|
|
الى كل مواطنة ومواطن مغربي بقلم: عبد السلام بومصر
برزت في الآونة الأخيرة أقلام تخطو خطوات مركزة من أجل محاولة تجريم كل ما له صلة بالحركة الأمازيغية ونضالاتها في سبيل التحرر منذ عقود. فرأينا كيف قام اسلاميو «التجديد» بإثارة موضوع العلاقة بين الحركة الأمازيغية وإيديولوجيتها وأمريكا من أجل ترسيخ البرهنة على أحد أقدم اساسياتها التقليدية في مواجهة مناضلي الحركة وهو «العمالة للغرب واسرائيل» أو «حزب الشيطان». وهذا هجوم استباقي يبدو أن الهدف منه هو محاولة وضع المساحيق في الوجه السلبي السيء الذي ظهر به حزب العدالة والتنمية وموقفه غير المشرف من حركة 20 فبراير التي يعود إليها الفضل وكل الفضل في الدفع بعجلة الإصلاحات الترقيعية المحتشمة التي يقودها المخزن في الأشهر القليلة الماضية. حزب العدالة والتنمية إذن يأمل في توجيه المغاربة نحو صناديق الاقتراع بواسطة الترويج لتأويلات سياسية سلبية في حق الحركة الأمازيغية التي خاضت معه نقاشات سياسية انهزم فيها الحزب شر هزيمة بعد عدم تمكنه من إقبار الأمازيغية كما كان يأمل. الهجوم على المناضلين الأمازيغ على هذا الشكل المفضوح الذي ألفناه من جميع المكونات السياسية السلفية التقليدية ما هو إلا ورقة للتشويش على المواطنين من أجل نسيان الوجح المفضوح الذي أظهره الحزب الإسلامي المغربي إبان المخاض الدستوري السابق. هذا الوجه القبيح الذي ينهل من السلفية التقليدانية التي تنخر مواقفه تجاه الحداثة والديموقراطية والأمازيغية وكل مظاهر التأسيس لمغرب التعدد والاختلاف الفعال. إن مواقف الحزب المذكور هي المواقف ذاتها التي كانت منتشرة في أوساط النخب المدينية في نهاية القرن 18 والقرن 19، وهي نفس المواقف المحنطة التي تستقي مشروعيتها من التناقض من أجل تفريخ المواطن المتناقض في أفكاره وتوجهاته وأفعاله ومعتقداته. المواطن المغربي الذي كان على مدى أكثر من 50 سنة هدفا للترويض الإيديولوجي لتشكيله وفق النموذج السلفي التقليدي الخائف والمتوجس من كل ما هو حداثي، وتفريخ مقولات استهلاكية من قبيل «الغرب الكافر» و»العدو الصهيوني» ومواجهة المعارضين الذين يحملون فكرا مغايرا بمقولات «العمالة» و»خدمة الأجندات الخارجية». - الأمازيغية والفرقاء السياسيون بالمغرب: كانت مجموعة من تنظيمات المجتمع المدني والسياسي بالمغرب خلال العقود الماضية تعتبر أي حديث عن الأمازيغية «مؤامرة أجنبية» لتفريق المغرب من أجل استعماره. ولم تستطع كل النخب السياسية بالمغرب التحرر من تداعيات أكذوبة «الظهير البربري» التي كانت عبارة عن فزاعة سياسية أدخلت الأمازيغية في ملف الطابوهات السياسية المحرمة. واستطاع المخزن ومن يدور في فلكه ممارسة القمع المادي والرمزي في حق الأمازيغ الذين عانوا الويلات جراء غياب الديموقراطية وطغيان الايديولوجية العروبية الاقصائية لدى جميع الفرقاء السياسيين. لم يكن الصراع الكبير الذي ميز علاقة اليسار بجميع تفرعاته والإسلاميين بمختلف فرقهم وحركاتهم من جهة، والمخزن