uïïun  109, 

smyur

  2006

(Mai  2006)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

ta^rumifubit niv udm nni^dn n tmazivufubit

Aghmis n ssvabah

Injan ur itiriden

Tamzgunt iddern

Twerghiwin

sms n wmsbrid

Syulut

Awar ameggaru

Ighriwen

Munatagh

Ar tzuzzrrm

Tazebyit n wussan

Français

Le complexe d'Augustin

La colonisation française et imazighen

L'amour dans la poésie amazighe

Najat Aatabou, une chanteuse arabe!!!

La langue de maère

Appel du CMA

Journées culturelles amazighes à l'univ. d'Agadir

 Tamawayt

Association Azemz

Félicitations

Communiqué de tilelli

العربية

النصرنوفوبيا أو الوجه الآخر للأمازيغوفوبيا

هروب الأمازيغ من التجريد كخلاص

لماذا لا ينتقدون من يتطاول على اللغة الأمازيغية؟

صراح مؤقت لمدينة أشّاون

الفيدرالية والحكم الذاتي للصحراء

توظيف التاريخ في رواية "جار أوجار

بعض الأشكال التعبيرية ذات الطابع الاحتفالي

رصد لمادة التراث الشعبي في كتب التراجم

الشعر الأمازيغي بالريف

هل تصبح الأمازيغية لغة رسمية بمليلية المحتلة؟

حوار مع الفنان حستي

هوية مزورة

مائدة مستديرة حول التمييز العنصري

كرنفال امعشار

لجنة نساء أزطّا

تهنئة بمناسبة السنة الكردية الجديدة

بيان تضامني لجمعية تانوكرا بتنغير

بيان للحركة التلاميذية ببومالن دادس

أنشطة ثقافية لجمعية اناروز

تعزية جمعية أمنزو

تعزية جمعية تانوكرا

 

الشعر الأمازيغي بالريف: مقاربة تاريخية (الجزء الأول)

بقلم: اليماني قسوح، عبد المطلب الزيزاوي (جامعة محمد الأول، وجدة)

مقدمة

تحاول هذه الدراسة مقاربة أحد أقدم الفنون الأدبية في الثقافة الأمازيغية، وهو الشعر، الذي يعتبر أكثر الأجناس انتشارا وتداولا في المجتمع الأمازيغي، الذي يعتبر الريف جزء لا يتجزأ منه. وذلك من خلال الاستفادة من المنهج التاريخي، كما هو عند أشهر أعلامه وأهم رواده، أمثال "سانت بوف" (1804-1869م)، و"هيبوليت تين" (1828-1893م)[1].

ونشير في هذا الصدد، إلى أننا لسنا بصدد إسقاط هذا المنهج، وفرضه كوصفات جاهزة على الشعر الأمازيغي بالريف، بقدر ما نستعين ونحتمي به فقط لدراسة هذا الإبداع، الذي يعطي متنه ـ حسب وجهة نظرنا ـ لكل المناهج المرتبطة بالعلوم المختصة بهذا الحقل، آخذين بعين الاعتبار أن مثل هذه المقاربة تتطلب الإطلاع الكافي من طرف الباحث/الدارس على كل الإنتاجات الشعرية: قديمها، وحديثها ومعاصرها. كما تتطلب الإطلاع على الدراسات والأبحاث الأدبية والنقدية المنجزة في هذا الموضوع للاستفادة منها، وتجنب السقوط/الوقوع في التكرار والاستنساخ للأحكام والنتائج العامة، والشمولية والانطباعية. على الرغم من أن هذه الغاية صعبة المنال، خاصة بالنسبة للباحث المبتدئ، والمحاصر بضغط الزمن وضيقه.

إلى جانب الطبيعة الشفوية التي لازمت الشعر الريفي ردحا من الزمن، والتي كانت وراء ضياع العديد من روائعه القديمة، والتي لا يتعدى أقدم ما وصل إلينا أواخر القرن التاسع عشر، وبداية القرن العشرين، بالنسبة للشعر الأمازيغي المنتمي لمنطقة الريف. كما أن الكثير مما وصلنا من شعر هذه المرحلة يحوم الشك حول صحته، ونسبته وتاريخه، لما يشوبه أثناء تناقله جيلا بعد جيل من تحريف وانتحال. هذا إلى جانب ندرة الأبحاث والدراسات، التي يمكن التعويل عليها، والاستعانة بها لتحقيق دراسة موضوعية.

