Smmus
هوروس
Horus :
إذا كان
anzâr و
issis
هما osiris
و
isis،
فماذا عن horus؟
هل ل Anzâr
و
Issis
ابن كهوروس الفرعوني تعرفه الثقافة الأمازيغية؟
ليس هناك فيما وصلنا
من موروث وفي حدود ما أعرف من هو محدد ومعين بالذات كابن ل
Tislit unzâr،
لكن العلاقة الجنسية
وفي إطار الزواج وبين إلهين هما مصدر الخصوبة والإنبات، يترتب عنها
حتمية الإنجاب، فإذا كانت كل امرأة أمازيغية
(issis)
زوجة ل
Anzâr
مادامت معنية بالعبادة الجنسية له، وإذا كان كل
isli و
tislit
يحاكيان بالزواج العلاقة التي بين
Anzâr وissis،
فإن كل
طفل أمازيغي ابن ل Anzâr
وIssis،
أي أنه
في مقام هوروس بالنسبة لأوزيريس وإزيس، لذلك نجد تشابها بين الطفل
الأمازيغي والطفل هوروس في ما سبقت الإشارة إليه.
لكن هوروس الذي يقدم
كبيرا في صورة طائر جارح لا نجد له أثرا في الثقافة الأمازيغية في حدود
ما ورثناه نحن ساكنة الجزء الغربي من
Tamazgha ،
وفي حدود ما أعرف، فهل
يمكن العثور له على أثر ما في موروث الجزء الشرقي القريب من بلاد
الفراعنة، عند "إصيوان" مثلا أو عند الليبيين (ماذا يحكي هؤلاء عن
tislit n unzâr)
؟ فإذا لم يكن هناك
وجود صريح وواضح لهوروس الطائر الجارح في ما وصلنا من موروث أمازيغي
فإن العلاقة الممكنة بين
Isîwan
و هوروس تبقى هي الحضور الوحيد لهوروس في اللغة والثقافة الأمازيغيتين
كطائر جارح لا كطفل صغير، ولنصل إلى تفسير ذلك سنعيد طرح السؤالين
اللذين علقناهما منذ المبحث الثاني:
1
ـ ما هي دلالات ومستلزمات تحول هوروس الطفل الإله وتجسده في طائر جارح
مع أن أبويه لم يجسدا في حيوان ما، كما هو شأن باقي الآلهة؟
2
ـ لماذا خولت مهمة حماية الملكية الفرعونية، وهي المهمة الخطيرة لابن
إزيس وأوزيريس بالذات، دون باقي الآلهة العديدة والأكثر قوة وجبروتا
منه؟
إن الأسطورة الفرعونية
تجيب بطريقتها عن هذين السؤالين وتجعل من عائلة
Greb و
Nout
عائلة ما قبل فرعونية، وهو ما يمكن إثبات لا أسطوريته، فعبادة الماء لا
يمكن أن تظهر في حضارة غير مهددة الموارد المائية بالجفاف والتصحر،
فسيت Seth
لن يظهر كإله للصحراء
ويقتل أخاه أوزيريس إله النيل إلا بعد بدء التصحر بالشمال الإفريقي، أي
قبل ظهور الحضارة الفرعونية، فعبادة الماء ظهرت مع البدايات الأولى
للتغيرات المناخية التي بدأ يعرفها ما يسمى اليوم بالصحراء الكبرى، لأن
التصحر جعل الماء على قمة الحاجيات الضرورية في الحضارة الأولى للشمال
الإفريقي الماقبل أمازيغي والماقبل فرعوني، وأحدث فيها قلقا بشأنه،
فاتجهت إلى عبادته كطريقة للتحكم في قوى الطبيعة.
وهذا المنشأ الخارجي
(عن وادي النيل وعن زمن الفراعنة) لعائلة
Greb و
Nout
يمكن إثباته في حق أحد آلهة مصر الرئيسية أمون
Amoun (7).
فالحيوان الذي يتجسد
فيه هذا الإله (الكبش) قد يبرهن على ارتباطه بحياة الرعي وتربية
الماشية أكثر من ارتباطه بحياة الاستقرار والزراعة، فقد عثر
الأركيولوجيون في مصر العليا على بقايا استقرارات قديمة تعود إلى 6000
سنة قبل الميلاد وعثروا في مقابرها على حيوانات بنات آوى وغزلان و
ثيران وأكباش ملفوفة في بعض الأنسجة ومسجاة جنبا لجنب مع الإنسان كشاهد
على عبادة تقدس الحيوانات، ستستمر إلى عهد الفراعنة
(M.Briselance, p36)
كما عثروا على أدوات
استعملت فيها صورة الكبش (S.V,
p33).
