|
|
جمالية الاسم "المركب الإضافي" في الأمازيغية بقلم: لحسن ملواني
للغة الأمازيغية سحر جمالي خاص. ففي تراكيبها الشعرية والخطابية بلاغة وفنية أسلوبية تصيب المعنى وترقى به إلى مدارج الأسلوب الأدبي الرائق الذي يتجاوز التركيب إلى الاسم. فالشعر الأمازيغي جميل ببساطته والتحامه بالواقع المعيشي والأحاسيس المتنوعة، شعر حافل بالصور الشعرية التي لن نبالغ إذا قطعنا بمنافستها للعربية والفرنسية والإنجليزية وغيرها في هذا المضمار. وفي القصص الأمازيغية الشفهية أداء فريد حين تقدم لنا من قبل رجال ونساء جلهم شيوخ لهم احتكاك طويل ومباشر باللغة الأمازيغية في صفائها ونقائها، يختارون لحكيهم الرائق والشائق من الجمل، فيستميلك عرضها استمالة لافتة. إلا أننا في هذا المقال سنعرض لجمالية الاسم في هذه اللغة العريقة على أن نخصص مقالات لجماليات أخرى تتعلق بالإبداع الأدبي والغنائي والتشكيل بحول الله. وللإشارة فالاسم في الأمازيغية كسائر اللغات إما أن يأتي اسما مفردا: تسليت = العروسة، أو أغْرومْ = الخبز، أو تَغاطْ = المعزة... وإما أن يكون مركبا تركيبا إضافيا كما سنلاحظ حال مناقشة صلب الموضوع مثل: تِسْليتْ نِكَنَّا = عروس السماء =قوس قزح، أَمانْ نْ مَرُورْ= ماء الهروب= السراب أو إكدي نْ وَمَانْ = كلب الماء... وقد يكون الاسم مزجيا مثل: تفلوز = المشلوز: مركب من المشمش واللوز لحلو لب عجمه، على أن الاسم الأمازيغي "تيفلوز " يعني "خير من اللوز" لأن نَفْعَ "تفلوز " مُضاعف: مشمش ولوز وكلاهما بمذاق حلو لذيذ... أما التركيب ألإسنادي فلم أجد له أمثلة في حدود منطقة قلعة مكونة. وفي هذا المقال سأتناول بعضا من الأسماء المندرجة في صنف الأسماء ذات التركيب الإضافي (مضاف +مضاف إليه) أسماء تحمل دلالة تعبيرية جميلة وعميقة لمسمياتها. ـ (تسليت نيكنا) = عروس السماء. ما أجمل هذا الاسم الذي يفوق من حيث دلالته وجماليته مقابله في اللغة العربية (قوس قزح) وفي الفرنسية =arc-en-ciel = قوس في السماء، ف"تسليت نيكْنَّا" اسم يمتاح دلالته من عمق التقاليد والملابس الأمازيغية، ف " تسليت " التي تعني العروس خير شبيه بهذه الظاهرة التي تبرز في السماء بكل ألوانها المتنوعة (الأصفر والأخضر والبنفسجي والأحمر...(ألوان الطيف)، إنها ذات الألوان - تقريبا- التي تظهر على ملابس العروس، فتبدو بهذا الشكل شبيهة بقوس قزح المرصع بألوان زاهية على شكل نصف-دائري.ففي هذا التشبيه الرائق تقابل بين عروس في قرية وبين عروس في السماء ووجه الشبه بين الاثنين يتجلى شكلا وألوانا. وبذلك يكتسب هذا الاسم جماليته التشبيهية التي لا يفطن إليها سوى المتأمل والمقارن للأسماء والمسميات وما يقابلها في اللغات الأخرى كي يجد فارقا جماليا يتعلق بالاسم الأمازيغي المتميز من حيث تركيبته الدلالية واللغوية. ولعل بروز "قوس قزح بالسماء " وتشبيه العروس به رفعة لهذه الأخيرة علاوة على الجمالية الملحوظة لهذا الاسم. ـ (مْسَغْلامان) = قائس الماء=طائر أشبه بالنورس مع فارق في اللون والحجم. اسم أمازيغي لطائر شهير بأنهار قلعة مكونة وكل الدواوير الأمازيغية التي يخترقها وادي مكون.. طائر يتميز بخفة ملحوظة، يجري في الماء فيتبين للرائي الدقيق الملاحظة وكأنه شرطي يقيس الطريق ذهابا وإيابا إثر حادثة سير. فهذا الاسم المكون من اسم فاعل يفيد الديمومة والاستمرار على