|
|
قطاع الطريق على الحقيقة بقلم محمد بودهان لم تكد رسالة الفقيه البصري تصبح حدثا بارزا يستقطب الاهتمام والانشغال حتى تجاوزها حدث آخر أكثر صدما للعقول والأذهان، أصبح هو حديث الناس والصحافة الوطنية والدولية. إنه المنع الحكومي للأسبوعيات الثلاث: "لوجورنال"، "الصحيفة" و"دومان" لأنها نشرت رسالة البصري وعلقت عليها. فما هي دلالات هذا المنع؟ 1 ـ إنه قطع للطريق على الحقيقة، الحقيقة التاريخية، ومصادرتها ومنع الشعب من معرفتها والاطلاع عليها ثم مناقشتها للتأكد من صحتها أو عدم صحتها.. ووراء المنع هاجس حماية أساطير الحركة الوطنية والدفاع عن "أصنامها" التاريخية التي لم يعد أحد يسجد لها. وهذا المنع هو حماية أيضا للمستفيدين من استمرار هذه الأساطير وبقاء هذه الأصنام. 2 ـ إذا كان هناك من شك في صحة مضمون هذه الرسالة، فإن هذا الشك سرعان ما تبدد مع صدور قرار منع الصحف الثلاث التي تناولت الموضوع. فكان المنع بمثابة تأكيد لصدقية الرسالة وصحة محتواها. وهكذا أعطى قرار المنع مفعولا عكسيا Effets pervers للنتيجة المتوخاة منه. هذا بالإضافة إلى أن كل الشتائم التي رد بها "كتبة" الحزب و"سدنة" الأساطير على رسالة الفقيه البصري تجنبت جميعها إثارة ما هو أساسي فيها: هل شارك أولئك المذكورون في الرسالة مع أفقير في المحاولة الانقلابية أم لا؟ ثم إن الفقيه البصري قال عن هذا المنع للصحف الثلاث: »لا أقول الجبن، ولكن لنسميه الخوف من مواجهة الحقاق مع أنها أصبحت في ذمة التاريخ الواجب استحضاره، بما له وما عليه، لبناء المستقبل على أسس متينة وغير مغشوشة« (يومية "الشرق الأوسط" بتاريخ 6/12/2000). وهي إشارة واضحة إلى أن الرسالة صادقة. 3 ـ الغريب والمفارقة هو أن الفصل 77 من قانون الصحافة، والذي استندت إليه الحكومة لمنع الصحف الثلاث، أضيف إلى هذا القانون في أبريل 1973 لغاية وحيدة ومحددة، هي منع جرائد هؤلاء الذين استعملوه اليوم لمنع الحقيقة واعتقالها بعد أن انتقلوا من المعارضة إلى السلطة. وهذا برهان وتأكيد على أن "التناوب" على السلطة هو تناوب على المنع والقمع والزرواطة… ولا أدل على ذلك من أن نفس المصطلحات والتعابير التي كان يستعملها "كتبة" المخزن لتبرير قمع معارضيه، يعيد استعمالَها اليوم "كتبةُ" الحزب/المخزن الجديد ضد منتقديه لتبرير منع حرية قول الحقيقة: المؤامرة، الخيانة، المس بالمقدسات، التشكيك في المؤسسات، زرع الفتنة والبلبلة، تحركها جهات تريد زعزعة استقرار البلاد…إلخ. فما أشبه اليوم بالبارحة! 4 ـ إن تبرير المنع بالإساءة إلى المؤسسات الدستورية وزرع البلبلة وزعزعة استقرار الدولة، يعني أن الحزب، المعني وحده بالرسالة، أصبح يعتبر نفسه هو الدولة، وهو البلاد، وهو الدستور، وهو المغرب.... وهذا شيء خطير، وخطير جدا، لأن كل الأنظمة الديكتاتورية والفاشيستية تبدأ كحزب سياسي عادي و"ديموقراطي"، لكنه عندما يصل إلى السلطة يستولي على الدولة ومؤسساتها فتصبح ملكا خاصا به وله. فيكون هو المشخص والمرادف للدولة وكل مكوناتها، وبالتالي فكل ما يمس مصلحته كحزب يعني المس بمصلحة الدولة. وهذا ما حصل مع حزب الاتحاد الاشتراكي الحاكم في ما يتعلق برسالة البصري: فهذه الرسالة لا تهم إلا هذا الحزب نفسه، لكنه جعل منها شأنا للدولة المغربية كلها Une affaire d’Etat. وبالفعل فقد وظف إمكانات الدولة وأجهزتها ومؤسساتها لمواجهة الرسالة كما لو أنها رسالة كانت موجهة إلى الدولة المغربية، وليس إلى قادة الاتحاد الاشتراكي. فحزب القوات الشعبية لا يختلف في موقفه هنا عن لويس الرابع عشر الذي قال: »الدولة هي أنا« L’Etat c’est moi 5 ـ إن قرار المنع هو طعنة "للعهد الجديد" بكل ما يرتبط به من آمال وانفتاح وديموقراطية وحرية للتعبير واحترام للحقوق وصون لكرامة الإنسان المغربي ونهاية للخوف… إنه اغتيال للحلم الجميل وعودة إلى نقطة الصفر. 6 ـ من بين ما برر به وزير الاتصال والثقافة أمام البرلمان منع الأسبوعيات الثلاث هو أنها تمس بمشاعر المغاربة. فلماذا لم يسبق للحكومة أن منعت ـ ولا حتى حجزت ـ أية واحدة من تلك الجرائد الكثيرة التي تخصص ملفات ومقالات تسب فيها الأمازيغيين وتهينهم وتصفهم بالصهيونيين والعنصريين وأعداء الإسلام والعملاء الممولين من جهات معادية للمغرب والمهددين للوحة الوطنية…؟ أليس هذا مسا خطيرا بمشاعر المغاربة وإثارة لفتنة محتملة بسبب ما قد يؤدي إليه ذلك من ردود فعل جماعية غاضبة لا تحمد عقباها؟ بل لماذا لم توقف الحكومة "الأئمة" الذين يستغلون بيوت الله للتهجم على الحركة الثقافية الأمازيغية ونعت مناضليها بالكفرة وأعداء الإسلام المنادين بالعودة إلى الوثنية، تحركهم أياد أجنبية معادية للإسلام والعروبة؟ أم أن الحكومة لا تمنع إلا الجرائد والأشخاص الذين يقولون الحقيقة للشعب، أما من يكذب ويفتري على هذا الشعب فلا يهمها أمره في شيء. 7 ـ وأخيرا، إذا كانت رسالة الفقيه البصري قد قوضت إحدى الأساطير التاريخية المغربية، فإن رد فعل الحكومة المتمثل في منع الصحف الثلاث قد قوض أسطورة مغربية أخرى، وهي أسطورة حزب الاتحاد الاشتراكي كحزب تقدمي ويساري يناضل من أجل الديموقراطية والحداثة والعدالة والحرية وحقوق الإنسان.
|
|