|
عندما يُرتهن قدر المغرب بمصير ”الأمة العربية“ (الجزء الثاني) بقلم: أوعطّا (تنغير) «إذا علمت أن سائر أصناف الوطاويط والخفافيش، مهما اختلفت أشكالها وأحجامها، تتوحد في اتخاذها الكهوف والمغارات المهجورة مساكن، حيث يطيب لها العيش، فينتعش نسلها ويتكاثر عددها، خبرت بنفسك كيف أنها تستطيب المقام والانتجاع في الظلام والحلكة، وأنها لا تملك أن تحيى في الضوء، على خلاف أغلب خلق الله الذين لا يستقيم عيشهم إلا بالنور» في أن منشأ الطوائف المتأسلمة المتطرفة في المغرب لاوطني وغير طبيعي: لم يكد يأفل نجم القومجيين العروبيين، وتفلس مشاريعهم الهدامة بأرض المغرب في صيغها "الوطنية، السلفية والاشتراكية" وما شئت من المسميات والمفاهيم العالمية، التي تفقد معناها الحقيقي كلما تداولها العرب القوميون ومن والاهم، حتى هبت على هذه الأرض المعطاء رياح القومية العروبية مرة أخرى بلبوس وقناع آخرين، وكان مصدرهما أيضا هو مصدر الغزو العربي والتخريب الهلالي، ورياح الشركي والتصحر... فالباب الوحيد المفتوح للمغرب هو صوب هذه الناحية، فكان من الطبيعي أن تصله وبشكل متأخر دائما الآفات الوخيمة الأثر التي يكون الشرق "العربي" مسرحا لها. ورغم أن مركز الحضارة العالمي على مرمى حجر منا، لكنهم أعرضوا عن التقدم والرقي وولوا وجوههم نحو التخلف والخرافة. وهذا القناع الآخر الذي اتخذته الإيديولوجية القوموعروبية هو الدين. وإن كنا هنا لن نتحدث عن بعض التجارب المعروفة التي ظهرت في الشرق، وخاصة بمصر منذ نهاية القرن التاسع عشر، ثم بداية القرن العشرين، إذ كانت رد فعل من بين ردود أخرى على استعمار ذلك القطر. كما لن نذكر بما آلت إليه الآن... فإننا سنتناول هنا ظلالها في المغرب، والتي بدأت تُرى بشكل بين ولافت في العقدين الأخيرين فقط، من القرن الماضي ـ بما يقارب قرنا من التأخر ـ فكانت هذه التجربة كسابقاتها محاولة إسقاط لتجربة "الإخوان المسلمين" على أرض المغرب الأمازيغية، كما حدث مع الوطنية والقومية والاشتراكية... كلها تحمل روحا توتاليتارية أحادية. وكان أكبر شيء يدل على هذه الببغاوية هو عدم قدرتها على التمييز بين ما يعتبر دينا مجسدا في الإسلام وما هو عرق ممثلا في العروبة. فالمفهومان سيان عند هذه الجماعات المغربية. ولا يتعلق الأمر هنا بعجزها حقيقة عن الفصل بينهما. فحتى النصوص الدينية براء من هذا الأمر، بل إن إرداف العروبة بالدين صادر عن سابق إصرار ـ وهو مع الأسف يكشف مكانة الدين الثانوية عند هؤلاء واستخفافهم به وهم يصمون آذان الغير بالدفاع عنه ـ ولا نبالغ إذا قلنا إن وجود هذه الطوائف يقوم على هذا النحو، ورغم ذلك كان الأمر سيبدو عاديا ـ تجاوزا ـ لو أننا بلد عربي، أو لو أن هذه الجماعات على الأقل كذلك! لكن ما الحال إذا لم يستحي أو يتورع أن يصرح جزء منهم أنهم "برابرة" أو شلوح!؟ ـ كما يصفون أنفسهم للاحتيال على الشعب بأنهم أمازيغ، والأمازيغية بريئة منهم. فليبقوا برابرة كما يحبون أن يسمعوها ـ هنا نجد أنفسنا أمام حالة مرضية شاذة في العالم أجمع تستحق الوقوف عندها. فمثل هذه الطوائف في بلدان مسلمة كأندونيسيا وأفغانستان وتركيا... وحتى في دولة يكون النظام فيها إسلاميا كإيران، كلها شديدة الحرص على هويتها وحقيقة خلقها وبلدانها ـ بغض النظر عن طبيعة برامجها ـ ولا يمكن أن نقارن ـ على أي حال ـ بينها وبين هذا الجيل الغريب عندنا في المغرب! مما يجعلنا جميعا نتساءل عن سر هذا الشذوذ!؟ بيد أن الغرابة ستنمحي ما أن نعلم أن الأسباب الذاتية في طفو هذه الجماعات في بلدنا نادرة جدا إن لم تكن منعدمة. فظهورها على السطح مرتبط بعوامل أخرى، إذ لم يكن هناك قط مخاض ترتبت عنه كما في بلدان أخرى. وحتى عندما كان أحرار المغرب يضحون ببسالة أمام آلة الاحتلال لم ينتظروا لا خطبا حماسية ولا دعوات فقهية ودينية أو ما شابه ذلك، مع أن مثل هذه الحقب العسيرة من تاريخ الأمم المتخلفة كانت فرصة لظهور هذه الجماعات. إلا أننا في المغرب لم نشهدها. فكل ما كان هو مجموعة من الانتهازيين الوصوليين الذين بنوا "أمجادهم" وثرواتهم على جثث ودماء المغاربة الأبطال الذين لم يرضوا الذل والتواطؤ بديلا عن حرية البلاد، فلاقوا جزاء صدقهم وتفانيهم. وإذا علمت أن هذا البلد حافظ على استقلاله عن الشرق منذ زمن بعيد، أي منذ الغزو العربي، وأن يد القوميين من تلك الجهة لم تتحكم بعد في مصير المغرب، بان لك سبب عدم ظهور الحركات الرجعية عندنا في زمن التقدم، وقت الاحتلال، وحتى بعد 56. إذ لم تبدأ هذه الشتلات في الاستنبات بأرض المغرب الأقصى حتى تم تفعيل الجوامع المركزية في مدن معروفة ونفخ روح العروبية فيها وفي من أرسل إلى القاهرة حيث نشأت نبتة برانية خلفت وتفرعت كالفطريات والطفيليات، وزحفت بجذورها بعدما خصصت لها كل الأسمدة ووسائل الإنعاش. فكانت نواة وبذرة لكل طائفة أخرى مهما اختلفت التسميات. وأول ما أجادت فيه هذه الجماعات هو "جهادها" ضد كل ما هو مغربي، حيث أصبحت لهم القدرة على القيام بمهمات مَن أنشأهم وقوّاهم. فمتى تصادمت مصالح الطرفين أو اختلفت؟! وبما أن المغرب بلد أمازيغي مؤمن، فقد عملت على تجهيل (من الجاهلية) كل ممارسات حياة المغاربة، وتبرأوا من إسلام الشعب المغربي وجعلوه مجرد بدعة، بل إن هذا الإسلام غائب في نظرهم لحقب طويلة قبل الاحتلال وبعده كذلك (انظر كتيب المقرئ الإدريسي حول نشأة الحركة الإسلامية بالمغرب) وحتى في أبهى المراحل في عهد المرابطين، اشترط الكاتب أولا عروبة المغرب لكي يزكي إسلام يوسف بن تاشفين!!. فلا مجال عند هؤلاء للحديث عن إسلام في مغرب غير عربي! فالإسلام هو العروبة، بل هو مكون صغير لها عندهم مصداقا للقول: واتخذنا العروبة دينا وتركنا ما لا يلزم وإذا نظرنا إلى تضاريس روادها سنرى أنها أخذت احتقارها لنفسها وعقدة النقص من المختار السوسي ومدارسه العتيقة كما تسلحت بحقدها على المغاربة المقاومين، ونظرتها التمييزية من مأثورات علال الفاسي بجامعه، واستلهمت تزمتها وطريقة استغلالها للأميين المغاربة في بعض الزوايا وأوليائها الذين كانوا يتعاقدون مع المحتل، وفوق كل هذا اعتنقت العروبة والقومانية، من "الوطنيين" وجماعة القوميين العرب بمشرق شمسهم، كما تزودت بما يكفي من التشدد من التيارات الوهابية والإخوانية، مما يجعلها في المغرب حركة هجينة الروح، وظاهرة غريبة على عمق الشعب المغربي ـ وربما هذا الذي جعل منها في السنوات الأخيرة موضة أقبل عليها العديد من الأميين في مدن وقرى بلادنا أمام الإحباط العام الذي تملّك المغاربة ـ إنها تحمل روحا اصطناعية تصطدم بالروح الأصلية لأهل الأرض. وإذا كان انتعاشها في العقدين الأخيرين يفسر بوقوف المخزن وراءها للحد من نفوذ من ينازعونه السلطة، فإن استشراءها إبان وبعد ما يسمى بحكومة التناوب يؤكد من جهة إفلاس