لقد ارتبط الشعر الأمازيغي بالريف ارتباطا وثيقا بالبيئة الجغرافية، والتاريخية، والاجتماعية والثقافية، والاقتصادية. كما ظل مضطهدا تاريخيا بحكم بعد مبدعه/مبدعيه عن السلطة والطبقة الحاكمة وانتمائه إلى ثقافة ولغة "الهامش" التي لم يسمح لها بفرض نفسها تاريخيا، رغم ما يتميز به هذا الشعر من خصوصيات تعبيرية وفنية ووظيفية([2]).

بناء على ما سبق، سنحاول مقاربة الشعر الأمازيغي من خلال المنهج التاريخي. وذلك وفق التصميم التالي:

أولا: تحديد الإطار الجغرافي والتاريخي، والبشري والثقافي لمنطقة الريف.

ثانيا: مفهوم الشعر الأمازيغي وأنواعه.

ثالثا: تحقيب الشعر الأمازيغي بالريف من خلال الوقوف أولا عند قضية معيار التحقيب، واختلاف الباحثين في الموضوع، ثم محاولة طرح تحقيب يميز في الشعر الأمازيغي بين الشعر التقليدي والشعر الحديث، مع تحديد خصوصية كل صنف، وربطه بالسياق التاريخي، والثقافي، والاجتماعي.

Iـ تحديد الإطار التاريخي والجغرافي ، والبشري والثقافي لمنطقة الريف.

المفهوم الجغرافي للريف يطلق على هذا الجزء من المغرب، الممتد على طول الواجهة المتوسطية الواقعة بين نهر ملوية ومضيق جبل طارق، بين قبائل غمارة جهة الغرب وهضاب نهر ملوية جهة الشرق، وعلى طول البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى عتبة تازة وسهل مسون جنوبا.

 

1ـ المدلول الجيو-عسكري للريف:

إنه من الصعوبة بمكان وضع حدود قارة لمنطقة الريف، بسبب ما عرفته من تغيرات عبر الحقب التاريخية.

كانت بلاد الريف إلى حدود القرن 19 غير معروفة تقريبا لدى معظم الكتاب والرحالة الأوربيين، ولا أدل على ذلك من طبيعة العناوين التي تحملها بعض دراساتهم الاستكشافية التي همت القسم الشمالي من المغرب، وهي عناوين تعبر في مجملها على أن الريف ظل آخر بقعة مجهولة لديهم على الخريطة المغربية([3]).

إلا أن الاهتمام الأجنبي بالريف سيزداد أكثر عقب انتصارات الثورة الريفية. وإذا كانت بعض الكتابات قد أشارت إلى أن لفظ "ريف" قد ورد ذكره منذ القرن الثامن الميلادي على يد مؤلف مجهول وهو صاحب "أخبار مجموعة"([4])، فإن هذه المفردة  ـ أي الريف ـ تبدو لنا وكأنها ذكرت من لدن هذا المؤرخ كمفهوم جغرافي عام القصد منه الضفة أو الساحل. وهذا يعني أنها لم تكن متداولة بعد في عرف المؤرخين ككلمة يراد بها إقليما تاريخيا من أقاليم المغرب، وإلا فما تفسير عدم ورودها عند الذين جاؤوا من بعد صاحب "أخبار مجموعة" أمثال البكري الذي دون أخبار المنطقة وتاريخ إمارة النكور في القرن الحدي عشر الميلادي؟.

