| |
بيان إلى
محكمة التاريخ: معاناة مدرس أمازيغي في "تازمامارت" الجديدة...
بقلم: رشيد نجيب سيفاو
في سنة 2000، حصلت على شهادة الباكالوريا
بميزة حسن. والتحقت على إثر ذلك بمركز تكوين المعلمين بأكلميم الذي قضيت فيه سنتين
من أجل التكوين اعتقادا مني أنني اخترت مهنة شريفة تمكنني من خدمة المجتمع بالتدريس
ونشر القيم الإيجابية وتربية الأجيال... وفضلا عن كون سنتي التكوين قد شكلتا
بالنسبة لي فرصة لتعميق معارفي في مجموعة من المجالات المرتبطة بعلوم التربية وعلم
النفس وغيرها، فقد استغللتهما كذلك من أجل مراكمة مجموعة من الأبحاث في الجانب
التربوي تحت إشراف أساتذة المركز المذكور أنفسهم، ونشرت مجموعة من المقالات حول
علوم التربية والتدريس في الملاحق التربوية التي تصدرها الصحافة المغربية. وإلى
جانب هذا، أنجزت أبحاثا حول تعليم الأمازيغية وقدمت عروضا فيها ونشطت حلقات تكوينية
لفائدة زملائي الطلبة المدرسين حول حروف تيفيناغ في وقت لم يكن فيه مستساغا الحديث
عن أي موضوع ذي صلة بالأمازيغية وفي وقت كان مجرد الاهتمام بها تهمة جاهزة لها
تبعاتها.
في يونيو 2002، اجتزنا امتحان التخرج من المركز، وبحكم اجتهادي ومثابرتي تمكنت من
الحصول على المرتبة الثالثة من بين مجموعة من المتدربين البالغ عددهم 120 فردا.
وكان معيار الترتيب من المعايير المعتمدة عادة وعرفا في إسناد المناصب الشاغرة
للمدرسين الجدد، وهو ما يعني الحصول على منصب جيد بالنسبة للمرتبين الأوائل. وفي
شتنبر 2002، تم تعييننا في مدارس الإقليم المختلفة، وبحكم ترتيبي فقد حصلت أنا وأحد
زملائي على تعيين في المستوى في مدرسة تتوفر في محيطها جميع الشروط الضرورية للعيش
الكريم من طريق معبدة وماء وكهرباء ودور للسكن... وكانت فرحتنا فعلا عظيمة لأن
المجهود الذي بذلناه في مركز التكوين لم يضع سدى. إلا أن الرياح تجري بما لا تشتهي
السفن، فمباشرة بعد مرور أسبوع واحد فقط على التحاقنا بالعمل، بدأت علينا الضغوطات
من مدير المدرسة (و.م) من أجل إخلاء منصبينا لمعلمتين صحراويتين زميلتين لنا (إحداهما
بنت مدير والأخرى أخت لموظف يعمل بالنيابة) في نفس الفوج رماهما امتحان التخرج في
أسفل الترتيب. ولما لم نرضخ للضغوطات الأولى، جاء نائب التعليم السابق شخصيا (ح.ش)-
وهو بالمناسبة صحراوي قلبا وقالبا- لإغاثة بنات قوميته، وبأسلوب يغلب عليه الترغيب
والترهيب ضغط علينا من أجل الذهاب للعمل في إحدى الفرعيات البعيدة وهي فرعية إغرم
في نيابة كلميم وتسمى محليا "تازمامارات" بحكم عدم توفرها على شروط العيش الكريم،
وذلك لمدة سنة على الأكثر. غير أن هذه السنة، ستتحول بالنسبة لي وحدي إلى أربع
سنوات من الاعتقال والمنفى الاضطراري في منطقة تكاد تكون شبه تازمامارت: لا مياه
صالحة للشرب، لا كهرباء، لا تغطية هاتفية، لا طريق معبدة...، بحيث إن النائب المشار
إليه قام بنقل زميلي كما قام بنقل المعلمتين الصحراويتين إلى مدينة كلميم. ويحكم
علي أنا "الشلح" بالموت البطيء في معتقل رهيب أدرس فيه ثلاثة مستويات دفعة واحدة.