المشروع القومي العروبي في صيغته البعثية، ومن جهة أخرى يتبين تعطش المغاربة لبديل حقيقي يخرجهم من الأزمة ويخلصهم من الغيبوبة الطويلة، ومن أربعين عاما من الآفات والمآسي... هذا البديل الذي لن يكون بالطبع هذه الجماعات المنافية لتقاليد الشعب منذ أربعة عشر قرنا من الإسلام المتعايش مع ديانات أخرى، حيث ظل المغرب أرض السلام والتسامح، ولم يعرف أبدا صعود تيارات متطرفة تهدد وجوده. كما يبين لنا أيضا استفحال داء هذه الجماعة الني أصبحت تلعب دور المخزن بصيغته التقليدية، شدة معاناة الشعب المغربي وأميته واستلابه ـ وهذا ما تؤكده للأسف إحصائيات مثيرة ـ لأن من خبر خطط ومشاريع هذه الطائفة وتتبع إعلامها لا يقدر حتى على الإنصات إليها ـ إن كان له بعض الشيء من العقل النقدي ـ بل سينشغل كثيرا على مستقبل هذه البلاد إن سلمت مقاليدها إلى غير أهلها حيث لا يتبقى معهم في عصر الإحباط إلا من انخدع برنين حناجرها أو المستلب التائه الذي لا يعرف نفسه. وكل هؤلاء يُعاملون كالقطيع يجيش ويرهب في مناسبات عدة للنزول به إلى الشارع للوقوف أمام كل ما هو تنموي. ومن جهة أخرى تتأكد لاوطنية هؤلاء الماضويين عندما يطلع المرء على مواقفهم ويتابعها. فهم يأتمرون ـ روادهم ـ بأوامر مموليهم وأسيادهم الذين يريدون إتمام ما لم يقم به الهلاليون، واتخاذ أرض "العجم" حقولا لتجاربهم المدمرة بينما تسعد الدول المنتجة لهم بالأمان، إذ تصنع القنابل الناسفة وترمي بها إلى دول أخرى. وما الجزائر وأفغانستان، وإلى حد ما الشيشان، إلا أوضح مثال على ذلك. وهذا ما يراد بالمغرب أيضا. وهنا نستحضر أفراد القاعدة المعتقلين مؤخرا. وكما يبدو فقواد الحركة عندنا ما هم إلا أذناب هذه القواعد الخارجية. ومن يتتبع إعلامهم سيرى بوضوح عدم رضاهم عن اعتقال أعضاء القاعدة ببلادنا حيث حاولوا تبرئتهم، ولم يبق إلا أن يقوموا لفائدتهم! رغم ما ثبت من أن المغرب صار هدفا في أمنه وسلامة أفراده وضيوفه. وهذا أعلى شيء تملكه الشعوب وتعتز به، إلا أن البعض لا يستطيب ذلك! غير أن هبات الأسياد وتحويلاتهم لا يمكن أن تقابل إلا بالخضوع، وتنفيذ الأوامر واستلاب الأفئدة وغرس الهستيريا والسعار فيها. ومن يفضل أمن البرانيين المعتدين على حساب وطنه وشعبه محسوم في لا وطنيته وخبث طويته. فالرغبة في تبرير هذا الوضع اللامنطقي وإبعاد الشبهات عن عمالتهم لقوى مهددة لأمن البشرية هي التي جعلتهم يتهمون أصحاب الأرض والوطن الأمازيغ "بالقنابل الموقوتة" و"نابتتة الاستعمار والنباتات الطفيلية" وسائر أنواع الأوصاف البذيئة والسوقية التي لن يجرؤ على التلفظ بها أحط الناس أو ألد أعداء المغاربة، كعصابات البوليزاريو مثلا. فما بالك بمن يدعي أنه يدافع عن الإسلام!.. (انظر "التجديد" عدد 541). والحق أن لا أحد ممن توفر له قليل من النباهة، فقط، تنطلي عليه حيل وأكاذيب هؤلاء الدجالين. فالكل أصبح يعرف من هو في المغرب أو في أي مكان "قنابل موقوتة" مستعدة للانفجار والنسف أسوة بإخوانهم، إن لم يتم تفكيكها بسرعة. فأي بلادة جعلتهم يتهمون غيرهم بالقنابل الموقوتة، مهما كان، ويستدلون بالجزائر!!.. هنا قد يقول قائل ـ معترضا ـ إننا نبالغ وأنهم معتدلون ويصرحون بذلك دائما ـ والحقيقة أنه لا يعترض بهذا إلا المنخدع بظاهر أقوالهم! لكن، هل تريدون أن يقولوا إنهم متشددون فيمارس الحظر عليهم أيضا، هل هم بلداء إلى الحد الذي يجعلهم يعلنون ما ينوون لكي يقطع الطريق عليهم قبل الوصول؟! هل أعلنت جبهة الإنقاذ في الجزائر تشددها وتطرفها قبل الانتخابات؟ وها نحن نرى يوميا ما يقع! في أن ”جهاد“ هذه الحركة المتأسلمة هو في تغيير خلق الله وإبادة أمازيغية المغرب: إذا كان من أهم مبادئ الإسلام تغيير المنكر ولو بأضعف الإيمان (القلب)، فإن هؤلاء الوصوليين لا يتورعون عن التجديف ضد هذا المبدأ، بل وحتى مناصرة المنكر والمشاركة فيه. فمتى أدانوا ما يتعرض له الأمازيغ ولغتهم منذ 56؟! بل أكثر من ذلك اعتبروا ذلك عاديا وأدانوا بتهمة الجريمة من اهتم بالأمازيغية! (انظر ما قاله العثماني في "التجديد"). لقد صنفت هذه الحركة عسفا ضمن الحركة الإسلامية وسميت بأسماء لا تفهمها. ورغم اختلاف التسميات التي تحملها الفروع، إلا أن الجذر واحد، فقد شربت كلها كأس العروبة حتى الثمالة فتمايلت مع هبوب رياح الشركي. فكيف لمن يقول إن المغرب هو ضمن "الأمة العربية" القائمة على مبادئ عرقية، يدعي بعد ذلك أنه يحمل لواء الإسلام؟ فإذا وضعنا أمامنا هذه المبادئ سنجد أن إدراج المغرب ضمنها يعتبر أكبر أكذوبة وافتراء يطبل له هؤلاء الملتحون (وحدة اللغة، وحدة التاريخ، وحدة المصير المشترك ووحدة الدين)، كل شيء قائم على الأحادية، لهذا سميت هذه الجماعة بالتوحيد! فماذا يجمعنا مع هذا الشرق البعيد إذا كان لا يجمعنا بالأوروبيين الذين تفصلهم عنا خمسة عشر كيلومترا، وتفاعلنا معهم طوال التاريخ؟! أي إسلام يدافع عنه هؤلاء، بل أي إسلام يعتنقون وهم يصدرون إعلاما زاخرا بالأكاذيب (اختار المغاربة تسمية أبنائهم بأسماء عربية، وجعل العربية لغة رسمية... "التجديد" عدد 414)، ونشر بيان جمعيات قالوا عنها أمازيغية ـ يعني تدافع عن الحقوق اللغوية والثقافية الأمازيغية ـ ولما استضافوا رئيس أبرزها فضحوا أنفسهم وتبين من أعمدة جريدتهم نفسها أنها ليست أمازيغية في شيء. فلم تقدم شيئا... (نفسه، عدد 542). فلم يعد الأمازيغي هو الذي يتكلم بها لقتلها، فشتان بين الأمازيغي وأشلحي أو البربري الذي يكلف من طرف أسياده بالقيام بالمهام المتسخة... فليقولوا على الأقل إنها جمعيات شلحوية أو بربرية وليست أمازيغية لكنها إسلاموية مع ذلك. إن الشواهد أصبحت لا تعد ولا تحصى على أن تلك الجريدة إنما هي للتضليل والتدجيل، وأصبح حتى نعت القائمين عليها بالمسلمين أمرا محفوفا بالمخاطر، فكيف يلقبون بالإسلاميين! أين أخلاق الإسلام في الحوار والمعاملة؟ فما يشترطه المنطق والإسلام من ضرورة البينة والاستدلال عند كل ادعاء لا مكان له في أحاديثهم الالتفافية الفارغة والقاذفة المخاطبة لشعور الإنسان العادي. وهكذا، وبعدما أفهمتهم الحركة الأمازيغية حقيقة الإسلام وجعلتهم يبصرون ـ رغما عنهم ـ أن الإسلام في متن القرآن والسنة، وحتى أقوال بعض الصحابة والخلفاء هو دين التعدد والتسامح. بعدما كانوا يصمون آذان المغاربة بما جمعوه من الأحاديث الموضوعة حول تمجيد اللغة العربية وقوم العرب وجنسهم. وقد يعترض أحد ويقول إن حديثهم عن مغرب عربي يجد تبريره في الحديث القائل بأن كل من تكلم العربية فهو عربي حيث يخدعون به البسطاء، فهل يقبلون أن يكونوا ويكون العرب يهودا مثلا ـ وفق هذا المنطق ـ حيث ينطقون العبرية ويدرسونها في جامعاتهم! أليس هذا سخيفا؟... قلنا بأنهم بدأوا مؤخرا ـ بعد تاكدهم أن كل الناس يفتحون القرآن والكتب الدينية الأخرى ويرون