا في أية قصيدة أو رواية أو مسرحية نشرت على صفحات "تاويزا" أو غيرها من المنابر الإعلامية والثقافية ذات الاهتمام بالبعد الأمازيغي، كيفما كانت هذه الآراء.. المهم أن نشعر المبدعين أن هناك تواصلا بينهم وبين القراء. وقبل القيام باستنطاق بعض من المقاطع الشعرية، نتساءل: ما موقع القضية الأمازيغية في إبداعات هؤلاء الشعراء الشباب؟ وما هي تمظهراتها وتجلياتها؟ عندما يختار الشاعر الأمازيغية كأداة لإبداعه، إنما يفعل ذلك انطلاقا من قناعته بضرورة الاهتمام بهذه اللغة، وانطلاقا من القيمة التي تكتسيها في نفسه، على اعتبار أن الحفاظ على استمراريتها ومحاولة النهوض بها لتساير التطور الفكري والأدبي والعلمي ـ بعدما ظلت حبيسة التعامل اليومي تنافسها لغات وثقافات من الشرق والغرب ـ هي الوسيلة المثلى لاستمراره هو نفسه، لأن فقدانه للأمازيغية يعني أوتوماتيكيا ضياعه وتيهه. وربما لهذا السبب نجد جل هؤلاء الشعراء الشباب الذين يكاتبون "ثاويزا" حريصين كل الحرص على انتقاء مفرداتهم وتنقيتها من كل الشوائب التي شابتها أثناء احتكاك الأمازيغية بمختلف اللغات الأجنبية، أكثر من حرصهم على الحفاظ على العناصر الفنية. هذا إلى جانب بحثهم الجاد والمستمر عن إيجاد كلمات جديدة انطلاقا من المعجم الأمازيغي، وخاصة منهم من له مهام واهتمامات أخرى ـ غير الكتابة الشعرية ـ باللغة والثقافة الأمازيغية، كعمري محمد كينو. لكن دون أن أنسى المجهودات التي يقوم بها الشعراء الآخرون في هذا الإطار، كماسة رشيدة، التي أمدتنا بأكبر عدد من القصائد، لمدّان عمر نوميد، سعيد أبرنوص، المساوي فريد، وغيرهم. وإلى جانب هذا الاهتمام البارز في أعمال هؤلاء الشعراء، نجد قصائدهم لا تخلو من إشارات مقتضبة أو مطولة إلى الأهمية والقيمة التي تحتلها الأمازيغية، لغتهم الأم، في قلوبهم وعقولهم وحلمهم. أجّيج دودوح في قصيدة Araghi (نداء)، يتساءل بأسلوب استنكاري عن سبب تخلينا مجانا ـ ومن دون مفاوضات ـ عن لسان ولغة أجدادنا: Mani tejjim ires n rejdud nwem? Mayemmi tettum aya-way? (ثاويزا عدد 24). (أين تركتم لغة أجدادكم؟ لماذا نسيتم بعضكم البعض؟). وهذا قليدو حميد، وهو يستحضر ذكرى استشهاد الباحث الأمازيغي الكبير قاضي قدور، يتحدث عن الفقيد بألم وحزن عميقين، لأنه برحيله، أحس الناظور بأن أحد أكبر رجالاتها الذين كانوا يدافعون عن الأمازيغية كي تأخذ مكانها داخل مؤسسات الدولة، قد غاب عنها إلى الأبد. يقول في هذه القصيدة التي عنونها ب Awardi i buhber n Qeddûr (إهداء إلى روح قدور): Di Nnadvûr ghar daxer * kid negh itemsawar X tmazight d wawar nnegh * ad dt nari u ad dt nghvar. (تاويزا عدد 30) (داخل الناظور * معنا يتحاور حول الأمازيغية ولغتنا * وحول كتابتها وقراءتها أما عمري كينو، في قصيدته المعنونة ب Wi xef gh ad yarigh? (على من أكتب؟)