ينبغي إذن، انتظار العصر الوسيط للعثور على مصطلح الريف مذكورا بالشكل المتعارف عليه اليوم تقريبا. فقد وردت هذه الكلمة ـ محليا ـ ولأول مرة، في أوائل القرن الرابع عشر الميلادي على يد عبد الحق بن إسماعيل البادسي (كان على قيد الحياة عام 722/1322م) في كتابه "المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف" حيث قال عن الريف بأنه "كائن ما بين مدينتي سبتة وتلمسان"([5]). أما الدوافع التي جعلت البادسي يمدد حدود الريف إلى غاية مدينة  تلمسان، فربما هذا راجع بالدرجة الأساس إلى كون هذه المدينة كانت تابعة للمغرب الأقصى أيام المرابطين والموحدين وأنها ثاني عاصمة علمية ـ بعد فاس ـ لعلماء الريف.

 ونجد عند عبد الرحمان بن خلدون مفهوم الريف حاضرا عنده، فتارة نجد يقصد بالريف ذلك المجال الجغرافي المطل على البحر الأبيض المتوسط، وتارة يستخدمه بمعناه المعجمي المجرد، أي بمعنى الساحل أو الضفة، كقوله مثلا "رحاب الريف بساحل بحر الدر.."([6])، و"شعوب المصامدة بريف البحر الغربي. وهو المحيط"([7]). وتارة أخرى يرد الريف عنده باعتباره تجمعا إثنيا متميزا عن غيره، كإشارته مثلا إلى "بلاد النكور"، و"بلاد الريف"، و"جبال غمارة".

تحولت منطقة الريف خلال العصر المريني إلى واجهة للمرابطة والدفاع ضد غارات النصارى، مما فرض على القبائل الريفية نوعا من الشعور بوحدة المصير المشترك وخلق لديها قناعة بضرورة التكتل من أجل التصدي للغارات "النصرانية"، خصوصا وأن السلطات الرسمية المركزية كان قد بدأ يعلوها نوع من التقاعس والعجز من مواجهة الحملات الإيبيرية. ومن أبرز مظاهر هذه التكتلات المحلية "اتحادية" كونتها قبائل الساحل الريفي بمعناه التاريخي. وهذه الكتلة القبلية هي بطوية، وقيل أيضا بطيوة التي أشار إليها ابن خلدون في كتابه العبر. غير أن دلالتها السياسية والإثنية لم تكن واضحة بما فيه الكفاية عند المتأخرين الذين ساروا على نهج ابن خلدون([8]).

فساحل بطوية هو الشريط الساحلي لمنطقة "كرط". وتأسيسا على ذلك، يمكن القول وبدون تردد إن النواة الأصلية للاتحاد البطوئي العظيم لا يمكن أن توجد إلا في الجهة الواقعة ما بين قبيلة تمسمان غربا وقلعية شرقا، أي بين نهر تمسمان (وادي أمقران حاليا) ووادي كرط. وبين ذلك أبو عبيد الله البكري (المتوفى عام 487/1094م) تحدث عن بلاد بطوية كبلاد مستقلة ـ إثنيا وقبليا ـ عن المجموعات القبلية المجاورة مثل تمسمان وقلوع جارة التي ستعرف فيما بعد بكتلة قلعية (إقرعيين). يقول البكري على سبيل المثال لا الحصر:

"... وسار سعادة الله إلى تمسمان (...) فانصرف إلى نكور وكان شجاعا بئيسا وخرج بعد ذلك في خاصته إلى بلاد بطوية وبني ورتدى فادخلوه قلوع جارة..."([9]).

"... فأما الطريق من مدينة نكور إلى مدينة القيروان فمن نكور إلى بني يصليتين على نهر تمسامان ومنها إلى نهر كرط مرحلة ثم إلى قلوع جارة مرحلة إلى وادي ملوية مرحلة..."([10]).

2-المفهوم التاريخي-الإداري للريف:

 سيتولد من المفهوم الجغرافي العام للريف، مفهوم تاريخي ضيق سيترسخ ـ تدريجيا ـ كمفهوم يقصد به تحديدا مجموعة من القبائل الواقعة ما بين واد كرط شرقا وواد "أورنيكا" غربا، ومن البحر الأبيض المتوسط شمالا إلى كتلة صنهاجة السراير وكزناية جنوبا.

