|
افتتاحية: متى يصادق البرلمان المغربي على شرط إتقان اللغة الأمازيغية لتسوية وضعية المهاجرين العرب؟ بقلم: محمد بودهان اتخذت مجموعة من الدول الأوربية، مثل ألمانيا وهولاندا وفرنسا، إجراءات تشريعية اعتبرت "متشددة" تجاه الأجانب المهاجرين إليها. من بين ما تتضمنه هذه التشريعات الجديدة الخاصة بالهجرة، هو تنصيصها على ضرورة إتقان المهاجر للغة البلد الأوروبي الذي يعتزم الإقامة به. ورغم ما قد يبدو في هذه الإجراءات الجديدة من "تشدد" يرمي إلى الحد من الهجرة وضبطها وجعلها "مختارة وليس مفروضة"، بتعبير "ساركوزي" وزير الداخلية الفرنسي، ورغم الاعتراض عليها كذلك من طرف بعض الجمعيات التي رأت فيها موقفا عنصريا تجاه الأجنبي المختلف؛ رغم كل ذلك فإنه لا يمكن إنكار أنها إجراءات منطقية وصائبة أملتها ضرورة حماية السيادة الوطني، إذ أن من أهم مظاهر هذه السيادة هي اللغة الوطنية التي يتخاطب بها المواطنون داخل دولة ما، والتي تكون عنوانا عن الانتماء إلى الوطن والارتباط به وبقيمه وبهويته. وعليه، فإن الأجنبي الذي يريد الإقامة ببلد ما بصفة دائمة ـ وليست عابرة ـ مع ما تخوله له تلك الإقامة الدائمة من حق المواطنة واكتساب الجنسية والمساواة مع باقي المواطنين الأصليين، لا يمكنه أن يستعمل غير لغة المواطنين الذين أصبح واحدا منهم، وإلا لكان ذلك انتهاكا للسيادة الوطنيةـ ببلد الإقامة ـ التي ترمز إليها اللغة الوطنية. بل قد يتطور الأمر إلى نوع من الاستعمار، كما في حالة هيمنة مجموعة من المهاجرين ذوي الأصول الأجنبية، على مصدر القرار السياسي مع استمرارهم في استعمال لغتهم الأجنبية وارتباطهم ببلدهم الأصلي الأجنبي، كما سبق أن شرحنا ذلك في افتتاحية العدد 108 لشهر أبريل 2006. أما في المغرب، فالمعروف أن هناك مجموعة من المهاجرين العرب الذين نزحوا من المشرق العربي إلى المغرب واستقروا به بصفة دائمة منذ قرون. ورغم مرور مئات السنين على استقرارهم بالأرض الأمازيغية، إلا أن وضعهم القانوني لا يزال هو وضع أجانب. لماذا؟ لأنهم لا زالوا مصرين على انتمائهم للعروبة وارتباطهم بالبلدان العربية، واستعمالهم للغة العربية الأجنبية عن السكان الأصليين. وهذا الوضع تترتب عنه إحدى الحالتين التاليتين: ـ إما أن هذه الأقلية العربية، التي استقرت بالمغرب منذ قرون ومع ذلك فلا زالت متمسكة بعروبتها ومستعمله للغتها العربية، مستعمرة ومحتلة للمغرب بكل المعايير التاريخية والدولية للاستعمار والاحتلال. لذلك فهي لا تمثل بلد إقامتها الذي هو المغرب، بل بلدها العربي الأصلي الذي غزا المغرب في وقت سابق، فبقيت تلك الأقلية تحتله وتديره لحساب بلدانها الأصلية. ولهذا فهي ـ كما يفعل أي محتل مستعمر ـ تفرض لعتها وهويتها على السكان. أننا إذن أمام حالة استعمار واحتلال لا غبار عليه كما شرحنا ذلك بتفصيل في المقال المشار إليه. وفي هذه الحالة الاستعمارية، لا يبقى للسكان الأصليين المستعمَرين إلا محاربة هذا الاستعمار ومقاومته بكل الوسائل، كما تفعل كل الشعوب المستعمَرة. ـ وإما أن هذه الأقلية "العربية" ليست لها نوايا استعمارية، لكنها تتمسك بالهوية العربية