uïïun  134, 

sdyur 2958

  (Juin  2008)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

asfugl n tktut n fas am usfugl n tamstna tafransist

Tarzft ghar ujnna amzwaru

Tmsaman

Iyyis

Aseklu

Amadval igrawln

Tucriqt yizvidven

...Tagwi...

Français

Le syndrome de déficience identitaire

La négation de la culture amazighe

Fouad Laroui ou la démazighisation manu militari

L'Afrique du nord appartient-elle au monde arabe?

Communiqué du parti du renouveau et de l'équité

Asfidjet

Condoléances à Lounes Belkacem

العربية

الاحتفال بتأسيس فاس لا يختلف عن الاحتفال بذكرى فرض الحماية الفرنسية على المغرب

الإقامة في اللغة

عندما يصبح الكذب ثقافة سياسية

أبمثل هذه الأكاذيب تحكمون المغرب؟

رسالة إلى العظماء الفرنسيس

اللغة الأمازيغية ما زالت غائبة عن ويندوز

الاختيار الأمازيغي وتحديات المشروع المجتمعي

اختفاء المفكر الأمازيغي بوجمهة الهباز

ردا على عبد الله الدامون

الأمازيغ في رحلة البحث عن الذات

جامعة الجزر العربية

تحريك العقل السياسي الأمازيغي

ضحك وبكاء الشاعر مستاوي

أيناس ديوان للشاعر أوبلا إبراهيم

وثيقة 11 ماي للحزب الأمازيغي

ميلاد أول مجلة متخصصة في قضايا الطفل

المنتدى الأمازيغي يستنكر حل الحزب الأمازيغي

بيان تنسيقية خير الدين

بلاغ تنسيقية مولاي محند

اعتقالات جديدة في صفوف الحركة الأمازيغية

بيان لجنة الدفاع عن الأمازيغية في التلفزيون

بسان الحركة الأمازيغية بالناظور بمناسبة فاتح ماي

بيان العصبة الأمازيغية بشأن القناة الأمازيغية

بيان الحركة الأمازيغية بموقع الناظور

كلمة العصبة الأمازيغية بمناسبة عيد الشغل

بيان تنسيقية مولاي محند بمناسبة فاتح ماي

أنشطة ثقافية لجمعية أزول

شكاية العصبة الأمازيغية

بيان الحركة الأمازيغية بموقع أكادير بمناسبة فاتح ماي

بيان معتقلي الحركة الأمازيغية

بيان تنسيقية مولاي محند

بلاغ تنسيقية مولاي محند

بلاغ الجمعيات الأمازيغية الديموقراطية المستقلة

بلاغ المنتدى المغربي من أجل الحقيقة والإنصاف

 

 

 

الإقامة في اللغة (وصايا متأدب أمازيغي إلى ناشئة الأدب الأمازيغي)

بقلم: ميمون أمسبريذ

بارسي كو كرجه تازى خوشتر أست عشق را خود صد زبان ديكر أست (جلال الدين الرومي) ـ قل بالفارسية وإن بدت العربية أحسن سيجد الحب طريقه عبر كل اللغات1

في مقال لي سابق في هذه الصحيفة (العدد 93 يناير 2005) تحت عنوان:

De la reprise de la production de signes dans la culture amazighe ، كنت سجلت ظاهرة استئناف النشاط السيميوطيقي (إنتاج العلامات) في الثقافة الأمازيغية بعد انحسار خطير كاد يؤدي بحياة هذه الثقافة لولا أن تداركتها الحركة الأمازيغية وهي تلفظ أنفاسها الأخيرة، تحقيقا لمخطط الحل النهائي للذين قرروا أن إماتتها واجب وطني وشرط لحصول التنمية والتقدم (فكادت تتحقق الإماتة ولم يتحقق التقدم؛ لكن تلك قصة أخرى..,).

لقد صرنا نشهد حقا صحوة حقيقية في مضمار إنتاج الأشكال الرمزية ضمن المنظومة الثقافية الأمازيغية؛ بدء من تسمية المواليد الجدد بأسماء أمازيغية عريقة وإطلاق علامات تجارية أمازيغية؛ وانتهاء باستيحاء المرجعية الأمازيغية في الصباغة والتشكيل والموسيقى والفنون اللغوية من شعر ونثر.