      وبعد الانحلال البطوئي، أصبح الريف يعني مجموعتين من القبائل: قبائل الريف الخالصة وهي القبائل المتواجدة بين حدود غمارة غربا وواد النكور شرقا، ثم قبائل كرط الواقعة ما بين واد النكور غربا وواد كرط شرقا. ويبقى أن نضيف أن اعتبار واد النكور كحد طبيعي بين الريف بالمعنى الحصري ومنطقة كرط، ليس اعتباطا؛ وإنما تبناه أيضا التقسيم الإداري الرسمي للدولة المرينية-الوطاسية([11]).

وهكذا، ففي القرن 16م قدم لنا الحسن الوزان تقطيعا إداريا وجبائيا نفهم منه أن "إقليم كرط يمتد من واد النكور غربا إلى واد ملوية شرقا"([12]). وأن "الريف، أحد أقاليم مملكة فاس، يبتدئ من تخوم مضيق أعمدة هرقل، ويمتد شرقا إلى واد النكور"([13]).

      لقد عرفت حدود "إقليم الريف" خلال القرن السابع عشر تعديلات جديدة، بحيث يمكن القول بأنه عاد إلى حدوده كما كان في أيام الإتحاد البطوئي. بحلول القرن الثامن عشر الميلادي، طرأت على حدود الريف تعديلات مغايرة للفترات السابقة، إذ ابتداء من هذا التاريخ بالضبط سيستقر إقليم الريف على حدوده النهائية ما بين إقليم غمارة غربا وبلاد أنجاد شرقا.

والجدير بالملاحظة في هذا الباب، أن الحدود التي اتخذها إقليم الريف في القرن 18م هي نفسها تقريبا، الحدود التي رسمها ابن أبي زرع لهذا الإقليم إبان القرن 14م وستتواتر صورة هذه الحدود الريفية في كتابات ووثائق القرن التاسع عشر، ومن ذلك مثلا ما أورده المؤرخ المغربي محمد الضعيف الرباطي (كان على قيد الحياة إلى حدود 1818م) بصدد إحدى "حركات" السلطان المولى سليمان لناحية الريف حينما قال: "...ثم نهض لناحية تازة (...) وأوقع أيضا بقبيلة انبن توزين وأكل زاوية سيدي محمد التوزاني (...) ونزل بقصبة تفرسيت، ثم وصل لأهل الريف مثل بني ورياغل وبني سعيد قلعية. ومهد تلك النواحي ونزل على تمسمان وغيرهم..."([14]).

      وقبل أن ننتقل إلى القرن العشرين لنلق بنظرة سريعة عن مدلول الريف. هناك ظاهرة تسترعي الانتباه، وتتجسد في بروز تقسيم ثنائي لشمال المغرب بدأ يفرض نفسه منذ أواخر القرن التاسع عشر. وهو تقسيم يقتصر في الغالب على ذكر الريف وجبالة دون غمارة التي توارت وراء هذين الاصطلاحين الأولين.

      وهذا التقسيم الثنائي نعثر عليه، بصفة خاصة، في كتابات الأجانب الذين اهتموا بشمال المغرب قبل وبعد فرض الحماية. فقد ذكر الفرنسي Erie de la Primaudie في دراسة له عن بلاد الريف يعود تاريخ نشرها في "المجلة الإفريقية" (Revue Africaine) إلى سنة 1872، أن كلمة الريف تطلق في ذلك الوقت على المنطقة الممتدة من مدينة تطون إلى واد ملوية([15]).

      ومهما يكن من أمر، فإن ضخامة الأحداث التي عرفتها منطقة جبالة (حرب تطوان 1859-1860 ظهور الريسوني...) ومنطقة الريف (حرب سيدي ورياش 1893، حرب مليلية ومقاومة الشريف سيدي محمد أمزيان 1909-1912، ثم ثورة الريف بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي 1921-1926...)؛ هذه الأحداث وغيرها، جعلت الأنظار تتجه إلى هاتين المنطقتين بشكل خاص. أما منطقة غمارة فظلت تتراوح بين هذه الجهة أو تلك تبعا لميزان القوة، إلى أن اختارت الانضمام إلى الثورة الريفية ضد الاستعمار الإسباني.

