|
لا لابتزاز الشعب المغربي باسم الصراع العربي الإسرائيلي بقلم: محمد بودهان منذ 1930 إلى الآن والأمازيغية رهينة للاستعمال السياسي للعروبة والإسلام، يمارس عليها الابتزاز والإقصاء باسمهما: فكل من ينادي برد الاعتبار للأمازيغية يتهم بمعاداة العروبة والإسلام، والعمالة للإمبريالية والصهيونية، وتهديد الوحدة القومية والوطنية. لقد أصبح هذا الابتزاز القومي والإسلاموي، لكثرة تكراره واستعماله ضد الأمازيغية، مملولا ومتجاوزا وغير منتج. إلا أن ارتباط المغرب بالمشرق العربي وتبعيته الثقافية والهوياتية واللغوية والدينية والإيديولوجية للبلدان العربية، وما ترتب عن ذلك من تبنيه لقضاياها ودفاعه عنها وانخراطه في مشاكل العرب مع إسرائيل، بجانب تنامي حركات الإسلام السياسي المتطرفة، حوّل، ليس الأمازيغية فقط كما كان الأمر سابقا، بل الشعب المغربي بكامله إلى رهينة لقضايا المشرق العربي يمارس عليه الابتزاز باسم الصراع العربي الإسرائيلي وباسم "التضامن" العربي والإسلامي المزعوم. فكل ما يجري بفلسطين والعراق، وأخيرا لبنان، يجب أن يكون له صدى مباشر وقوي في المغرب على شكل تظاهرات "شعبية" تندد بإسرائيل وأميركيا كطقس مكرور ومملول. وكل من تخلّف، من الأحزاب والجمعيات المدنية وحتى الحكومة، عن المشاركة في هذه التظاهرات سيتهم بالعمالة والخيانة. وهكذا أصبح الجميع، حكومة وأحزابا وجمعيات، يتسابق، في نوع من النفاق السياسوي والمراء الانتهازي، ليكون في مقدمة المتظاهرين للتضامن مع فلسطين والعراق ثم لبنان أخيرا. كما أن الجرائد الحكومية والحزبية تتنافس في تدبيج افتتاحيات تشجب المجازر التي تقترفها إسرائيل في حق الشعب الفلسطيني واللبناني "أمام تفرج العالم وصمته"، مخصصة صفحاتها الأولى لمشاكل الصراع العربي الإسرائيلي. وهي نفس المشاكل التي تتصدر نشرات الأخبار في الإذاعة والتلفزيون. بل إن الملك نفسه لا يستطيع التخلص من وضع الرهينة للقضايا العربية، فيضطر، وفي نوع من المنافسة للإسلامويين والقوميين، إلى المشاركة في هذه الهرولة في اتجاه المشرق العربي فيبادر إلى إصدار بيان حول الهجوم على لبنان ويعطي تعليماته لإرسال طائرة محملة بالمساعدات الطبية والغذائية إلى الشعب الفلسطيني أو اللبناني، ويخصص حيزا من خطاب العرش ليوم 30 يوليوز 2006 لقضية فلسطين والعراق ولبان مؤكدا تضامن المغرب مع "الشعب الفلسطيني الشقيق" و"الشعب العراقي الشقيق". إنه ابتزاز شمولي يمارس ديكتاتوريته على الجميع. ولا يجوز ولا يمكن أمام الهيمنة المطلقة للخطاب الإسلاموي بالمغرب، والذي يعتبر قضايا العرب قضايا وطنية مغربية، مناقشة التأييد اللامشروط من طرف المغرب للقضايا العربية، ولا نقد القرارات الحمقاء لحزب الله أو حماس مثلا، أو لوم "المقاومة" العراقية الدموية، وإلا فأنت عميل وخائن وصهيوني، كما يقول صك الاتهام الجاهز والمعلب. فكل ما يفعله العرب هو خير وحق وصواب منزه عن الخطأ، وكل ما تفعله إسرائيل وأمريكا هو شر وخطأ واعتداء وظلم يجب شجبه والتنديد به. وهذا ما يجعل الجميع ينساقون، ولو دون قناعة منهم كما هو الأمر في الغالب، مع "الموضة" مكرهين، ويسايرون حركة العداء لإسرائيل وأمريكا حتى لا يكونوا خارجين عن "إجماع الأمة". لقد أصبح حب الوطن، في ظل هذا الخطاب الإسلاموي والقومي، يعني حب قضايا العرب والدفاع عنها والاستعداد للتضحية من أجلها. فليس هناك ولاء للوطن، بل لأمة إسلامية موهومة ولأمة عربية مزعومة. أليس هذا النوع من الولاء "الخارجي" خيانة للوطن وارتزاقا وعمالة لما هو أجنبي؟ لكن المحرضين على العداء والحقد ضد إسرائيل ينسون أن هذا العداء وهذا الحقد العربيين الإسلامويين ضد اليهود هو الذي خلق دولة إسرائيل: فغالبية اليهود المشكلين لدولة إسرائيل كانوا يعيشون قبل الخمسينات كمواطنين عرب داخل البلدان العربية المعروفة آنذاك. لكن موجة العنصرية والعداء التي أخذت تتنامى ضد اليهود بتلك البلدان بفعل انتشار الفكر القومي العنصري والإيديولوجية الإسلاموية المعادية لليهودية، فرضت على اليهود الرحيل إلى إسرائيل ليساهموا في إتمام بنائها الذي ما كان ليكتمل لو بقيت تلك الأعداد الكبيرة من اليهود في مواطنهم العربية الأصلية. يكفي أن نذكر أن بالعراق وحده كان يوجد مائتان وخمسون ألفا من اليهود هربوا جميعهم إلى إسرائيل فرارا من اضطهاد وعنصرية حزب البعث القومي. لا أريد بملاحظاتي هذه، كما سيؤولها الانتهازيون المستفيدون من تظاهرات "التضامن" السياسوي مع العراق وفلسطين ولبنان بالمغرب، الكفّ عن التضامن الحقيقي مع الفلسطينيين والعراقيين واللبنانيين عندما يتعرضون لعدوان من قبل إسرائيل أو أميركيا. بل ما أريده وأدعو إليه هو أن لا يستمر هذا التضامن، كما هو اليوم، كنوع من الابتزاز يتخذ الشعب المغربي رهينة للصراع العربي الإسرائيلي وما يرتبط به من قضايا عربية وإسلاموية، يعطيها كل الاهتمام والأولوية، ويفكر فيها وبها في إعلامه وتلفزته وجرائده وخطبه وبرامج أحزابه... أريد أن يكون هذا التضامن تلقائيا وحرا، وبالتالي صادقا وحقيقيا، كما تفعل الكثير من الشعوب غير العربية عندما تنظم تظاهرات تتضامن فيها مع فلسطين أو لبنان. ومن شروط التضامن التلقائي والحر إمكانية قيام تضامن مضاد في الاتجاه الآخر، يكون كذلك تلقائيا وحرا وصادقا، كما رأينا في دول غربية نظمت بها تظاهرات تضامنية مع لبنان، ولكن كذلك تظاهرات تضامنية مع إسرائيل من طرف جهات أخرى، مما يعكس اختلاف الرؤى والمواقف داخل المجتمع، وهو ما يعبر عن الحرية والديمقراطية والتعدد الحقيقي، عكس "الإجماع" المزعوم في البلدان العربية، الذي هو مرادف للاستبداد والديكتاتورية. إن "التضامن" عندنا في المغرب مع القضايا العربية، تحركه، كما في كل الدول العربية، أهداف إيديولوجية وسياسوية تخدم الحركات الظلامية والمتطرفة، سواء كانت قومية أو إسلاموية. لهذا فإن هذا "التضامن" يتخذ دائما شكل صياح وزعيق مع ترديد شعارات فارغة وهتافات جوفاء تدغدغ مشاعر المواطنين الأميين والمستلبين وتحرض على الحقد والعداء والتطرف والإرهاب. والمستفيد الأول من هذا "التضامن" الانتهازي والديماغوجي هي دائما الحركات الظلامية المتطرفة كما قلت، وليست الشعوب العربية المتضامن معها، في فلسطين أو العراق أو لبنان، التي تستغل هذه الحركاتُ مآسيها (الشعوب) بشكل جبان لأغراض إيديولوجية وديماغوجية وسياسيوية وانتخابوية ـ كما قلت ـ تخدم الأصولية والتطرف وتغرس في نفوس المغاربة معاداة دول لم ير منها المغرب أي سوء مثل إسرائيل وأميركيا. في حين نجد تضامن الدول الغربية، لأنه تلقائي وصادق، يفيد مباشرة، ليس الداعين إلى هذا التضامن كما عندنا في المغرب، بل الشعوب المتضامن معها، كما رأينا في تضامن فرنسا مع لبنان بعد تعرضه للهجوم الإسرائيلي، حيث كان هناك تدخل على مستوى الرئاسة الفرنسية للمطالبة بخلق ممرات إنسانية آمنة لإجلاء المدنيين والمصابين وإيصال المساعدات للضحايا والمنكوبين، وهو ما استجابت له الحكومة