|
|
افتتاحية: ترسيم الأمازيغية: فرصة للتقدم إلى الأمام، أم مناسبة للتراجع إلى الخلف؟ (الجزء 1) بقلم: محمد بودهان
كانت الأمازيغية، قبل دستور فاتح يوليوز 2011، لغة غير معترف بها دستوريا. لهذا كان مطلب ترسيمها الدستوري يأتي على رأس مطالب الحركة الأمازيغية. الدستور الجديد استجاب لهذا المطلب ونص على أن «الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة». هذا الترسيم للأمازيغية في هذا الدستور الجديد، يمثّل إذن تقدما هاما، بل كبيرا جدا، في مسار الاعتراف بالأمازيغية ورد الاعتبار لها، مقارنة مع الإقصاء الذي كان نصيبَها في الدساتير السابقة. إذا كان الأمر كذلك، فلمَ هذا السؤال الموضوع كعنوان لهذا المقال، بصيغته المشككة في هذا التقدم بافتراض أن الأمر قد يتعلق بتراجع وليس بتقدم؟ لأن فاعلين سياسيين صرحوا وكتبوا، منذ الإعلان عن مشروع الدستور الذي ينص على رسمية اللغة الأمازيغية، بأنهم ينتظرون بـ»شوق» تنظيم الانتخابات البرلمانية القادمة وتشكيل الحكومة الجديدة حتى يتسنى لهم ولأحزابهم تفعيل مضمون الفصل الخامس في جانبه المتعلق بالأمازيغية، وذلك بإصدار قوانين تنظيمية تخص وضعية اللغة الأمازيغية كما ينص على ذلك الفصل المذكور. إلى هنا كل شيء جميل ورائع، ويدل على أن هناك بالفعل تقدما أحرزته الأمازيغية في ظل الدستور الجديد. لكن ما ليس جميلا ولا رائعا ولا يدل على أي تقدم، هو أن هؤلاء السياسيين لا يستعجلون استصدار قوانين تنظيمية خاصة بالأمازيغية للإسراع بتفعيل ترسيمها طبقا للفصل الخامس من الدستور الجديد، وإنما، كما يعلنون في كل مناسبة عن تصميمهم على ذلك، من أجل إعادة النظر ـ نعم إعادة النظر ـ في الأمازيغية بشكل كلي يشمل وضعها القانوني، والوظيفة التي ستسند لها، والغايات المبتغاة منها، وخصوصا مناقشة الحرف الذي يجب أن تكتب به، مع إصرارهم بأنهم سيعملون على رفض «تيفيناغ» وفرض الحرف العربي. والغريب والمفارِق أنهم يستندون، لتبرير التشطيب على كل ما سبق أن تحقق للأمازيغية من مكاسب والبداية من نقطة الصفر، إلى الدستور نفسه الذي جاء لينصف الأمازيغية ويحمي مكاسبها ويعزز هذه المكاسب، مستشهدين بما ينص عليه هذا الدستور الجديد من اعتبار الأمازيغية «رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء»، وليس حكرا على الأمازيغيين وحدهم ولا على المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، كما يعلقون ويوضحون. وهو ما يعطيهم الحق، حسب تأويلهم، في إعادة النظر في كل شيء يتصل بالأمازيغية.