بأعينهم ما مارس البعض فيه الوصاية عليهم ـ يعطون دروسا في تسامح الإسلام النظري من خلال متونه وإقراره للتعدد لأنهم لم يجدوا فرارا من تلك النصوص. لكن أين كان هذا الإقرار منذ عقود؟! لماذا اليوم؟... ببساطة لأنهم يريدون مرة أخرى تسخيرها ـ تلك النصوص المقدسة ـ للنيل من الأمازيغ ومصادرة حقوقهم، إذ بينوا أن الإسلام دين العالمين كافة لا يعرف لغة ولا جنسا، بيد أنهم يعطون النموذج الأسوأ! إنهم ينفرون الناس من الدين وهو ما سيحاسبون عليه، حيث يقذفون الأمازيغ رعاة الإسلام بالمغرب ويخوّنونهم (من الخيانة)، مما يعني أنه في المغرب لا وجود لمسلمين أمازيغ. فالأمازيغ الأحرار عندهم هم الأمازيغ العرب ولغتهم العربية، »نعم للأمازيغيات الشلحة والريفية والسوسية الإسلامية العربية« (انظر "التجديد" عدد 541). فهذه هي الأمازيغية عندهم. وقد سبق أن أكدوا ذلك في مقالات أخرى. فانظر كيف يصنفون اللغات واللهجات إلى مسلمة وكافرة! وهب هناك عربية أمازيغية أو أمازيغية عربية؟! فأصبحوا إذن يحللون نظريات الإسلام في خبث ومكر، ويصل الأمر بهم إلى أبعد الحدود عندما يستشهدون بآية قرآنية يجعلون فيها أنفسهم مكان الرسول (ص) والأمازيغ بمثابة الكفار الذين يريدون خداعه! أية جريمة هذه! لو بحثنا في العصر الوسيط المتخلف لما صادفنا قط وقاحة وإسقاطا تعسفيا لكلام الله مثل هذا الذي نشر في القرن 21 (انظر "التجديد" عدد 542 في الافتتاحية). فمن سبق أن اتهم الدين الحنيف بشيء؟ بل إن الذين يتذرعون بحمله ونشره هم من أباد الأمازيغ أثناء الغزو العربي وخرب حضارته وعمرانه في الرحلات الهلالية! والآن يصادر حقهم في كل شيء، ويمنع تسجيل المواليد بأسمائهم بدوريات رسمية، وتؤاخذ أراضيهم بظهائر استعمارية، وتفرض لغة واحدة، وتباد ثقافتهم... ومن يتاجر بالدين الآن يبارك كل هذه المنكرات، بل ويشترك فيها. فافتحوا أعينكم وانظروا حواليكم واقرأوا التاريخ إن كانت لكم أبصار وأفئدة..! لقد أصاب الأستاذ لحبيب فؤاد عندما نعتهم بالأميين ولم يبالغ في شيء، وتظهر أميتهم أكثر كلما تناولوا الأمازيغية. ولقد شعرنا حقيقة بالشفقة على دكتور شارك في ندوة حول الحرف نظمتها إحدى الصحف المغربية. فبعدما كان يظهر كالأسد زئيرا في تصريحاته واتهاماته، تحول إلى كائن ضعيف لا حول له ولا قوة وسط الحضور، وكلما أراد أن يتحدث إلا وذكّر المتناظرين بأنه أمازيغي أيضا! كم كان في موقف لا يحسد عليه! كما أنهم أرادوا الدفاع عن شيء لا يجيدونه مطلقا واقتحموا مجال اللسانيات متطفلين. ومع الأسف حتى الذين بحثوا عنهم من "المتخصصين" وقعوا في أخطاء لا تغتفر (انظر مساهمة أخمد البيابي حول الحرف عندما تحدث عن الصوامت وقواعد الهمزة، "التجديد" عدد 542). وتبدو أميتهم فيما يدعون الدفاع عنه، فلا يجيدون إلا مصادرة حق الآخر وعصب عينيه ليصير من قطيعهم. ويصل التطفل حده عندما يتجاسر أحدهم ويرسل رسالة إلى المعهد الأمازيغي بهذا الشأن، وهو يعتبر نفسه عربيا ـ فمن يمثل؟ من هو؟ كيف يدس أنفه فيما لا يعنيه ولا يعلم منه شيئا؟ فمتى أقدم الأمازيغ ـ رغم الأذى الكبير الذي لحقهم ـ عن مراسلة جامع القرويين أو معهد التعريب وأرادوا التدخل في إدارتها؟ ما هذه الحرب التي يشنونها؟ إن كل أمازيغي موجود بهذه الحركة ليجب أن يستحيي عن ذكر أمازيغيته، فليستر نفسه على الأقل! وللاستدلال على الأذى الكبير الذي ألحقه هؤلاء وإخوانهم بالشعب المغربي الأمازيغي، يكفي النظر إلى ما خلفته موجتهم في مدن المغرب وقراه عند بداية استفحال أمرهم. وإذا كان رصد ذلك في المدن صعبا شيئا ما، فإنه أسهل ما يكون في القرى الصغيرة والكبيرة حيث أحدثت أذنابهم، المشكَّلة في غالبيتها من أميين، الذين يتهجون حتى قراءة النصوص المقدسة، انقلابا في نظام حياة البسطاء، ونشروا أفكارا غريبة متشددة تحرم على هؤلاء كل شيء (الأمر مستمر الآن)، بل قد يصل الأمر إلى نزاعات بين أفراد هذه القرى والقبائل وبين الأب وأبنائه المستلبين المغرّر بهم، نزاعات عن أمور تافهة جدا تبدأ من طريقة الصلاة والأكل والحديث والجلوس... ومن يريد التثبت فما عليه إلا أن يزور قرى الجنوب الشرقي كمثال. هذا الانقلاب مس كل شيء حتى أصبح المرء يتصور وجود دينيين مختلفين. وهذا ما عبر عنه الشاعر الأمازيغي الحكيم في عمق الأطلس المتوسط بقوله: _Aghul ddin bdvan t ttvelba gan sin _Wenna netvfar gwdegh yan yadven ad ihreq ولا يتورع هؤلاء في استغلال بيوت الله ـ التي بنيت ليذكر فيها اسمه ـ لنشر سمومهم وبث التفرقة والبلبلة والتنافر بين القلوب. فهم يحكمون ببطلان كل شيء عاشه القرويون منذ الأزل، بدءا بكل ما يتعلق بالأمازيغية من تراث وثقافة (تحريم الأعراس، أحيدوس، الطقوس الجنائزية، المناسبات الاحتفالية العتيدة التي تخلد أكثر من 14 قرنا...). ويصل الأمر إلى إلحاق الحركة الأمازيغية بما يسمونه "الحركة الصهيونية" (حدث هذا مؤخرا في مسجد بإحدى جماعات تنغير) وذلك في خطبة الجمعة. وما هذا إلا تحريض على النزاع الطائفي، وممارسة للإرهاب الفكري. فمثل هذه الخطب والفتاوى هي التي تؤدي إلى حروب أهلية في بلدان بإفريقيا وآسيا. وليقنا الله شر هؤلاء "المرتدين الحضاريين". غير أنه في قرانا كثيرا ما يتم ضبط هذه الأذناب متلبسين في ممارسات يندى لها جبين الإنسان العادي!. فكم هي المنافع و"الهمزات" التي تجلبها اللحية في عالم البسطاء والأميين! وكم من المتفيقهين أحسنوا التفقه في كل شيء إلا الدين. إذا علمت أن القرى الآن هي منهل الأمازيغية والحضن الدافئ لرعايتها كي تسري في كل أرجاء المغرب مكسرة الأغلال التي كبلت بها منذ 56، ورأيت بأم عينيك الانقضاض الرجعي المتأسلم عليها وغزوها كالفيروسات المسمومة، توصلت بنفسك إلى المخطط الرهيب والمصير المشؤوم الذي يهيئه هؤلاء للأمازيغية (لغة وهوية وثقافة...) من تخريب وإبادة. فكيف سيكون عليه الأمر لو تمكنوا من مقاليد الحكم وسلمت رقاب الناس لهم؟! إن هذه الجماعة ما هم إلا طائفة من الدوغمائيين المارقين عن الركب الحضاري الذي يروم الأفضل للإنسان حيث يحنون إلى مزيد من التخلف ليستحكموا أكثر في رقاب الناس. فبينما المجتمعات والأمم تتطلع وتتسابق نحو المراتب العلى لتحقيق مزيد من الرقي وصون كرامة الإنسان، يدعو هؤلاء إلى مزيد من التقهقر والابتعاد عن أسباب التقدم بشكل نكوصي ضد المسار الطبيعي لتطور التاريخ والعمران البشري. في أن تدافع رجال هذه الطائفة هو في التعريب وغرس التشدد في المجتمع: لقد صار باديا للعيان أن هدف هذه الطائفة الماضوية، كما هي مسخرة لذلك، هو الوقوف ضد كل القوى الحية التي تسعى إلى النهوض بالمجتمع وإخراجه من اللاوعي والاستلاب المتعدد الذي يغرق فيه. فبقدر ما تعمل مكونات المجتمع المدني على النضال من أجل الديموقراطية وحقوق الإنسان وتتطلع نحو التحرر