الفعل عميق الدلالة على هذا الطائر الذي نراه يوميا بنفس الفعل ونفس الحركة. وهنا تكمن جمالية هذا الاسم الذي لم يكتف بالإطلاق والدلالة المحددة بل تجاوزه – عبر التركيب- إلى الحركة والإحالة إلى مكان الانوجاد وتدبير القوت "النهر". ـ الباروك ن فلوسن. مركب إضافي آخر لا يخلو من عمق الدلالة والوصف الجميل والتشبيه الصائب، فالباروك – في قلعة مكونة – من الأعراف التي في طريقها إلى الزوال، ويتعلق بذبيحة سمينة بمناسبة عيد ديني (غير الأضحى) تكون مناسبة للالتقاء وتبادل مشاعر الود والفرح في علاقة حميمية منقطعة النظير. وبالعودة إلى الاسم الذي نحن بصدد الإشارة إلى الجمالية فيه نقول بإن "الباروك" الخاص بالدجاج عبارة عن دودة غليضة تتخذ روث الحظائر مأوى لها، وتبدو الفرحة على الدجاج حين يتمكن منها وبذلك تمثل "باروكا " شبيها بباروكنا نحن أهل الدوار. ـ تلغمين نوامان= نوق الماء: وبالعربية: الأمواج. هذا الاسم، اسم به من بلاغة التصوير وجمالية التعبير الشيء الكثير. فإذا قارناه ب"الموج" في العربية وبـ "vague»في الفرنسية و" wave» في الإنجليزية نجد امتيازه بالتصويرية والحركية، فالناقة يتميز جسمها بوجود حدبة فوق ظهرها تسمى بالسنم وتبدو على شكل رأس الهرم، فإذا ما حدث أن تكون أمام مجموعة من النوق تمشي متجاورة، فإن مظهرها يوحي تماما بأمواج الماء في شكلها وحركتها. وبذلك يصير المركب الإضافي الأمازيغي مؤديا للمعنى الدال على المسمى بجمالية خاصة تحمل من الدلالة ما يجعله إبداعيا بامتياز. ـ "أغروم نْ طاغاتْ"خبز المعزة = "عيش الغراب" بالعربية- و champignonبالفرنسية. "أغروم نْطاغاتْ " وفق معاينتنا له – في بعض حقول قلعة مكونة جنوب المغرب، يَتَبدَّى لنا أن سر تسميته بذلك الاسم يرجع إلى لونه الذي يشبه لون المعز، والأكثر من ذلك أن كل الاختلافات اللونية الكامنة به هي ذاتها الموجودة في المعز: لون بُنِّيٌ يميل إلى البياض أحيانا وإلى السواد أحيانا. وقد يكون أقرب إلى الرمادي المشرب بالبياض أحيانا... وهي الألوان التي تعرف بها المعز.ـ "تِسْكْسِيتْ نِ تْفِغْرا"= مشط الأفعى = بالعربية "أم أربعة وأربعة: هذا الاسم به ما يميزه تمييزا عن نظيره في لغات أخرى، فهو ذو طابع تشخيصي يجعل المخيلة تُكون له صورة شبه أسطورية، فقد يجعلك تتخيل أن للأفعى مشطا كسائر الناس، ولعل السر في تسمية هذه الحشرة بذلك الاسم يعود بالأساس إلى تعدد أرجلها التي جعلتها كمُشط يدبُّ على الأرض، ولعل نسبتها إلى الأفعى آتٍ بالأساس من حركتها التي تشبه حركة الأفعى، علاوة على الاعتقاد الجازم بكونها حشرة سامة يجب الحذر منها. إلى غير ذلك من الأسماء المركبة تركيبا إضافيا، والتي تحمل من الصورة والحركة والتشبيه ما يجعلنا نشيد بمميزاتها وجماليتها الخاصة. وللإشارة فالأسماء الأمازيغية تختلف أحيانا بين قرية وأخرى ومن منطقة إلى أخرى، فنجد للمسمى الواحد أكثر من اسم والأسماء المتضمنة في مقالنا تنتمي إلى بعض مناطق قلعة مكونة، لذا فقد لا تكون الإطلاقات والتحليلات المنجزة قابلة للتعميم، وهذا لن ينقص من المزايا الجمالية الخاصة بالمركب الإضافي الأمازيغي، إذ قد نجد إطلاقات أجمل وأعمق دلالة من التي أشرنا إليها في هذا المقال. ونعتبر مقالنا بمثابة مدخل لدراسة الاسم في الأمازيغية بكل ضروبه، وقد نقوم بذلك مستقبلا بإذن الله تعالى.
|
|