، فهو يطلق صرخة مدوية إلى كل الآذان الصاغية لتنبه الأمازيغيين إلى النبش والتنقيب على تيفيناغ، الأبجدية الأمازيغية المعروفة، أينما وجدت، على الصخور، فوق الأرض أو تحتها، ليسارعوا إلى تدوين هذه اللغة، وما تحمله من معارف وعلوم هي في طريقها إلى الاندثار والزوال. كينو يتحدث بصيغة المفرد المتكلم. لكن هذا لا يعني انه يقصر عملية البحث والتنقيب على نفسه: Ad fardvegh tifinagh zeg wcar n yifran Ad zzay s arigh tmazight iruhen tweddvar (سأنقب على تيفيناغ وأحفر من أجلها في الكهوف * سأكتب بها الأمازيغية التي في طريقها إلى الانقراض) (تاويزا 13) أما بوسنينة عائشة في قصيدتها Amazigh (الأمازيغي)، فهي تقر وتثبت حضور ووجود فكرة البحث عن الأمازيغية لدى الإنسان الأمازيغي؛ وأنه في أتم الاستعداد لملاحقة آثارها أينما وجدت، حتى وإن تطلب الأمر منه التنقيب والنبش في أعماق وظلمات الكهوف: Ssnegh cek d amazigh i ybedden x idvaren Yarezzun x tmazight waxxa s ifiran (Tawiza 35) أعرفك أمازيغيا حازما ينقب عن الأمازيغية ولو وجدت في الكهوف، يكتبها على أوراق شدت بالخيوط. على أي، فالوعي بضرورة النهوض بالأمازيغية ـ بوجه عام ـ واقع كائن وثابت لدى كل الشعراء قيد الدرس. هناك مؤشرات كثيرة تثبت ذلك.. لكنني لن أتطرق إليها بإعطاء أمثلة والتفصيل فيها حتى يتسنى لي الحديث عن جوانب أخرى. من بين هذه المؤشرات: ـ ذكرهم للشخصيات الأمازيغية ذات العلاقة بالتاريخ الأمازيغي القديم كيوغرطا، ماسينيسا،… والحديث عن مولاي محند، محمد أمزيان… ـ ابتعاد جلهم عن المواقع العاطفية (الغزل) نظرا لانهماكهم وميولهم إلى القضية الأساس: القضية الأمازيغية. لكن هذا لا يعني عدم وجود الغزل بالبتة. وإذا كانت فكرة "الهوية" قد نفذت إلى قلوب وعقول هؤلاء الشعراء الشباب فهل استطاعوا وتمكنوا من تقديم هذه الفكرة بأسلوب فني يرقى إلى مستوى الشعرية؟ سؤال فضفاض على ما يبدو، لا يتسنى لي أن أحيط بكل جوانبه في مقال كهذا، وإنما سأحاول تلمس بعض ما أثار انتباهي، وأنا أتصفح بعضا من قصائد هؤلاء (لأنني لا أتوفر على كل أعداد :تاويزا")(2) 1 ـ الإيقاع: إن حياة الإنسان في حركاتها وسكناتها هي مجموعة من الإيقاعات، على الرغم من أنها تأخذ أشكالا مختلفة ومتباينة من شخص لآخر، ومن ثقافة لأخرى، ومن ميدان لآخر. وقد عرف الإنسان الإيقاع القديم، ولم يكن أبدا حصرا على الشعر لوحده في الثقافة الأمازيغية كغيرها من ثقافات المعمور بحيث نجد عنصر الإيقاع حاضرا وبقوة في الغناء، وفي الأعمال اليدوية التي يمارسها الإنسان الأمازيغي كالحصاد(3). كما نجد عنصر الموسيقى حاضرا في الأمثال والحكايات الشعبية. ففي حكاية "نونجا" (ثانفوست ن نونجا)، نجد(Isegni()4) الذي هو في ملك "ثامزا" (الغولة)، حينما رأى "نونجا" لاذت بالفرار، سارع إلى ترديد المقطع: Puq zzen, puq zzen Nunja yiwi t bu yexzen()5 فالإيقاع في المقطع، كما