uïïun  132 

kuçyur 2958

  (Avril  2008)

Amezwaru

 (Page d'accueil) 

Tamazight

racid nini d tiknnaä n ucffar i isvuyyun mgal i icffarn

Tarwa n tuccact

Awal n yiman

Taznaxt n igrawlen

Azmul n imaghnas

Tanfust inu

Aweddar

Lunes ameddukel inu

Français

Le charlatanisme journalistique, le cas de Racid Nini

Rachid Nini, journaliste censeur!

Un siècle d'amazighophobie

Le voyageur Loti

Entre l'usurpation de l'identité et l'aliénation

Femme amazighe et le défi d'exister

En l'honneur de la femme amazighe

Langues maternelles et développement

Des borgnes

L'honneur de Tayezzimt

Apprendre tamazight par le jeu

Appel du militant B.Jamil

Activités de l'assoc. Ayt Sid

العربية

رشيد نيني وخدعة السارق الذي يدعي انه سرق

ظاهرة النيني

حلال عليه وحرام على غيره

الأمازيغية وحرب السياقات

قراءة في  أرضية الاختيار الأمازيغي

قراءة أخلاقية لتاريخ المغرب

من يمثل الخطاب الأمازيغي؟

"الحكم الذاتي"

الإعلام الأمازيغي المكتوب

الصحافة الأمازيغية وتحديات المهنية

القناة الأمازيغية وسيلة للتصالح مع الذات

مستاوي الشاعر والأمواج

حوار مع الشاعر سعيد الفراد

تصريح بمناسبة عيد المرأة

المنتدى الأمازيغي يقاضي وزراه الداخلية

احتجاج على جريدة العدالة والتنمية

تأبين المرحوم الطيب تاكلا

حفل توقيع كتاب محمد نضراني

أنشطة بمناسبة عيد المرأة

لقاء تواصلي مع قبائل الأطلس المتوسط

بيان طلبة جامعة قاضي قدور

بيان طلبة جامعة أكادير

بيان جمعية إزرفان

بيان العصبة الأمازيغية

بيان للعصبة الأمازيغية خاص بمعتقلي بومالن دادس

مهرجان شالة المسرحي

 

 

 

قراءة أخلاقية لتاريخ المغرب المعاصر

 ـ معركة أيت عطا كنموذج –

بقلم: إبراهيم أوبلا

تحل في اليوم 26 من هذا الشهر (فبراير) ذكرى من أعز الذكريات التي يحق للمغاربة أن يعتزوا بها، ذكرى الانتصار الباهر الذي حققه أبطال وبطلات قبيلة أيت عطا المجاهدين، هؤلاء الأمازيغ الذين أفحموا مقولة 'الكفاح السياسي" المزعومة ولقنوا المستعمر الفرنسي وأذنابه درسا أخلاقيا لن ينساه أبدا، وهذه الورقة ترمي إلى إبراز ما أخفاه عنا المؤرخون المتأدلجون بأيديولوجية الإقصاء والاختزال، والذين أرادوا للأحداث الأمازيغية الكبرى أن تتوارى في سلة النسيان.....!!!

توطئة:

لم يلق تاريخ أي بلد مثل ما لقيه تاريخ بلاد تامازغا من تطاول وتزييف، فقد توالى أصناف من الدخلاء على الكتابة التاريخية لهذه البلاد وحاولوا تشويه أحداثه أو تقزيمها، وبلغوا في ذلك مبلغا كبيرا، إن وخزات مؤلمة من المضض سوف تحس بها وأنت تتصفح ما تعج به المكتبة المغربية من أمهات الكتب والدراسات التاريخية والتراجم والسير، لأنك سوف تصادف أقلاما كثيرة تحدثت عنك وعن تاريخ بلدك حديثا يلفظه الواقع والمنطق، لذا فإن الطرح الأخلاقي لإعادة كتابة تاريخ بلدنا يسبق في نظري الطرح العلمي، لأن العلم بحد ذاته مؤسس على ثوابت أخلاقية..

وللأخلاقية في علم التاريخ مظهران تتبدى من خلالهما ازدواجية الخير والشر، ولابد من الوقوف عندهما:

أ- مظهر التأريخ للأحداث والوقائع، الذي يتجلى من خلاله إما ذلك المؤرخ العالم المتجرد الذي ينظر إلى الأحداث نظرة يقظة متحررة من النزعات الضيقة، المؤرخ الذي يتحرى الصدق والأمانة في نقل وتفسير الأحداث، وحتى لو تعلق الأمر ببلده جعل كتابته أداة للنقد الذاتي، المؤرخ الدارس الذي لا ينتقي من المجتمع أصحاب الوجاهة فقط بل تمتد دراسته لتشمل الكبار والصغار ولتحيط بجميع الظواهر الإنسانية التي أسهمت في خلق الحدث، رابطا الأسباب بمسبباتها الحقيقية حتى وكأنك تعيش هذه الأحداث حينما تقرأ له، وإما ذلك المتطاول على التاريخ المنساق وراء الذاتية المفرطة والتملق المجاني أو بالمقابل ولو على حساب كرامة أمته وأحرى الأمم الأخرى، وهذا النموذج هو الأكثر شيوعا في تاريخ البشرية، وبه ابتلي تاريخ المغرب...