      وليس غريبا إذا وجدنا بعد ذلك أن "معهد الدراسات العليا المغربية" بالرباط قد أصدر كتابا سنة 1929م، يضم بين دفتيه مجموعة من المحاضرات تحت عنوان "الريف وجبالة" Rif et Jbala. وهو عنوان يزكي التقسيم الثنائي المذكور، وذلك بالرغم من أن بعض المساهمات كالخريطة التي أنجزها "روبير مونطاني" Robert Montagne، قد ميزت بشكل واضح بين منطقة الريف بالمفهوم الخالص للكلمة، وبين غيرها من التكتلات المجاورة.

إن هذه الخريطة تظهر القبائل الريفية منحصرة بين كتلة غمارة غربا وقلعية شرقا، والساحل المتوسطي شمالا وكتلة صنهاجة السراير وقبيلة كزناية جنوبا، ومجموعها خمسة عشر قبيلة. وهي من الغرب إلى الشرق: قبيلة متيوة، وبني جميل، ومسطاسة، وآيت بوفراح، وآيت يطفت، وتركيست، وبني مزدوي، وبقيوة، وآيت ورياغل، وآيت عمارت، وآيت توزين، وتمسمان، وآيت أوليشك، وقبيلة آيت سعيد. وكل هذه القبائل تشكل جزءا من "إقليم الريف" التاريخي الذي يتكون جزؤه الثاني من ستة قبائل وهي: قلعية وكبدانة وأولاد ستوت، بني بويحيي وكزناية ومسطاسة. وبذلك يكون المجموع العام هو 21 قبيلة. على أن هناك من يضيف إليه القبائل التسع المكونة لكتلة صنهاجة السراير فيصبح المجموع العام هو 30 قبيلة، كما نجد عند الباحث الفرنسي Biarnay([16]).

 

      ومهما يكن من أمر، فإن إطلاق تسمية "الريف" على كل المنطقة الشمالية بحمولة سياسية جديدة اقترن فعلا بالحرب الريفية، ولا يمكن إرجاعه إلى سياسة الحماية الإسبانية. فالإسبان أطلقوا قبل ذلك، هذه التسمية، ابتداء من سنة 1914، على جزء من المنطقة الشمالية، وبالضبط من مدينة الشاون إلى حدود ملوية. وابتداء من سنة 1918 قاموا بتقسيم المنطقة الساحلية إلى قيادتين عامتين: الأولى مقرها بسبتة والثانية بمليلية. وهذه الأخيرة تتضمن الأراضي الممتدة من ملوية إلى بادس وسموها "المنطقة الشرقية" في حين تسمت المنطقة الغربية ب- "جبالة"([17]).

3ـ البنيات السوسيو-ثقافية للريف:

بالنسبة لبنيات قبائل الريف، فقد ظهرت الأطروحة الانقسامية. وقد تبلور الخطاب الانقسامي حول شمال المغرب على يد مجموعة من الباحثين الأجانب أمثال رايمون جاموس، صاحب كتاب "العرض والبركة" Honneur et baraka، les structures sociales traditionnelles dans le Rif. وهذا المؤلف دراسة حول قبيلة قلعية الواقعة في الريف الشرقي. وقد ألح في دراسته على "أولوية التراب على العلاقات القرابية، واعتبر القرابة في المجتمع الريفي على العموم معطى تابعا وخاضعا لروابط المكان"([18]). لكن، بالرغم من طغيان الروابط الترابية هذه، فإن النسق القبلي يظل نسقا تجزيئيا يتخذ صورة شجرة.

من هنا، فإن التحليل الانقسامي يتأسس عند "جاموس" على مفهومي "العرض" (Honneur) و"البركة" (Baraka). فالعرض يرتكز على ما يسميه بـ "العنف المؤسساتي" الذي يتمثل في عملية "التحدي والتحدي المضاد" والمتمحور حول مجال المحرم الذي يتحدد عند قلعية في: الأرض (Territoire) ، المرأة (La femme)، الدار(La maison) والملك (La terre) .