المغربي من جهة أخرى من الاتحاد وتوحيد الرؤى في موضوع معاداة كل ما له صلة بالأمازيغية، إذ يعتبرونها عنصرا للتفريق والبلقنة ومظهرا من مظاهر الاستعمار وخيانة للوطن.. فأخذ المخزن وحكوماته المتعاقبة يضخون الأموال من أجل تسريع وتيرة التعريب القسري لأمازيغ المغرب، الشيء الذي تبينه بوضوح الميزانيات الضخمة التي تخصص للغة العربية في جميع مناحي الحياة العامة وخاصة في مجال التعليم والقضاء بدون استشارة الشعب المغربي في ذلك، وذلك تحت ذريعة ما سمي ب»مغربة الأطر» ومحاربة مظاهر الوجود الفرنسي وطغيان الفرنسية والنموذج الفرنسي في شتى مجالات وفضاءات الدولة العصرية. لكن الواقع أثبت بشكل واضح بأن هذه الإدعاءات لا أساس لها من الصحة لأن كل هذه الأموال، إضافة إلى سياسات التعريب لم تنل من الفرنسية وانتشارها على نطاق واسع، ولكنها تمكنت من النيل من الأمازيغية. وأصبحت الفرنسية تتقوى يوما بعد يوم. بل إن السلطات العمومية قامت بحملات التعريب المباشر والفاضح شملت حتى أسماء الأماكن والمؤسسات التعليمية التي تحمل اسماء أمازيغية في مجموع التراب الوطني، هذا في الوقت الذي لا تكف فيه السلطات وأجهزة الدولة من استخلاص الضرائب من المواطنين الأمازيغ من دون أن تقدم لهم أي مقابل بل تسعى في مقابل ذلك إلى توظيف هذه الأموال في طمس هويتهم وإيهامهم بشكل متواصل بأن أصولهم عربية ويجب عليهم أن يعتبروا أنفسهم من الأعراب. وأقحم المؤدلجون الشعب المغربي في صراعات ومشاكل دينية وإثنية عنصرية غريبة، وتم إجبار الشعب على تبني ما يسمى ب»القضايا العربية المصيرية» وتم تصنيفها في إطار القضايا الوطنية. في الوقت الذي يلاحظ فيه غياب «الأشقاء العرب»- كما يسميهم الإعلام الرسمي»- من ساحة التضامن مع الشعب المغربي في نضاله من أجل «وحدته الترابية» ولم نسمع في يوم من الأيام أن أيا من هذه الدوال العربية قد قام بتبني «قضية الصحراء» مثلا كقضية وطنية. ولكننا نسجل- على العكس من ذلك تماما- اقتناع معظم «الأشقاء العرب» بعدم مشروعية الحسم في انتماء هذه الرقعة الجغرافية إلى المغرب. وفي كثير من القنوات العربية الأكثر شهرة تستعمل تسميات من قبيل «الصحراء الغربية» وتبين خريطة المغرب مقسمة إلى قسمين. وفي معظم الأحيان تُقَدم جبهة البوليزاريو باعتبارها من حركات التحرر في «العالم العربي». وهذا ما جناه المغاربة من «أشقائهم العرب».الحركة الأمازيغية مكون وحيد يدافع عن التعددية بالمغرب: تتهم بعض أطراف الحركة الأمازيغية ومناضليها بنهج أسلوب الصراع وخلق الأعداء الوهميين وفتح الجبهات الصراعية مع جميع المكونات السياسية والجمعوية بالبلاد. وهذا كلام تجزيئي لا أساس له من الصحة يجعل من التعويم والكلام الفضفاض غير المنطقي منهجية للهجوم على المناضلين الأمازيغ. والحال أن الحركة الأمازيغية بجميع تحققاتها وتوجهتها ومناضليها هم الذين كانوا محط الهجوم والنقد والتخوين والاتهام بالصهينة وأحفاد اليوطي.. إلى غير ذلك من الأوصاف التي لا تمت إلى السجال