نلاحظ، صاخب ومندفع كالموج، لأنه يعبر عن الحالة النفسية المتوترة لـIsegni الذي يتحمل المسؤولية الكاملة أمام "تامزا" في فرار "نونجا". بما أن باقي الأدوات التي تمتلكها الغولة قد تم تنويمها من طرف "نونجا" بوضع علامة على كل أداة من هذه الأدوات. وisegni، لصغر حجمه، هو الوحيد الذي لم تنتبه إليه. على أي، فإنني لن أطيل في الحديث عن الموسيقى في الحكايات الشعبية الأمازيغية Tinfas لأنه موضوع طويل، نتمنى أن تخصص له مقالة مستقلة. ما يهمنا من هذه الأمثلة المذكورة، التأكيد على أن وجود الإنسان الأمازيغي مرتبط إلى حد كبير بالإيقاعات الموسيقية في ميادين عدة وفي حقول شتى.. فما بالك بالشعر الذي يعتبر فيه الإيقاع عنصرا أساسيا، إلى جانبي العناصر الفنية الأخرى. شعراء "تاويزا" راهنوا كثيرا على فكرة الإيقاع، وهم واعون بالأهمية البالغة التي يكتسيها داخل نصوصهم الشعرية. لكن، ومع الأسف الشديد، قليل من استطاع أن يفلت من السقوط في التكلف الذي غالبا ما يخل بالإيقاع وبالصورة الشعرية معا. فالاضطراب في البنية الإيقاعية ظاهرة بارزة في شعر هؤلاء، والسبب في ما أعتقد، جهلهم للمكونات الإيقاعية المفترض حضورها داخل القصيدة. هذا الجهل جعلهم يركضون ـ في سباق محموم ـ وراء الموسيقى والإيقاع الخارجي، والمتمثل في القافية المشتركة، أو على الأقل الروي المشترك، مما جعلهم يسقطون في أخطاء فنية ولغوية كانوا في منأى عن السقوط في فخاخها لو انهم ضحوا بشيء قليل من وقتهم للاطلاع على بعض ما نظم من طرف شعراء أمازيغيين كان لهم شرف السبق إلى القول الشعري، وكان لهم الوقع الطيب في الصحف والمجلات الوطنية أو الدولية، ك"الزياني"، موساوي، وغيرهما… دون أن نغفل أهمية الاطلاع على أشعار الغير، وما كتبه النقاد على هؤلاء وأولئك، لأن القراءة المتمعنة والمتأنية التي تعتمد العقل والمنطق، وتتوخى البحث عن مكامن الضعف والقوة في القصيدة، قد يختلف عن قراءة تصدر عن إنسان عادي، يعتمد في قراءته على عنصر العاطفة. قلت، إن شعراء "تاويزا" كانوا مهووسين أثناء كتاباتهم بالتمظهر الخارجي للإيقاع، فمن خلال الإحصائيات التي قمت بها على 70 قصيدة لـ 27 شاعرا، تختلف مشاربهم ومستوياتهم الثقافية، وجدت أن: ـ 38 قصيدة من أصل 70 تعتمد على الروي المشترك. ـ 14 شاعرا فقط من أصل 27 نظموا قصائدهم على روي مختلف، ظل الروي الواحد حاضرا في كتاباتهم الأخرى، كمايسة رشيدة التي بنت 5 قصائد من بين 15 قصيدة على روي واحد. اما القصائد العشر المتبقية، فهي وإن خالفت القاعدة التي نحن بصدد الحديث عنها، فإنها لم تستطع أن تبتعد عنها إلا ببضع خطوات. ففي قصيدتها S ughir x am، أخلت بقاعدة الروي المشترك في بيت واحد فقط (البيت الثامن): Ma dinni ca n wawar deg wmawar n temghart, nigh mghir ughir? (تاويزا 20). بينما اعتمدت على روي النون في باقي أبيات القصيدة. وحتى محمد عمري كينو الذي