ب- مظهر يرتبط بأولئك الذين خلقوا أحداث التاريخ ومارسوها فعليا، فإما أن تجدهم مبدعين في البطولة والنضال يهون عليهم السخاء بفكرهم وعواطفهم النبيلة وأرواحهم من أجل الإنسان والإنسانية، وإما أن تجدهم متخاذلين مستبدين محترفين للخداع والنفاق، وكلا الفريقين مؤرخ له وموجود في ذاكرة الشعوب أو لربما طمست حقائقهم في طي الحفريات والمآثر الثقافية والأنثربولوجية والعمرانية التي تنتظر من الدارسين البحث عنها وإجلاءها للأجيال، وقد تعامل المؤرخون مع هؤلاء وأولئك بنوع من الانتقائية حسب المطامح التي ينوي المؤرخ تحقيقها من وراء كتاباته، وقليل منهم من حام حول الحقيقة، وهذه القلة غالبا ما تتعرض للقهر والتنكيل بل وربما القتل والتعزير..

من خلال هذين المظهرين يحق لنا أن نحكم على تاريخ بلدنا، ولكي نستثمر هذه الإطلالة لابد من تسليطها على حدث من الأحداث، وقد استبدت بي الحيرة في انتقاء هذا الحدث ولكني اقتنعت أخيرا فضمنت هذه الورقة إحدى صفحات تاريخنا المشرقة التي ترصع هامة هذا البلد، لقد اخترت للقارئ الأمازيغي معارك أيت عطا ضد الاحتلال الأجنبي، وبالخصوص معركة جبل بوكَافر....

وإذا تعمقت في التأمل فسوف تجد المتطاولين على كتابة تاريخ بلدنا منقسمين إلى فصيلين:

* الفصيل الأول مشدود بعطاء ذوي السلطان والأبلطة من الملوك والأمراء والحكام الذين يغدقون النعم بسخاء من أجل إحاطة شخوصهم وحواشيهم بهالة من البطولات والسؤدد والأمجاد، وبالتالي التغاضي عن كل ما من شأنه أن يسيء إلى دولهم وممالكهم وإيالاتهم، فتراهم يتلاعبون بالأنساب والانتماءات، ويقولبون الأحداث امتثالا لرغبات وشذوذ أسيادهم وذوي الأفضال عليهم، فيضخمون حدثا ما كان يجب تضخيمه ويقزمون آخر كان من الواجب إبرازه وإجلاؤه للأجيال، ولا يؤرخون للشعب في غالب الأحوال إلا حينما يريدون الحديث عن ولائه واستنفاره لنصرة الحاكم أو الأمير أو السلطان..

* الفصيل الثاني يوحي لك لأول وهلة في كتاباته بأنه متصف بالتجرد العلمي، لكنك لا تلبث أن تكتشف ما وراء الأكمة من الأكاذيب والترهات والأهداف الاستعمارية البغيضة، وخصوصا حينما يتعلق الأمر بتحديد الجذور التاريخية لسكان بلد من البلدان أو بتوثيق أشكال الأواصر والعلاقات التاريخية بين هذه البلاد وبين بلدان أخرى، وهذا الفصيل ممثل في صنفين من المؤرخين، أولهما حاول بكل ما لديه من التبريرات الواهية أن يجد للأمازيغ شرف الانتماء إلى شبه الجزيرة بالعرق والجذور، والثاني يأبى هذا الطرح ويرى أن شمال أفريقيا امتداد طبيعي للضفة الشمالية للبحر المتوسط، أي أنهم أبناء عمومة اللاتينيين والجرمانيين...

وبين هؤلاء وأولئك يتواجد كما سبق لي أن قلت قلة من ذوي الأقلام المتمتعة بالمصداقية كما نجد عند عبد الرحمن بن خلدون الذي أسس للكتابة التاريخية المبنية على منهجية علمية...

إن كلا الفصيلين السابقين يراهنان على تمريغ الوجه الحقيقي لتاريخنا في وحل البهتان، وإصابته بندوب وثلوم تخفيه عن الأجيال، وهذا ما يحملنا على طرح قضية تاريخ الأمازيغ طرحا أخلاقيا، قبل طرحها طرحا علميا..