لكن ليس الغرض من العودة إلى هذا الموضوع هو مجرد توكيد تسجيل تلك الصحوة، وإنما الدعوة إلى تعميق مجراها وتوسيع مداها، والانتقال بها شيئا فشيئا من الكم إلى الكيف. ولن يتأتى ذلك في نظري إلا بالإقامة في اللغة2 . وأعني بالإقامة في اللغة إعادة توطين المشاعر والأحاسيس والخيال والأفكار في اللغة الأمازيغية كما فعل الأمازيغيون عبر القرون، إلى أن حلت دولة الاستقلال التي أخضعت الأجيال الجديدة من الأمازيغيين لعملية تهجير ثقافي منهجية وشاملة، كانت نتيجتها اقتلاعهم من التربة الثقافية الأم والقذف بهم في مفازات الاستلاب والتسكع الثقافيين.

لقد حفظت لنا الذاكرة الجماعية شذرات من الإبداع الأدبي تعد حقا ذروة في الصياغة الأدبية للمعيش-المتخيل في جميع أبعاده: التاريخية والنفسية والروحية؛ عبأ فيها الأمازيغي موارد لغته من وصف ومجاز واستعارة وتشبيه وتمثيل... بفعالية تثير الانبهار. وأن المرء ليقف مشدوها أمام “أبيات” شعرية أمازيغية يبلغ فيه التعبير الأدبي مداه اقتصادا وصفاء وسموا؛ يرصد فيها الشاعر حركات الروح في أحوال الوصال والفصال، والأمل واليأس، والألفة والاستيحاش؛ ويودعها إحساسه المأساوي بهشاشة أشياء العالم، وارتباطه الوثني بالأرض، وكثافة صلته بالحي le vivant وأثر تمزقات التاريخ ونزوات الطبيعة على الإنسان؛ ناهيك عن تلك الكنوز الثمينة من أساطير الأصول mythes des origines التي ليس للميثولوجيا الإغريقية ما تفضل به عليها.

لقد استطاع الشاعر الأمازيغي (أو بالأحرى الصوت الشعري الجمعي الأمازيغي) أن ينجز ما أنجز في التعبير الأدبي لأنه كان يقيم إقامة كلية في لغته: بمقولاتها وتصنيفاتها وشبكاتها الدلالية وتعييناتها وإيحاءاتها... بها كان يتمثل العالم، وفيها كان يصوغ تجربته الوجودية. فعلى الأديب الأمازيغي المعاصر، إن هو أراد أن يستأنف النفس الإبداعي لأسلافه، أن يعود من منافيه الرمزية القسرية من أجل إقامة كاملة ونهائية بالبلد اللغوي الأصلي (على سبيل الاستطراد يذكر

أن معظم أدباء الريف الأمازيغيين هم ممن يقيمون في لغتهم بعد إذ تعذرت عليهم الإقامة بالبلد).