خالف هذه القاعدة، وحاول غض الطرف عنها، لم يستطع أن يقدم لنا مشروعا مخالفا ومتميزا على المستوى الإيقاعي. وهو الشاعر/الناقد المعروف ـ على صفحات تاويزا ـ بحيويته ومشاكسته، وجرأته على الانتقاد. فمن منا لا يتذكر المقالة/العاصفة المعنونة بـ"شاعرات في الميزان" (تاويزا عدد 23) التي عبر فيها عن عدم اقتناعه بأعمال الشاعرات: فاظمة الورياشي، عائشة بوسنينة، ومايسة رشيدة، وعدم رضاه بمستواهن الثقافي. لكنه ومع ذلك، ظل هاجس الروي الواحد يطارده ويفرض عليه نفسه في قصائد في عدة، بالرغم من انه هو القائل بأن »الحركة الحديثة لا ترمي إلى تحطيم الشكل الشعري فحسب، بل تؤدي إلى تدمير الأدب نفسه، أي فقدان جمالية النص وتدمير الشكل والمضمون«(6). وعلى الرغم من الضبابية التي تكتنف هذه المقولة (لأنه ما الهدف من الأدب إذا لم يؤد وظيفة، وماذا يبقى من الأدب إذا دمرت قيمته الجمالية والفنية؟). على الرغم من ذلك بقي محمد كينو حبيسا في حدود القصيدة الكلاسيكية، في قصائد عديدة، كقصيدة Ralla Tammûrt inu (تاويزا 24)(7)، Urar n Arrif (تاويزا 27)، Amyawaz (تاويزا 33). لكني، وأنا أعيب على شعراء تاويزا/شعراء المستقبل صرف اهتماماتهم نحو الموسيقى الخارجية، فإنني لا أدعو إلى ثورة على الروي أو القوافي. فكم من شاعر كبير ومعروف آثر عل نفسه الحفاظ على القافية الخارجية. ومع ذلك حققت قصائده نجاحا باهرا، وتجاوز صيته كل الأزمنة وكل الحدود، وأنا لا أنكر على الزياني ولا على موساوي ولا على آخرين شاعريتهم لأنهم بنوا قصيدتهم على روي واحد أو قافية واحدة. كما لا أنفي عن قصيدة سعيد خوتور Tarect n unuri مستواها الفني الكبير للسبب ذاته. وهناك شعراء آخرون نشروا قصائدهم على صفحات "تاويزا" وبرعوا فيها بشكل رائع مع انهم حافظوا على عنصر القافية، كالشاعرة "نونجا" التي أتنبأ لها بمستقبل واعد في ميدان الإبداع الشعري، في قصائدها: Asitem di tadjest (تاويزا 36)، Agh ac ijj n wawar (تاويزا 39)(8)، و Taqessvist n Nunja (تاويزا 38). وفي المقابل نجد "تاويزا" قد نشرت قصائد ذات مستوى فني لا يمكن إنكاره، ولم يعتمد فيه قائلوها على وحدة القافية، كقصيدة Ighzvar n uriri للمدّان عمر نوميد (تاويزا 30) و Arezfegh d d tanewwact لمايسة رشيدة (تاويزا 31) و Jj ayi ad arigh لمحمد عمري كينو (تاويزا 35)، وقصيدة Tudart xmi tennezdem ل"نونجا" (تاويزا 40). ما أريد أن يستوعبه شعراؤنا من خلال هذه الدراسة، هو أن الإيقاع لا يجب أن يفهم في التمظهر الخارجي للحروف فحسب، فالصفاء في الصورة الشعرية واختيار الكلمة التي تتناسب مع مكونات تلك الصورة، وصيغ الأفعال، والتلون في الأصوات، والتنوع في أنغام العبارات من مقطع إلى مقطع ومن بيت إلى بيت. كل هذه الميكانيزمات تؤدي في النهاية إلى إعطاء القصيدة لونا موسيقيا عجيبا، قد تعجز القوافي عن منحها لها. هذا بالإضافة إلى الإيقاع يجب أن يفهم على أنه عنصر أساسي من عناصر الصورة الشعرية. فلا تتم إلا به ولا تصل القصيدة إلى مستوى فني عالٍ إلا إذا كان الانسجام بين الإيقاع ومجموع الصور التي تتضمنها. وهذا ما سوف نراه من خلال حديثنا عن الصورة الشعرية. 