هناك إذن عدة أسئلة لا بد من الإجابة عليها حتى نلمس زبدة الموضوع، من بينها:

- ما هي الشريعة الأخلاقية التي تسمح لشعب ما أن يستولي بالعنف على أراضي شعب آخر ويقوم بالتأريخ لأحداثها وأقدارها وكأنها أحداثه وأقداره؟

- هل يمكن للشعب الممارس للاحتلال أن يكتسب حق ملكيته للأرض والمجال الثقافي المستولى عليهما بالتقادم الزمني وبمرور الأيام والأجيال على حيازته الفعلية اللاشرعية؟

- ماذا يجب على كتبة المذكرات والسير والتراجم أن يدونوه إزاء مثل هذه الأحداث؟ نقل ما رأوه إلى الأجيال بأمانة؟ أم السير وراء الأهداف المغرية والتطاول على التاريخ؟

- ألا يجوز أن نقول بأن الأحداث التاريخية يجب أن توصف وتصنف من طرف الدارسين على قدر عبقريتها وكرامتها؟ ألا يجوز أن نقول بأن تسمية الأمور بمسمياتها أجدر من الناحية الأخلاقية؟

- ما الذي فعله المؤرخون الذين أرخوا للأحداث التي شهدها المغرب في عهد الاستعمار؟ وكيف تناولوا تلك الفترة الحرجة في تاريخ المغرب الحديث؟ هل تناولوا الأحداث حسب عبقريتها أم أنهم انتقوا منها ما أوحت به نزعاتهم وتلويناتهم الأيديولوجية؟

- كيف تعامل المؤرخ للمغرب مع أحداث معارك أيت عطا؟ وما هو وجه المقارنة بين الحقيقة وبين هذا التعامل؟

من خلال الورقة الآتية سوف أجيب على بعض هذه التساؤلات تاركا القارئ يستنتج مباشرة الجواب على الأسئلة الأخرى........

1- أيت عطا وملحمتهم

الاستيلاء على أرض الغير خلق شائن يجب شجبه وتعريته، وليست هنالك شريعة إنسانية سماوية أو وضعية تجيزه إلا أن تكون مستقاة من قوانين الغاب، هذا الجواب تجلى لنا من خلال تعامل قبائل أيت عطا الأمازيغية مع أولئك الذين حاولوا المساس بأرضهم ومناطق نفوذهم التي ورثوها عن أجدادهم، سواء من أولئك الغزاة الأقدمين أو من الاستعمار الحديث، من هم أيت عطا؟ وما سبب تألبهم ومناهضتهم للاحتلال الأجنبي، وما سر انتصارهم عبر التاريخ؟ أسئلة تتغاضى عن الإجابة عنها كتبنا المدرسية ووسائلنا الإعلامية إلا أن يكون الحديث عنها كنغبة طائر في بعض الأحيان:

1-1: اتحادية أيت عطا:(1)

فيما بين القرنين الخامس عشر والثامن عشر الميلادي، شهدت مناطق جنوب شرق المغرب الأقصى الممتدة من سهول تافيلالت وحمادة درعة والأطلسين الصغير والكبير وضعية خاصة تمثلت في تحديين كبيرين: أولهما سيطرة الإبيريين على الطرق التجارية المتجهة إلى السودان الغربي وانقطاع المدد عن هذه المناطق، وثانيهما الاستيلاء بالقوة والهجوم الشرس لعرب بني معقل على أراضي درعة وتافيلالت واحتلال أهم المناطق الرعوية لدى قبائل الرحل الصنهاجية التي ينتمي إليها أمازيغ أيت عطا...

وقد أحدث هذان التحديان خللا سياسيا واقتصاديا في المنطقة بل إن عرب بني معقل لم يكتفوا باحتلال أراضي الأزاغار وإنما توسعوا وأرادوا احتلال المراعي الجبلية - هذه الصورة التي طالما عايشناها في العقود الأخيرة في الأطلس الصغير كلما داهم الجفاف ضفاف درعة – كل هذا أدى إلى اجتماع القبائل التي احتلت أراضيها فألفت اتحادية كبرى بل ربما اتحاديات، كلفتة سياسية ذات طابع أخلاقي، سميت هذه الاتحاديات باتحاديات أيت عطا، وهي عبارة عن حلف – تاضا- جبلي يرتبط مكانيا بجبال صاغرو وشرق الأطلس الكبير وما جاورها من المراعي والواحات الجنوبية الشرقية، ففي البداية اتحدت قبيلتا أيت ؤسفول وأيت ؤحليم فأسستا «ئغرم أمزدار» كمخزن لمدخراتهما وكخندق ضد الغزاة، وبعد ذلك اتسعت الاتحادية لتشمل خمسة أخماس :

