|
الإسلامويون والأمازيغية: المفهوم الجديد للقمع بقلم: عبد اللطيف أومبارك (أكادير) يعتبر الإسلام السياسي ظاهرة غير عادية وغريبة عن البيئة الاجتماعية المغربية، إذ لم يسبق عبر التاريخ أن عرف المغرب حركات دينية متطرفة، وذلك راجع إلى خصوصية هذا المجتمع الذي ينبذ التطرف والذي آمن دائما بالإسلام المغربي وليس الإسلام في المغرب، مما جلعه يتصدى للإسلام الأموي والإسلام العباسي والإسلام العثماني وغيرهم. إلا أن التاريخ ربما قد أعاد نفسه حيث يحاول البعض الآن أن يفرض على المجتمع المغربي أنواعا غريبة من الإسلام، بدءا بالإسلام الأفغاني الطالباني مرورا بالإسلام الإيراني والسعودي الوهابي وصولا إلى الإسلام السوداني. وقبل التطرق إلى صلب الموضوع، لا بد من الإشارة إلى أسباب بروز ظاهرة الإسلام السياسي، والتي يمكن إجمالها في نوعين، داخلية وخارجية. فبالنسبة للأسباب الداخلية، تتمثل في فشل الدولة في تقديم خدماتها إلى أكثر الناس احتياجا، وتراجع المستوى المعيشي للسكان نتيجة لفترات الجفاف المتتالية، وكذا للاختيارات اللاشعبية للدولة على المستوى الاقتصادي والاجتماعي. أما المستوى الإيديولوجي، فإن اعتماد الدولة والأحزاب خيار التعريب ذي النفحة السلفية الرجعية، خاصة في التعليم والإعلام، أدى إلى تقويض الأسس الإيديولوجية للفكر التقدمي الحداثي، وانتشار الأفكار الخرافية وظهور طروحات دينية متطرفة. أما بالنسبة للأسباب الخارجية، فلا أحد يمكنه إنكار أن الإسلامويين ترعرعوا في أحضان المخابرات الغربية، خاصة الأميريكية منها، في ظل الحرب الباردة. وذلك لهدفين أساسين: هدف مرحلي يتمثل في استغلالهم لمحاربة المعسكر الشرقي "الملحد" وأفكاره الشيوعية المادية. وهدف استراتيجي يتجلى في جعلهم (أي الإسلامويين) حاجزا وسدا منيعا أمام تقدم الشعوب الإسلامية والحفاظ على وضعها المتخلف، بل وتعميقه (نموذج أفغانيستان، الصومال...). وضمن هذا الموقف الاستراتيجي يمكن إدخال الحملة المسعورة التي يقودها حاليا الحزب الظلامي وأتباعه ضد الأمازيغية، وقبل ذلك ضد المرأة. فبالنسبة لهم لا ينبغي للأمازيغية أن تخرج عن إطار العروبة والإيديولوجية السلفية، أي أنهم لا يريدون للأمازيغية وللشعب المغربي عامة الخروج من الظلمات إلى النور. فرغم ارتباط المصالح الاقتصادية للإسلامويين بالغرب وتبعيتهم المالية له، فهم يرفضون التقرب منه على المستوى السياسي والثقافي، لأن في ذلك تقربا من الديموقراطية والحداثة والتقدم، مما يهدد فكرهم الظلامي وزواياهم السياسية بالانقراض. وبالتالي فهم يسعون إلى إبقاء المغرب متخلفا ثقافيا وسياسيا، تابعا لمشرق النفط والجنس وأباطرة المخدرات والعنف والجهل، في أفغانستان وغيرها. والملاحظ أن أتباع الحزب الظلامي شعروا بنوع من الغرور بعد انتخابات 27 شتمبر. وهذا ما جعل أحد زعمائهم يهدد بأنهم سينزلون إلى الشارع إذا تم تبني الحرف العالمي، كما وقع ضد خطة إدماج المرأة في التنمية. كما أشارت جريدتهم أن الأمازيغيين يخشون الدخول في مواجهة مع الإسلاميين ("العصر"، عدد 248). إنه الإرهاب. ونعتقد أن مسيرتهم، إذا حدثت، ستكون لها انعكاسات إيجابية على الحركة الأمازيغية لأن من شأنها أن تعجل بالمسيرة الأمازيغية "تاوادا" المؤجلة عدة مرات، بل قد تكون انطلاقة لمسيرات ووقفات احتجاجية أمازيغية. وعند ذلك نسأل هؤلاء عن غرورهم والتباهي بأنهم الأقوى حاليا. هل نسيتم أن نسبة المشاركة ـ حتى لو افترضنا أن الانتخابات كانت نزيهة ـ لم تتجاوز 30%؟ كم تمثلون من هذه النسبة؟ هل نسيتم أنكم لم تفوزا ولو بمقعد واحد في المناطق القروية الأمازيغية النائية حيث الإسلامويون منبوذون؟ هل نسيتم أن الأمازيغيين عبر التاريخ قاموا بإحراق الزوايا الدينية وتدميرها لأنها تتحالف دائما مع المخزن وتعاكس طموح التحرر والانعتاق لدى الشعب؟ وهل نسيتم أنكم امتداد لتلك الزوايا التي اعتبرها عبد الكريم الخطابي سبب انهزامه والقضاء على مشروعه المجتمعي؟ إن العارف لطبيعة المشروع السياسي لهذا الحزب الظلامي وجمعياته الذيلية، لن يجد صعوبة في فهم الممارسة السياسية لأتباعه. أما بالنسبة لجماعة عبد السلام ياسين، فإن موقفها يعتبر أكثر تطرفا وعدمية، فهم عبروا عن رفضهم »لما ينزع إليه كثير من مناضلي الحركة الأمازيغية من قطع جذور الأمازيغية لغة وحضارة مع الإسلام والعربية من خلال الدعوة إلى اعتماد خط "تيفيناغ" في تدريس الأمازيغية والتأليف بها (لاحظوا حتى التأليف الذي يدخل في إطار الحرية الشخصية للمؤلف)... وأن هذا المنزع من شأنه أن يقطع صلة الأمازيغ مع خمسة عشر قرنا من تاريخهم... وأن تعريب المغرب هو قرار تلقائي اتخذه أجدادنا لِما وجدوا في العربية من فضائل...«. (مجلة "نوافذ"، عدد مزدوج 17/18، صفحة 144). والمثير في هذه الحملة المعادية للأمازيغية والأمازيغيين هو أن بعض الإخوان "اليساريين" أصروا على الالتحاق برفاقهم الظلاميين لتعزيز حملتهم هذه، حيث اعتبر أحد قدماء "اليسار" المغربي أن »الأمازيغيين يعادون كل ما عربي وإسلامي ومشرقي... والحرف العربي هو الأكثر ملاءمة لمصالحنا الاستراتيجية ولانتمائنا الحضاري... « (حرزني، "العصر"، عدد 248). كما اعتبرت إحدى الجرائد "المناضلة ضد العنصرية" أن »هناك عددا من الأصوات تسخر نفسها لبث عناصر الفرقة داخل الأمة عبر تبني الدعوة إلى اعتماد الحرف اللاتيني« ("بيان اليوم"، عدد 3821). ولتجميع هذا الأرخبيل الفاشي العنصري قامت إحدى الجمعيات التابعة لحزب البعث العربي بتنظيم ندوة شكلية بالدار البيضاء هدفها تمرير وصياغة مواقف وآراء جاهزة لتقوية التحالف القومجي الظلامي تجسيدا لشعار "محاربة الأمازيغية مسؤولية الجميع". وقد تحول هؤلاء إلى مجرد "دمى مخزنية" يتم تحريكها عن بعد حسب الظروف والأهداف واستعمالها وسيلة للضغط والترهيب والاستفزاز، في إطار ما يمكن تسميته بـ"المفهوم الجديد للقمع"، أو القمع بالنيابة، أي ممارسة أساليب قمعية، مادية ومعنوية، نيابة عن المخزن ولحسابه. وبهذا الصدد نسمع باستمرار بعض أئمة الفتنة والإرهاب التابعين للحزب الظلامي يستغلون بيوت الله لبث سمومهم في أوساط الأمة المغربية، من قبيل أن الداعين إلى كتابة الأمازيغية بالحرف العالمي هم ملحدون وكفار وعملاء الاستعمار، وأن الداعين إلى الكتابة بـ"تيفيناغ" وثنيون وأعداء للإسلام. وهذا كله بعلم وزارة الأوقاف التي تراقب المساجد. أليس السكوت من علامات الرضى، كما يقال؟. إنه اللعب بالنار. ونشير كذلك إلى أن بعض دعاة الفتنة يستغلون موقفهم كمدرسين لترويج أكاذيب وأباطيل في حق الحركة الأمازيغية سيرا على نفس السيناريو المعتمد لمواجهة قضية المرأة. وهذا أكيد سيكون بعلم الجهات المسؤولة، خاصة الوزارة الوصية. وعلينا أن لا ننسى بأن المأساة الأفغانية انطلقت من المدارس. ومن المفروض أن تقوم المدارس عندنا بتلقين المواطنين قيم التسامح والاختلاف لا قيم الفتنة والإرهاب، وبالتالي فإننا ندق ناقوس الخطر قبل فوات الأوان، خاصة وأن بعض البوادر الحالية لا تبشر بأي خير. إلا أن الأخطر في الأمر هو أن يتم تحريك وتمويل الحملة المعادية للأمازيغية والأمازيغيين من الخارج. وهنا نشير إلى ما قامت به مجلة "البيان" السعودية بتزامن مع حملة الإسلامويين، إذ أعدت ملفا كاملا غنيا بالأكاذيب والترهات والتهم المجانية، من قبيل أن الحركة الأمازيغية تسعى لطرد العرب من المغرب باعتبارهم مستعمرين، وأن الثقافة الأمازيغية