والمقارعة الفكرية بأي صلة. وكانت الحركة الأمازيغية منذ ولادتها إلى اليوم هي السباقة إلى إثارة قضايا تحرير الهوية المغربية من قفص «الهوية العنصرية الواحدة» وضرورة القضاء على أسس الهوية المركزية الفاشستية التي أسستها «الحركة الوطنية» في العقود الماضية، وذلك على الأساس السلفي التقليدي الوحدوي البغيض الذي لا يؤمن إلا ب «اللغة الواحدة» و»التاريخ الواحد» و»الدين الواحد» و»المصير الواحد» و»الأمة العربية» و»الأخوة العربية و»الدم العربي» و»الحصان العربي» و»الأدب العربي» ومقولات «الشريف» و»الدم الشريف» و»السلالة الشريفة... الشيء الذي أدى إلى نشوء مجموعة من المظاهرالسلبية في المجتمع المغربي من بينها « احتقار الذات وتمجيد كل ما هو أجنبي» وانتشار مظاهر الانبهار بالنموذج المشرقي المتخلف على جميع الأصعدة. هذه الوضعية الشاذة خلقت مواطنين مغاربة يحسون بأنهم «عرب من الدرجة الثانية» بعد العرب الأقحاح في الجزيرة العربية، مما يخلق نوعا من الأبوية التي نلاحظها من خلال استعلائهم على سكان المغرب الكبير ونعتهم ب»الهمج الأمازيغ» في لحظات الصراع الجماهيري. بل إن «الهوية العربية التي ابتدعتها الحركة الوطنية» جعلت من «الهوية المغربية» مصدرا للاشمئزاز والخجل. حيث يتنكر المواطنون المغاربة المهاجرون نحو بلدان جزيرة العرب طلباً للقمة العيش من هويتهم المغربية مخافة نعتهم بأبناء العاهرات أو أوصاف أخرى مخجلة كالتي تم تسويقها في فيلم للرسوم المتحركة تم ترويجه في السنوات القليلة الماضية. إضافة إلى أن الكثير من المواطنين الذين صنعتهم الهوية المركزية لدولة الاستقلال أصبحوا مجرد أبدان تعيش في المغرب تاركة أرواحها تجوب عواصم الشرق وأريافه ويحفظون عن ظهر قلب أهازيج البدو والأعراب في الصحاري العربية وقرى الحجاز في حين أنهم يجهلون جهلا تاما مكونات الشعب الذي يتنمون إليه سواء كانت ثقافية أو جغرافية أو تاريخية.. لقد ناضلت الحركة الأمازيغية منذ ولادتها إلى اليوم من أجل مغرب الديموقراطية والحداثة والتعدد. المغرب الذي يحترم مواطنيه ويعترف بتعدده ويتصالح مع ذاته مبتعدا عن التخندق في حِجر الآخرين صانعاً مجده بيديه، لا يبحث عن العزة في التبعية لقومية فاشستية تقتل كل شيء من أجل أن تعيش، ولا يبحث عن الجنة في دين واحد، بل يحترم المعتقدات جميعها في تناغم تام مع فلسفة الإنسان الإنساني وعراقة الشخصية المغربية الخلاقة. مغرب لا ينتزع جذوره الحضارية الضاربة في أعماق التاريخ في سبيل تمجيد وجود شخص عربي واحد ويحصرها في قرون قليلة. المغرب الذي يحفظ كرامة مواطنيه أينما حلوا وارتحلوا ضارباً بيد من حديد على كل من سوَّلت له نفسه الدنيئة النيل من شرفهم وأنسابهم. المغرب الذي يقف فيه المواطنون على قدم المساواة أمام القانون الأسمى بغض النظر عن لغاتهم وأجناسهم وألوانهم ودياناتهم، لاغياً مسميات غير ديموقراطية تقوم بتقسيم المواطنين إلى ذوي «أنساب وسلالات شريفة» في مقابل أنساب وسلالات غير شريفة. مغرب المساواة.
|
|