وهذه عينة عن هذه الدعوات إلى إعادة النظر في حرف «تيفيناغ»: فالجميع استمع باشمئزاز كبير إلى خطاب السيد بنكيران، الأمين العام لحزب العدالة والتنمية الذي يقدم نفسه كحزب إسلامي، وهو يسخر من حرف «تيفيناغ» في مهرجان خطابي يوم 19 يونيو 2011، وقبل حتى الاستفتاء على الدستور، ويشبهه بالحروف «الشينوية» (الصينية) ويتوعد بأن حزبه سيدعو إلى إعادة النظر في حرف كتابة الأمازيغية عندما سيُناقش في البرلمان المقبل القانونُ التنظيمي الخاص بالأمازيغية، المنصوص عليه في الفصل الخامس من الدستور. ويكتب السيد بلال التليدي في يومية «التجديد» ليوم 27 يونيو 2011، التابعة إيديولوجيا لنفس حرب السيد بنكيران، موضوعا تحت هذا العنوان الصريح: «هل سيتيح الدستور الجديد الفرصة لإعادة النظر في حرف تيفناغ؟». وهذا الأستاذ فؤاد بوعلي، من جمعية الدفاع عن اللغة العربية، يؤيد الدعوة إلى إعادة النظر في كل المكاسب التي حققتها الأمازيغية وعلى رأسها حرف «تيفيناغ». يقول: «ترسيم الأمازيغية وإدراجها لغة رسمية في دستور المملكة يقتضي إعادة فتح النقاش العمومي حول كل القضايا التي تتعلق بها، ما دامت الأمازيغية ملكا لكل المغاربة»؛ «...واعادة النظر في كل إنتاجات المؤسسات التي تصدت للثقافة الأمازيغية بحثا وكتابة وتنقيبا»؛ «إن هذا لا ينبغي أن ينسينا أو يجعلنا نتجاوز حقيقة أن الكتابة بحرف «تيفيناغ» قد أفقدتها (يقصد الأمازيغية) هذا البعد الوطني الشامل». (hespress.com – 29 – 06 - 2011). وهذا السيد أحمد الشقيري الديني يدافع باستماتة عن موقف السيد بنكيران من حرف «تيفيناغ». كتب يقول: «الآن وقد أوشكت الأمازيغية أن تصبح لغة رسمية، من حق المغاربة أن يناقشوا الحرف الذي سيتعلم به أبناؤهم لغتهم الأم...» (hespress.com – 07 – 07 - 2011). ونفس الشيء يؤكده السيد امحمد الهلالي من حركة التوحيد والإصلاح في رده ـ الذي هو سب أكثر مما هو رد ـ على السيد أحمد عصيد بخصوص انتقاد هذا الأخير لموقف السيد بنكيران. يقول السيد الهلالي: «وموعدنا الحرف لكتابة الأمازيغية التي صارت دستوريا ملكا مشتركا لجميع المغاربة وليست حكرا عليكم السيد عصيد» (hespress.com – 08 – 07 - 2011). وهذا السيد محـمـد أقـديـم يكتب هو كذلك موضوعا على موقع (lakome.com) يوم 10 يوليوز 2011 بعنوان: «هل فعلا تيفيناغ خط لكتابة اللغة الأمازيغية؟؟؟»، يستهله كما يلي: «جميل أن يعاد فتح موضوع أبجدية «تيفيناغ»».وهذا السيد محمد المعتصم، الذي سبق أن كان عضوا في لجنة إعداد الميثاق الوطني للتربية والتكوين في عهد الراحل الحسن الثاني، يكتب عمودا بأسبوعية «الأسبوع» في عددها ليوم السابع يوليوز 2011 تحت هذا العنوان الدال: «تيفينغ خدعة سياسية وخطأ بيداغوجي فادح». وفي نفس العمود من نفس الأسبوعية بعددها ليوم 21 يوليوز 2011، يلوم الأحزاب السياسية عن عدم معارضتها الصريحة لحرف «تيفيناغ»، فيقول: «...