ويتأكد كذلك المنشأ
الخارجي لهذه الآلهة من خلال مقارنتها بباقي آلهة الفراعنة العديدة،
فآلهة ك Ptah
إله الحرفين
(الحدادين و الفخارين) والذي يتجسد في الثور
Apis ،
و Hâpy
إله الفيضان و
Népri
إله البذور و Rennout
إله
الحصاد (H.S, p46-47)
كلها
آلهة لا يمكن أن تظهر إلا مع الاستقرار وممارسة النشاط الزراعي
والحرفي، بينما أمون وأوزيريس وعائلته لم يعبروا إلا عن حاجيات ضرورية
في حياة الرعاة: الماء والمرعى.
إن انتشار عبادة الماء
والكبش على طول الشمال الإفريقي (وإن كان
G.Camps (p149)
يشكك في انتشار عبادة
الكبش إلا أن شكوكه لا ترتكز على حجج قوية وأولها ما يقوم به من فصل
بين الحضارة الفرعونية والمراحل الما قبل تاريخية بالشمال الإفريقي)
يمكن أن يؤكد من جهته كذلك عدم ارتباط منشئها بضفاف النيل خاصة إذا
أخذنا بعين الاعتبار أن وادي النيل لم يكن أفضل الأماكن في مراحل ما
قبل التصحر بل على العكس من ذلك، ففي مراحل الرعي وتربية الماشية لم
تتوفر في وادي النيل الظروف المناسبة لممارسة هذا النشاط إذ كان عبارة
عن مستنقعات شاسعة
تكتسحها
التماسيح وأفراس النهر… بينما كان ما يعرف اليوم بالصحراء الكبرى يوفر
المناخ المناسب والماء والمرعى بشكل أفضل
(M.Briselance, p29)
كما أنه عند بدء
التصحر لم تكن مياه النيل القادمة من الينابيع البعيدة هي المهددة،
ولكن مياه بحيرات وأنهار ما سيصبح صحراء
كبرى،
لذلك فالجماعات التي بدأت تجف مواردها المائية وتتعرض للنضوب هي التي
ستظهر عندها عبادة الماء أولا، وستنقلها معها في رحلتها الباحثة عن
الماء إلى وادي النيل وإلى باقي مناطق الشمال الإفريقي، ومع لا أسبقية
الحضارة الفرعونية إلى عبادة الماء، ومع أن النيل لا يهدده التصحر بنفس
المستوى الذي يهدد به الموارد المائية للصحراء الكبرى، فإن التصحر يظل
حاضرا بقوة وعنف في الأسطورة الفرعونية.
فسيت
Seth
إله الصحراء تزوج أخته
Nyphtis
إلهة الأرض القاحلة،
وقتل أوزيريس Osiris
إلى نهر
النيل وزوج إزيس Isis
إلهة
الأرض الخصبة، إن قتل سيت لأوزيريس تأريخ أسطوري للتصحر الذي قتل ومزق
فردوس إفريقيا الشمالية المفقود، وشاهد على مطاردة التصحر للجماعات
الأولى، واعتبار أوزيريس وإزيس آلهة لكل من نهر النيل والأرض الخصبة
يبين الحل الذي وجدته في وادي النيل الجماعات التي نزحت إلى الجزء
الشرقي من شمال إفريقيا، وحماية هوروس للمملكة الفرعونية وانتقامه من
سيت Seth
شاهد على انتهاء رحلة
الفرار من التصحر بالاستقرار على ضفاف
النيل.
إن الأسطورة الفرعونية
تلخص بطريقتها قصة الحضارة بشمال إفريقيا وتطورها في الجزء الشرقي منه،
وهي القصة التي يمكن خارج ما هو أسطوري تتبع خطوطها وخطواتها العريضة،
هذا ما سأحاول القيام به باحثا عن إجابة للسؤالين الذين طرحت.