2 ـ الصورة الشعرية: يقول الناقد الروسي "بلينسكي": »الشاعر يفكر بواسطة الصور«، ويقول س.د. لويس: »الوسيلة الأساسية للشعر العالمي هي الصورة«(9) فالشاعر الحق هو الذي يستطيع أن ينقل لنا الواقع، بلغة هتك سر الحواجز والفواصل التي تتراءى لنا في أرض الواقع، لغة تذيب كل التناقضات والمفارقات، وتمزج مزجا رائعا بين المختلفات. والشعر يأتي من خلاله في »غلالة من الغموض يدفع القارئ إلى تجاوز عملية نثر الأبيات… وتجعله يتحول من مجرد قارئ عادي إلى فاك للرموز للوصول إلى بنية الدلالة العامة في النص«(10). لكن هل استطاع شعراء "تاويزا" استيعاب هذه الفكرة؟ إنني لا أستطيع أن أنفي نفيا باتا حضور الفكرة لدى كل الشعراء، لكنني بالمقابل لا أستطيع الجزم بوجود الفكرة وجودا واضحا ومثيرا للانتباه، ما دامت أغلب القصائد المطروحة للدرس لم تتخلص بعد من طابع التقريرية والإنشائية، والنقل المباشر للأحداث والأفكار، مما يجعل منها نصوصا تقترب في شكلها من النصوص الإرشادية والوعظية، أو الخطابية أو التاريخية… أكثر من اقترابها من الصورة الحقيقية للشعر. فمايسة رشيدة في قصيدتها Ughir x am (تاويزا 20)، نراها تتحدث عن المرأة وعن معاناتها داخل مجتمعنا، لكن بأسلوب تقريري خطابي، يسهل على القارئ استيعابه وتحويله إلى نص نثري دون أي جهد ذهني يذكر. تقول: S ughir x am ad tegged min d am nnan S ughir x am ad tdewred d tismext yarebbun idurar Tigwdi tzedgh am deg ûduf n yexsan رغما عنك أن تفعلي ما أمرت رغما عنك أن تصبحي عبدة فوق ظهرك الجبال الخوف قد سكن غضروف عظامك. وتتشابه القصائد من الناحية الفنية عند أغلب شعراء "تاويزا". لنتمعن جيدا قصيدة Tûrjigh cem a Dipya لمطالس محمد التي تبتدئ بـ: Tûrjigh cem, a Dipya, tûrjigh cem a yemma Tugha yedjan d tajedjidt di tmûrt n tamazgha(11) هناك قصائد تتخللها صور شعرية في المستوى، لكن هذه الصور لا تظهر إلا في بيتين أو ثلاثة لتختفي في الأبيات المتبقية وتقطع علاقتها معها. كما نجده في قصيدة Ur inu d ayezzim لمايسة رشيدة (تاويزا 22) التي تبتدئ بصور جميلة قبل أن يتم الانحراف عنها إلى الأسلوب التقريري المباشر. وعلى الرغم من محاولات بعض الشعراء السير وفق المعايير والمقاييس الحديثة للقول الشعري، فإنهم في أحيان كثيرة يسقطون في التكلف، مما يجعل صورها متناثرة ومتنافرة، تبتعد عن الوحدة والانسجام المفترض توفرها في الصورة الشعرية الشاملة، والتي ترتبط أشد الارتباط بالحالة النفسية في أبعادها العميقة.. فالحقيقة الفنية والأدبية والشعرية هي حقيقة كامنة في أعماق نفسية الأديب.
|
|