لكن مفهوم الإقامة في الأمازيغية لا ينحصر في وجهي الإقامة المذكورين أعلاه (المعرفة العميقة والحميمة باللغة وإسكان الذات فيها). لقد نحتت مفهوم الإقامة باللغة، الذي يحيل على الإقامة بالبلد، بما تعنيه من تجذر في المكان بكل أبعاده المادية والرمزية، لكي أشدد على أن ديناميكية إنتاج العلامات والأشكال الرمزية ينبغي، لكي تحقق غاياتها، أن تتجاوز الظرفية النضالية التي تمليها ضرورة الدفاع عن بقاء الأمازيغية. إذ لا يخفى على المتتبع أن معظم الأدباء الأمازيغيين هم أيضا ناشطون في الجمعيات الثقافية الأمازيغية؛ وليس في هذا الانتماء ما يعيب؛ بل هو أمر محمود. فالأمازيغية تحتاج في المرحلة الحرجة التي تمر بها إلى أن يتجند كل المؤمنين بها من أبنائها من أجل الدفاع عنها وإعادة الثقة بالنفس إلى أهلها. لكن ما يتهدد تلك الديناميكية جراء ازدواج الأدوار ذاك هو أن تطغى على نتاجاتها الصبغة النضالية تحديدا، مع قرينتها: الشعاراتية – هذا الخطر القاتل الذي يحدق بكل إنتاج فني. وليس المراد بما تقدم أن ينأى الأديب الأمازيغي بنفسه عن حركة النضال من أجل الأمازيغية لكي يتفرغ إلى إنتاج نوع ما من “الفن من أجل الفن”، إن كان هذا الأخير متصورا. بل المقصود على العكس هو أن يعمل على الصياغة الأدبية لهذه التجربة الإنسانية القصوى التي تعيشها مجموعة بشرية مهددة في وجودها الرمزي (وإذن في وجودها إطلاقا). مثل هذه الصياغة لا تتحقق في أناشيد شعاراتية أو أغان بكائية ومحكيات نواحية؛ بل عبر استعادة النفس الملحمي الذي وحده جدير باحتضان التجربة الحدية التي تعيشها المجموعة الأمازيغية: تجربة المقاومة من أجل البقاء. الملحمي وحده – كما حدس بذلك أسلافنا فيما بلغنا مما صاغوه في ظروف معادلة (ملحمة "ضهار أباران" في الريف مثلا) بمقدوره منح تجربة المقاومة ضد الفناء دلالتها التاريخية والإنسانية العميقة: إرادة الحياة عبر مقاومة الفناء المادي والرمزي لكيان حضاري هو عصارة آلاف السنين من الوجود الأمازيغي على هذه الأرض. إن على الأديب الأمازيغي أن يتجاوز التناول السطحي “الغنائي" lyrique لقضاياه وموضوعاته لأجل أن يبوئها المكانة الأدبية التي هي جديرة بها. إذ لا يزال معظم إنتاجنا الأدبي يندرج في جنس الغنائي بسبب يسر مأخذ هذا الأخير نسبيا؛ ولم يلتفت أدباؤنا بعد بالقدر المطلوب إلى جنسي الملحمي والمأساوي، مما يجعل التجربة الحضارية الأمازيغية لا تزال في حاجة إلى تكفل جمالي على هذا المستوى. إن المأساوي والملحمي ليسا جنسين تاريخيين مرتبطين بالماضي التاريخي أو الأسطوري، بل هما شكلان أدبيان لنمطين من الوعي: الوعي المأساوي والوعي الملحمي بالوجود.

إن التناول الملحمي والمأساوي يقتضي رصيدا متينا من الكبرياء والإيمان برهان الوجود لدى هذا المتلفظ المتميز الذي هو الأديب. وهنا بالضبط مكمن الخلل في الذات الجماعية لدي الأمازيغيين الذين يعيرهم الأديب صوته/قلمه: لقد زعزع التاريخ ثقتهم بذاتهم الحضارية على نحو دراماتيكي يجعل مسلسل استرجاع الثقة أمرا بالغ الصعوبة والبطء. إذ استقر في البسيكولوجيا الجماعية للأمازيغيين ميكانيزم نفسي خطير صار يشتغل بشكل تلقائي من خلال أوالية استصغار الذات – استعظام الآخر. وأحسب أن هذا الوعي الزائف الذي رسخته إحباطات التاريخ هو الذي يفسر تردد الأدب الأمازيغي في تبني المقاربتين الملحمية والتراجيدية واكتفاءه – الذي يرجى أن يكون مؤقتا – بالمقاربة الغنائية. ومهما يكن، لا تزال الثقافة الأمازيغية تنتظر “شاهناميتها”3 التي ستعيد بناء الذات الأمازيغية وتعالجها من مركبات النقص المتراكمة وترسم لها معالم مستقبل حضاري تكون فيه فاعلة لا مجرد مفعول بها.

وسواء تعلق الأمر بالمقاربة الملحمية أو المأساوية للموضوعات الأدبية، فإن الأديب الأمازيغي ليس يتيما أو مقطوعا: لقد خلف له الأدب الشفوي ملاحم تاريخية لا تزال تسير بها الركبان، وآثارا مأساوية هي غاية في السمو والجمال (مأساة "ايسلي د تسليت" في الحب المستحيل مثلا)؛ وليس عليه إلا أن يبعث هذا التراث ويخصبه ويصدر عنه في كتابة ملاحم ومآسي الأزمنة الحديثة.