فحضارة ما قبل التصحر
(أو الحضارة الأولى للشمال الإفريقي) اعتمدت في مراحلها البدائية على
الصيد والقطف، ثم اعتمدت في مرحلة أخرى على الرعي وتربية الماشية،
وانتهت بالمحاولات الأولى للاستقرار والزراعة، وكانت هذه الحضارة مع كل
تطور وتغير لنمط عيشها المرتبط في أحد جوانبه بالتغييرات المناخية
تتطور وتتغير أساطيرها وعباداتها باستمرار القديمة إلى جانب الجديدة أو
بإضفاء صبغة جديدة على القديمة. فعبادة الظواهر الطبيعية والحيوانات
ارتبطت بمراحل الصيد والقطف، وستظهر عبادة الكبش في مرحلة الرعي وتربية
الماشية كصبغة جديدة أضفيت على العبادات القديمة للحيوانات، باعتبار
الكبش سيد القطيع الذي يعتبر عماد معاشها، ومع بداية التصحر وضيق مجال
الرعي ظهر قلق الماء فظهرت عبادته كصبغة أضفيت على عبادات الظواهر
الطبيعية، وطورت مضامينها وطقوسها من خلال ملاحظة كيفية استمرار الحياة
وتناسلها بواسطة العلاقة الجنسية بين الزوجين الذكر والأنثى، فماء
الذكر يزرع الحياة في رحم الأنثى، وفسرت بهذا الطبيعة كلها، وفهمت به
علاقة السماء والأرض على أنها علاقة جنسية (الماء)، فجعل
Anzâr
إلها لكل قوة مذكرة، وجعلت
Issis
إلهة لكل قوة مؤنثة، وبالتقاء القوتين تستمر الحياة في الطبيعة…، وإذا
كان الرجل هو أبهى تجليات القوة المذكرة، والمرأة هي أبهى تجليات القوة
المؤنثة، فإن هذا قد يفسر عدم تجسد
Osiris
و Isis
في حيوان ما كما هو
شأن باقي الآلهة (L'égo -
centrisme du genre humain).
إن ارتباط هذه العبادة
بالتصحر يجعل منها آخر الانتاجات الثقافية الكبرى للحضارة الأولى
للشمال الإفريقي، إذ تزامن ظهورها مع بداية انقسام أرومة هذه الحضارة
وتشتتها بفعل التصحر، فيكون هوروس بذلك قد ولد في عائلة تواجدت في
العصر الأخير لحضارة ما قبل التصحر، وهي عائلة تأله جميع أفرادها(8)،
فهوروس ولد في بيئة بدأت تتعرض للتصحر وقضى فيها طفولته ورحل مع عائلته
بحثا عن الماء، وقد يدل على هذا كذلك التمييز في حياة هوروس بين مرحلة
الطفولة ومرحلة الرجولة، والذي يرجع إلى ما كان لكل مرحلة من خصائص
طبيعية وثقافية مباينة للأخرى. فاستمرار الجفاف والتصحر وارتفاع حدته
شيئا فشيئا اضطر إنسان الحضارة الأولى إلى الترحال والبحث عن أماكن
الماء والمرعى iznigen (9)
ورحلت
مع الإنسان في مختلف الاتجاهات نفس الأفكار الأولى، نفس الأساطير
والعبادات ونفس طرق الدفن… فكما عبدت جماعات الجزء الغربي من شمال
إفريقيا الكبش Amun
والإله
Anzâr
ودفنت موتاها بطرق خاصة
(Les tumulus amazighs)
فكذلك عبدت جماعات
الجزء الشرقي من شمال إفريقيا الكبش أمون والإله أوزيريس ودفنت موتاها
بنفس الطريقة الخاصة (أهرامات مصر والنوبة)، لكن ما الذي جعل الجزء
الشرقي يطور موروثه من الحضارة الأم ويصل به إلى الأوج في حين لم يتمكن
الجزء الغربي من ذلك مع العلم أنهما إلى حدود 3000 ق.م كانا على نفس
المستوى من التقدم الحضاري، (إلى هذا التاريخ تعود البدايات الأولى
لحضارة الأسر الفرعونية وإلى هذا التاريخ كذلك تعود بقايا استقرارات في
tichit
بموريطانيا الحالية
M.Briselance; p31)؟
ففي الجزء الغربي من
الشمال الإفريقي وجدت الجماعات الأولى نفسها أمام "لامركزية" المعطيات
الطبيعية المتمثلة في شساعة المجال وتعدد وتشتت الموارد المائية
وتعرضها الدائم للندرة والنضوب بفعل استمرار زحف التصحر (بالنسبة لأقصى
الشمال الغربي فللطبيعة هناك قسوة أخرى)
وهو ما
جعل من معطيات هذا الجزء إستمرارا لتلك التي دفعتها (الجماعات) إلى
النزوح من جنوب الشمال الإفريقي، فاستمرت بذلك الجماعات في حياة
الترحال وتربية الماشية والرعي، واستمر ارتباطها بالتساقطات المطرية،
لذلك حافظت على الإله
Anzâr
مجسدا في صورته الأولى: المطر، وهذه اللامركزية الطبيعية تترتب عنها لا
مركزية بشرية تتمثل في تشتت الجماعات وتشرذمها وتطاحنها على الموارد
المائية وعدم استقرارها، ولم تستطع بذلك تطوير ما ورثته عن الحضارة
الأولى.
أما في الجزء الشرقي
من الشمال الإفريقي فقد وجدت الجماعات الأولى نفسها أمام "مركزية"
المعطيات الطبيعية تتمثل في وجود نهر واحد شبه قار و ثابت الموارد، وفي
الضيق الشديد للمجال (بالمقارنة مع مجال الجزء الغربي)، وهو ما نتج عنه
مركزية بشرية تتمثل في استقرار الجماعات وتوحدها، وهذا ما أتاح لها
إمكانية تطوير ما ورثته من الحضارة الأولى بتطوير صورة إلهها القديم،
إله المطر وتحويله إلى إله لنهر النيل كأفضل صورة للإله الذي كانت
تعبده في الصحراء ولم يكن يقابل صلواتها بعطف كبير.
إن المركزية
واللامركزية الطبيعية وما يترتب عنها من مركزية أو لا مركزية بشرية
(استعمال المجال و الإنتشار فيه) تتحكم في صياغة علاقات الجماعات
والبسيكوسياسي الخاص بها، وهذا ما اشار إليه ابن خلدون عند تمييزه في
السلوك السياسي بين كل من أهل البدو وأهل الحضر، فالبدويون ميالون
بطبعهم إلى التمرد والثورة ولا يخشون التصريح بعصيانهم لأن حياة الخيام
والترحال تعصمهم من أي تسلط، على عكس الحضريين الذين يجدون أنفسهم
مقيدين بأغلال الجدران والاستقرار مما يطبعهم على الخضوع والخنوع
والنفاق.
لذلك نجد الحضارة
الفرعونية كحضارة مركزية أنتجت "واقعا سياسيا" مركزيا مهووسا
بالاستقرار والأمن، على عكس الحضارة الأمازيغية اللامركزية التي أنتجت
"واقعا سياسيا" لا مركزيا نحت مع الوقت البسيكوسياسي الأمازيغي الذي
صنع تاريخنا وظل يصنعه إلى قرننا هذا، لهذا إذا
كانت كل
من الحضارتين قد حافظتا على
Anzâr وOrisis
لضرورات
"اقتصادية" فإنهما اختلفتا في أمر هوروس ابن هذا الإله لأسباب
"سياسية". فالحضارة الأمازيغية اللامركزية لم تكن في حاجة إلى إله يحمي
واقعها السياسي، لذلك ظل فيها ابن
Anzâr و
Issis
طفلا "عاديا" لكنه على كل حال إله ابن إلهين، لذلك يتشبه به الطفل
الأمازيغي ويستمد منه طقوس اجتيازه، بينما الحضارة الفرعونية كانت في
حاجة لمن يحمي مركزيتها، لذلك فالطفل الإله ابن
Isis وOsiris
لن يبقى
طفلا عاديا بعد أن أوكلت إليه مهمة حماية الملكية الفرعونية، بل سيتحول
إلى Horus
أي الطائر الجارح،
فالتحول إذن من طفل إلى طائر جارح هو وليد الاستقرار وما أفرزه من نظام
اجتماعي وسياسي لابد له من حارس يحافظ على استقراره وعلى هرميته.