كنا نتمنى أن تتحرك الأحزاب السياسية في هذا الاتجاه، غير أن صمتها الرهيب أمام «تيفينغ» لا يبرره إلا تسابق العديد منها على أصوات الأمازيغيين». واضح أن هذه المواقف تدعو جهارا وعلنا إلى الانطلاق من نقطة الصفر فيما يتعلق بحرف كتابة الأمازيغية، والعودة إلى ما قبل فبراير 2003، تاريخ قرار اعتماد حرف «تيفيناغ» كحرف رسمي لكتابة الأمازيغية. وهذا إذن تراجع إلى الخلف وليس تقدما إلى الأمام، وهو ما يجعل السؤال الذي طرحناه في العنوان وجيها ومشروعا. هذا المطلب الأخرق للعودة إلى «معركة الحرف» التي حسمت منذ أزيد من ثماني سنوات (نحن في غشت 2011)، يبرز رغبة الأمازيغوفوبيين في تحويل الأمازيغية إلى موضوع عبثي و»سيزيفي»(1) بامتياز، يجعلها كلما تقدمت خطوتٍ إلى الأمام تعاد من جديد إلى نقطة البداية، تماما كما كان يفعل «سيزيف». وهم في دفاعهم عن هذه «العودة الميمونة» إلى ما قبل ترسيم «تيفيناغ»، لا يجدون ما يبررون به هذه العودة إلا التضليل والتجهيل، من خلال محاولتهم خداع المغاربة بأن كل ما يعرفونه عن الأمازيغية عبر ما حققته من مكاسب، ليس إلا «جهلا» لا علاقة له بـ»العلم» الحق، الذي هم وحدهم أصحابه ومالكوه. على رأس هذه التضليلات والتجهيلات القول بأن حرف «تيفيناغ» لا يعرفه المغاربة، وبالتالي إذا استعمل الحرف العربي لكتابة الأمازيغية ستنتشر ويقبل عليها المغاربة لسهولة تعلمها بالحرف العربي الذي يجيدون استعماله والكتابة به. ولقد رأينا أن السيد بنكيران، في مهرجانه الخطابي المشار إليه سابقا، يطلب من الحاضرين أن يسألوا السيد عبد الله باها، نائب الأمين العام السيد بنكيران نفسه، إن كان يعرف كتابة الأمازيغية وقراءتها بحرف «تيفيناغ» مع أنه يتحدثها ويجيد كتابتها وقراءتها بالحرف العربي. ووجه التضليل والتجهيل في هذا «الاستدلال» هو تمرير، كحقيقة بسيطة، أن معرفة المغاربة للكتابة بالحرف العربي ـ حتى على فرض أن ذلك صحيح ـ أمر بديهي كما لو أنهم يولدون وهم يعرفون الكتابة بالحرف العربي. مع أن الحقيقة، وهي بسيطة، أن الذين يعرفون الكتابة بالحرف العربي تعلموا ذلك في المدرسة. ومنهم من لا ينسى أبدا ما تعرض له من ضرب مبرح بالقضيب الخشبي على رؤوس أصابعه عندما كان يعسر عليه تعلم ذلك الحرف العربي. أما المغاربة الذين لم يتعلموا هذا الحرف في المدرسة فلا زالوا يجهلون استعماله في الكتابة كما يجهلون استعمال حرف «تيفيناغ» لنفس السبب، وهو أنهم لم يتعلموه في المدرسة. النتيجة واضحة وبسيطة: المغاربة لا يعرفون استعمال الحرف الأمازيغي «تيفيناغ» لأنهم لم يتعلموه في المدرسة. وبالتالي فتعميم تدريس الأمازيغية للمغاربة سيسمح، تماما كما حدث مع الحرف العربي، للمتمدرسين الجدد باستعمال الحرف الأمازيغي وكتابة الأمازيغية وقراءتها بكل سهولة ويسر. إذن المشكلة الحقيقية، التي يعيها جيدا أصحاب هذا التضليل والتجهيل، ليس أن المغاربة لا يعرفون «تيفيناغ» ويعرفون الحرف العربي، بل إن المغاربة لم يدرسوا الأمازيغية في المدرسة كما درسوا العربية. فما كان يجب على هؤلاء المضللين والمجهّلين المطالبة به، لو كانوا واعين بانتمائهم االهوياتي لهذا الوطن، ليس إعادة النظر في حرف كتابة الأمازيغية وإلغاء «تيفيناغ» لأن المغاربة لا يعرفون هذا الحرف، بل المطالبة بتدريس الأمازيغية للمغاربة حتى يتعلموا الكتابة بحرف لغتهم الأمازيغية.