بعد اتهامه للمغاربة بالشذوذ
الجنسي، القرضاوي يفتي بشذوذهم الديني
بقلم: محمد بودهان
لم تمض على اتهام يوسف القرضاوي، النجم الأصولي لقناة الجزيرة، سوى
ثلاثة أشهر (انظر "لماذا اتهم القرضاوي المغاربة بالشذوذ؟" بالعدد 112 من "تاويزا")
حتى عاود الكرة في سبتمبر بفتواه حول القروض الربوية التي أجازها استثناء وفقط
للمغاربة قياسا على مسلمي أوروبا. وهو ما يعني أن المغرب ليس بلدا إسلاميا في
غالبيته، بل فقط أقلية من سكانه يدينون بالإسلام، وبالتالي ينطبق عليهم، فيما يخص
القروض البنكية، ما ينطبق على الأقليات المسلمة بالبلدان الأوروبية التي هي بلدان
غير مسلمة كما هو معروف.
لكن هذه المرة، لم يعلن القرضاوي فتواه "الشاذة" هذه من أعلى منبره بقناة "الجزيرة"،
بل من داخل المغرب بعد أن استضافته الهيئة الممثلة له ببلدنا، وهي حزب العدالة
والتنمية.
لقد رد بيان للمجلس العلمي الأعلى على فتوى القرضاوي ندد فيه بتطاوله على اختصاص
علماء المغرب وانتهاكه للسيادة الوطنية. لكن هذا الرد جاء في الحقيقة متأخرا، إذ
كان على المسؤولين منع القرضاوي من دخول المغرب، بل الأمر باعتقاله بمجرد نزوله
بالمطار وتقديمه للمحاكمة بتهمة القذف في حق المغاربة الذين اتهمهم بالشذوذ الجنسي
على قناة "الجزيرة".
ثم لا ندري لماذا اقتصر بيان المجلس العلمي الأعلى بالتنديد بالقرضاوي وفتواه دون
ممثله بالمغرب، أي حزب "البيجيدي (العدالة والتنمية) الأصولي الذي استضافه ليهاجم
المغاربة في عقر دارهم. فالمسؤولية تقع كذلك على من وجه الدعوة للمفتي واحتضن فتواه
التي تطعن في إسلام المغرب. فما فعله هذا الحزب، عندما استضاف، وبأموال مغربية،
أصوليا متاجرا في الإسلام ومرتزقا بالدين، ليفتي بدجله في شؤون المغاربة، يعد عملا
غير وطني، وعمالة لجهة أجنبية معادية للوطن. والخطير في الأمر أن هذا الحزب،
المتاجر بالدين على غرار سيده وقدوته القرضاوي، استضاف هذا الأخير ليجلب به أصوات
المواطنين في الانتخابات المقبلة، وهو ما يعبر عن منتهى الاستلاب والتبعية لمشايخ
الظلامية بالمشرق، والانسلاخ عن الوطن والروح الوطنية: يربح البيجيدي مزيدا من
الأصوات لأنه استدعى دجالا من المشرق ليطعن في إسلام المغاربة، منتهكا بشكل مستفزّ
سيادتهم الوطنية في عقر دارهم وأمام التصفيقات الحارة للبيجيديين!!
ولكن لا ينبغي أن نلوم فقط الحزب الإسلاموي ونحمّله مسؤولية هذه المازوشية المتمثلة
في تزايد الولاء للمشارقة ـ قبل الوطن ـ عندما يهاجموننا ويسبوننا وهم ضيوف عندنا.
فالسلطة السياسية الحاكمة بالمغرب تجسّد، في سياستها التعليمية والإعلامية، وفي
دبلوماسيتها ودفاعها عن القضايا العربية واعتبارها قضايا وطنية، هذا الولاءَ
للعروبة والتبعية للمشرق العربي في الهوية والثقافة واللغة والفكر الديني. هذا
الولاء المازوشي للمشرق العربي من طرف الطبقة السياسية المغربية هو الذي جعل
المشارقة يتعاملون مع المغاربة باستعلاء واستكبار، معتبرينهم قاصرين لهم (للمشارقة)
كل الحق في أن يمارسوا عليهم الوصاية في الدين واللغة والثقافة والغناء والرقص
والسينما والشعر..، ويصدروا الفتاوى ـ كما فعل القرضاوي ـ لإرشادهم وإنقاذهم من
الضلال!. ويكفي أن نشاهد فقرات من برامج تلفزتنا لنرى كيف أننا بالفعل نعيش تحت
وصاية المشرق العربي في الغناء والرقص والأخبار والأفلام والثقافة والدين
والإيديويولوجيا، والفن والأدب والشعر والحجاب واللحية والأصولية وحتى الإرهاب. فلا
تكتمل أعمالنا ونرضى عنها إلا إذا كانت تقليدا لأعمال المشارقة، بما فيها الأعمال
الإرهابية. وهذا يدل على أننا نعيش استعمارا حقيقيا، ثقافيا ولغويا وفنيا وغنائيا
ودينيا (الوهابية) وهوياتيا وإيديولوجيا. ولا سبيل لتحرير المغرب من هذا الاستعمار
البغيض، الذي يسحق شخصيتنا، ويمحو تميزنا وخصوصيتنا الأمازيغية، ويقضي على هويتنا
ويقتل إبداعنا، إلا بالقطع العلني مع المشرق العربي، ليس كجنس وعرق وإثنية، بل كفكر
وثقافة وذهنية وإيديولوجية ووهابية. ولا يتحقق هذا القطع إلا بالعودة إلى
الأمازيغية، ليس في مضمونها اللغوي والثقافي فحسب، بل في مضمونها السياسي الهوياتي.
|