وتواصل استعمالها للغة العربية، ليس لغرض استعماري، بل فقط بسبب غياب قوانين تلزمها بتعلم واستعمال اللغة الوطنية الأصلية للسكان التي هي الأمازيغية، رمز السيادة الوطنية، وإلا جردت من حقوق المواطنة والإقامة الدائمة بالبلدان الأمازيغية باعتبار عناصر هذه الأقلية أجانب تطبق في حقهم القوانين الخاصة بالأجانب. إذن في هذه الحالة، غير الاستعمارية، يكفي أن تصدر السلطة الحاكمة تشريعات مناسبة لتسوية وضعية هؤلاء "الأجانب العرب" حتى يصبحوا في مساواة تامة مع المواطنين الأصليين، وحتى لا يعاملوا كأجانب لا يتوفرون على شروط حق المواطنة واكتساب الجنسية الأمازيغية. وحتى لا يكون هناك تعسف أو شطط تجاه الأقلية العربية التي لا تجيد اللغة الأمازيغية، ينبغي إذن أن يحترم تطبيق القوانين الجديدة المتعلقة بالهجرة والأجانب مبدأ عدم رجعية القوانين، وذلك على الرغم أن حماية السيادة الوطنية، التي ترمز إليها اللغة، قد تسوّغ التضحية بذلك المبدأ في سبيل هذه السيادة. وهكذا فإن القانون المغربي الجديد الذي سيشترط إجادة اللغة الأمازيغية، رمز السيادة الوطنية، بالنسبة للمهاجرين إلى المغرب بنية الاستقرار النهائي به، لا يطبق بأثر رجعي على الأجانب الذين استقروا بالمغرب منذ مدة طويلة تقدر بالقرون مثل العرب. لكن في هذه الحالة سيستمر المنحدرون من هؤلاء المهاجرين الأوائل في استعمال العربية وتجاهل الأمازيغية وإقصائها، وهو ما سيشكل انتهاكا للسيادة الوطنية التي ترمز إليها الأمازيغية. فكيف يمكن التوفيق بين مطلب حماية السيادة الوطنية من خلال حماية اللغة التي ترمز ليها، ومبدأ عدم رجعية القوانين؟ هذا ما يقتضي تضمن هذه القوانين الجديدة للمقتضيات التالية: ـ التنصيص على ضرورة إتقان من يقيم بالمغرب بصفة دائمة للأمازيغية داخل مدة معقولة تتراوح بين خمس وعشر سنوات. ـ إذا استمر الشخص المعني بهذا المقتضى في استعمال غير الأمازيغية بعد انصرام هذه المدة، فلا يجرد من كل حقوقه كمواطن، ولكن يمنع من شغل الوظائف والمسؤوليات السياسية والحكومية. ـ بعد 15 سنة، وهي مدة جد كافية لإجادة لغة درسها تلميذ التحق بالمدرسة في سن الخامسة، يصبح إتقان اللغة الأمازيغية إلزاميا لكل المغاربة وشرطا واقفا لشغل الوظائف العمومية بالنسبة لكل المواطنين. كما أن المناصب السياسية تكون ممنوعة بقوة القانون على من لا يجيد اللغة الأمازيغية ولا يستعملها في تواصله مع المواطنين. ـ يشترط هذا القانون، كإجراء مصاحب، اتخاذ السلطات العمومية كل التدابير اللازمة لتعليم الأمازيغية ونشرها وتعميم تدريسها لجميع المواطنين مع إدماجها في كافة مؤسسات الدولة كالإدارة والمحاكم والجامعات والإذاعة والتلفزة ومراكز التكوين لخلق طلب اجتماعي على تعلمها. نلاحظ إذن أن مثل هذه المقتضيات ستضمن احترام مبدأ عدم رجعية القوانين، كما تضمن كذلك حماية اللغة الأمازيغية التي هي حماية للسيادة الوطنية. إلا أن المشكلة عندنا في المغرب، هو أن أصحاب القرار السياسي الذين يملكون سلطة التشريع ووضع القوانين، من ملك وحكومة وبرلمان، غالبيتهم ـ إن لم يكونوا جميعهم ـ يعادون الأمازيغية