إن إنتاجا أدبيا وفنيا ذا قيمة جمالية وإنسانية راقية لهو الرد الوحيد الممكن على أولئك الذين دأبوا على احتقار الأمازيغية، مختزلين إياها في المسألة الاجتماعية (الفقر/التنمية). وكأنهم بموقفهم هذا يريدون أن يختزلوا الإنسان الأمازيغي في جهازه الهضمي. وينسى هؤلاء أن الأمازيغيين عبر القرون تدبروا دائما أمور معاشهم بأنفسهم: ينتزعون عيشهم من الأرض انتزاعا ما لم تجدب؛ فإذا أجدبت وهلك الزرع وجف الضرع وانقطع النبع، حملوا عصا الترحال وطافوا في الآفاق طلبا لعيش كريم، لا يردهم بحر ولا يثنيهم خطر (كان المرحوم والدي يتبسم ضاحكا كلما سمعنا نتجادل في عجز الدولة عن تشغيل خريجي المعاهد والجامعات؛ وكان يقول: نحن لم نكن نطلب من المخزن شيئا أبدا).

إن ما يطالب به الأمازيغيون هو رفع الحجر عن ثقافتهم ولغتهم، والكف عن مصادرة تاريخهم وهويتهم. إن النظرة “التنموية” إلى الأمازيغيين تنم عن احتقار دفين يذكر بما قاله شاعر عربي قديم من باب الهجاء الذي ظاهره المدح:

لا ترحل إلى المعالي تريد مبلغها واقعد فإنك أنت الطاعم الكاسي

فما حاجة الأمازيغيين إلى الحضارة والثقافة والتاريخ والهوية ما دام المخزن يعنى بطعامهم وكسائهم فيما يعرف ببرنامج التنمية البشرية؟ هذا ما نقرأه في هذا الوباء من الصحف التي ابتلي بها المغاربة هذه السنين كلما انطلقت حركة مطلبية يؤطرها شباب أمازيغي واع لا يفصل بين المطالب الاجتماعية والسياسية والهويتية؛ فترى صحيفيي (تصغير صحافيي) هذه المطبوعات يشددون على الصبغة الاجتماعية لهذه الاحتجاجات، محجمين المطلب السياسي الهويتي، معتبرين إياه مرة من فعل تلاميذ قاصرين، ومرة من تدبير طلبة جامعيين أو نشطاء أمازيغيين دخلاء على الساكنة... هكذا ترتسم صورة الأمازيغي "الحق" في تلك الصحف بصفته ذلك البشر الذي لا يطالب إلا بتنميته (تسمينه؟)؛ أي ذلك الكائن الذي له مطالب عضوية بيولوجية خالصة؛ وكل ما عدا ذلك فهو من مؤامرات نشطاء أمازيغيين يتربصون بوحدة البلاد ويتآمرون على أمن الدولة ويتحالفون مع الامبريالية الأمريكية وحلفائها الصهاينة، الخ، الخ،الخ. وكأن هؤلاء الشباب الذين يعتبرونهم “دخلاء على الساكنة الأمازيغية” كائنات مريخية مجهولة الهوية، وليسوا هذا الجيل الجديد من الأمازيغيين الذين وعوا وضعيتهم الدونية كمواطنين من الدرجة الثانية في دولة عرقية مأسست العنصرية ضد جزء من مواطنيها.

هنا يتضح الدور الجوهري للأديب والفنان الأمازيغيين: إنه الدور المتمثل في منح سمك épaisseur ثقافي غير قابل للدحض لهذه الحركة الأمازيغية المناضلة. وذلك لا بأن يكونا بوقا للشعارات الاحتجاجية والمطلبية للنشطاء الأمازيغيين، بل بأن يزودوا الأمازيغية بأعمال أدبية وفنية تضرب بجذورها في عمق التربة الأمازيغية وتعانق بفروعها الأفق الإنساني الكوني؛ حتى لا تظل الأمازيغية تصرف إلى صيغة الماضي، فتسهل متحفتها وفلكلرتها كما يشاء لها أعداؤها.

إن على الأديب والفنان الأمازيغيين أن يتكفلا جماليا بالأمازيغية؛ وذلك بالصياغة الأدبية والفنية لعوالمها وقضايا إنسانها وأحواله وتحولاته. ولن يتأتى لهما ذلك إلا بما سميته أعلاه بالإقامة في اللغة (التي هي خلاف المرور بها أو الإغارة عليها من حين لحين)، وأخذ العمل الأدبي والفني بقوة، لا كتسلية يشغل بها الوقت الثالث. ولا يثبطن من عزيمة الأديب معضلة اللغة: فلو توخى النحات والنقاش السهل لاتخذا لهما مادة لينة مرنة طيعة يشكلانها كما يشاءان من غير جهد ولا عنت؛ ولكنهما يدركان أن “صعوبة” المادة ومقاومتها هما بالضبط ما يجعل العمل الفني ممكنا.