وتحول الطفل الإله
وتجسده في صورة طائر وليس في صورة غيره من الكائنات الحية، هو وليد
مستلزمات مهمة الحماية، إذ التحليق في السماء يمكن من أداء مهمة
المراقبة والحماية على أحسن وجه، لذلك فأن يكون هذا الطائر حدأة بدلا
من الصقر أكثر تماشيا مع مهمة هوروس باعتبار الحدأة أكثر تحليقا
ودورانا في السماء من باقي أنواع الطيور، وبالتالي أكثر إجادة لمهمة
المراقبة، واختيار جنس الطيور الجارحة يتماشى كذلك مع مهمة الحماية،
باعتبار الطيور الجارحة تسود غيرها من الطيور.
إن إرجاع الحضارة
الفرعونية إلى أصول ما قبل تاريخية وإثبات أنها لم تنطلق بدء وحصرا
وأصلا وفقط من ضفاف النيل، لا يعني أن هذه الضفاف لم تكن معروفة قبل
3200 ق.م ولكنه إثبات لعدم انفصال حضارة الفراعنة عما قبلها من مراحل
زمنية، وعدم انفصالها عن محيطها الجغرافي والبشري الشمال إفريقي، حيث
تقبع العديد، إن لم نقل جل الآثار الماقبل تاريخية، خاصة إذا علمنا أن
وادي النيل لم يكن في ما قبل التصحر أفضل مكان لعيش الإنسان، بل على
العكس من ذلك، ولن تتهيأ فيه شيئا فشيئا الظروف الملائمة للاستقرار إلا
بفضل التصحر، وذلك في جنوبه
قبل
شماله لأن التصحر كان يزحف من الجنوب نحو الشمال، وكانت الجماعات
الحيوانية والبشرية تضطر للزحف معه في نفس الاتجاه، لذلك نجد معظم
الآثار الماقبل تاريخية سواء في وادي النيل أو في باقي الشمال الإفريقي
تقع في الجزء الجنوبي منهما (نقوش
Tasili
في Ahuggar
والنقوش
المشابهة لها في جبل
Gorgod
بالقرب من وادي النيل في السودان الحالي
M.Briselance, p31).
وكلما اتجهنا من هذا
الجنوب نحو الشمال نجد الاثار تنتشر كرونولوجيا: ما في الجنوب أقدم مما
في الشمال. فقبل التصحر كان إنسان شمال افريقيا يجوب كل مناطق ما يعرف
اليوم بالصحراء الكبرى، دون حاجة للارتباط بمصادر الماء والاستقرار
بالقرب منها لأن الماء موجود في كل مكان، لكن التصحر سيفرض عليه ضرورة
الارتباط بالموارد المائية القارة، وهكذا سيتغير نمط عيشه وتعامله مع
المجال، فمن حياة الصيد والالتقاط والترحال غير المقيد، إلى حياة الرعي
وتربية الماشية والترحال المقيد بالبحث عن الماء والمرعى، إلى حياة
الزراعة والتوقف عن الترحال بالانزواء في الأماكن التي ظلت وافرة
المياه، فالتصحر الذي مزق مجال شمال إفريقيا الشاسع إلى واحات سيمزق
جماعاته إلى قبائل، وسيفرض على كل مجموعة منها ضرورة الارتباط بأحد
الموارد المائية القارة، فكانت بذلك الواحات آخر أماكن انحصار واحتضار
حضارة ما قبل التصحر وخزانات رأسمالها الثقافي.
ومع اشتداد التصحر
وازدياد حدته سيستمر نزوح القبائل إلى وجهات مختلفة، وستجد مجموعة منها
في وادي النيل بديلا طبيعيا عن الواحات أكثر أمنا واستقرارا من حيث
الموارد المائية، ووادي النيل في حد ذاته ليس إلا واحة كبيرة بين
صحرائين، وفي هذه الواحة الكبيرة ستستثمر موروثها القديم من حضارة ما
قبل التصحر، الذي لم تتوفر له نفس ظروف الازدهار في الواحات الصغيرة
والمبعثرة التي بقيت مجرد قواعد ثقافية خلفية ما قبل تاريخية للحضارة
الفرعونية، وبوابات دخلت منها مجموعة من الأفكار إلى وادي النيل.