لينال المغرب نصيبه من الرقي الحضاري الذي يتمتع به جيراننا، بقدر ما تسعى الرجعية إلى جرنا نحو سراديب الظلام وغياهب التخلف والعصور الوسطى، ومزيد من الإقطاعية والوصاية الدينية، مستغلة أمية الشعب المغربي وإسلامه العميق لدغدغة عواطفه بخطب منمقة أو أساطير وخدع لتسخيره خدمة لأغراضهم اللاتقدمية. فبعد أن وقف هؤلاء الميزوجينيون أمام إقرار إنسانية المرأة وأبسط حقوقها التي لا تقبل الجدل بإخراج الناس في مظاهرة هيستيرية ـ وهذا ليس بغريب فهم يعتبرون أنفسهم أحفادا لمن كان يئدها قبل الإسلام! ـ بدعم من الدوائر التي تريد بقاء الدار على حالها، وتستلذ استعباد نصف مجتمع بأكمله وإغلاق الباب عليه في الحريم. بعد هذا انقلبوا جاحدين فضل البسطاء عليهم في الانتخابات يرمونه باللادين وبالخروج عن الإسلام، أي الكفر، مما يدل على أن هؤلاء يتآمرون على هذا الشعب الطيب، فما أن يتكلم أحد قيادييهم حتى ينفي صفة الإسلام على المجتمع المغربي مدعيا أننا نعيش جاهلية أخرى ـ معتقدا أن المغرب كشبه الجزيرة العربية عاش جاهلية أولى ـ وأن ما هو سائد الآن لا يمت إلى الإسلام! مذكّرا بأنهم يعملون على إعادة الدين إلى المجتمع، بل أكثر من ذلك يذهبون إلى نعت مناطق كاملة بالعهارة في افتتاحية جريدتهم دون التزام بمبادئ العقل والدين، فكل من في اكادير عاهر! كما يفهم من "أكادير المدينة العاهرة"، "التجديد" عدد 4 أكتوبر 2002. لكن هذا المجتمع الذي ينعت بالفاجر ـ ويا للمفارقة! ـ بفقره وبؤسه، احتل الرتبة الأولى في التبرع على فلسطين، متقدما على كل الدول الإسلامية سنة 2002. فكان جزاؤه التفجير والتعهير. إن هذا الخبر الذي سمعناه في القناة الثانية يثير الاستغراب وما لا يوصف من الأحاسيس. المجتمع المغربي الفقير المحروم يتفوق على إمارات الخليج الغنية في التبرع على الغير، والناس يلتحفون القصدير والخيام، والأمراض الفتاكة لا تجد من يعالجها، والمنازل من حين لآخر تنهدم على ساكنيها في مختلف المدن المغربية، يا للهول!... فهذا الحدث له احتمالان، إما أن الشعب المغربي مسلم إسلاما مثاليا ليس كمثله بلد في الدنيا، جعله يفضل غيره على نفسه (الإيثار)، بل هو تجاوز للحديث القائل "لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحبه لنفسه"، أو أنه عديم الإحساس بنفسه، غارق في التماهي بالآخر وانسلخ كليا عن نفسه نتيجة أربعين سنة من غسل الدماغ وتجفيف المنابع، وتخدير أعضائه حتى فقد الشعور بآلامه. وهذا الاحتمال هو الوارد حتى في منطق الإسلامويين بما أنهم ينفون عنه التدين ويؤكدون غياب الإسلام فيه. فكيف بأناس يحقدون حتى على المجتمع ويعهرونه... ويزرعون التشدد في أوصاله أن يعبروا عن أهليتهم لقيادة الشعب ومحاورة الأمم الأخرى؟ كيف سينفتحون ومنهم من يصف ثقافة الأمم المتحضرة التي كرمت شعوبها وصانت حقوق أفرادها "بثقافة العهارة" (انظر كتيب "الفجور السياسي" لفريد النصاري لترى كيف أن المغرب فاجر وثقافة فرنسا عاهرة). إلا أن الأستاذ الجامعي ـ واحسرتاه! ـ لم يدرك أو لا يريد ذلك ـ أن هذه الثقافة هي التي صنعت السيارة التي يركبها، وهي التي وضعت التصميم للكلية التي يدرس بها، والأقلام التي يكتب بها، كما أن هذه الثقافة هي التي احتلت الأرض بجبروتها وقوتها، وصنعت الطائرات والصواريخ والرقي والتحرر والتقدم... وليس مقبولا أن نقول إن الأستاذ المذكور يجهل معنى