ثقافة وثنية، وأن التيار الأمازيغي نشأ وترعرع في ظل الدعم الاستعماري... إلخ ("البيان"، عدد 182، ديسمبر 2002). وكل هذه التهم هي التي يتم الترويج لها من طرف الإسلامويين وأتباعهم بالمغرب كوسائل وأدوات للقمع المعنوي. وقد يصيح البعض منهم بأن الأمازيغية بدورها ممولة من الغرب ويستشهد بالجائزة التي منحت للأستاذ محمد شفيق بهولاندا أخيرا. لكن، وبغض النظر عن النزاهة والاستحقاق التي يتميز بها هذا النوع من الجوائز الدولية بعيدا عن أية خلفية، سنرد على هؤلاء بأن تعاملَنا ـ الغائب مع الأسف ـ مع الدول الغربية الديموقراطية المتقدمة سيكون أفضل بكثير، بل لا مجال للمقارنة بالتعامل مع دول التخلف والفتنة والدمار، وقد نكون محظوظين في تعاملنا مع الغرب إذا أصيب بلدنا بعدوى الديموقراطية والحداثة والتقدم. وأمام هذه الحملة الغاشمة على الحركة الأمازيغية، علينا أن نكون واعين بأنها فقط البداية لمخطط خطير ستُسخّر فيه كل أساليب الخدع والتحايل. فإذا عبر الحزب الإسلاموي عن إمكانية قبوله بخط "تيفيناغ"، فهذا مجرد تكتيك سياسي قد ينطلي على البعض، هدفه كسب تعاطف الداعين إلى الكتابة بـ"تيفيناغ"، أو على الأقل جعلهم محايدين في الصراع الدائر حاليا، وبعبارة أخرى شق الصف الأمازيغي طبقا لمبدأ "فرق تسد"، وأن الظلاميين يسعون حاليا إلى الحسم مع الحرف العالمي، وبعد ذلك سيتم الرجوع على حرف "تيفيناغ" ومحاربته بدوره. وقد يَؤول دور قيادة الحملة ضد "تيفيناغ" إلى أتباع عبد السلام ياسين والجماعات الأخرى، وهذا ما يتم التمهيد له منذ الآن لرفضهم الكتابة بـ"تيفيناغ"، كما أشرنا إليه سابقا، بل ويرفضون حتى مناقشة الموضوع (مقاطعة ندوة "الصحيفة"). لهذا ندعو كافة المناضلين الحقيقيين من أجل الأمازيغية إلى فهم واستيعاب هذه الخطة الدنيئة للتحالف القومجي المخزني الظلامي، ونكون في مستوى الرهان التاريخي، لأننا نعيش لحظة تاريخية حساسة. ونحذر من بعض الأصوات الأمازيغية التي تحاول إثارة البلبلة داخل الحركة الأمازيغية وخلق جيوب للمناوشات التافهة والصبيانية وصرف النظر عن الصراع الحقيقي الدائر حاليا، وهي محاولة يائسة لوضع العربية أمام الحصان. ونعتبر أن الخلافات الداخلية يجب إثارتها في الوقت المناسب وفي إطار حوار أمازيغي/أمازيغي هادئ وبنّاء. وعلينا أن نكون واعين بأن الإسلامويين والقومجيين يرفضون الأمازيغية أصلا، والدليل على ذلك رفضهم للترجمة الأمازيغية للقرآن الذي ترجم إلى جميع لغات العالم تقريبا، إلا أن التاريخ تجاوزهم في هذا الإطار ويسعون الآن فقط إلى مواجهة ما تمكن مواجهته. وللظلاميين نقول إن التاريخ سجل لكم إجهاض قضية المرأة بالمغرب، وأنكم قد تقومون بمسيرات ضد الأمازيغية وقد لا نفاجأ إذا قام حزبكم بقيادة حملة ضد المعطلين، على اعتبار أن الأرزاق بيد الله وأن البطالة والتهميش قضاء وقدر، وبالتالي فالمعطلون يناضلون ضد مشيئة الله! ونود أن نهمس في آذان هؤلاء ونقول لهم إننا متأكدون أنكم ستقومون بمسيرات عدة ضد كل القضايا العادلة، والأكيد أنكم لن تقوموا ولو بمسيرة واحدة ضد الرشوة والفقر والبطالة وضد الاختلاسات والنهب الذي تتعرض له مال الشعب وغيرها من المشاكل التي يعاني منها الشعب المغربي. وذلك لسبب بسيط هو أنه ليس من مصلحتكم ذلك، ولا تريدون لهذا البلد أن يتقدم لأن تقدمه يعني نهايتكم. أما نحن فلا نسعى للإساءة لهذا الوطن لأننا نعشقه، ونريد أن نعيش فيه بكرامتنا، بلغتنا، بثقافتنا وبهويتنا الأمازيغية، ولا نريد أن يعود عصر الظلمات والفتن حيث قتل المسلمون بسيوف المسلمين وهلك الصحابة بسيوف الصحابة ونُبشت القبور وبُقرت البطون وأُحرقت الجثث... نريده وطن الحرية والتسامح والتقدم.
|
|