ومن ضروب التضليل والتجهيل الأخرى التي يُلجأ إليها لمحاربة الحرف الأمازيغي، القول بأن استعمال «تيفيناغ» في تدريس الأمازيغية هو سبب فشل هذا التدريس، مما يبرر إلغاء هذا الحرف إذا أردنا أن ينجح تدريس الأمازيغية. فهذا السيد محمد المعتصم المذكور سابقا، وفي عموده بأسبوعية «الأسبوع» ليوم 15 يوليوز 2011، كتب يقول: «ويكفينا مراجعة الإحصائيات المتعلقة بعدد التلاميذ الذين تعلموا الأمازيغية منذ بداية تدريسها ما يقرب من عشر سنوات ليتبين لنا أن المنهجية المتبعة وحروف تيفينغ المستعملة قد أدت إلى الفشل الكامل، وأن عدد التلاميذ المغاربة الذين تعلموا الأمازيغية عن طريق تيفينغ يبقى ضئيلا جدا ويؤكد هذا الفشل». ياله من تضليل وتجهيل محكمين ومحبوكين! يرد السيد المعتصم فشل تدريس الأمازيغية إلى استعمال «تيفيناغ» كما لو أن هذا التدريس موجود وقائم بالفعل، في حين أنه، بالنظر إلى الطريقة التي مورس بها، كان مجرد عبث واستخفاف بالأمازيغية والأمازيغيين، مع غياب لأدنى الشروط التي يتطلبها تدريس مادة من المواد، وذلك نتيجة لغياب الشرط الأول الذي هو توفر الإرادة السياسية لتدريس جدي وحقيقي للأمازيغية. بل حتى عبارة «فشل تدريس الأمازيغية» غير ملائمة للتعبير عن مآل هذا التدريس، لأن الفشل يفترض أن هناك تقدما في الإنجاز الذي أعطى نتائج دون التي كانت منتظرة من ذلك الإنجاز. أما تدريس الأمازيغية، فلم يشرع فيه بعدُ إذا استحضرنا الشروط السياسية والمالية والتربوية التي يتطلبها مثل هذا التدريس. ولهذا سبق لي أن شبهت هذا التدريس بـ»بترول تلسينت» الذي أعلن الملك عن اكتشافه في صيف 2000، لكنه سرعان ما اختفى ولم يعد يسمع عنه أحد (انظر مقالنا حول الموضوع بالعدد 126 من «تاويزا» لشهر أكتوبر 2007 بعنوان: «تدريس الأمازيغية أو بترول «تالسّينت» للمرة الثانية»). كذلك كان تدريس الأمازيغية: بمجرد ما أعلن عن انطلاقه في سبتمبر 2003 حتى اختفى ولم يعد له وجود. واليوم يستعمل هذا الإفشال لتدريس الأمازيغية لتحميل المسؤولية للحرف الأمازيغي «تيغيناغ». إنه استدلال خبيث وماكر يكشف عن مدى غياب الصدق والنزاهة لدى أصحابه. فمنطق التضليل والتجهيل يبرز هنا في اعتماد الإقصاء لتبرير الإقصاء: أقصيت الأمازيغية منذ الاستقلال من المدرسة، فأصبح المغاربة يجهلون حرفها وكتابتها. وجهلهم هذا، الناتج عن إقصائها، يستعمل اليوم لإقصائها عبر إقصاء حرفها. ولأنه كان هناك إفشال مقصود لتدريس الأمازيغية، فإن هذا الإفشال يستعمل اليوم لإقصاء الحرف الأمازيغي «تيفيناغ»، وصولا إلى إقصاء الأمازيغية التي هي المستهدفة من رفض الحرف الأمازيغي «تيفيناغ»، لأنه بمثابة «ماركة مسجلة» خاصة بالأمازيغية ترمز إليها وتدل عليها وتعبر عن وجودها وحضورها. والدليل أن المستهدف ليس هو الحرف الأمازيغي وإنما اللغة الأمازيغية التي تكتب بهذا الحرف، هو أنه أثناء «معركة الحرف»، منذ تأسيس «ليركام» إلى تاريخ ترسيم «تيفيناغ» في يناير 2003، حيث كانت غالبية الحركة الأمازيغية تدافع عن الحرف اللاتيني وتطالب باعتماده الرسمي لكتابة الأمازيغية، كانت الجهات المعادية للأمازيغية، وخصوصا جناحها الإسلامي، ترفض الحرف اللاتيني وتطالب باعتماد الحرف العربي، أو على الأقل الحرف الأمازيغي «تيفيناغ» الذي قال عنه كبير حركة «التوحيد والإصلاح» نفسه السيد أحمد الريسوني بأنه «أهون شرا وأقل ضررا من المطلب الشاذ والغريب باعتماد الحرف اللاتيني في كتابة اللغة الأمازيغية» (يومية «التجديد» بتاريخ ثالث فبراير 2003). في خضم حربها ضد الحرف اللاتيني، لم تكن إذن هذه الجهات الأمازيغزفوبية ترفض حرف «تيفيناغ» لأنها كانت تعتقد أن هذا الحرف، عكس الحرف اللاتيني، هو الوسيلة التي ستخلصهم من الأمازيغية التي سيكون هذا الحرف بمثابة قبر لها. لكن بعد تجربة ثماني سنوات من تدريس الأمازيغية، وعلى الرغم من الإفشال الكلي لهذه التجربة كما سبق شرح ذلك، إلا أنهم أدركوا أن ما ربحته الأمازيغية كهوية، مع تنامٍ للوعي لدى المغاربة بالانتماء إلى هذه الهوية، والاعتزاز بها والدفاع عنه، ما كان لهذه الأمازيغية أن تربحه لو تم تبني الحرف اللاتيني لكتابتها. ولهذا فهم لا يجدون حرجا في أن يرفضوا اليوم ما قبلوا به بالأمس، ما دام أن الغاية تبرر الوسيلة: الغاية هي رفض الأمازيغية والوسيلة هي رفض حرفها الأمازيغي الذي يعبر عنها ويجسدها ويرمز إليها.والهدف من كل هذا التضليل والتجهيل المعتمدين في تبرير هذا المطلب السفيه لإعادة النظر في رسمية الحرف الأمازيغي، مكشوف ومفضوح: لقد رأينا كيف كاد الأمازيغوفوبيون يفقدون صوابهم بمجرد تسرب أخبار من اللجنة المكلفة بإعداد مشروع الدستور الجديد، تفيد بأن الأمازيغية ستكون لغة رسمية في هذا الدستور الجديد (انظر موضوعنا حول «سعار الأمازيغوفوبيا وجنون العربومانيا الجاهلية» بالعدد 170 من «تاويزا» لشهر يوليوز 2011). لقد أخرجوا كل عتادهم الحربي واستعملوا كل مخزونهم من السلاح ولعبوا الكل من أجل الكل حتى لا تكون الأمازيغية لغة رسمية. وإذا كانوا قد نجحوا، بضغطهم وتدخلهم في الساعات الأخيرة قبل الإعلان عن المشروع النهائي للدستور، في تغيير الصيغة الأصلية التي كانت ترسّم الأمازيغية بلا قيد ولا شرط ولا تأويل، فإنهم لم ينجحوا في منع الترسيم الدستوري للأمازيغية. ولما خسروا «معركة الدستور» لمنع ترسيم الأمازيغينة، ها هم يختلقون «معركة الحرف» التي سبق أن انهزموا فيها في 2003. الهدف طبعا من كل هذه «المعارك» التي يخوضها الأمازيغوفوبيون المستلبون ضد الأمازيغية، هو محاربتها وإقصاؤها. وبما أن إقصاءها المباشر والصريح لم يعد ممكنا بعد أن أصبحت لغة رسمية، فإنه يمكن إقصاؤها بشكل غير مباشر من خلال تعريبها وإلحاقها باللغة العربية كتابعة وخادمة لها، وذلك بفرض كتاباتها بالحرف العربي. فكما أن الأمازيغيين تم تعريبهم بنجاح منقطع النظير، فلا يبقى إلا تعريب أمازيغيتهم عن طريق كتابتها بالحرف العربي لتكتمل عملية التعريب بشقيها البشري واللسني. النتيجة إذن، وهذا ما يريده المحاربون لحرف «تيفيناغ»، أن الأمازيغية، في حال كتابتها بالحرف العربي، لن تكون ولن تبقى أمازيغية الأمازيغيين، أي الأمازيغية الأمازيغية، بل ستصبح أمازيغية العرب، أي الأمازيغية العربية.ثم إذا كان هؤلاء يرفضون الحرف الأمازيغي ويدعون إلى استبداله بالحرف العربي دفاعا عن هذه اللغة وغيرة عليها ورغبة في تطويرها وانتشارها كما يدعون، فلماذا لم يسبق لهم أن اعتنوا بهذه الأمازيغية ولا تعلموها ولا كتبوها بالحرف العربي الذي يدافعون عنه، فيساهمون بذلك في تطوريها وانتشارها باستعمال نفس الحرف، حتى يعطوا الدليل العملي أولا على حسن نيتهم ومصداقية موقفهم، وثانيا على أن هذا الحرف صالح لكتابة الأمازيغية وتدريسها، ويساعد على انتشارها وتطورها كما يزعمون؟ فلماذا لم يسبق لحزب السيد بنكيران ولا حزب الاستقلال، وهما الحزبان اللذان يتوفران على الإمكانات المادية والبشرية للقيام بذلك، أن نظما ورشات لتعليم الأمازيغية بالحرف العربي لمناضلي الحزبين والمنخرطين فيهما؟ لماذا لم يسبق لهما أن خصصا صفحات منتظمة بيوميتي «التجديد» و»العلم» لنشر النصوص الأمازيغية بالحرف العربي ليقدما بذلك البرهان، فعلا وممارسة وليس قولا وادعاء، على أن هذا الحرف هو الأنسب للأمازيغية؟ أما وأن كل هؤلاء الذين ينادون اليوم، بمجرد أن نص الدستور الجديد على ترسيم الأمازيغية، باستعمال الحرف العربي لكتابتها دون أن يسبق لهم أن اعتنوا بهذه الأمازيغية ولا تعلموها ولا درسوها بهذا الحرف العربي ولا بأي حرف آخر، فإن موقفهم «الغيور» على الأمازيغية ليس إذن إلا نفاقا ورياءً ومخاتلة، يعبر عن سوء نية وغياب للمصداقية وانعدام لأي وازع الأخلاقي. وهو ما لا يسمح لهؤلاء بالحديث باسم الأمازيغية لأنهم مجرد منافقين ومفترين. مقارنة مع هذا الموقف المنافق، نستحضر موقف الذين كانوا يفضلون كتابة الأمازيغية بالحرف اللاتيني، والذين كانوا صادقين وأصحاب مبادئ تحركهم حسن النية ـ على عكس المنادين اليوم بالحرف العربي ـ، لأنه سبق لهم أن اعتنوا بالأمازيغية وكتبوها وأنتجوا بها نصوصا مستعملين الحرف اللاتيني الذي كانوا يدافعون عنه، مما يضفي على موقفهم المصداقية والنزاهة، عكس الموقف المنافق والانتهازي لأصحاب الحرف العربي الذين لا تهمهم إثارة مسألة الحرف إلا بهدف وضع العصا في عجلة ترسيم الأمازيغية والنهوض بها. (الجزء 2 في العدد القادم)
|
|