|
|
الشيخ عبيد: فكاهي من زمن أخر بقلم: محمد زروال
تعيش مجموعة من الوجوه الفنية الأمازيغية في عالم منسي رغم إبداعيتها وانتشار أعمالها على نطاق واسع في صفوف سكان أعالي الجبال وواحات الجنوب الشرقي ووديانها. وقد تعودت هذه الوجوه ممارسة ولعها الإبداعي وسط العائلات في الأعراس أو في الأسواق في»الحلقة». لكن مقابل هذا الانتشار الواسع لأعمالها نجدها مغيبة وقليلة الحضور على مستوى الإعلام الرسمي لأن عددا منهم لا يستطيع التنقل إلى الرباط للالتقاء بمسؤولي الإذاعة أو التلفزة للمطالبة بنصيبهم من البث التلفزي أو الإذاعي. سأحاول أن أقف عند تجربة هؤلاء الذين عاشوا من أجل فنهم وظلوا في الظل دون أن يلتفت إليهم أحد، حتى أن بعضهم لا زال يعيش على إكراميات رواد الحلقة أو من يستضيفونهم في منازلهم حبا في فنهم ونكتهم وحكاياتهم التي لا تنتهي. وستكون البداية مع فنان من زمن أخر ظل وفيا لنمطه الخاص في إضحاك رواد الحلقة ومستضيفيه معتمدا أسلوب السخرية والتقليد أحيانا وتكسير الطابوهات أحيانا أخرى. إنه الفنان الشيخ عبيد واسمه الحقيقي زروال موحى احساين من أسرة محبة للفن والفنانين، كان والده من شعراء قريته . ولد سنة 1954 بقرية تسرا ولين التابعة إداريا لقيادة أموكر والمعروفة بشعرائها مثل الشيخ لوسيور وحمو أخلا والشيخ موح والشيخ الباز... أحب الفن وأعطى له الوقت الكافي حتى أنه كان يقصر في مساعدة أسرته في أعمال الزراعة والرعي إرضاء لشغفه الفني وتحمل إخوته عنه ذلك العناء.عرف وسط القرية بمستملحاته ونكته وطرائفه المتنوعة، شارك في العروض الفنية المنظمة بالقرية إلى جانب رموز فن الحلقة بالأطلسين المتوسط والكبير من أمثال الشاعر تيمجين وموحى أكوراي وعدي همو والشيخ لوسيور... سلك عبيد طريقا خاصا في مساره الفني حيث لم يعرف عنه نظم الشعر أو» إزلان» إلا في حالات نادرة، لكنه فضل أن يكون متخصصا في التنشيط والفكاهة، فكل من يجالسه يجد لذة في الاستماع إلى مستملحاته، فكلامه متناسق وموزون كله أشعار وعبر. لا زلت أتذكره وسط الحلقة بقرية تسرا ولين في ليالي الصيف الهادئة ب «إمي ن اغرم «بساحة تذكرني بساحة أكورا عند اليونان.كان متمكنا من تنشيط الحلقة متحكما في كل مراحل العرض الفني رفقة فنانين آخرين، يتقن العزف على الدف ويتحرك بطريقة احترافية وسط الساحة، فهو الذي يوزع الأدوار خاصة في فقرة كانت تسمى ب»الرغبات»، وهي فقرة الإهداءات بالطريقة المباشرة، إذ أن الفرقة تتحرك بتوجيه من عبيد إلى حيث يحصل على الإكرامية من أجل أداء الأغنية المطلوبة، كما أن إعلانه عن ذلك يرافقه ذكر اسم صاحب الإهداء. وعندما يحصل على إكرامية جيدة يعبر عن فرحه بطريقة رائعة، ويطلب من الفرقة الحضور إليه بسرعة. وقد كانت الأسر تتنافس في هذه الإهداءات خاصة عندما يتعلق الأمر بأشخاص خارج القرية. لا زلت أعجز عن فهم الطريقة التي كان يتحكم بها عبيد وفرقته في الجمهور حيث تكون الساحة هادئة والكل يستمع ويشاهد العرض الفني دون إزعاج. والشيء الوحيد الذي يمكن أن يفسر ذلك الإصغاء هو حب سكان القرية للفن وعشقهم لفن الحلقة حيث كانت الفرصة الوحيدة لالتقاء كل سكان القرية بشكل جماعي وأثناء الليل. كما أن الفرق الفنية المحلية كانت في بعض الأحيان تقوم بتنظيم تلك العروض وتخصص المداخيل للمسجد، وهذا سلوك يحمل أكثر من دلالة فيما يتعلق بالحدود بين الفني والديني عند قبائل الأطلس الأمازيغية. ومن بين الفقرات التي كانت تنال إعجاب الحاضرين تلك التي تسمى ب» تامغارت « وهي فقرة تمثيلية يشخص فيها الفنانون أدورا مسرحية بكل احترافية ومهنية. ويعود أصل تسمية الفنان عبيد بهذا الاسم إلى دوره في إحدى المسرحيات المرتجلة بساحة القرية. بالإضافة إلى مشاركته في العروض الفنية بالقرية كان كثير السفر رفقة فنانين آخرين يمتهنون الفن متنقلين بالقرى والبلدات الأمازيغية في الأطلسين الكبير والمتوسط حتى أنه يعرف القرى والمداشر مثل مرشدي السياحة الجبلية. وصل به تجواله الفني إلى ساحة جامع الفنا وشارك بحلقته وسط المحترفين ولقي عمله إعجاب الزوار مما حرض منافسيه على توريطه رفقة رفقائه في مجموعة من المشاكل لثنيهم عن مواصلة العمل بالساحة. لا زال الفنان عبيد وفيا لنكته ويصر على إضحاك الناس في جولاته بأودية درعة، زيز وغريس. لكنه فقد الأمل في غد مشرق فيما يخص الفن الامازيغي ويبرر ذلك بوضعه رفقة زملاء له في الحرفة ويلوم وسائل الإعلام على تهمشيها المستمر لهم حتى في زمن إنشاء التلفزة الأمازيغية حيث يرى بأنه يمكن لهم تقديم الأحسن لو أعطيت لهم الفرصة. وأملنا نحن في التفاتة بسيطة لهؤلاء اقلها إعطاؤهم الفرصة في نهاية العمر والاعتراف بما قدموه للفن المغربي عموما.
|
|