ونجد وادي النيل محاطا
من الجهة الغربية بسلسلة من الواحات تنتشر في خط جنوبي شمالي(بير قصيبة،
بير الصحراء، بيرطرفاوي، أبوبلاس، خارجة، داخلة، فارافار، عين الله،
بحرية، سيوا…). وقد كانت هذه الواحات محط اهتمام من طرف الفراعنة،
وكانت لها طرق تربط بها وادي النيل
بأعماق
إفريقيا (H.S, p42)،
وكما
حافظت من بينها واحة سيوا (شمال غرب مصر) على اللغة الأمازيغية، فكذلك
حافظ رحل صحراء غرب النيل على الأقل في الجنوب منه على لغة قديمة
(برنامج في القناة الفضائية المصرية) لا يعرف عنها شيء تقريبا (ما
علاقتها بالأمازيغية والفرعونية…؟) بينما وادي النيل لم يحافظ على لغته
القديمة ولم يبق منها إلا أثر في الدارجة المصرية وشيء من القبطية
لعوامل دينية.
وتحتضن بعض هذه
الواحات آثارا فرعونية، وقد عثر في واحة الداخلة (جنوب غرب مصر) على
كتابة تيفيناغ
(Agraw, p22)،
وانفردت سيوا من بينها
باحتضانها لأحد معبدي أمون
Amon
أكبر آلهة الفراعنة، وهو ما جلب إليها الاهتمام قديما. إن تواجد هذا
المعبد بعيدا عن ضفاف النيل ب 600 كلم مثير للإنتباه ومدعاة لطرح أكثر
من سؤال، وتواجده عند
Isîwan
بالذات مدعاة أخرى للتساؤل. إصيوان
isîwan (Isiwanen)
أمازيغيي واحة سيوا
الواحد منهم Asîwan :
هل
an في
asîwan
حرفان أصليان أم هما فقط حرفا النسبة كالذين في
ahêbcan
المنسوب إلى
ahbec
وفي abelsan (adles)، …(amadâl)
amâdlan
فيكون بذلك
asîwan
إذن هو المنسوب إلى أصيو
asîw،
وهذه ربما هي الصيغة الأمازيغية والأصلية لاسم الواحة، الذي عرب إلى
الصيوة وسيوة…، إذا كان كذلك فإسم الواحة سابق إذن لاسم طائر الحدأة،
لأن المنسوب إليه يسبق المنسوب، فلماذا إذن ينسب طائر الحدأة
(asîwan)
إلى واحة أصيو
asîw؟
وإذا كان كل طفل أمازيغي ابنا ل
Anzâr وissis
كما
سبقت مناقشة ذلك، فكل
imazighen
إذن هوروس وهوروسات أي
asîwan
و isîwanen،
فلماذا انفرد
أمازغيو سيوا بهذا الاسم؟ هل انفرادهم به يوازي انفراد واحتهم بين
الواحات الأخرى
بمعبد
Amon؟
وإذا كانت مصر على عكس باقي
Tamazgha
الأكثر حاجة قديما
لتحول Horus
الطفل إلى طائر
جارح، هل يفسر هذا انفراد سكان واحة سيوا باسم
isîwan؟
ألا يوجد isîwan
كاسم لجماعة أو
مكان إلا في مصر؟ إن
asîwan
كاسم على الأقل لطائر الحدأة معروف في باقي
Tamazgha
فإلى أي حد انفرد
أمازيغيو سيوا بهذا الاسم؟
asîwan
اسم أمازيغيي صحراء مصر السفلى، هل له علاقة ما بأصوان(10) اسم مكان في
مصر العليا؟ لأن الصاد المتحركة في
asîwan
يسهل تسكينها فتنطق بذلك
âswan،
ولماذا سكان مصر العليا يسمون كذلك بربرا؟ إن إثبات علاقة
asîwan
و aswan
سيثير الانتباه إلى
وجود asîwan
ومعبد لامون
Amon في
صحراء مصر السفلى، و aswan
ومعبد
ثان لأمون Amon
في مصر العليا.