- خمس أيت ؤسفول وأيت علوان

- خمس أيت ؤنير وأيت والال

- خمس أيت ؤنكَبي المؤلف من أيت خباش وأيت ؤمناصف

- خمس أيت يعزا وأيت خليفا

- خمس أيت أحليم وأيت عبو

وكان من المفروض ولو من الناحية الأخلاقية أن تسعى سلطات المخزن أو ما يمكن تسميته آنذاك بالدولة الحاكمة إلى مناصرة هؤلاء الذين احتلت أراضيهم بالقوة، ولكن واقع الحال أن أيت عطا وجدوا أنفسهم بين مطرقة وسندان، فهي تواجه قبائل بني معقل من الجنوب وتنوء بثقل جيوش السلاطين في ظل الأطلس الكبير الشمالي، هذا الوضع الذي خلق لدى أيت عطا استشعارا بالاعتماد على النفس والنزوع إلى التحرر وهي سمات لازمتهم إلى أن جاء المستعمر الفرنسي...

1-2: الملحمة التاريخية:(2)

كان هدف القوات الفرنسية بعد احتلال الجزء الشمالي من المغرب هو الإسراع في تأمين الطرق التي تربط ما سمته آنذاك ب «المغرب النافع» بالمناطق المحتلة في توات وحمادة درعة من أجل كسر شوكة الكفاح المسلح الذي تحتضنه جبال الأطلس الكبير والمتوسط والصغير، حيث يتواجد المقاتلون الأشداء، وقد كانت منطقة جبال الأطلس والريف من أهم المناطق المستعصية عليها، وهي المناطق التي منيت فيها قوات الاستعمار بهزائم متتالية في معارك يعرفها المستعمرون أكثر من غيرهم، أهمها على الإطلاق معركة «أنوال» ومعركة «الهري» ومعركة «بوكَافر»..

و كانت قبائل أيت عطا قد انتفضت في البداية لمناصرة ثورات أخرى كثورة بلقاسم النجادي، مما أثار حفيظة فرنسا وعملائها، فنظمت حملة كبرى أعدت لها من العتاد العسكري ما لم تجربه مع أية انتفاضة أخرى، ومن أعداد الجيش ما يفوق محاربي أيت عطا ب ثمان مرات، 83 ألف جندي و44 طائرة وعتاد من المدافع والأسلحة الحديثة مقابل 1200 مقاتل من أيت عطا تساندهم نساؤهم وأطفالهم ويساندهم إيمانهم بعدالة وقدسية جهادهم، ورغم تفوق الجيش الفرنسي فإن الغلبة تكون دائما لهؤلاء المكافحين الأشاوس، وقد قتل في معارك هذه الحرب الضروس ضباط فرنسيون مرموقون وحوالي ثلاثة آلاف من الجنود الفرنسيين المدفوعين قسرا إلى معركة تنعدم فيها الأخلاق لدى الذين دفعوا بالجيش إلى الأمام، كانت المعادلة غير متوازنة مما أدى إلى تفشي الأمراض بين هؤلاء المجاهدين والمجاهدات المعتصمين بأشهر جبل مكافح في تاريخ المغرب، جبل بوكَافر، الذي تحول بفعل القصف الذي توالى في الليل والنهار إلى حمام دم نال القسط الوافر منه النساء والأطفال والمسنون، مما جعل المناضل عسو ؤباسلام بطل أيت عطا وقائدهم يستجيب للهدنة فنزل من الجبل لا ليستسلم ولكن ليحفظ ما تبقى من دماء أبناء قبيلته من هذا النزيف، بعد 42 يوما من القنبلة بالمدافع والطائرات وغيرها من وسائل الدمار، نزل من الجبل ليحييه قائد القوات الفرنسية تحية الأبطال، ولسان حاله يقول: « لا تبتئس يا عسو فأنتم المنتصرون» ...

2- لكن بماذا كوفئ هؤلاء الأبطال من طرف كتبة تاريخنا ؟

لقد تحدث المؤرخون عن الكفاح الذي خاضه أيت عطا، ولكن حديثهم هذا يختلف من مؤرخ لآخر حسب قراءة أخلاقية واقعية، فهل أعطيت المعارك التي خاضها أيت عطا ما يليق بها من إطار التعامل مع الأحداث التاريخية لمغرب القرن العشرين؟ وهل أعترف لمجاهدي جبل بوكَافر بما قاسوه وقدموه من تضحيات من أجل كرامة الشعب المغربي؟ هناك فرق واسع بين فريقين تعاملا مع هذا الحدث، الفريق الأول يتمثل في من يسمون في مجتمعنا السياسي ب «المؤرخين الوطنيين»، هذا الفريق الذي نظٌر وقعد لتاريخ المغرب المعاصر، والفريق الثاني يتمثل ممن نجوا أو قتلوا وتركوا مذكراتهم عن تلك المعركة من الضباط والصحفيين والمرافقين الطبيين الفرنسيين:

2-1: مؤرخونا «الوطنيون»:

حينما يتحدث هؤلاء «الوطنيون» تاريخيا عن الفترة الممتدة بين سنة 1912 وسنة 1955 نجد تباينا في التعامل مع الأحداث إلى درجة أنه في مغربنا «المستقل» تقرع آذاننا وبنوع من الإفاضة والتهويل وبأصوات صاخبة بالحديث عن وقائع وأحداث أفردت بهالة من القدسية والتعظيم، واتخذت لها أيام ومناسبات، تعبأ الطاقات من أجل الاحتفال بها كل سنة، كما يتم تحليلها عبر كتبنا المدرسية من أجل إعطاء الانطباع لدى تلامذتنا بأنها أبرز المفاخر التي تمخضت عن الكفاح الوطني ضد الاحتلال الفرنسي، في حين أن معركة أيت عطا لم يخصص لها من لدن هؤلاء المؤرخين للكفاح الوطني، رغم تفوقها وسموها على تلك الأحداث إلا ما يضاهي القطمير من اهتمام أصحاب الأقلام والخطب والندوات والعروض، وكمقارنة أخلاقية بين العبقرية المفخخة والقزمية النابضة بالتاريخ الحقيقي للآمازيغ أسوق هذين المثالين:

2-1-1: المقارنة بين معركة أيت عطا وبين مقولة « الظهير البربري»: حيث أنه ومنذ أن نال المغرب استقلاله وهؤلاء «الوطنيون» يذكرون بنوع من التقريع والتعنيف بهذا الحدث الأخير، الذي طالما اعتبروه حدثا يتعين على القارئ المغربي أن يقف عنده ليستنتج منه الدروس والعبر، والذي خصصت له مجموعة «مذكرات من الثراث المغربي» 23 صفحة بالمقارنة مع حدث معركة أيت عطا التي خصصت لها 12 صفحة، وحيث أن هنالك حدثا جللا وخطبا كبيرا ألم بالمغاربة حينما قامت فرنسا سنة 1930 باستصدار ظهير يقضي بالاحتكام إلى الأعراف الأمازيغية في المناطق التي يقطن بها الأمازيغ وحدهم ومن تم استحداث محاكم عرفية، والواقع أن فرنسا ومنفذي قراراتها هم الذين أصدروا هذا الظهير ولا علاقة لإصداره ب «البربر» حتى ينعت الظهير بالبربري، ومن الغريب أن هذه الأقلام لم تثر مثل هذه الضجة على القوانين الفرنسية المناقضة للشريعة الاسلامية التي يعتبرها الكثير من فقهائنا القانونيين قوانين عهد الحداثة، بل نجد الكثير منهم يفتخرون بكون القانون الفرنسي أبرز مصدر للتشريع المغربي، والأغرب من هذا أن هذه الأقلام لم تعامل معركة سقط فيها آلاف المغاربة دفاعا عن كرامتهم وعن شرف الأمة المغربية بنفس الحماس، والأشد غرابة أنه في الوقت الذي تتفضل فيه الإقامة العامة الفرنسية بهذا القانون مدعية بأنها تقف إلى جانب الأمازيغ وتحترم أعرافهم، كان هنالك أبطال من الريف وأيت عطا ومن زيان ومن أيت عبلا وأيت باعمران، وكلهم أمازيغ أقحاح، يصنعون تاريخ هذا البلد بأرواحهم وبنادقهم التي لم تعرف الصدأ ، ولم يركنوا أبدا لألطاف «ربات الحجال» التي ارتفعت في المساجد بعيد الإعلان عن ظهير المحاكم العرفية، بدل التقدم المشرف نحو ساحة القتال، بل استمروا في نضالهم ضد من أصدروا الظهير إلى ما بعد سنة 1934، وإلى أن نال المغرب استقلاله عن فرنسا ودخوله في عهد استعماري آخر..