ولا يستهن الأديب والفنان بقدر عملهما متى أتقناه؛ فإنه لا محالة واجد من يتلقاه ويتبناه. ولا ينسيا أن أول الغيث قطر، وأن الروافد الصغيرة سبب الأنهار العظيمة. وأن من له أقل إلمام بتاريخ الآداب العالمية يدرك صحة هاتين العبارتين المأثورتين وانطباقهما على نشأة وتطور هذه الآداب من أشكال بسيطة بدائية إلى أبنية معمارية بالغة التعقيد، متعددة مستويات التأويل.

هذا، وإني أرى أن تكفلا جماليا حقا بالأمازيغية يقتضي من أدبائنا الشباب اتباع الخطوات العملية التالية:

١) الكف عن تبديد الوقت والجهد في تتبع ما يقال ويكتب في شأن الأمازيغية والأمازيغيين من أراجيف وأضاليل والرد عليها؛ وتوفيرهما للتشبع باللغة والثقافة الأمازيغيتين عبر الانغراس في المكان بأبعاده الطبيعية والإنسانية والتاريخية والميثولوجية؛ فهذا ما يمكن الأديب من تعميق معرفته باللغة بمختلف سجلات استعمالها وأنماط حياتها داخل المجموعة اللغوية وبالبنيات خارج-نحوية الخفية التي تحكم أنساقها (الأنماط العليا، المحكيات المؤسسة، شبكات “القراءة” التي تمفصل المتصل الطبيعي على هيئة مفاهيم لغوية وأبنية حكائية نووية... ) . وذلك أن اللغات لا تحيى في المعاجم وكتب النحو، بل في رحم المجموعة الثقافية التي تتداولها. إن ما يتهدد اللغة – أي لغة – هو عدم توفرها على خدام (كتاب، شعراء، روائيون...) جديرين بخدمتها.

٢) الخروج من الشعرية العربية المعاصرة (بالنسبة لذوي التكوين العربي) بطيماتيكيتها الأدبية وإشكاليتها الفكرية وعوالمها الدلالية وسجلاتها البلاغية والأسلوبية المهيمنة من خلال ألأسماء الشعرية المقررة في التعليمين الثانوي والجامعي، والرائجة عبر وسائط الإعلام والمهرجانات الأدبية. وذلك في اتجاه بناء وتوطيد شعرية أمازيغية أصيلة ومتميزة. (استطرادا، تندرج هذه الدعوة إلى الخروج من الشعرية العربية المعاصرة ضمن دعوتي العامة إلى الخروج من الايدولوجيا العربية المعاصرة. ينظر مقالي تحت نفس العنوان بأحد الأعداد السابقة من هذه الصحيفة).

٣) الإيمان بالأهمية القصوى للأدب في المقاومة الثقافية. إن علماء اجتماع اللغة يعدون الإرث الأدبي معيارا أساسيا في انتقال سنن لفظي ما من درجة اللهجة إلى درجة اللغة. وحتى إذا خرجنا من الإطار اللساني ونظرنا بالعين المجردة إلى لغات العالم نجد أن هذه مدينة إلى أبعد حد لأدبائها في بقائها وإشعاعها بين اللغات. فالانجليزية تشع من خلال أعمال شكسبير ووردزورث واليوت وييتس وديكنز وستيمبيك وغيرهم؛ وذلك أكثر بكثير مما تدين به للملوك والدوقات واللوردات. وكذلك شأن الفرنسية التي يرجع إشعاعها التاريخي واستمرارها في المقاومة من أجل الحفاظ على مكانتها في سوق القيم اللغوية الراهن إلى كبار كتابها الذين وشموا ذاكرة الشعوب من خلال أسماء موليير وفولتير وهوجو وبلزاك ورامبو وفرلين... لا إلى الأباطرة والكونتات والعمدات؛ وكذلك قل في الفارسية التي لا يكاد أحد يتذكر اسما من أسماء كسراواتها وشاهاتها، لكن قل من لم يسمع بشعراء كالفردوسي والخيام وحافظ والرومي... وماذا كانت القشتالية تكون بدون ثيربنطس والكبير بورخيص. أما العربية فإذا تركنا المتن الديني الذي هي وعاؤه، نظرا للصبغة الخاصة للمجال التداولي للغة الدينية، فان بقاءها وغناها لا يرجع قطعا إلى شيوخ القبائل وزعماء البطون وسادة الأفخاذ، وإنما إلى شعرائها وكتابها كامرئ ألقيس وطرفة بن العبد وزهير بن أبي سلمى وأبي نواس والمتنبي ومحفوظ وأدونيس ودرويش.