وحتى الحركة الانتقالية التي أشارك فيها يتم رفضها دائما. ولما جاءتني فرصة
الالتحاق للعمل بإحدى المؤسسات الوطنية التي قبلت إدارتها مشكورة، تم رفض ذلك رغم
أن قانون الوظيفة العمومية المعمول به لا يشترط سوى موافقة الإدارة المستقبلة مع
العلم أن مجموعة من زملائي الصحراويين في نفس الفوج التحق بعضهم بتلفزة العيون
الجهوية أو للتدريس بالإعدادي أو الثانوي بدون مشاكل تذكر، وحتى لما تقدمت بطلب
اجتياز مباراة المدرسة الوطنية للإدارة تم رفض ذلك أيضا رغم سلامة ملفي الإداري
الذي أدليت به... وكان العذر في كل هذا عدم وجود مدرس يقوم بتعويضي بالرغم من أن
نيابتنا التعليمية تتوفر على فائض من المعلمين يبلغ 231 فردا بعضهم أشباح تفرغوا
لمصالحهم وأغراضهم، وبعضهم يحتسي كؤوس الشاي المنعنع على الطريقة الصحراوية في
مكاتب النيابة وفي المختبرات، وبعضهم يدرس سويعات جد قليلة من الدعم أو المسرح
المدرسي أو البستنة، وبعضهم...
تحولت سنة واحدة إذن بالمدرسة البعيدة في تازمامارت إلى أربع سنوات بالتمام والكمال.
وها أنذا مقبل على سنة خامسة وربما سنوات أخرى، ليحكم علي المسؤول المحلي السابق
على التعليم بقضاء زهرة عمري في تازمامارت مغرب الألفية الثالثة. وكنت في هذا
الفترة على امتدادها الزمني ضحية لنقابات الأحزاب العروبية في اليمين واليسار،
وضحية لسماسرة الانتخابات البرلمانية وبرلمانيي المنطقة في اليمين واليسار أيضا،
وهل هناك فرق بين الإثنين؟ بأكاذيبهم ووعودهم الفارغة بحل المشكل لأكتشف في النهاية
أن الكل متواطئ مع النائب السابق ضدي.
لقد كان بالإمكان في بداية هذه المشكلة سنة 2002 أن أتقدم بدعوى أمام القضاء
الإداري غير أن منطق "العين البصيرة واليد القصيرة" في ذلك الوقت حال دون ذلك. غير
أنني اليوم قررت تسجيل الدعوى في محكمة التاريخ العادلة عبر هذا البيان الذي لن
يعكس على كل حال مدى المعاناة التي عانيتها من جراء الظلم والتمييز الجائر الذي
لحقني. كما أن هذه التجربة التي عشتها ولازلت بما ميزها من شطط في استعمال السلطة
ومن تمييز واضح بين المواطنين بحكم المواطنة الامتيازية للصحراويين وأنا الأمازيغي...
تجعلني أقول، وبصوت عال، أن زمن المصالحة والحقوق للجميع والمفهوم الجديد للسلطة
وغيرها، ما هي في الواقع المعيش سوى شعارات أفرغتها مثل الممارسات التي تعرضت لها
من كل مضمون.
وعليه، فإنني أناشد كل مسؤول بيده الحل، وكل ضمير حي وكل متعاطف وكل صديق يمكن أن
يعمل شيئا ما لوضع حد لهذه المعاناة التي طالت ولا تكاد تنتهي.
اللهم إنني قد بلغت، اللهم فاشهد. وعليه فقد أرحت ضميري من ثقل يعرفه القليلون
ولطالما أخفيته على الكثيرين.
(رشيد نجيب سيفاو، ناشط أمازيغي)
|