2-1-2 : نقارن من جهة ثانية بين مدى اهتمام هؤلاء «الوطنيين» بما يسمى ب «وثيقة المطالبة بالاستقلال» المهزلة التاريخية في مغرب عهد الاستعمار، وبين مدى اعتبارهم لملحمة جبل بوكَافر، التي كتبت بالدماء وبعرق المجاهدين، إننا نعرف أن الاحتفاء بتلك الوثيقة خصص له يوم وطني تغلق فيه أبواب مؤسساتنا ويتعطل فيها أطفالنا وطلبتنا عن الدراسة وهو ال 11 من ينائر ، كما صدرت بصدده مؤخرا مذكرة وزارية تربوية توجيهية تهيب بالسادة أساتذة الاجتماعيات أن يولوها ما تستحقه من اهتمام أكبر، كما خصص له حيز كبير بكتبنا المدرسية، إنها وثيقة تؤرخ لإقدام وشجاعة- ويا لها من شجاعة! - ثلة من الأشخاص على البوح بمكنون فؤادهم والجهر بمطالبتهم للفرنسيين بالجلاء عن المغرب في وثيقة أحاطها مؤرخونا الوطنيون بهالة من الإجلال والإكبار، وهي مكتوبة بمداد أسود على ورق، ووقعت بنفس المداد، والتاريخ يشهد أن المغرب لم ينل استقلاله إلا بمداد من الدم والتضحية والفداء، فالمستعمر كما هو معروف في جميع بقاع العالم لا يرضخ لمطالب تكتب بالمداد الأزرق والأسود أو حتى المذهب، بل بمطالب تكتب بالدماء، والغريب في الأمر أنه على الرغم من أن القوات الفرنسية لم ترحل عن هذا البلد امتثالا لتلك الوثيقة، وعلى الرغم من أن الكفاح المسلح وأرواح الفدائيين هي التي عجلت برحيلها، إلا أن أصحاب الطبول ما فتئوا ينتشون بإيقاع نضالهم السياسي المزعوم، تصوروا كيف أنهم يبالغون في السخرية من بزقة طائر على بزة ضابط فرنسي يستقبلهم يوم تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال ويخصصون لهذا الحدث سطورا في مذكراتهم، والأغرب من ذلك أن معركة أيت عطا التي لقنت فرنسا درسا لم تنساه، والتي سالت فيها دماء 1300 من المغاربة من المجاهدين ومن يحمونهم من المستضعفين ما زالت تنتظر لفتة أخلاقية من هؤلاء «الوطنيين» أصحاب الطبول، وما زالت كتبنا الدراسية تشهد على تقزيمها واختصارها في أقل من صفحة واحدة، تمر ذكراها في كل سنة دون أن نجد لدى أغلب إعلاميينا الاهتمام الذي يليق بها بالمقارنة مع مجرد تقديم وثيقة المطالبة بالاستقلال إلى السلطات الفرنسية....

2-2: الحق ما شهد به الأعداء:(3)

هذا مثل مشهور في سيكولوجيا الحروب إذ غالبا ما تكون شهادة المحارب ومذكراته عن تجربته في ساحة الوغى الوصف الحقيقي المعتمد عليه كمادة دسمة لاستشراف أهمية الحدث، لقد ترك لنا الضباط الفرنسيون ومن رافقهم من أصحاب المهمات الحربية الأخرى من الصحفيين والمرافقين الطبيين لهم في الحملة الفرنسية على مجاهدي قبائل أيت عطا من الشهادات ما فيه الكفاية للبرهنة على أن معركتهم تعتبر مفخرة القرن العشرين بالنسبة للمغاربة، ولا يهمنا ما عبر عنه هؤلاء الفرنسيون من العواطف إزاء ما آمنوا به من مبررات لاحتلال هذه المنطقة، بل الذي يهمنا هو تلك العواطف الجياشة والنبيلة تجاه أولئك الأبطال من أبناء جبل بوكَافر، وتجاه البطل عسو ؤباسلام، وتجاه شهامة نساء أيت عطا، وتجاه القادة الفرنسيين الذين سقطوا في تلك المعارك:

2-2-1: في قائد المعركة عسو ؤباسلام : يقول القبطان «دومون دوسافاس» الذي قاد الفيلق الفرنسي المهاجم على جبل صاغرو من الجنوب :» كان رجلا قوي العزم طاهر الذيل، نزيها وفيا شديد التمسك بدينه متصوفا متمسكا بالعدل، وكانت زعامته زعامة طبيعية...لم يضعف نفوذه وطاعة القبيلة له طوال السنوات التي تزعم فيها المعركة...» أما الصحفي الفرنسي المرافق للحملة «هينري دو بوردو» فيقول: « كان رجلا وسيم الطلعة ..إذا رأيته حسبته هادئ الأعصاب لكنه معتز بنفسه أنوف وكان من حسن الطالع أن اختارته القبيلة زعيما لها..» ولا غرو إذن في أن يستجمع العقيد الفرنسي الذي ذهب ليعقد الهدنة مع عسو قواه ويؤدي التحية العسكرية لقائد فذ ويعامله معاملة الأبطال الكبار، لا كما عامله المؤرخ المتمشدق بالأحداث الصغيرة، ومؤلف الكتاب المدرسي...