فكل مجموعة قبلية تدافع عن مجالها، كما أن كل رجل ينبغي أن يحمي مجاله المحظور (الزوجة، الدار والأرض)، إذ لا يعتبر الرجل رجلا إلا إذا كان يملك الأرض ويدافع عنها. لأن الأرض تبقى رمزا رئيسيا للقوة ومرجعا أساسيا يحدد الهوية النسبية للفرد، حتى أن هذا الأخير إذا هاجر أرضه، فإنه يفقد انتماءه. ثم إن ملكية الأرض "شرط ضروري بالنسبة لمن يطمح إلى احتلال مراكز النفوذ. تأسيسا على ما تقدم، لا يعتبر "جاموس" الدفاع  المشترك ضد الأخطار الخارجية كشرط وحيد لتوحد القبيلة، كما ذهب الانقساميون الكلاسيكيون، بل إن هذا التلاحم يرتبط أساسا بمجال العرض الذي يحول في نفس الوقت دون بروز الأشكال القاهرة للسلطة القبلي([19]).

أما "دافيد هارت" فيعتبر من الرواد الأنجلوساكسونيين الذين طبقوا النظرية الانقسامية على القبائل المغربية، قبل "إرنست كلنير" و "رايمون جاموس". يركز في تحليله للبنيات الاجتماعية والسياسية التقليدية في قبيلة آيت ورياغل على مفهومين أساسيين يشكلان عصب مقولته الانقسامية، وهما: مفهوم التعارض والتحالف من جهة، ثم الثأر (La vendetta) وغرامة "ارحق" (Rhaqq) أي الإنصاف، من جهة ثانية.

وتعد آليات التعارض والتحالف التي تتحدد من خلالها أنساق دقيقة كنسق "الأخماس" و"اللف"؛ من الميكانيزمات التي تنتظم وفقها المجموعات الورياغلية في بيئة ذات ظروف خصوصية([20]).

وعلى العكس مما لاحظه "رايمون جاموس" عند قلعية من وجود تبعية العلاقات القرابية للعلاقات الترابية فإن الجنيالوجيا تلعب عند آيت ورياغل وظيفة رئيسية في تمييز هوية وتصنيف انتماء الوحدات القبلية. أما العلاقات الترابية فهي تبدو ثانوية في تحديد علاقة المجموعات الورياغلية. بناء على ما سبق، فإن بنية المجتمع الورياغلي تظل بنية انقسامية بامتياز، تتخذ شكل شجرة، بدء من أصغر وحدة اجتماعية التي هي "النوبث" (NNubt) أو الدار، وانتهاء بأعلى وحدة وهي "ثاقبيتش" (taqbitch) أي القبيلة،  مرورا عبر الأسرة الكبيرة المسماة محليا بـ"جاجكو" (jajgu)، ثم "ثارفيقث" (t'arfiqt') بمعنى سلالة و"دشار"، فالقسمة القبلية الكبرى التي تدعى "ثخماسث" (taxmast)، أي "الخمس" أو أحيانا "أربع" (arbaâ) أي "الربع" الذي يطابق الفخذ fraction) أو clan  أو كذلك[21]) (section).

أما الريف كواقع اثني-لسني، فقد انشغل الباحثون الإسبان والفرنسيون، بمسألة حدود الريف اللغوية. فلقد حدد "بيارني" الريف كما يلي: "يتضمن الريف، اليوم، حوالي ثلاثين قبيلة. قد تكون أكثر أو أقل أهمية، والتي لا تتوفر، بالنسبة للأغلب منها، سوى على معلومات مستقاة بواسطة أخبار غير مباشرة، وهي كلها من أصل بربري. إن البعض منها، والذي يقع على حدود الغرب أو الجنوب، أصبح معربا تقريبا. والمنتمية إلى الشرق، تتميز بكونها تنتسب إلى زناتة التي تتحدث بلغتها. أما المنتمية إلى الوسط أو الغرب، فتزعم أنها من أصل غماري. والبعض الآخر المتمركز في قلب جبال الريف، في منحدرات جبالة، يدعي أنه صنهاجي.