الإسرائيلية دون تردد. وهكذا تضامنت فرنسا مع لبنان بشكل مفيد ونافع، ولكن بدون صياح ولا زعيق، ولا تهييج لمشاعر الحقد، ولا تحريض على العداء والكراهية ضد الطرف الآخر. قلت كان التضامن الفرنسي مع لبنان مفيدا لأن غايته كانت منذ البداية هي مساعدة الشعب اللبناني ولم تكن وراءه حسابات سياسوية وانتخابوية مثل كسب الشرعية الشعبية أو الدعاية لإيديولوجيةالتطرف والظلامية، كما تفعل حكومتنا وأحزابنا الإسلاموية والقومية في تضامناتها المملولة والمعلبة مع فلسطين والعراق ثم لبنان. وقد رأينا كيف أدى تنديد المجتمعات الغربية بمجزرة "قانا" الإسرائيلية إلى إجبار الدولة العبرية على وقف القصف الجوي لمدة ثمانية وأربعين ساعة للسماح بإجلاء الجرحى ووصول المساعدات. أما تنديدات العرب بإسرائيل فقد استمر 60 سنة دون أن يعطي أية نتيجة. فلماذا تؤثر تديدات الغرب على إسرائيل ولا تزيدها تنديدات العرب إلا إصرارا على التحدي والمواجة والقتال ؟ لأن الغرب، عندما يتضامن مع لبنان وفلسطسن فهو يندد بالجرائم المقتفرفة ضد الشعبين، ولكنه لا يدعو إلى إبادة إسرائيل أو التحريض العنصري ضدها. أما تضامن العرب مع لبنان وفلسطين فهو تضامن يتخذ شكلا غوغائيا وعنصريا يتوعد إسرائييل بالإبادة والإفناء. فماذا تنال الهتافات والصراخات والشعارات والسب من قوة إسرائيل التي تحارب بالعقل وتقاتل بالعلم والتكنولوجيا، وليس بالهتاف والزعيق والصياح كم يفعل العربان؟ بل على العكس من ذلك، إن "تضامن" العرب مع فلسطين ولبنان، القائم على الحقد والعنصرية والتهديد بإبادة إسرائيل وإحراق اليهود، يجلب لإسرائيل تعاطف العالم عندما تظهر كدويلة صغيرة يتوعدها عشرات الملاييين من العرب والمسلمين الذين يقسمون بأغلظ الأيمان، في تظاهرات غوغائية وهيستريائية، بمحوها من الوجود. إن ولاء حكام المغرب وطبقته السياسية للمشرق العربي تسبب في عهر وعقم العقل المغربي الذي لم يعد قادرا على الإبداع والمبادرة خارج مرجعية المشرق العربي الإسلاموي، لأنه فقد حريته واستقلاله اللذين هما شرط كل إبداع وتجديد ومبادرة حرة. إن علاج العقل المغربي من العقم والعهر اللذين أصاباه نتيجة تبعيته للمشرق العربي، يتطلب أولا تحريره من هذه التبعية التي تجعل منه دائما غلاما قاصرا همه الوحيد هو خدمة سيده. وهذا التحرير للعقل المغربي لا يكون إلا بتحويله إلى عقل أمازيغي، أي كما هو في أصله وحقيقته، مستقل عن قيم العروبة وقضاياها ومشاكلها التي عهّرته واستلبته وجعلته عقلا عقيما لا ينتج ولا يبدع. فالأمازيغية، قبل أن تكون لغة وثقافة، فهي أداة تحرير للعقل المغربي من الاستلاب والوعي الزائف، وللإنسان المغربي من التبعية للعروبة التي لم يجن منها سوى التطرف والظلامية والخرافة والتخلف. عندما يستعيد العقل المغربي حريته ويحصل الإنسان المغربي على استقلاله تجاه ما عربي، وذلك باسترجاع أمازيغيته لغة وثقافة وهوية وتاريخا، آنذاك يستطيع الشعب المغربي تقديم كل الدعم الممكن والتعبير عن كل التضامن اللازم مع الشعب الفلسطيني والعراقي واللبناني، لكن بشكل تلقائي وصادق وإنساني وسلمي كما فعلت الشعوب الغربية التي عبرت عن تضامنها مع محنة الشعب اللبناني، وبعيدا عن أي استعمال إيديولوجي وديماغوجي وسياسوي وإسلاموي تحركه الذيلية للنزعة القومية والإسلاموية التي تبتز الشعب المغربي بارتهانه بالمشاكل العربية وبالإيديولوجية الإسلاموية التي تحرض على العداوة والكراهية والعنصرية والتطرف. (في 2 غشت 2006)
|
|