2-2-2: في شهامة وصمود مقاتلي أيت عطا : تبدو هنا العواطف أنصع وأكثر دقة، تساءل الجنرال كَيوم قائلا: في مذكراته : «ما السحر الذي اصطنعه برابرة الأطلس حتى قاومونا طوال هذه المدة وقد حاصرناهم من جميع الجهات؟ ...» وقال كذلك: «لا ينتهي القتال بانتهاء حملاتنا بل يستمر بدون هوادة ضد عدو حريص على إيذائنا لكننا لا نقدر على الإمساك به». وقال القبطان سبيلمان الذي عايش المعركة: «لقد قاتل هؤلاء الأبطال قتالا شديدا وبعزم و وشجاعة وتكبدنا نحن خسارات جسيمة» وروى عن المعركة قائلا: «ثم أرسل وابل من النار ليل نهار على بوكَافر، وكنت أنظر إلى هذا الجبل المشؤوم نظرة الرجل المحزون، أنظر إليه وهو آخر ملجإ اعتصم به أولئك الجنود الكرام الذين فضلوا أن يسحقوا سحقا على أن يستسلموا..» وكتب الطبيب فيال قائلا: «وقاوم الثوار بكل ما لديهم من قوة وقد تستروا وراء الصخور وفي المغارات لا يرى المنظار منهم إلا العين والبندقية وكانوا يطلقون الرصاص فلا يخطئون الأهداف...» ويقول هنري دوبوردو عن فظاعة وشراسة هذه المعادلة الغير المتكافئة وعن همة وشهامة أيت عطا «اثنتان وأربعون يوما من الحرمان والأرق والعطش، مع الحيوانات والجثث المتعفنة فلتقس بذلك قدرتهم على تحمل ما قاسوه من المحن تحملا يسمو بهم إلى أعلى الدرجات وليت أحد هؤلاء البرابرة الذين دافعوا دفاع الأبطال عن بوكَافر كان شاعرا فيخلد مفاخر ذويه...» وقال القبطان سبيلمان معبرا عن مضضه مما مارسه جنوده: «كيف السبيل إلى وقف هذه المعركة؟ لقد كنا نفكر فعلا في وسائل وقفها لكنهم كانوا كالمجانين وقد قتلوا كثيرا من رسلنا وضمنهم أحد المرابطين، وكانوا يسبوننا ليلا من أعلى الجبل، كانوا يقولون : «يا نصارى يا كلاب اخرجوا من وراء الصخور وقابلونا إن كنتم رجالا فلولا مدافعكم وطائراتكم لكنتم نساء»»

2-2-3: وعن نساء أيت عطا: اللواتي لم يقبعن بأخبئتهن طوال أيام المعركة كتب الماجور فيال: «وسددت الرشاشات تجاه الموارد لمنع الثوار من التزود بالماء لكن بدون جدوى، إذ كانت النساء يستمتن ولا ينقلبن» وقال كذلك: «لقد عزموا أشد العزم على الدفاع عن هذه القلعة المنيعة وخاصة نساؤهم اللواتي عزمن على الاستشهاد...» وقال في تقرير آخر: «أما نساؤهم فكن يحرصن على جمع الرماة المنعزلين ويوزعن الذخيرة ويحللن محل الموتى ويرسلن على جنودنا صخورا جساما فتقتل حتى تنتهي إلى الوادي...» وسجل الصحفي هينري دو بوردو ما حدث يوم إعلان الهدنة قائلا: «وأخذت النساء يولولن وينحن ويلعنٌ عسو وذلك لأنهن كن يردن المقاومة حتى الموت...»

2-2-4: وعن القادة الفرنسيين الذين سقطوا في المعركة: يقول الطبيب فيال: «لم يعد ‘دوبورنازيل’ يجول في المقدمة بفستانه المشهور بل تبعه سلهام أحمر بعد قليل وقع على الأرض وقد جرح بطنه جرحا قاتلا، وكان لابد لهذا البطل أن يموت ميتة تسمو به إلى سماء المجد في معركة يعترك فيها العمالقة...» وقال سبيلمان : ..لقد أغرنا مرارا على هذه القلعة الطبيعية ورجعنا في كل مرة على أعقابنا بعد أن سالت منا الدماء وقتل من ضباطنا أربعة من رجال مراكش وستة من ممن قدموا من الحدود الجزائرية..»

هذه شهادات أثنت بها أفواه من خاضوا هذه المعركة، شهادات تنم عن الحنكة الأخلاقية التي لم يتوفر عليها «وطنيونا» الذين يقبعون في فيلاتهم ويذرعون شوارع الرباط وفاس ويملأون الأروقة ضجيجا فيما يعتبرونه «كفاحا وطنيا»، في الوقت الذي يسطر فيه مقاتلوا أيت عطا تاريخ بلدهم بمداد من الفخر ويتركون للأجيال ملحمتهم الرائعة.