إن ما يفسر وجود
معبدين رئيسيين لأمون
Amon،
هو وجود مملكتين في أصل نشأة مملكة مصر الفرعونية: مملكة مصر العليا
ومملكة مصر السفلى، وكان لكل منهما أماكنها الخاصة بالإلهين
"السياسيين" القديمين:
Amon و
Horus (Asîwan)
المتلازمين لتكامل
دوريهما السياسيين، ففي معبد
Amon
ينصب الكهنة الفرعون ملكا، ويتولى
( Asîwan) Horus
بعد ذلك حمايته، ورغم
أن الفرعون مينا Menès
قد وحد
المملكتين حوالي 3200 ق.م وذوبهما في مملكة واحدة إلا أنهما ظلتا مع
ذلك حاضرتين في العمق وتطفوان على السطح من حين لآخر في تاريخ مصر
الفرعونية الطويل، وحتى في الفترات التي تكون فيها المملكتان في أعلى
درجات وحدتهما، فإنهما تعلنان مع ذلك عن نفسيهما من خلال تاج الفرعون
ولقبه (ملك مصر السفلى والعليا).
لماذا يوجد معبد
Amon في
مصر العليا على ضفاف النيل، بينما يوجد في مصر السفلى بعيدا عنها في
الصحراء؟ إن Amon
و
(Asîwan) Horus
يشكلان عصب الحياة
السياسية الفرعونية لذلك لزم تحصين مواقع معابدهما، ففي مصر العليا
التي حصنها موقعها الجغرافي بني معبد
Amon في
طيبة Thébes
وسط مصر
العليا، وتموقعت Aswan
عند
شلالات النيل الأولى حيث الحدود الجنوبية للدولة القديمة
Encien Empire (2700-2200
ق.م)، أما في مصر
السفلى والتي كانت لموقعها الجغرافي عرضة للغزوات والاستعمارات القادمة
من الشرق وما وراء البحر، فقد ابتعد
Amon وasîwan
جدا عن
ضفاف النيل، وتحصنا بالصحراء، حتى إذا استولى الغزاة على الدلتا فلن
يستتب لهم الأمر طويلا ما داموا لم يدخلوا معبد
Amon و
Asîwan
حاميي المملكة الفرعونية، ولهذا الدور السياسي الذي كان للإلهين تجشم
الاسكندر الأكبر عناء عبور الصحراء إلى سيوا ليستتب له الأمر في مصر
كلها.
إن
Asîwan
سواء عنينا به ساكن واحة سيوا أو طائر الحدأة يتبين من صيغته النحوية
أنه منسوب إلى Asîw،
وهي
ربما الصيغة الأمازيغية الأصلية لاسم واحة سيوا، وصيو
Sîw
كلمة نسمع أمهاتنا يرددنها لتحذير الدواجن وحمايتها من الطيور الجارحة
التي تتربص بها، فهل صيو
Sîw اسم
الواحة يحمل معاني الحماية؟ وهي معان يجسدها فعلا موقع الواحة
واحتضانها لمعبد Amon
ويجعلها
«Centre spirituel gardien de la tradition»
فيكون بذلك المعنى
اللغوي لأصيوان Asîwan
المنسوب
إلى Asîw
هو الحامي، وهذا يجعل
تطابقا بين معنى Asîwan
ووظيفة
هوروس Horus،
وتلك قرينة قد
تؤكد أن Horus
يتجسد في
الحدأة وليس في الصقر كما يقول الإجيبتولوجيون!
فهل
Isîwan
حملوا هذا الاسم لأنهم كانوا حماة الملكية الفرعونية بالقوة العسكرية
(تجنيد الليبيين في جيش الفرعون)، أو باحتضانهم معبد
Amon
المتحصن في صحرائهم؟ أم أنه كما سموا أمونيين
Ammonioi
نسبة إلى
Amon،
كذلك حملوا اسم Isîwan،
الطائر
الجارح الذي يتجسد فيه
Horus
باعتبارهم أبناء أبائهم
Anzâr وIssis
مثلهم
في ذلك مثل إخوتهم الليبيين القدماء الذين سموا
Garaman (11)
نسبة إلى أبيهم
Garamas
أحد ابناء الإله
Apollôn
المتجسد في الشمس.
إن تخويل مهمة حماية
الملكية الفرعونية وهي المهمة الخطيرة لابن
Isis وOrisis
دونما
باقي الالهة الجبارة يبين مدى أهمية هذه العائلة المتألهة وشعبيتها
التي لا تقاومها حتى الآلهة، ويبين تغلغلها في الثقافة الفرعونية، وهو
تغلغل لن يمنحه لها إلا قدمها وأولويتها، لذلك يبدو طبيعيا أن تتشبث
الحضارة الفرعونية بأصولها الأولى
(يتبع).