|
الامازيغية وثنائية المقدس والمدنس بقلم: مصطفى بنعمرو (الناظور) يقول جاك لاكان إن اللاوعي مبنين كاللغة. فانطلاقا من هذه القولة للمحلل النفسي الفرنسي الشهير قد نتمكن من سبر أغوار لاشعور الاسلامويين الذين ينزعون إلى فرض تصورهم ووصايتهم على الأمازيغية بشكل قسري وتعسفي كفرض الحرف الآرامي لكتابتها ورفض ترجمة الإبداعات العالمية كما وقع مع محمد شكري. إن مجمل ممارساتهم السياسية تجاه الأمازيغية والمرأة والمبدعين تكشف عن آليات دفاعهم الشعورية واللاشعورية لمقاومة خطر الحداثة على وجودهم كما يتوهمون. إن موقف الاسلامويين من كتابة الأمازيغية يتحكم فيه نسق تفكيرهم لكل ظواهر الوجود والكون بصفة عامة، ولا يمكن له أن يخرج عن إطار الثنائية الفكرية الدينية حلال/حرام، أو الثنائية الفكرية مقدس/مدنس، هذه الثنائية التي تبنين نمط تفكيرهم وتحليلهم. في نهاية المطاف يحرمون ويجرمون كل ما يخرج عن دائرة هذه الثنائية الفكرية شعوريا أو لا شعوريا، وبهذا يصبح تفكيرهم مبنينا بنية فكرية ضيقة لا تحتمل فكرا متفتحا. إن هذه الثنائية الفكرية مقدس/مدنس كآلية دفاعية أيضا فكروـ نفسية قد تتمظهر في سلوكات و مواقف الاسلامويين وتحقق لهم اطمئنانا نفسيا وفكريا تجاه الظواهر الاجتماعية، اللسنية، الإبداعية، العلمية الخ، عندما يعجزون عن مواجهتها بالفكر العلمي، و أحيانا عندما يحسون بتجاوز الأمر لهم يلجأون إلى أساليب احتجاجية تكتسي طابع قوة التظاهرات والمسيرات كآلية أخرى دفاعية لا شعورية يبديها الاسلامويون لإعادة الشعور بالاطمئنان النفسي / الفكري لوجودهم . إن الثنائية المرجعية مقدس / مدنس لا تستطيع أن تستوعب طبيعة الفكر الحداثي كما لا تستطيع أن تؤطر الحركات الحداثية (المرأة ـ الحركة الامازيغية) أو بصيغة أخرى لا تواكب فكر الاختلاف الذي أصبح يدنس الوجود بالنسبة للاسلامويين و يثير قلق العصاب الفكري و الوجودي لديهم. إن موقف الاسلامويين يصدر كما بيننا انطلاقا من لا وعي فكري يوجههم، وحتى إن حاولوا إعادة صياغة مواقفهم وسلوكهم السياسي وفق متطلبات وإكراهات الحداثة، وهذا يتجلى في نهج أساليب الدينوقراطية (البرلمان ـ النضال النقابي ـ التظاهر بالاعتراف بالامازيغية) فإن جوهر فكرهم يبقى ثابتا ولا يرقى إلى مستوى مواكبة تطور الفكر البشري في شيء، لإن بنيتهم الأساسية لم تصب بأي جرح فكري أو خلخلة علمية منذ محاولات ابن رشد... التتي تم الالتفاف عليها و إجهاضها في المهد. إن الامازيغية كاختلاف يفرض نفسه في الحقل المعرفي والسياسي المغربي، ويثير قلق عصاب فكري نفسي لدى الاسلامويين ويذكّرهم بخصاص معرفي وحضاري، ولذلك فإن آليات دفاعهم الفكرية السياسية تتمثل في احتضانها للأمازيغية بفرض الحرف الآرامي كآلية دفاعية لتحقيق اطمئنان وتوازن فكري نفسي، وذلك لإخفاء عجز وجودي و تجنبا لخطر تدنيس متونهم. إن اشتغال ثنائية المقدس / المدنس تبدو بشكل سافر عندما يطرح الاسلامويون كتابة الامازيغية بالحرف الآرامي، ذلك أن هذا الحرف كآلية دفاعية فكر نفسية بمثابة حجاب ترتديه الأمازيغية ليقيها دناسة الحرف اللاتيني ووثنية حرف تيفيناغ كما تقي المرأة نظرات الرجال الغرباء عندما ترتدي الحجاب. يسقط الاسلامويون نفس مشاعرهم تجاه المرأة على الأمازيغية ويعملون على حجبها عن الأنظار (الانفتاح على العالم بتبني الحرف الكوني) كما يحجبون المرأة بالحجاب و يعملون على بقائها في المنزل. نفس النظرة الدونية التي تتحكم في الاسلامويين لنظرتهم للمرأة تتحكم في نظرتهم للأمازيغية. إن استقلال المرأة الفكري والنفسي عن الرجل شيء مدنس بالنسبة للاسلامويون كما أن استقلال الأمازيغية كمنظومة فكرية عن العربية شيء مدنس، وبذلك يبدو أن لا وعيهم الفكري الذي تصدر عنه أحكامهم يضع الأمازيغية في نفس التراتبية الاجتماعية التي يضعون فيها المرأة، و بذلك يكون قلق العصاب الفكري النفسي الذي تثيره المرأة السافرة هو نفس القلق العصابي الذي تثيره الأمازيغية الغير المكتوبة بالحرف الآرامي. إن عدم القبول بإصلاح مدونة الأحوال الشخصية تعني الإبقاء على نفس التراتبية الاجتماعية للمرأة للتحكم في مصيرها، وكذلك فرض الحرف الآرامي على الأمازيغية ورفض ترجمة الإبداع العالمي (محمد شكري) للامازيغية إبقاء على الوضعية الدونية والتبعية للأمازيغية لكي يتحكم فيها الاسلامويون في حملاتهم الانتخابية و تمرير إيديولوجيتهم. إن اختيار الحرف بالنسبة للامازيغيين ليس أمرا شكليا، وإنما هو تحديد لاستراتيجية الموضع ضمن التراتبية اللسنية في المغرب و العالم أيضا، وفي وضعية لسنية وثقافية تتسم بعلاقات رمزية غير متكافئة بين اللغات المتواجدة وتتحدد بمعايير للتراتبية أحيانا خاضعة لأمور خارج اللغة نفسها EXTRA- LINGUISTIQUE . إن الوضعية اللسنية التي تحدد اللغة الامازيغية انطلقت من اتخاذ سلب حرف كتابتها الأصلي تيفيناغ كوسيلة لفرض هيمنة لغوية معينة وضمان مجال واسع لاكتساب نفوذ سلطوي لغوي معزز بمؤسسات حداثية قوية. إذن فمنظور الاسلامويين يهدف إلى الإبقاء على الامازيغية في نفس التراتبية اللسنية بفرض الحرف الآرامي الذي لا ينسجم و معطياتها الذاتية ليقف أيضا ضد الامازيغية لاحتلال مكان الصدارة في التراتبية اللسنية لضمان التراتبية الاجتماعية والسياسية التي يستمدها الاسلامويون من التراتبية السفلى للامازيغية. إن اختيار الحرف الذي ستكتب به الأمازيغية قد يلعب دورا حاسما في استراتيجية التراتبية اللسنية الذي ستحتله الأمازيغية ضمن حقل العلاقات الرمزية المتواجدة في المغرب، وكذلك سيحدث اختلالا في التراتبية القائمة والغير متكافئة، وكذلك سيحدث تأثيرا على الإنتاج المعرفي والاقتصادي والمنافسة في السوق اللسنية المحتكرة من قبل لغات أخرى تقوم على احتكار السوق اللسني والمعرفي، وبالتالي السياسي الاقتصادي باستبعاد الأمازيغية منها. إن التراتبية اللسنية التي ستحتلها الأمازيغية في إطار الحقل اللسني بالمغرب هو الذي سيوضح مدى صواب اختيار حرف تيفيناغ من قبل المعهد الملكي للثقافة الامازيغية، وهذه التراتبية تتأثر بدورها بعولمة لسنية معززة بعولمة سياسية اقتصادية تكنولوجية، وكذلك فإن هذه التراتبية التي ستحتلها الأمازيغية تتأثر بالإقصاء التاريخي للتداول الكتابي لحرف الامازيغية "تيفيناغ" الذي تم تعطيله نتيجة الهيمنة الرمزية للغات أخرى ومعيار ديني خارج اللغة EXTRA- LINGUISTIQUE في شمال إفريقيا. وعليه فإن فرض الحرف الآرامي على الحركة الامازيغية لكتابة اللغة الامازيغية ضدا على اختيارها يعتبر حصارا تعسفيا للإبقاء على نفس العلاقات الرمزية لضمان احتكار واستغلال السوق الرمزية ولا تكافئها بفرض واستدامة تسلط سياسي ـ معرفي ـ اقتصادي. إن كتابة الأمازيغية، وهو حدث كبير في حد ذاته وسيحدث تحولا هائلا في العلاقات الاجتماعية الإنسانية في المغرب أيضا كما سيعمل على التحرير الرمزي للأمازيغية وللمخيال الإبداعي و توجيهه وضمان استقلاليته. وفي هذا الإطار يمكن القول إن اختيار الحرف قد يساهم في إحداث توازن بنيوي في الأمازيغي كنفسي ـ ثقافي ـ اجتماعي ـ اقتصادي ـ سياسي، كما إن اختيارا للحرف مفروضا من خارج الحركة الأمازيغية سيكرس تبعية بنيوية أيضا نفسية ـ ثقافية ـ إيديولوجية ـ سياسية ـ إبداعية. ولهذا يبدو أن الاسلامويين يبدون آليات دفاعية ايديو ـ سياسية لمقاومة أي اختيار للحرف من طرف الحركة الامازيغية، وذلك لأنهم يتخوفون من انعكاس الاختيار على توازنهم اللسني الفكري الاقتصادي ثم السياسي. يدرك الاسلامويون أن تطور هذه الحركات الحداثية (المرأة ـ الحركة الامازيغية) بالمغرب تسعى إلى خلق توازن يهدد توازنهم الذي بدؤوا يعبرون عنه من خلال آليات دفاعهم الفكرية السياسية شعوريا ولا شعوريا. (مصطفى بنعمرو، الناظور في : 01 فبراير 2003) |
|