إن سكان القسم الشرقي من الريف، لهم كلام يشبه كثيرا كلام مجموعة زناتة الكائنة شرق ملوية. إن الريفيين ـ بالمعنى الحصري ـ يطلقون على لهجاتهم اسم "تمازيخت" أو "تاريفيت"، وهذه أكثر تطورا وربما أكثر استعمالا من تلك التي تتحدث بها قبائل الريف الشرقي"([22]).

وبالنسبة للفرنسي "إميل لاوست"، فيرى أن أمازيغية الريف إنما هي زناتية وتشكل الطرف الغربي لمجال لغوي أمازيغي جد واسع تتلاشى حدوده شرقا في رمال سيوا بمصر. ومن ثم يرى أنه ينبغي أن ندرج داخل هذه المجموعة اللغوية الشمالية أو الزناتية، ليس لهجات الريف بذلك المفهوم الضيق فحسب، وإنما أيضا لهجة آيت يزناسن، زكارة، بني يعلا، بني عمير، آيت وراين، وأيضا لهجات مرموشة وآيت سغروشن (بالأطلس المتوسط)، يضاف إلى ذلك بعض التجمعات الريفية الناطقة بالعربية، كالتي توجد بزرهون([23]).

من أهم القيم الاجتماعية في الريف:العمل. الذي يعتبر قيمة اجتماعية ترفع من مكانة الشخص. والمتهاون أو الذي يريد العيش عالة على غيره بدون عذر، فلا مكان له، ويمكن للمجتمع الريفي أن ينبذه. والعمل في الريف متداخل حسب المواسم والحاجيات، ويتعاون كل أفراد الأسرة والعائلة، رجالا ونساء، وأطفالا، كل حسب تخصصه وقدراته. ما يميز الحياة الاجتماعية لسكان الريف، إلى حدود ما بعد حرب المقاومة الريفية(*). هو نمط من الإنتاج الجماعي المعروف ب- "ثويزا". فالإنتاج الفلاحي يقوم على إمكانات العائلة والأسرة. ونادرا ما كانت التركة تقسم بين الورثة بعد وفاة الأب، حفاظا على وحدة الأرض، وتقسيمها يؤثر على إنتاجيتها. وتوفر "ثويزا"التشارك في وسائل الإنتاج من دواب وأدوات الحرث، والحصاد والدرس، وجمع التبن... بعد جمع المحصول يتم تقسيمه بين الأسر، أو يستهلك بشكل مشترك. وغالبا ما يصاحب هذه الأعمال الفلاحية ترديد الأشعار المعروفة ب- " إزران"، للتخفيف من عناء العمل،  أو للاحتفال بنهاية الموسم الفلاحي.

-II أنواع الشعر الأمازيغي

(يتبع يف العدد القادم)

 


 

([1]) أنظر: حسين الواد، في مناهج الدراسات الأدبية،ط،4 مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1988، ص.42.

            محمد المساعدي، "من المنهج التاريخي إلى جمالية التلقي" مجلة فكر ونقد، ع67، السنة7، الرباط، مارس 2005، صص.95-112.

([2]) قيس مرزوق الورياشي، "شعر الشعب وشعر النخبة (محاولة في سوسيولوجية التمايز)"، ندوة حول جوانب من الأدب في المغرب الأقصى، منشورات كلية الآداب والعلوم الإنسانية بوجدة، سلسلة: ندوات ومناظرات رقم.1، ط1، 1986، صص.63-96.

([3]) يبدو أن نعت "المجهول" الذي أطلقه الرحالة الأجانب على القسم الشمالي من المغرب (الريف) يضرب بجذوره في مرحلة تاريخية قديمة تعود إلى العهد الروماني، حيث أطلق مؤرخو روما على منطقة الريف تسمية Tierra incognita،أي "الأرض المجهولة" على حد قول:

Jose Maria PANIAGUA y Santos, "Notas Sobre el Derecho Consuetudinario de la propriedad en el Rif", in. Archivos del instuto Africanos, ano IV, n° 1, Madrid, 1948, p.8.

وقد صار هذا النعت لا يخلو من الغرائبية والمغامرة، عنوانا مفضلا لدى معظم الكتاب الأجانب الذين كتبوا عن شمال المغرب، ومن بينهم على سبيل المثال:

Henri DUVEYRIER, La dernière partie inconnue du littoral de la méditerranée: Le Rif, Paris, Leroux, 1988.