الثقافة أو وظفه على نحو دون آخر. فهو لم يفعل ذلك، بل تحدث عن الثقافة!... إذا كان هذا كله من إنتاج ثقافة العهارة، فبدون شك تكون الثقافة الأخرى (غير العاهرة) أنتجت عكس كل تلك القيم تماما، وإلا ماذا أنتجت؟! يكفي أن نفتح أعيننا وننظر ونقارن فنعرف. يقابل كلَّ هذا الكره للآخر، وللأنا الحقيقي، عند هؤلاء، تقديسٌ لأنا اصطناعي، وأَمْثَلَتُهُ وتقديس كل ما يرتبط به. وبما أن عصب هذه الطائفة ـ الاصطناعي ـ هو العروبة، وأن إحدى غاياتها في المغرب الأقصى هي التعريب ونسخ (بالمفهوم الديني) لسانه، فلا بد من تسخير ترسانة من المفاهيم والممارسات لبلوغ الهدف. ولكي نفهم أكثر، يكفي أن نرى كيف أن أول ما تقبل عليه الأغلبية منها هو تغيير أسمائها بألقاب عربية لا وجود لها حتى عند العرب! وتحاط اللغة العربية بتقديس لا يساويه إلا تقديس القرآن، واحتقار ما دون ذلك. وبتقديس اللغة يُقدس الجنس الحامل لها أو الذي ينتمي إليها. فوفق هذا المنطق يؤكد العديد مثلا أن مصر بلد طاهر وشوارعه أطهر مما ينعت لنا في الأفلام والمسلسلات. في المقابل يضعون مجتمع المغرب تحت أقدامهم ويعهرون أفراده! ومركب النقص الكبير الذي يعانون منه، بالإضافة إلى الاستلاب، يجعلهم يتصورون كل ما يوحي إلى الذات الحقيقية ذنبا ودنسا لن يُتخلص منه إلا بالمبالغة في الدوس عليه والتعلق بنقيضه! ولتتبين الأمر أكثر، انظر إلى موقعهم من الأمازيغية عامة، وأسمائهم أو أسماء الأعلام والأشخاص خاصة، ثم انظر إلى مسألة الحرف حيث حرف "تيفيناغ" وثنية وجاهلية، والحرف اللاتيني كفر وردة، بينما الحرف الآرامي إسلام وقداسة! ثم انظر كيف لم يجرموا في هذا المجتمع إلا الاهتمام بالأمازيغية! ولم يحرموا سوى ذلك من إبادة تراثنا ونهب الأراضي، والليالي الحمراء "لأشقائنا" في مدننا وشواطئنا، والاحتيال على شبابنا... لتتأكد أن هؤلاء مجرد بيادق تحركها أيادٍ داخلية وخارجية للاستتار خلفها والدفاع عن مصالحها. كما أصبح واضحا أيضا صحة ما عبر عنه وزير الداخلية السابق بشأن الهدف من إطلاق لجام الملتحين والسماح لهم في حزب سياسي، وهو "ترويضهم"، وبالتالي تكليفهم للنيابة عن المخزن والقيام بمهمات لا يريد التورط فيها علنا. لكن، ألا يعلم هذا المخزن كم من وحش مروَّض ثار وانقض على مروِّضه وافترسه أمام الجمهور في قاعة السيرك؟! إذا علمنا أن حكومة جطّو لن تأتي بمعجزة لحل معضلات البلاد، فإن على الدوائر المسؤولة منذ الآن التفكير في كيفية معالجة الانتخابات القادمة، وإلا أصبح مصير البلاد على كفة عفريت. كما أصبح من البديهبات أيضا أن هذه الطوائف تشكل إحدى العقبات الأساسية في طريق تقدم المغرب نحو الأفضل وولوجه مصاف الدول السائرة في طريق النمو. فهدفها فقط هو الزج به في حروب وصراعات "حضارية" مدمرة لا ناقة للمغرب فيها ولا جمل. ولن يبرح المغرب مكانه ما لم يتحرر أفراده من الأساطير والأغلال الزائفة التي قيد بها المجتمع. فلم يبق لهؤلاء سوى بيع صكوك الغفران وفتح شبابيك خاصة بتذاكر دخول الجنة! وهو ما يستدعي التصدي لكل متاجر بالإسلام، وأي تسييس للدين من طرف طوائف لا وطنية، خصوصا أن المغرب بلد يحكمه ملكه الذي هو أمير المؤمنين بصفته الممثل والمرشد للمسلمين في المغرب دون غيره، قبل أن يحدث للمغرب مثل ما يقع ويستمر في الجزائر، وقبل أن يكون المغرب هدفا لتحالفات دولية كما حدث لأفغانستان. (يتبع)
|
|