ويحاربونها ويرفضونها، وبالتالي فمن الصعب، إن لم يكن من المستحيل، أن يشرّعوا قوانين تفرض عليهم هم أنفسهم إجادة الأمازيغية بعد خمس سنوات أو يحرمون من مناصبهم السياسية. ففي هذه الحالة سيتصرفون ضد مصالحهم ومنافعهم. لكن يبقى هناك احتمال متفائل آخر، وهو أن هذه الأقلية "العربية" المهيمنة على السلطة السياسية يمكن أن تنصاع لنداء العقل والعدل والمشروعية فتعتنق الأمازيغية التي تعيش على أرضها وتأكل من خيراتها، وتتبناها لغة وهوية وتتصدى للدفاع عنها بصدق وإيمان. وهكذا تصبح هذه الأقلية "العربية" جزء من الشعب الأمازيغي، وتصدر قوانين تحمي اللغة الأمازيغية وتذود بها عن السيادة الوطنية الأمازيغية. إذا كان هذا الأمر يبدو مستبعدا، فإنه مع ذلك ليس بمستحيل. وخير مثال على عدم هذه الاستحالة هو ما حدث بجنوب إفريقيا عندما رضخت الأقلية البيضاء الحاكمة لنداء العقل والعدل والمشروعية فألغت القوانين العنصرية وسلمت الحكم للأغلبية من السكان الأصليين. أما إذا استمرت الأقلية العربية بالمغرب في انتهاك السيادة الوطنية الأمازيغية بفرض لغتها وإقصاء لغة أهل البلد الأصليين، فإن ذلك يشكل انتهاكا للسيادة الوطنية واستعمارا حقيقيا تجب محاربته ومقاومته لسحب سلطة القرار والتشريع من أيدي الأقلية، مع الكفاح من أجل وصول الأغلبية الأمازيغية إلى هذا القرار حتى يتسنى لها إصدار قوانين مغربية تحمي لغتها كوسيلة لحماية السيادة الوطنية من أي انتهاك. عندما أتأمل وضع الأقلية العربية بالمغرب في علاقتها بالأغلبية الأمازيغية، لا أجد من وصف ينسحب على هذه العلاقة غير الاستعمار والاحتلال. فكيف تدعي هذه الأقلية بأنها وطنية وتنتمي إلى هذا الوطن الذي هو المغرب، في الوقت الذي تقصي فيه ما يشكل الوطنية والارتباط بالوطن، والذي هو اللغة الأمازيغية بالنسبة لبلد كالمغرب أو الجزائر؟ ففرضها للغة العربية وارتباطها بالمشرق العربي يؤكد الوضع الاستعماري لهذه الأقلية. فعندما غادر الاستعمار الفرنسي المغرب شرعت ابنته الشرعية التي هي هذه الأقلية التي تحكم المغرب في تعريب هذا الوطن. وهو ما شكل عملية استبدال استعمار باستعمار. وهكذا، فبعد الفرنسة جاء دور التعريب. واليوم هناك ألف فرصة وفرصة لتصحح هذه الأقلية أخطاءها التي جعلت منها نخبة استعمارية. من بين هذه الفرص الشروع في عملية إعادة تمزيغ المغرب باستخدام نفس المنهجية ونفس الوسائل التي استعملتها هذه الأقلية لتعريب المغرب بعد الاستقلال، والمتمثلة في المدرسة والإعلام والإذاعة والتلفزة وإصدار ترسانة من القوانين التي تفرض العربية كلغة والعروبة كهوية على الأمازيغيين. ولتطمئن هذه الأقلية أن إعادة تمزيغ المغرب لن يفقدها شيئا من امتيازاتها السياسية والاقتصادية. فكل شيء، سياسيا واقتصاديا، يبقى كما هو، فقط تتغير اللغة والهوية. ولن "يُطرد" أحد من المغرب، فقط يطرد الفكر الشرقاني العروبي الذي لم يجن منه المغرب إلا التخلف والتطرف والظلامية. فهل ستعطي هذه الأقلية أوامرها لإصدار قوانين تفرض اللغة الأمازيغية على أبنائها كشرط لشغلهم مناصب عمومية في المستقبل، على غرار ما سبق أن شرحت واقترحت؟
|
|