Auguste MOULIERAS, Le Maroc inconnu. Exploration du Rif, 1895; Exploration des Djebala, 1899.  

أنظر محمد أونيى، "مفهوم الريف المغربي"، مجلة حولبات الريف، ع1، السنة1، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء،1998، ص.38، الهامش1.

([4]) قال المؤلف المجهول: "وفي سنة 136/718م اشتد الجوع فخرج أهل الأندلس إلى طنجة وأصيلا وريف البربر ممتارين ومرتحلين..." أورده عبد الرحمان الطيبي، المجتمع بمنطقة الريف قبل الحماية، قبائل ساحل الريف الأوسط من 1860 إلى 1912. بحث لنيل دبلوم الدراسات العليا في التاريخ المعاصر، جامعة محمد الخامس، كلية الآداب والعلوم الإنسانية، الرباط، 1993، ج1، ص.7.

 ([5]) عبد الحق بن إسماعيل البادسي، المقصد الشريف والمنزع اللطيف في التعريف بصلحاء الريف، تحقيق سعيد أعراب، المطبعة الملكية،الراط، 1982، ص.7.

 ([6]) عبد الرحمان بن خلدون، كتب العبر وديوان المبتدأ والخبر من أخبار العرب والعجم والبربر، ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر، ج6، دار البيان القاهرة، (د-ت)، ص.210.

 ([7]) عبد الرحمان بن خلدون، م-س، ص.211.

([8])  لمزيد من الإطلاع أنظر، محمد أونيى، "مفهوم الريف المغربي"، مجلة حولبات الريف، ع1، السنة1، مطبعة النجاح الجديدة، الدارالبيضاء،1998، صص.14-44.

 ([9]) أبو عبيد الله البكري، المغرب في ذكر أخبار إفريقية والمغرب، باريس، 1965، ص.94.

([10]) نفسه.

([11]) محمد أونيى، م-س، صص.25-26.

([12] ) الحسن بن محمد الوزان (ليون الافريقي)، وصف إفريقيا، ترجمة محمد حجي ومحمد الأخضر، الرباط، 1980، ج.1، ص.265.

([13]) نفسه، ص.252.

([14]) محمد الضعيف الرباطي، تاريخ الدولة السعيدة، تحقيق أحمد العماري، دار المأثورات، 1406/1986م، ص.49. نقلا عن محمد أونيى، م-س، ص.27.

([15]) محمد أونيى، م- س، ص.28.

([16]) نفسه، ص.29.

  Angelo GHIRELLI, El Norte de Marruecos, Contribucion al estudio de la zona de protectorado espanol (17)enMarruecos septentrional, Melilla, 1926, p.162.. نقلا عن محمد أونيى، م- س، ص.33.

([18]) Raymond jamous, Honneur et baraka, les structures sociales traditionnelles dans le Rif, Cambridge University Presse-maison des sciences de l’homme, 1980, pp. 29-33. . نقلا عن محمد أونيا، "التصور الانقسامي للمجتمع القروي بشمال المغرب، ملاحظات حول أعمال رايمون جاموس ودافيد هارت"، مجلة أمل، ع 12، السنة4، 1997، ص.62.

([19]) محمد أونيى، نفس المرجع والصفحة.

([20]) نفسه، ص.63.

([21]) محمد أونيى، م-س، ص.64.

 BIARNAY. S, Etude sur les dialectes Berbères du Rif ; Paris-Leroux ; 1917, (introduction). ([22]) نقلا عن محمد أونيى، "مفهوم الريف المغربي"، م-س، ص.35.

([23]) نفسه، ص.36.

(*) حرب سيدي ورياش 1893، حرب مليلية ومقاومة الشريف سيدي محمد أمزيان 1909-1912، ثم ثورة الريف بزعامة محمد بن عبد الكريم الخطابي 1921-1926 .

(*) بتعبير أدق المناطق الأمازيغوفونية، أي التي لازالت تتداول فيها اللغة الأمازيغية بشكل كبير.

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting