|
|
الأمازيغية الخائنة والنخبة المعزولة بقلم: الحسن أنفلوس
أثار انتباهنا بعض المقالات التي تكتب عن الأمازيغية بشكل مركز في الآونة الأخيرة، معتبرة إياها حصان طروادة لتصحيح أخطاء سياسية ارتكبتها في حق الأمازيغية. يورد البعض أن القضية الأمازيغية، قضية مفتعلة وحق أريد بها باطل في زمن ما، قبل أن يتحول هذا الرأي بقدرة قادر بعد خطاب أجدير بشكل نسبي، ويتمم هذا التحول بعد خطاب الدستور. وما زال البعض منهم يوجه السهام تلو الأخرى. فمن قائل بعمالتها للصهيونية، ومن قائل إنها تستقوي بالخارج لإضعاف الداخل، ومن قائل بتهديدها للوحدة الوطنية. وأصحاب هذا الرأي، إن كانوا على بينة مما يقولون فيما قبل خطاب الملك، لا يمكنهم أن يغيروا بوصلة توجههم بدرجة قصوى كما فعلوا، وإلا فإنهم غير مدركين لطبيعة آرائهم تجاه الأمازيغية، وبهذا يصبحون في خانة من يملى عليهم، فينطقون عن غير وعي. إن الحركة الأمازيغية في نظرنا، ونخبتها المعزولة – على حد قول أصحاب الرأي- لم تترافع على المستوى الدولي (الاتحاد الأوربي – الولايات المتحدة...)، إلا بعد أن فقدت الثقة في إرادة المؤسسات الرسمية المغربية وغير الرسمية، باعتبار تجاهلها المتعمد للمطالب الأمازيغية المشروعة لعقود. وحتى إن التفتت الدولة المغربية في بعض الحالات فإنها لا تعدو أن تكون ملامسة سطحية دون العمق، لذا كان لا بد من ممارسة بعض الضغظ عبر مؤسسات الخارج، ما دامت آذان الداخل صماء، وما دام هذا الداخل في كثير من الحالات لا يأتمر إلا بأوامر الخارج بغية تسجيل نقط على سلم الحقوق والحريات. ثم إن كثيرا من الأقلام والآراء، تخون الحركة الأمازيغية ونخبتها المعزولة، على علاقتها بالخارج، ويبدو الأمر كأنها ابتدعت أسلوبا غير معهود، وهو في الحقيقة ملجأ تلك الجهات المنتقدة. وما تلام عليه الحركة الأمازيغية اليوم والأمس هو الأمر نفسه الذي تمارسه جل التنظيمات، دون أن يحرك أحد ساكنا أو يعلق تعليقا، ولا ترى أصحاب هذا الرأي إلا حين تبادر الحركة الأمازيغية فيشحذون الأقلام ويشهرون بنشطاء الحركة ويحاربون في كل المنابر (نموذج التشهير بأحمد الدغرني خلال زيارته لإسرائيل / جمعية الصداقة الأمازيغية اليهودية ... ). إن أخطر الأشياء الذي يهدد الاستقرار الاجتماعي المجرد هو منطق الكيل بمكيالين، فأن تهول تحركات نشطاء الحركة الأمازيغية، مقابل السكوت على تحركات الإسلاميين واليسار لأمر مثير للريبة، وجب إعادة النظر فيه. إن ربط الأمازيغية بالعمالة والخيانة وتهديد الوحدة الوطنية، سمفونية لم تعد تطرب أحدا، وربما هو ما دفع بعضهم إلى محاولة تقسيم مشوه، فاعتبر الحركة حاوية لتيارات متعددة منها الراديكالي والمعتدل... فالحركة الأمازيغية، لا تقبل التقسيم من هذا المنطق، باعتبار أن مفهوم الراديكالية في أدبيات الحركة الأمازيغية لم يكن مطروحا بنفس المنطق الذي طرح لدى تنظيمات أخرى، ثم إن التقسيم الذي يجب أن يعمل به في العلاقة بالقضية الأمازيغية هو: ماذا قدمت للأمازيغية وما لم تقدم؟ وما درجة الولاء لقضايا للوطن؟ وما درجة الولاء لقضايا غير قضايا الوطن؟ ولعلم بعض هذه الآراء أن الحركة الأمازيغية في تاريخها عرفت انتقادات حادة فيما بين تنظيماتها، وأغلب الانتقادات إنما تكون صادرة عن التي اختارت الابتعاد عن اللعبة السياسية الرديئة موجهة لتلك التي اختارت أن تلعب في ظل اللعبة السياسية. ومرد هذا الأمر – في نظرنا- أن من جنح إلى سراديب اللعبة السياسية يعلم من تلقاء نفسه أنه يغتال المشروعية التاريخية للقضية ويبخسها في حقها الوجودي في شتى تجلياتها بحكم غياب إرادة حقيقة للمصالحة مع الذات المغربية لدى الدولة والمؤسسات التي تدور في فلكها. إن ما يفسر ضبابية وحربائية مواقف مثل هذه الآراء، والممثلة غالبا لتنظيمات معينة – نموذج العدالة والتنمية-، هو ذلك التناقض الصارخ في تصريحات بعض قيادات هذا التنظيم ونورد كمثال لذلك: (تصريح سعد الدين العثماني لموقع أزيلال او لاين بتاريخ 25 شتنبر 2011 خلال فعاليات اللقاء التواصلي للمكتب الإقليمي لحزب العدالة والتنمية بتزنيت / في مقابل تصريحات الأمين العام عبد الإله بنكيران)، وهو ما يؤكد أن تعامل التنظيمات الحزبية يدخل ضمن حسابات انتخابية وصراع المواقع وسيادة عقليات إقصائية تعادي الأمازيغية. إن القضية الأمازيغية لم تكن يوما ورقة انتخابية، ولا طرحا عرقيا، ولا إشكالا لغويا ولا نخبة معزولة وعامة لا تفقه في الأمر شيئا. لأن وعي القروي أو القروية لهو أرقى وعي بالقضية الأمازيغية عن شعور وجداني ونمط عيش يومي، إذ هو – الوعي القروي- المحافظ على اللغة وعلى ثقافتها باعتبار الأمازيغية سيدة التعبير اليومي في كل ثانية ودقيقة. غير أن هذا الوعي لم يجد متنفسا يحضنه أو مجالا يبدع، نظر للنظرة الدونية المكرسة من قبل الدولة على مدى عقود طويلة من الزمن، فحوربت الأمازيغية في كل تجلياتها البسيطة، فكانت النخبة حينها- ولو بشكل نسبي- خير معبر ومترجم لذلك الوعي، وخير مصرف لتمثلات شعورية ولا شعورية. والقول بعزلة النخبة مرده الجهل التام بقواعد الارتباط – ما يربط النخبة بالعامة في الأمازيغية – لدى أصحاب هذا الرأي. ثم إن مسألة ربط الأمازيغية التعسفي بالصهيونية وتهديد الوحدة الوطنية، وشحن النفوس، أثر بشكل كبير في هؤلاء – القرويين – وتعاطيهم مع ثقافتهم ولغتهم ونمط عيشهم، ولم يكن هذا التعاطي ليتغير ولو بشكل نسبي لولا تدخل المؤسسة الملكية في هذا الباب، ونحن نعلم جلالة هذه المؤسسة لدى هؤلاء، ولقد لعب الكثير من المناوئين على هذا الوتر الحساس لخلق تنافر بين العامة الأمازيغية ونخبتها لكنهم لم يفلحوا وخابوا فيما كانوا يمكرون. إن الوطنية الصادقة لا تقاس بدرجة العداء للأمازيغية أو الوفاء للعروبة، بل هي التضحية من أجل أن تسود الحرية والديمقراطية والكرامة الإنسانية، وتقسيم عادل للسلطة وللثروة المادية والرمزية.
|
|