وكان من اللائق ولو من الناحية الأخلاقية أن يسعى أولئك الذين قدر لهم أن يبحثوا في تاريخ المغرب ويكتبوا فيه إلى الانتقال في تلك الفترة إلى المنطقة ليأخذوا مثل هذه الشهادات – وما أكثرها- من أصحابها، الذين لا زالوا على قيد الحياة ، وكان من اللائق كذلك أن تخصص لهذه المعركة صفحات في كتبنا المدرسية، وأن يخصص لذكراها يوم وطني يحتفل فيه المغاربة بذكرى من ذكريات أجدادهم الرائعة ....!

خاتمة :

يقول أحد أولئك المكافحين الأفذاذ وهو يتحدث عما حدث له في إحدى لحظات تلك المعركة الخالدة :(4) «... كنت بصدد عقد قراني مع ابنة عمي حينما جاءنا نداء الجهاد في سبيل الله والوطن، فأقسمت أنا وإياها على أن يكون شهرنا الأول وحياتنا في ساحة الشرف، وحينما التحقنا بجبل بوكَافر أنيطت بي مع ثلة من أبناء قبيلتي مسؤولية حراسة مورد للماء، وكنت أنا وزوجتي قد نزلنا بمغارة تشرف على المورد، مرت الأيام واشتدت المعركة فانهالت علينا قذائف المدافع والطائرات، وكانت زوجتي في تلك الأيام العصيبة قريبة من المخاض، وكان جيش الأعداء يتجه نحو المورد ويتخذ لنفسه نقطة ما على مقربة منه، لكنه لم يجرأ على الاقتراب، ولم يكن لديهم خيار سوى القصف بالمدفع، وكانت الأقدار قد حكمت بأن تكون قرابنا فارغة من الماء في تلك الليلة المشؤومة، التي جاء فيها المخاض زوجتي، ولم أكن أستطيع أن أفارق بندقيتي، في اللحظة التي وضعت فيه الزوجة وليدها، قامت بمعالجة أمورها دون مساعدة أحد، وأحست وهي تنظر إلي أبكي، بمسؤوليتها وهي لا زالت تعاني من ألم المخاض، فنهضت وتركت الوليد وتمنطقت بقربتها للتزود بالماء، طلبت منها الكف عما سوف تقدم عليه، لكنها رفضت وقالت: « يجب عليك أن لا تغادر مكانك لأن الأعداء يقتربون ولأن لا تصيبك شظاياهم» .. فغادرت المغارة واتجهت نحو البئر، لم تكمل مشوارها لأن يد القدر أرادت لها أن تستشهد بعد إصابتها في ذلك المنبسط إلى جوار البئر بطلقة طائشة مخلفة وراءها زوجها ووليدها، استبدت بي الحيرة وتساءلت وعيناي تذرفان دمعا، ما العمل؟ المعركة شديدة والوليد يحتاج إلى غذاء، وكان هدير المعركة متقدا، وفي غبش الفجر من تلك الليلة المشهودة، سمعت صوت عنزة مع حملها يتجهان نحو المغارة فتحركت وإذا بالعنزة تتجه نحوي وتمسح بي إهابها وحملها يحوم حولها، كان ضرعها منتفخا، فأممت إناء وشكرت الرب على أن بعث لي هذا المخرج الغير المرتقب ، صرت أحلب العنزة لأغذي الولد وأتغذى لمدة بضعة أيام، لتعلن الهدنة بعدها،....» هكذا كانت أيام أيت عطا بجبل «بوكَافر» وبهذه الروح حققوا انتصارهم التاريخي الذي همشه «وطنيونا» ووضعوا مكانه أحداث البهرجة والضجيج.....!

هوامش :

1- نقلت المعلومات حول هذه الاتحادية عن جريدة «تامازيغت» ، العدد 20 بتاريخ 20 ماي 1999 الصفحتان 15-16 في موضوع تاريخي بعنوان «اتحاديات أيت عطا وأيت سخمان وأيت مصاض»

2- عن مذكرات من الثراث المغربي، المجلد الخامس «تجزئة ومقاومة»، موضوع «جبال صاغرو» أو ملحمة أيت عطا، الذي أعده الصحفي أحمد رشيد، الصفحات من 192 إلى 202 ...

3- الشهادات مأخوذة بأمانة من نفس المصدر السابق، مذكرات من الثراث المغربي، المجلد الخامس، تجزئة ومقاومة ...

4- هذه القصة رواها لي أحد الأصدقاء نقلا عن أحد الذين شاركوا في معركة بوكَافر، التقى به صدفة في رحلة صيد بنواحي وارزازات...

Copyright 2002 Tawiza. All rights reserved.

Free Web Hosting