|
|
تجسيد العروبة وأشياء أخرى... بقلم: محمد بنانح إن الأماكن والأشياء تحمل في ظاهرها رمزية ثقافية وملامح لايدولوجيا ما، تقوم على بناء وصقل الذاكرة البصرية للإنسان، والتي في جوهرها تختزن الكثير من المفاهيم واليقينيات، هذه الرمزية تشكل في بعدها الفعلي سلاحا لإبراز مجموعة من الصور والشخصيات والأفكار وتتشكل على ضوئها هوية البلاد. يمكن وضع هذه المقدمة المختصرة والبسيطه كتعريف مبدئي لما يسمى بالصورة النمطيه والرمزية «إظهار غير المرئي أو المعنى عن طريق ما هو مرئي» أو ما يمكن تسميته «النظرة التقليدية المكرسّة». إن السيطرة والهيمنة على تلك الأماكن والأشياء (الأشياء ترمز لكل شيء يصنعه الإنسان ويتم توظيفه لخدمة جانب ثقافي بذاته) يضعها بطبيعة الحال تحت منظور ثقافي وفكري معين ويكون في حقيقة الأمر ساحة حرب خفية لا يلاحظها إلا من يملكون تلك الأدوات والمراقب. إن دول اتحاد تامزغا، بعد استقلالها الرسمي من القوى الاستعمارية الغربية، عملت على ترسيخ مجموعة من المعطيات والأساطير حولها حتى تحمي سلطتها ووجودها على رأس وسائل الإنتاج المعنوي والمادي وكل المكتسبات المخزنية، هنا سأضع بعض الأمثلة الواقعية التي عاينتها عن قرب في زيارتي لأمورياكوش(المغرب). 1-جامع الفنا عند دخولك لهذه الساحة تقابلك مجموعة من عربات الأحصنة في شكلها الشرقي المستمد من الرؤية الفرنسية لمصر في منتصف القرن الثامن عشر! النظرة الاستعمارية للشرق الكبير الذي لا يفرق بين غرب أسيا وشمال إفريقيا، حيث كل هذه المنطقة عبارة عن أحصنة وسهرات شهرزاديه مع الجواري الإسلامية! رغم كون هذه العربات في شكلها الحالي لم تشكل يوماً وجوداً تاريخياً في الثقافة الأمازيغية، وهي من المفترض أن تكون ثقافة البلاد الأصلية والحقيقية، حتى محاولة إعادة صياغة الحلي والمنتوجات اليدوية على أنها جزء من الثقافة العربية المشرقية، حيث تجدهم يضعون « الشيشه» جنب اللوحات المائية التي ترضع إلهامها من المناطق الجبلية ذات المكون الثقافي الأمازيغي الصرف، رغم كون هذه الأيقونات المغاربية متمايزة ولا تتوفر عليها دولة «مشرقية» أخرى، ذلك المشرق الذي أصبح يستورد التحف المصرية من الصين والشماع من إنجلترا، حيث يضعون الأحصنة ويبيعون الكوفية عند مداخل الأهرامات بعد الانقطاع الوجداني بين الموروث والإنسان، لهذا يمكن وضع هذا في وصف كثيف حول حقيقة ما يحدث، حيث يقوم هؤلاء (هؤلاء تشمل جميع من يؤمن بمشرقية المغرب) بتعميق صورة المغرب المشرقية العربية والسطو على المكون الأمازيغي وضمّه للشرق. 2-المطار عند تواجدي في مطار محمد الخامس فاجأتني الحمولة الأيدولوجية التي يسوقّها المكان، والذي يعتبر السفير الحقيقي لكل البلدان وكتيب حي يطبع صورة عامة عند السياح والأجانب، من المحلات التي تبيع الأشياء التذكارية حيث تجد صور الجمال والمساجد وموسيقى الگناو والصحراء بنخيله، رغم كون هذه الصور تمثل جزءا من ثقافة البلاد إلا أنها خارج سياقها وتم ربطها بالسياق المشرقي العربي كالمعتاد! التركيز على نوع موسيقي معين وتجاهل نوع آخر وهو الموسيقى الأمازيغية المتنوعة، حتى الإعلانات واللوائح تجدها مكتوبه باللغة العربية والفرنسية ولغات أخرى في غياب اللغة الأمازيغية وهي لغة رسمية ووطنية حسب الدستور الجديد! وتجسيد العروبة يمتد حتى فوق السماء وداخل الطائرة في لائحة الأغاني المتوفرة التي تضم الأغاني العالمية والعربية والمغربية العربية في غياب للأغنية الأمازيغية.صيانة الذاكرة البصرية إن الحرف اللاتيني والأرامي يستمدان وجودهما وقوتهما من خارج الحرف، اعتماداً في المقام الأول على اعتياد الناس على رؤيتهما في كل مكان! والتفاعل اليومي في كل جوانب الحياة من العمل إلى المدرسة والتلفاز حتى فاتورة الكهرباء! وليس من كون الحرف يرمز لأي تميز أو تفوق خرافي، وعليه فقد تم إفراغ حرف تيفيناغ من مفهومه الوطني وتم عزله حتى تم تحويله إلى حرف غريب ومجهول يرى فيه البعض الحقب الحجرية والطلاسم! والبعض ذهب إلى القول بأنه يشبه الحروف الصينية، التشكيك في جدواه بصورة غير علمية لم ترتكز على التجربة والبحث الميداني الذي يستقي مصداقيته من الطفل المغاربي. القوى الرجعية تسيء لهذا الحرف عند كل فرصة ولهذا يجب على الأمازيغ أن يأخذوا موقفا يمكن وصفه بالتاريخي! الكتابة بتيفيناغ شيء ضروري وإجباري. فالدفاع عن الحرف وكفى يمثل بالنسبة لي تهريجا حقيقيا يجب تجاوزه، يجب أن نبدأ في الكتابة بحرف تيفيناغ حتى نبدأ في الصيانة الفعلية للذاكرة البصرية.
|
|