|
|
محمد شكري: نجمة مضيئة من تاريخ الأدب الأمازيغي المكتوب بالعربية بقلم: مبارك اباعزي
قبل سبع سنوات قرأت كتيبا صغيرا عنوانه: «مأساة أدبنا الفرنسي»، نشره وزير الثقافة الجديد، بنسالم حميش. كنت أقرأه ماشيا وجالسا وراقدا، وعندما أتممته، تساءلت: ما الذي يقصده بنون المتكلم هنا «نا»؟ لقد تحدث عن كتاب أمازيغ يكتبون بالفرنسية، ومن الأكيد أنه لا يقصد بنون المتكلم سوى العرب. أثارتني تلك المفارقة الغريبة: إن كتبنا بلغة النصارى يقولون إننا عرب، إن كتبنا بالإنجليزية نصبح أيضا عربا، أما ما نكتبه بالعربية فليس مشكوكا في انتمائه إلى العرب. أطرح الكثير من علامات الاستفهام. لو حدث وكتب بعض الأدباء على صفحات آثارهم: «رواية أمازيغية» أو «مجموعة قصصية أمازيغية».. هل ستنطفئ ادعاءات العروبيين؟ إننا في آخر المطاف لسنا إلا ضحايا لسياسة التعليم التي كان التعريب أولى مبادئها.إن النصوص العظيمة التي ينسبها المحتالون خطأ إلى الأدب العربي، لم تكتب نهائيا بالعربية، وقد قال حميش نفسه في كتاب آخر إن التعريب ليس سوى الترجمة وتكييف المصطلح للغة. (نقد ثقافة الحجر وبداوة الفكر.). فالأدب الأمازيغي، بهذا المعنى، أدب أمازيغي صرف، بغض النظر عن اللغة التي كتب بها؛ إن حميش يفصح عن تناقضه في الفكر والممارسة. إن السيرة الذاتية لمحمد شكري نموذجا، يستحيل، ونعني ما نقول، أن تدرج ضمن الأدب العربي للأسباب التالية: - إن اللغة الأولى التي نشر بها هي اللغة الإنجليزية، وترجم بطريقة غريبة عن أدبيات الترجمة. (ما يعرف في أدبيات الترجمة بالترجمة المضاعفة). - إن اللغة الثانية التي نشر بها هي اللغة الفرنسية، ومنها إلى باقي لغات العالم. (ما يزيد على 39 لغة). لهذا، فنصوص شكري، إذا أريد لهاأن تدرس نقديا، لن يجد الدارس الكثير مما يقول، فهي نصوص مكتوبة دون وعي بالهيكل الضابط للكتابة الإبداعية، إنها كتبت لكي تقول ما قالته عبر المضمون لا الشكل. إن كل المناهج التي تهتم بالأدب من حيث أدبيته، لا يمكن أن نسقطها على متن لن تجد فيه نفسها، ولا المراهنة على مناهج النقد الاجتماعي والتاريخي قائمة، لرصد تفاعلات النص مع التاريج والمجتمع. * * * محمد شكري هو ذلك الكاتب الذي أخذته أزمنة الرذيلة، وتواطأت عليه القذارة، فعانى منذ طفولته من قهر المؤسسة والسلطة والناس؛ ففي طفولته لم يصاحب غير الغجر والأندلسيين، لأن أطفال العرب كانوا يرفضونه، «اذهب أيها الريفي، أولد الجوع»، وقال حسن بحراوي إن محمد شكري «عانى التهميش اللغوي في طفولته عندما كانت لهجته الريفية قدرا يطارده على الدوام، حتى راح يسعى إلى مصاحبة المنبوذين لغويا، ليتلافى تلك النظرة الانتقاصية والاحتقارية...».( مجلة الآداب ½-2004.). وفي نصوصه السيرية والروائية، أشار شكري في غير ما مكان، إلى ذلك الحنين الجارف الذي يشده إلى لغته الأمازيغية، وقد نشرت ثاويزا قبل عامين مقالا جميلا يتضمن استشهادات تعكس حب شكري للغته، وقد وافق هو نفسه على ترجمة الخبز الحافي إلى الأمازيغية قبل وفاته. لقد صادق شكري عظماء الكتابة الأدبية؛ بيكيت، بولز، جنيه، تينيسي وليامز... عاش حياته الأدبية بكرامة، رغما عن أنف الرجعية الثقافية والدينية. كتب عن الجنس والفضيحة والسرقة والتهريب، ليس لأنه يشتهيها، بل لشدة مقته لها، لقد أراد تغيير عالم ملؤه الرذيلة والسوقية، وقال له أحد قرائه إنه منذ قرأ «الخبز الحافي» غير طريقة معاملته لأبنائه، مخافة أن يتعرض لما تعرض له أب شكري. لقد كانت نصوصه، بحق، تغييرية. كان زهرة بيضاء في حقل من الشوك. كان طاهرا في الدناسة، كان بريئا بين عالم من المجرمين. لم تكن السياسة تثيره كثيرا، فوحدهم السياسيون من كانوا يتقنون المكر والخداع. لم تستطع الأموال أن تغريه، لأنه عاش بئيسا، وتعود على مرارة الإفلاس. كانت الخمرة أنيس ليله، لعلها تنسيه الرداءة. ما كان يجب أن يغيب ذلك الظل العظيم، إذ من سيحجب عنا أشعة التردي الحارقة، غيابه يتم للأدب وفقدان للرجولة، في عالم، الرجال فيه يغادرون، ويبقى أشباه رجال. قبل ثلاثة أشهر من هذا الوقت، في سنة 2003، غاب محمد شكري، وآنذاك فقط، أدركنا كم كان حضوره جميلا. يجب ألا ندع المياه الصافية تذهب سدى، ذكرى محمد شكري لا يجب أن تضيع، لقد كان ملاكا، وهو الذي تحقق في حياته أنه لم يكن غير شيطان من الشياطين. قسوة الحياة تجعل الإنسان يكفر، أو يفكر في الكفر. قسوة الحياة تريه عدمية الوجود الإلهي. كانت لشكري رغبة شديدة في التغيير، في حل عن الوعظ الديني، والترهيب الثيوقاطي. كان إنسانيا بطبعه، وهذا في غنى عن الدين. لقد كان بعض الطلبة الباحثين الفرنسيين يزورون المغرب للبحث عن المقدس في أدب شكري، هذا الأدب الذي لا يرى فيه الكثيرون غير الدناسة. الرجعيون الأخلاقيون لا يخدشهم وجود الدناسة في الوجود ويزمجرون إن وجدوها في الأدب. ولا ندري من أجبرهم على قراءة هذه النصوص، لماذا لا يعزلون أنوفهم وراء لحاهم ويقرأوا ما يريدون. قال محمد شكري في لحظة سكر: «لقد منعوا كتابي، وها هو أصبح أنترناسيونال.» سيظل شكري يرفضنا من قبره، لأننا لم نكن في مستوى الجرأة التي كان عليها، ولأننا كنا منحطين انحطاط البغال. لكن، في المقابل، هناك دائما من كان يستطيع الدفاع عنه، في اللقاءات الثقافية، والسجالات الفردية، فإلى محبي شكري أهدي هذه الكلمات، وإلى أخي عبد الله، وإلى عبد الرحمن أبوبكر أوفدوكس أهدي هذه الكلمات، فقد كانا من أشد المدافعين عنه. أكادير في2011-02-16 m.abazzi@hotmail.com |
|