٤) الانفتاح ما أمكن على آداب العالم لاغتناء التجربة الأدبية الأمازيغية؛ فإن الانغلاق يفضي إلى الركود؛ والركود يفضي إلى الموت.

٥) الصدور عما تقدم في كتابة أدب أمازيغي بلغة أمازيغية يغني أحدهما الآخر، ويكونان في آن واحد علامة على وجودنا وردا مفحما على من ينكرنا.

وختاما، يبدو لي أن عالمنا الأمازيغي فقد، جراء عوامل التعرية الثقافية التي تعرض لها ولا يزال، كثيرا من ظلاله؛ فلم يعد ذلك العالم ثلاثي الأبعاد الذي كانه عندما كان هناك نشاط ترميزي كثيف ومتصل يتكفل بالتجربة الوجودية الفردية والجماعية. لقد أصبح عالما مسطحا، عالما بطول وعرض، لكن بدون عمق؛ ومن ثمة بدون ثنايا ولا ظلال ولا سحر... والمعول الآن على الأدباء والفنانين الأمازيغيين أن يعيدوا إلى هذا العالم بعض ظلاله التي فقدها؛ وذلك بأن يعيدوا شحن المعيش الفردي والجماعي بالمعنى عبر سلكه في الأشكال؛ و، مرة أخرى، عبر استعادة الملحمي والتراجيدي والأسطوري. إن مما يضعف الأمازيغية l'amazighité ميلنا إلى تطبيع / ابتذال تجاربنا وقضايانا؛ فالهجرة الجماعية التي هي جديرة بتناول هوميروسي نجدها قد انتهت إلى أن تكون في مخيالنا الاجتماعي مجرد انتقال سعيد من مكان إلى آخر طلبا لحياة مادية أفضل! أما الجفاف، بكل تبعاته البيئية والإنسانية، التي يحق لها أن تكون موضوع تراجيديات من قبيل التي يزخر بها تراثنا الشفوي، فقد صار مجرد احتباس دوري طبيعي للمطر. وأما الانقراض الذي يهدد كياننا الرمزي الذي هو قوام وجودنا، فلا زال هناك من يجده يندرج في منطق الأشياء...

إن الخروج من هذه الرمادية البليدة لن يكون إلا بإعادة “أسطرة” الوجود: سواء تعلق الأمر بقوى الطبيعة أو بالأهواء والقضايا الإنسانية الكبرى (الحب، المقاومة، الهجرة...)؛ وذلك من خلال أدب أمازيغي قوي.

هوامش:

1 ... وكذلك كان: اذ أن شعرجلال الدين الرومي، وهو الأفغاني المولد، الأناضولي المحيا والممات، يأتي في مقدمة المقروء من الشعر في الولايات المتحدة الأمريكية، قبل شعر شعرائها المعاصرين !

2أخص اللغة بالاقامة مؤقتا لأني سأحصر اهتمامي هنا في الفنون اللغوية

3 نسبة الى شاهنامه، العمل الأدبي الملحمي الذي كتبه الشاعر الفارسي الفردوسي في القرن العاشر واستغرق في كتابته نحو ثلاثين سنة؛ وبلغ عدد أبياته ستين ألفا؛ أعاد فيه الفردوسي كتابة تاريخ الفرس برؤية ملحمية وباللغة الفارسية التي كانت آيلة للأنقراض. وفي ذلك يقول «لقد عانيت خلال هذه السنين الثلاثين، لكني أحييت العجم (الايرانيين) باللغة الفاريبة؛ لن أموت ما دمت قد حييت من جديد لما نشرت بذور هذه اللغة». بذلك عد الفردوسي أب اللغة الفارسية الحديتة، فضلا عن كونه الباعث للهوية الحضارية لإيران.

 

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting